الألتراس في تونس: عنف وثورة ودفاع عن القضايا العادلة

DS3_0027

المتابع لكأس أمم إفريقيا الذي أقيم في مصر مؤخرًا سيلحظ بشكل ملفت هوس الشعوب العربية التي تنتمي دولها للقارة الأفريقية بلعبة كرة القدم ، يظهر ذلك جليًا من خلال الجماهير التي تنقلت بأعداد غفيرة لمتابعة منتخباتها، وهو ما يفسر تفوق منتخبات هذه الدول وهم تونس ومصر والجزائر و المغرب على بقية منتخبات الدول العربية، من حيث المشاركات العالمية والقارية وترتيب الفيفا ومن حيث طبيعة الجماهير.

هذا الهوس خلق ثقافة خاصة لدى جميع هذه الشعوب، بدأ بالهوس باللعبة في حد ذاتها إلى الهوس بالفرق و متابعتها والتنقل معها في كل مبارياتها. لكن سحر كرة القدم في العالم دفع في سنة 1940 مجموعة من الشباب البرازيليين إلى إحداث تغيير في عملية تشجيع فريقهم و تأسيس أول مجموعة “ألتراس” عرفت باسم “طورسيدا- Torcida”، انتقل هذا المفهوم إلى أوروبا ثم في نهاية الثمانينيات، ومنها إلى دول شمال إفريقيا. لكن الملفت أن مجموعات الألتراس لن تجدها في المدارج لتشجيع المنتخبات.

Videos by VICE

مفهوم قديم/ جديد

الألتراس هي كلمة لاتينية يعرفها البعض بـ”المتطرفين”، و يعرفها البعض الآخر بـ”الأمر المطلق”، وتظهر بصورة مجموعات من مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها، هي مجموعات تشجيعية تحرص على تشجيع الفريق و التنقل معه أينما ذهب عن طريق شعارات وأغان وألوان خاصة بها. و تقوم فلسفة الألتراس على تشجيع الفريق 90 دقيقة متواصلة دون الاهتمام بمشاهدة المباراة أو نتيجتها، ويكون هدف من دخول الملاعب هو التشجيع. وتتأسس مجموعات الألتراس على مبادئ صارمة تفقد المجموعة وجودها في حال خرق واحد منها، وهي عدم التوقف عن التشجيع لمدة 90 دقيقة، مرافقة مع الفريق في جميع تنقلاته، عدم الجلوس طيلة المباراة، واختيار زاوية في الملعب تكون خاصة بهم، وعدم تغييرها.

يقول علي خمار (34 سنة) يعمل كمحاسب في شركة خاصة، أن الترجي الرياضي و النادي الافريقي (أكبر وأعرق الفرق في تونس) يحظيان بأكبر عدد من مجموعات الألتراس، “يمكن أن تجد في كل جمهور العشرات من مجموعات الالتراس من المشجعين كما ان هذه المجموعات تصبح في حالة صراع في بينها في بعض الاحيان”.

الأفريكان وينرز: أول مجموعة ألتراس في شمال أفريقيا

في طريق العمل على هذا المقال واجهنا صعوبة كبيرة في الوصول إلى أحد المنتمين إلى الـ”الوينزر- Winners” وهي مجموعة المشجعين التي تنتمي إلى جماهير النادي الافريقي التونسي. تأسست سنة 1995 و كانت رابطة للمشجعين ولم تكن تتبنى فكر الألتراس قبل أن تغير من طبيعتها لاحقًا. سليم (اسم مستعار ) وهو أحد التنتسبين للأفريكان وينرز، رفض الكشف عن اسمه حتى لا يخرق مبدأ من مبادئ الألتراس وهو عدم الكشف عن هوياتهم الحقيقية.

يقول “سليم” أن للألتراس 4 مبادئ رئيسية وهي: الكابو، وهو عدم التوقف على الغناء و التشجيع على مدى طول المباراة، عدم الجلوس طوال المباراة، الترحال ومحاولة حضور جميع مباريات الفريق، والكورفا سود Curva sud وهو الولاء والانتماء إلى مكان بعينه في مدارج الملعب. ويضيف:”في تونس مثلا ثقافة الالتراس مستوردة من بلدها الام و هي أمريكا اللاتينينة و من الارجنتين خاصة، هنا جميع الالتراسات ستجدهم في حالة صراع أو يمكن القول أنها حرب مع قوات الامن بإعتبارهم يمثلون السلطة “.

1567427850331-DSC_5398

ألتراسات الترجي: حرب الزعامة تحكمها القوانين الصارمة

يمتلك النادي الافريقي عدد كبير من مجموعات الألتراس (4 مجموعات)، وهي الوينرز- Winners، النورث فاندالز- North Vandals ، الدودجرز- Dodgers، وأخيرًا الليدرز- Leaders. أما بالنسبة لجمهور غريمه التقليدي الترجي الرياضي التونسي فيتبعه ألترا مكشخين، سوبرا- Supras، الزباتيستا- Zapatista، الفيداين- Fedayn، البلود أند جولد- Blood and Gold . تشترك جميع هذه المجموعات في مبدأ معاداة قوات الأمن والسلطة، وتقوم على مبدأ الاستقلالية المالية.

صعوبة أخرى واجهناه في البحث عن أحد المنتمين إلى مجموعات جمهور الترجي، قبل أن نتمكن من لقاء أحد الناشطين السابقين في مجموعة السوبرا التي تأسست سنة 2007، يعمل مهدي (37 سنة) اليوم في إحدى شركات التأمين ومنذ سنوات انقطع عن جميع أنشطته السابقة بعد أن تم حل مجموعته السوبرا. يفسر مهدي ذلك قائلا: “مجموعات الألتراس التي تقوم بتشجيع نفس الفريق عادة ما تكون في حالة صراع فيما بينها، وكل مجموعة من هذه المجموعات يمتلك ما يسمى الباش (قطعة قماش كبيرة تتضمن رسوم وشعارات تميز المجموعة) و في قانون الألتراس إذا تم فك العلم من قبل مجموعة أخرى أو تمزيقه؛ تقوم المجموعة بحل نفسها كدلالة على الاستسلام، وهذا ما حصل لمجموعة السوبرا”.

1567427801158-_DSC5622

أزمات وصراع طويل مع الشرطة

على مدى سنوات طويلة استطاعت هذه مجموعات الألتراس زرع ثقافة جديدة في تونس و تفوقت فيها، لكن في المقابل تسعى هذه المجموعات في كل مناسبة إلى كتابة صفحة جديدة من الصراع مع قوات الأمن. أحد رجال الأمن الذين تمكنوا من فتح قناة للحوار أكثر من مرة مع هذه المجموعات بعد الثورة التونسية، النقابي وسيم محمودي يقول أن وزارة الداخلية حاولت في أكثر من مرة إيجاد أرضية للتفاهم مع هذه المجموعات، لكن في النهاية تصطدم بتعنت الألتراس و عدم قبولها بالجلوس مع أمنيين على طاولة واحدة”. ويضيف: “هذه المجموعات تحدث الكثير من الشغب والفوضى، وليس لها أي وجود قانوني، كما أنها لم تكن بالخطورة الكبيرة لكن اليوم أصبحت خارج السيطرة لأنها أصبحت تتلقى تمويلات خارجية، إضافة إلى أن أعدادها تطورت بشكل كبير”.

1567427757887-_DSC3303

لا ينكر منتسبو الألتراسات في تونس تسبب مجموعاتهم في الكثير من الأزمات والكوارث، من اجتياح ملاعب إلى تكسير وتهشيم معدات، ووصل الأمر إلى حد وفاة مشجعين، مثلما حدث في المشجع الشاب الذي لم يتجاوز بعد سن الثامنة عشرة مباشرة إثر نهاية المباراة التي جمعت بين النادي الأفريقي وضيفه أولمبيك مدنين بملعب رادس، حيث راح ضحية لأعمال العنف والشغب التي اندلعت بين شوطي تلك المباراة بين ألتراسات النادي الافريقي. هذا إضافة إلى الكمية الرهيبة من العنف والتي دفعت وزارة الداخلية إلى إعتماد صيغة اللعب بدون جمهور في كل مرة لتفادي الكوارث التي من الممكن أن تحدث.

1567427772951-_DSC3344

الألتراس والفن يلتقيان في المدارج فقط

من أبرز ما يميز الألتراس عن جميع مجموعات التشجيع الدخلات واللوحات الفنية «Tifo » التي يقومون بها في بداية المباريات أو خلال سير المباراة، والتي بدأت مع انتشار ثقافة الألتراس في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. و تكثر الدخلات في تونس في المباريات المهمة كالدربي (مواجهة فريقين من نفس المدينة ) حتى أن دربي العاصمة في تونس أصبح بمثابة المناسبة الوطنية . سليم واحد من الذين شاركوا في تحضير أحد العروض يقول ” الدربي هو أهم حدث بالنسبة لمجموعات الالتراس، يتم الاتفاق على موضوع الدخلة هل هي تاريخ الفريق ، نقد الفريق الخصم، نقد السلطة ، رسالة إلى الشرطة أو واحدة من القضايا العربية ثم يتم العمل عليه لأسابيع وهناك بعض الدخلات التي قمنا بها حضيت بشهرة عالمية”.

1567427700352-TAI_1804-1

وتستغل مجموعات الألتراس الدخلات والاغاني للتعبير عن أراءها في القضايا التي تؤمن بها، والتي تعتبرها قضايا عادلة. يقول مطلع أغنية من إنتاج إحدى مجموعات الإلتراس التابعة للترجي الرياضي دعمًا للقضية الفلسطينية : “يا فلسطين قوللهم يا رجال الأمة وين؟ …باعوا الهمة ضيعتوا الدين.. وينو عمر صلاح الدين “، فيما يقول مقطع أخر من إنتاج إحدى مجموعات النادي الأفريقي ناقدًا تدخل السلطة في كرة القدم “الحرية يا العالي كيف نكسبها.. حتى الكرة دخلوا فيها أصحاب السلطة “. كما أن الألتراس في تونس كانوا من أوائل المشاركين في المظاهرات التي دعت إلى إسقاط نظام بن علي في سنة 2011.

1567427718391-DSC_5376