بالصدفة وجدت نفسي في جروب على الفيسبوك اسمه ذكوريست، على نفس سياق فيمينست، وكنت أظن أنه جروباً للمحادثات الرجالية عن كرة القدم أو جلسات المقهى أو قوانين محكمة الأسرة التي يدعي كل من الرجل والمرأة المعاناة منها، لكن وجدتني في جروب يشبه محاكم التفتيش التي كانت في أوروبا في القرون الوسطى، والتي كانت تعمل على تعقب غير المؤمنين بأفكار ومعتقدات الكنيسة.
ثلة من الرجال المتعصبين للذكورية والقوامة وما شابه ذلك، يعادون المرأة ويحضون على احتقارها وإخضاعها لسيطرتهم، لكن الغريب في الأمر أن مجموعة من الرجال وجدوا شهوة في تتبع النساء على مواقع التواصل الاجتماعي وإرسال بوستات هذه النساء إلى ذويهم.
Videos by VICE
تمر قرون وعقود ويمارس الفعل ذاته في تعقب البشر في أفكارهم ومعتقداتهم، يدعي هؤلاء أن الوازع لدينهم هو الدين والأخلاق، وشعارهم رجل بلحية كثيفة ورمز الذكر. ما صدمني أن أحدهم تعقب امرأة علقت على منشور بشأن تعامل المرأة مع زوجها، أخذ رجل سكرين شوت للتعليق المرأة ودخل على حسابها وأرسل رسالة إلى زوجها، يطالبه بأن “يراقب تصرفات زوجته على “السوشيال” خوفا من النسويات اللاتي أصبحن يوسوسن لهن مثل الشيطان.
واقعة أخرى، في جروب نسوي بدأت فتيات في المزاح حول أكثر الأشياء اللاتي اكتشفن أنها غير مهمة في الزواج، واحدة ذكرت الزوج، سريعاً، التقطت أحدهم صورة للشاشة وشاركها على جروب ذكوريست مع تحفيز المسؤول على ضرورة توجيه النصح والإرشاد لخطيب أو زوج صاحبة التعليق، لا أعلم الحقيقة ماذا سيفعل هذا الرجل، ما المطلوب منه حقًا؟ هل يريد صاحب النصيحة أن يردها إلى صوابها لتعترف بأن خطيبها أو زوجها هو أعظم شيء في الوجود؟ وكيف سيكون ذلك هل بالحديث أم بالعنف؟ بالطبع الخيار الأخير هو غاية هذه المجموعة.
تندرج هذه الأفعال تحت كره النساء بشكل عام، والذي يعد تمييزاً قائماً على النوع الاجتماعي في سبيل استمرار وضع المرأة الاجتماعي أدنى من الرجل.
الأغرب من ذلك تدشين المسؤولين في المجموعة مبادرة يبدأ من خلالها الأعضاء في البحث داخل الجروبات العامة منها والخاصة وربما السرية في تتبع أي امرأة ترتكب أفعال مخالفة لاعتقاداتهم، وخاصة للنسويات اللواتي يدعين التدين، لكن الغريب أن فضح الناس ليس له علاقة بالدين من قريب أو بعيد، لكن هؤلاء لديهم هاجس السيطرة ويتمنى أحدهم من فضح وتعرية امرأة أمام أهلها حتى يشعر بلذة.
تحدثنا مع محمود سرحان، أحد المسؤولين في الجروب، ليخبرنا عن هدف الجروب مشيراً إلى أن هدف المجموعة هو توفير معلومات واضحة للرجل قبل الزواج. وأضاف: “أن الشاب يتزوج في الوقت الحالي ولا يعلم أفكار من سيتزوجها، وبالتالي لما يلاقيها بتعامله بندية يعيش في هم وكرب، ويصل الأمر بينهما إلى الطلاق، ساعات بيكون فيه عيال بينهما، ومن ثم ندخل في قضايا وتعب نفسي ومصاريف لا أول لها من آخر، إنما لو هي وضحّت في الأول أنها نسوية لمن سيتزوجها وهو قبل على نفسه كدة يبقى إحنا لا علاقة لنا بهذا.”
وعن المنشورات التي تشارك معلومات عن فتيات ومن ثم يتم تتبعهن إلكترونًيا ويتعرضن لمضايقات، نفى سرحان أن يكون مشتركاً في هذا الأمر، وقال: أنا لست مسؤولاً عن هذا الأمر، أنا مسؤول عن البوستات التي اكتبها هنا بس.”
تدور التعليقات في “ذكوريست” حول فلك فضح المرأة التي تشارك آرائها أو رغباتها في مجموعات حتى لو كانت نسائية وسرية، ففي ذلك الوقت يتنكر أحد الرجال في حساب وهمي باسم فتاة ليدخل إلى هذا العالم النسائي، ويبدأ في تسجيل وتصوير كل ما هو غريب على عالمه، ومن ثم يبدأ في مشاركة تلك المقاطع مع أقرانه في ذكوريست، وكأنه في عملية استخباراتية.
كل يوم اكتشف أمر غامض في هذا الجروب المثير للشفقة، إذ جاء اليوم رجلاً يحكي تفاصيل جلسة تعارف مع فتاة بهدف الزواج، وحينما أخبرته برغبتها في العمل بعد الزواج، لم ينتظر الرجل الانتهاء من كوب العصير في يده وقام وانصرف، تفاخر صاحب الموقف بما فعله وجاءت مئات التعليقات تشجعه، وفي غالبية هذه المواقف بدأت تستخدمة كلمة “كينج” لمن يحقر من المرأة وكأنه استطاع تحقيق نجاح ساحق لجنسه.
تندرج هذه الأفعال تحت كره النساء بشكل عام، والذي يعد تمييزاً قائماً على النوع الاجتماعي في سبيل استمرار وضع المرأة الاجتماعي أدنى من الرجل، وبالتالي الحفاظ على الأدوار المجتمعية للنظام الأبوي، وفي أكثر أشكاله تطرفاً، ومن صور كراهية النساء استخدام أساليب نفسية بهدف السيطرة على النساء وهذا ما يفعله جروب الذكوريست.
يستند أعضاء في الجروب على مجموعة مواقف حقيقية أو مصطنعة تظهر تصرف أحمق أو غبي أو ضعف للمرأة في سبيل ترويج فكرة أنها لا تصلح إلا في الأعمال المنزلية، وهي الفكرة ذاتها التي تستخدم منذ آلاف السنين. آلاف التعليقات تحمل في طياتها رسائل عنف ضد المرأة بشكل صارخ، وقد تتسبب في حدوث حالات عنف ضد النساء، وبالفعل يندرج ذلك تحت العنف السيبراني ضد المرأة على الرغم من أن هدف رسائلهم لا توجه للمرأة بشكل مباشر، إلا أن النتيجة والتي في الغالب ستكون عنيفة ستقع على عاتق المرأة.
مشاركة الصورة في جروبات أو الدخول إلى في الخاص للفتاة أو أهلها وتدشين حملات لإرسال رسائل هجومية أو تحض على العنف بشكل منظم يندرج تحت الابتزاز.
لعلّ ما يرتكبه الذكوريست يعد إبتزاز إلكتروني، والذي يكون عبر استخدام التكنولوجيا بهدف ملاحقة ومراقبة أنشطة وسلوكيات شخص ما والتربص به في الوقت الآني أو في الماضي. التعقب السيبراني هو امتداد للتحرش الجنسي إذ ينطوي على مجموعة من السلوكيات غير المرغوب فيها والمتكررة، وتكون هذه السلوكيات تطفلية تنطوي على المضايقة أو التهديد.
يرى أعضاء ذكوريست أن ما يفعلونه يعد خدمة لأقرانهم الرجال، في حين يصفه خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات المهندس أحمد طارق، بأنه يعد ابتزازاً إلكترونياً، وأوضح ان مشاركة الصورة في جروبات أو الدخول إلى في الخاص للفتاة أو أهلها وتدشين حملات لإرسال رسائل هجومية أو تحض على العنف بشكل منظم يندرج تحت الابتزاز.
يعتقد السواد الأعظم أن الوصول إلى الحسابات الوهمية على الإنترنت يكاد يكون مستحيلاً لأن منهم لا يضيف بيانات حقيقية، الأمر الذي ينفيه طارق لـ VICE عربية إن مباحث الإنترنت تستطيع الوصول إلى تلك الحسابات سواء كانت وهمية أو حقيقية، لأنها تمتلك بوابة خاصة لولوج إلى المنصة الإلكترونية وتتمكن من خلالها من معرفة كل البيانات، ومواقع التواصل الاجتماعي تتجاوب مع الجهات الرسمية في مكافحة الجرائم الإلكترونية. وأشار إلى أن عقوبة الابتزاز الإلكتروني تصل إلى 300 ألف جنيه مصري وحبس لمدة 5 سنوات، ومباحث الإنترنت تتجاوب بشكل سريع مع مثل تلك الحالات وتحل المشكلة بسرية.
ونصح خبير أمن المعلومات الأشخاص الذين يتعرضون للابتزاز الإلكتروني بأشكاله كافة “ألا يتجاوبوا مع المبتز بأي شكل ويحظروه سريعاً، وضرورة إخفاء الأصدقاء حتى لا يصل إليهم، بالإضافة إلى إعلام الدوائر الاجتماعي بالتعرض للابتزاز الإلكتروني، وإبلاغ مباحث الإنترنت.”
على الرغم من أن هذا العنف ما يزال افتراضياً، لكنه يحمل في طياته عواقب وخيمة قد تعصف بالمرأة من الرجال الموجودين في دوائها الاجتماعية وقد يحدث ما لا يحمد عقباه بسبب رسالة من ذكوريست.