على غرار انتشار أطباق استقبال “الساتالايت” منتصف تسعينات القرن الماضي على أسطح المنازل في اليمن، والتي كانت ظاهرة عجيبة وقتها، بسبب إقبال اليمنيين الواسع عليها بشكل كبير، الألواح الشمسية هي الأخرى غزت أسطح المنازل في اليمن، خاصة العاصمة صنعاء، لكن هذه المرة لم يكن الغرض الترفيه عبر آخر صرعات البث الفضائي، وإنما كان لسبب بسيط متعلق بتوليد الطاقة الكهربائية في ظل الظروف التي تعيشها البلاد.
ولا يكاد منزل من منازل العاصمة صنعاء والتي تحتل المركز الأول من حيث عدد المحافظات التي لجأ سكانها إلى الطاقة الشمسية، يخلو من ألواح بطاريات توليد الطاقة والسخانات الشمسية التي باتت تميز أسطحها، لتعكس أشعة الشمس بطريقة جذابة ومن ثم تحولها إلى كهرباء تنير الغرف المظلمة وتضيئ الشوارع التي حولتها الحرب إلى شوارع سوداء ساكنة مع حلول ظلام كل يوم.
Videos by VICE
أسطح صنعاء اللامعة انتقلت من المنازل والمؤسسات مؤخرًا إلى المزارعين اليمنيين الذين باتوا يعتمدوا هم أيضًا على الطاقة الشمسية في أعمال الزراعة، بسبب انعدام الديزل وارتفاع أسعاره.
مع بداية الحرب توقف مشروع محمد المطري الصغير الذي كان مصدر دخل أسرته الوحيد، حيث كان يعتمد على إعادة تأجير خدمات شبكة إنترنت لاسلكية في حارته الصغيرة بقلب العاصمة صنعاء. يتحدث محمد لـ”VICE عربية” عن تضرر عمله بانقطاع الكهرباء عن البلاد، مشيرًا إلى أنه كان يظن في البداية أنه انقطاع مؤقت، لكن مرور عدة أشهر دون عودة التيار قضت على آماله، ليخسر مصدر دخله الوحيد حتي نصحه أحد أصدقائه بأن يعيد تشغيل مشروعه الذي توقف لأكثر من 9 أشهر عبر استخدام الطاقة الشمسية التي بدأ الاعتماد عليها في اليمن مع نهاية العام 2015.
بدأت أزمة الطاقة في اليمن في العام 2011 عندما تعرضت أبراج الطاقة الكهربائية التي تغذي العاصمة صنعاء وبقية المحافظات بالطاقة لأعمال تخريبية متعددة، كنوع للضغط على نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح للتخلي عن السلطة، ومع تخلي صالح عن الحكم مطلع 2012 استمرت أعمال التخريب ليتعايش اليمنيون مع أزمة طاقة مزمنة، فاتجه اليمنيون إلى عدة بدائل كان من بينها استخدام الألواح الشمسية في توليد الطاقة الكهربائية، والتي كانت تقنية جديدة وغير معروفة لدى اليمنيين , إلا أنه وحتى العام 2015 كانت منظمات المجتمع الدولي وبشكل محدود تستخدم الطاقة الشمسية.
لجأ أغلب اليمنيين إلى الطاقة الشمسية لتوفير احتياجاتهم الأساسية من الإضاءة ولشحن هواتفهم النقالة التي أصبحت أحد أهم مفردات حياتهم، خاصة مع فقدانهم البث التلفزيوني. تقول فاطمة عبدالرحمن، ربة منزل، إنها باعت جزء من مجوهراتها لتشتري وحدة توليد طاقة شمسي 100 وات وبطارية سعة 70 أمبير، لتُعيد النور إلى منزلها ومنزل عائلتها. وتواصل فاطمة حديثها لـ”VICE عربية”، مؤكدة أن الظلام الذي باتت عائلتها تعيش فيه انعكس على حياتهم سلبًا “أصبحنا نعيش حياة باردة كئيبة لا معنى لها، وعانى أبنائي الصغار من نوبات فزع بسبب الظلمة المستمرة، خاصة ليلاً؛ فكان علي أن أجد حلًا.
وأضافت أن وحدة توليد الطاقة الشمسية التي تمكنت من شرائها محدودة وبالكاد تضئ غرفتين بالإضافة للمطبخ والحمام، إلا أنها كانت حلًا مثاليًا لم تندم معه على التخلي عن جزء من مجوهراتها لتدبير تكاليفه.

الخلية الشمسية هي عبارة ألواح رقيقة تقوم بامتصاص أشعة الشمس وتحويلها عبر أسلاك ومنظمات إلى طاقة كهربائية بقوة 12 فولت، ومن ثم تُخرنها في بطاريات مختلفة الأحجام والأنواع. وتصنع الألواح الشمسية من السليكون، وتقوم الألواح بامتصاص أشعة الشمس وتحويلها إلى أنواع أخرى من الطاقة. وتسمح مكونات الخلية الشمسية والتي تصنع على شكل كرستالي، بامتصاص الاشعة بشكل كبير ونقلها مباشرة إلى البطاريات المصنوعة من الرصاص، وعبر أجهزة منظمة خاصة يتم تحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية كاملة قوة 220 فولت.
تعمل الألواح الشمسية بكفاءة عالية في توليد الطاقة الكهربائية، وبالإمكان توليد طاقة كافية لتشغيل مدن كاملة. في اليمن وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة لليمنيين كان استخدام المنظومات الشمسية محدود جدًا، ومع تصاعد أزمة الطاقة في البلاد، لجأ أغلب اليمنيين إلى شراء منظومات بسيطة تناسب مستواهم الاقتصادي المتواضع.

يقول المهندس عمار الخولاني أن اللوح الشمسي طاقة 100 وات بإمكانه شحن بطارية شمسية سعة 100 أمبير بمعدل 5 أمبير في الدقيقة، وهذه البطارية لديها القدرة على انارة منزل مكون من غرفتين وتوفير طاقة لازمة لإعادة شحن بطاريات الهواتف المحمولة وتشغيل تلفزيون لمدة خمس ساعات في اليمن، وهو متوسط احتياجات اليمنيين في الظروف الحالية.
صنع المزارع اليمني محمد حمود محب قصة نجاح كبيرة في استخدامه للطاقة الشمسية بتشغيل مضخة المياه الخاصة بمزرعته، والبالغ مساحتها 200 معاد (ما يعادل 862 ألف و400 متر مربع)، يعمل فيها نحو500 عامل بعد أن سدت في وجهه كل الطرق إثر ارتفاع أسعار الديزل وندرته في السوق المحلي.
يقول محمد محب: ” منذ العام 2011 وحتى العام 2014 ماتت كل المزروعات لانعدام قدرتي على توفير وقود الديزل لتشغيل المضخة، وفي العام 2014 استطعت الحصول على قرض تمويل لشراء 32 لوحًا شمسيًا لتوليد الطاقة ومضخة تعمل بالطاقة الشمسية وتلك كانت بداية عودة الحياة مجددًا إلى المزرعة، ليزدهر العمل ويرتفع عدد العمال تدريجيًا، ليصل إلى 500 عامل الآن.
يواصل محمد الحديث موضحًا أن الطاقة الشمسية كانت طوق النجاة له، لتعود إلى الحياة بفضلها ويزدهر العمل فيها، لذلك قرر التوسع في شراء منظومة الطاقة الشمسية وطلب قرض جديد لتمويل شراء 48 لوحًا شمسيًا جديدًا، ثم في المرة الثالثة 72 لوحًا شمسيًا، هكذا حولت الطاقة الشمسية مزرعة محمد التي كانت على شفا البوار، إلى أرض مليئة بالحياة واعدة بالثمرات.

لم يكن يدرك الشاب عبد الحكيم عبدالعزيز أن ولوجه عالم الطاقة الشمسية كتاجر مبتدأ سيتكلل بنجاح كبير وأن محله الوحيد سيتحول إلى 4 محلات لبيع مستلزمات الطاقة الشمسية في العاصمة اليمنية صنعاء التي غابت عنها كهرباء الدولة منذ 3 سنوات. يقول عبد الحكيم أنه بدأ في العام 2016م بطلب قرض صغير بقيمة 2 مليون ريال يمني (ما يعادل 4 آلاف دولار) لتمويل مشروع تجاري، محل لبيع مستلزمات الطاقة الشمسية، وخلال عامين حقق نجاحًا كبيرًا فعاود طلب قرض لتوسيع عمله ثم حصل على قرض ثالث وفي كل مرة بنفس المبلغ حتى صار لديه 4 فروع للبيع مستلزمات الطاقة الشمسية ويعمل فيها 20 عاملا يتقاضون رواتب شهرية ثابتة.
وساعد انتشار الألواح الشمسية على خلق فرص عمل للشباب اليمني بين مهندسيين وفنيين للتركيب والصيانة. أمين الحبيشي أحد هؤلاء الشباب، إذ يعمل كفني محترف لتركيب وصيانة ألواح الطاقة الشمسية. يقول الحبشي: “في البدء كنت أعمل كهربائي لدى إحدى شركات الكهرباء لكن انهيار الشبكات العمومية وتوقف أعمال المقاولات في مجال الكهرباء دفعني للتحول إلى الطاقة الشمسية، وفعلاً التحقت بعدة دورات، ونتيجة للطلب المتزايد لمهندسي الطاقة الشمسية، حصلت سريعًا على فرصة عمل وبدأت بتنفيذ تركيبات وحدات توليد الطاقة الشمسية للعديد من المؤسسات التي تعاقدت مع الشركة.

أنفق اليمنيون خلال ثلاثة أعوام مئات الملايين من الدولارات لشراء الألواح الشمسية والتي أنقذتهم من الظلام. يقول صدام الأهدل، رئيس منظمة مساندة للتنمية المتخصصة في الطاقة الشمسية: “وفق لمسح أجرته المنظمة، أنفق اليمنيين أكثر من 300 مليون دولار للحصول على الطاقة الشمسية، منذ عام 2011، وهو رقم ضخم بالنسبة لبلد نامي”. وأضاف: “إن انتقال اليمنيين لاستخدام هذا النوع من الطاقة كان ضرورة بسبب ظروف الحرب وانهيار شبكات الكهرباء لكنه لم يكن منظمًا.
وأوضح الأهدل أن الاعتماد على الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء بشكل موسع يحتاج إلى دراسات واستراتيجيات وتشريعات خاصة. وقال إن هناك خطط لأن يكون هذا الانتقال أكثر تنظيمًا، ولهذه الأسباب قامت منظمة مساندة للتنمية المتخصصة في الطاقة الشمسية بتنظيم أنشطة كثيرة لتعزيز قدرات السوق، منها المعرض الأول للطاقة الشمسية في جامعة صنعاء، والذي زاره أكثر من 100 ألف شخص خلال ثلاثة أيام، وبناء على مسح أجرته المنظمة فإن هناك أكثر من 1700 شركة ومنشأة تعمل في أنشطة تجارية مرتبطة بإنتاج الطاقة الشمسية، الجانب الأكبر منها شركات ناشئة خلال السنوات الأخيرة، و يتركز أغلبها في العاصمة صنعاء، وهي إحصائية لا تعكس حجم تنامي سوق إنتاج الطاقة الشمسية في اليمن فقط، وإنما تعكس كذلك اعتماد الشعب اليمني على طاقة الشمس التي أنقذته من الظلام، ووفرت له ما عجز السياسيين عنه.
More
From VICE
-
Credit: Spotify -
Rich Fury/VF20/Getty Images for Vanity Fair -
Screenshot: Nintendo -
(Photo by Leonard Ortiz/MediaNews Group/Orange County Register via Getty Images)