التغطية الإعلامية حول إسرائيل وفلسطين تجعلني أخجل من كوني صحفية

image (12)

ظهر هذا المقال بالأصل على VICE Belgium.

منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، امتلأت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي عندي بمحتوى حول الأزمة في إسرائيل وفلسطين. وبما أنني، مثل العديد من الأشخاص، أعيش في فقاعة حيث يشارك الجميع آرائي بشكل أو بآخر، فإن غالبية هذه المنشورات كانت داعمة للفلسطينيين.

Videos by VICE

لكن هذا ليس نوع المعلومات التي نراها في وسائل الإعلام الرئيسية، حيث تتبنى العديد من وسائل الإعلام في كثير من الأحيان رواية الحكومة الإسرائيلية للأحداث دون موازنتها بالاتجاه الآخر مع وجهات النظر الفلسطينية. وهذا يترك لدى الشخص العادي انطباعًا بأن الصراع ببساطة معقد جدًا بحيث لا يمكن فهمه، فما بالك بتكوين رأي حوله.

في الواقع، لا تحتاج إلى أن تكون خبيرًا لفهم ما يحدث: إنها دولة تحتل أخرى. ويتعين علينا كأوروبيين أن نعرف كل شيء عن ذلك، أليس كذلك؟ وبطبيعة الحال، فإن السياق الجيوسياسي المحيط به يمكن أن يكون مربكًا. لكن القضية المركزية هنا تتلخص في تكريم كل من الضحايا الإسرائيليين والفلسطينيين، مع إدراك أن السبب الأصلي لكل هذه المعاناة على الجانبين هو احتلال إسرائيل لفلسطين. وأي شخص يتحدث عن الصراع دون الاعتراف بهذا الجزء المهم من السياق فهو يسرد رواية متحيزة للغاية عن القصة. 

منذ حوالي عشر سنوات، قررت أن أصبح صحفية، خاصة أنني أحب الكتابة. السبب وراء بقائي على هذا الحال حتى اليوم هو أنني أدركت التأثير المحتمل الذي يمكن أن يحدثه عملي على الحوارات العامة، والمسؤوليات التي تأتي مع ذلك. كونك صحفيًا يعني التأثير على آراء الناس وترجيح كفة الميزان في القضايا الاجتماعية المهمة؛ إنها وظيفة يجب أن تؤخذ على محمل الجد.

بالنسبة لكل موضوع، فإن اختيار الأسلوب والوتيرة والزاوية وعدد المقالات التي تكتبها وكل كلمة فيها أمر مهم حقًا. لا أستمتع بالضرورة بامتلاك هذه السلطة، لكنني قررت استخدامها لمنح صوت للأشخاص الذين لا يملكون صوتًا في وسائل الإعلام، أو الذين يتم تمثيلهم بطرق غير عادلة بالنسبة لهم.

اليوم، عندما أقرأ التغطية السائدة لهذه الحرب، أشعر تقريبًا بالخجل من كوني صحفية، وأن أكون “واحدة منهم.” أنا جزء من قطاع ساهم بشكل واضح في القمع المستمر للشعب الفلسطيني – والعديد من الآخرين، في هذا الشأن.

من المفترض أن يكون الحياد مبدأً صحفيًا أساسيًا. إنها مسألة محل خلاف، لكن بالنسبة لي، فإن الجدل حول هذا الأمر عفا عليه الزمن تمامًا: لا يمكن لأحد أن يكون محايدًا حقًا. والافتراض بأن وسائل الإعلام الرئيسية تبذل قصارى جهدها لتغطية هذه الأحداث بطريقة محايدة لن يصمد أمام الفحص الدقيق.

تحدث الصحافيان البريطانيان هاري فير، الذي أخرج الفيلم الوثائقي “غزة: لا تزال على قيد الحياة Gaza: Still Alive“، وأوين جونز، أحد الكُتّاب في صحيفة الغارديان وناشط، مؤخرًا عن الطرق الخفية التي استخدمتها وسائل الإعلام “العادلة والمتوازنة” لتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. وقد أشار “فير” إلى أنه في حين ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وغيرها من وسائل الإعلام الشهيرة ذائعة الصيت أن الناس “يُقتلون” في إسرائيل، فإن نظرائهم الفلسطينيين “ماتوا” ببساطة في غزة. مما يطرح السؤال: كيف ماتوا؟ وعلى يد من؟

هناك طريقة أخرى يظهر بها هذا التحيز وهي التحقق من الأخبار. فقد ذكرت عدة وسائل إعلام أن حماس قطعت رؤوس 40 طفلا إسرائيليًا، ولم يؤكد هذه التقارير سوى الرئيس الأمريكي جو بايدن. وتبين أن القصة لم يتم التحقق منها على الإطلاق، وعلى الرغم من أن معظم المؤسسات الإعلامية (وكذلك البيت الأبيض) أصدرت تصحيحات، إلا أن الضرر قد وقع بالفعل. إن القصة الأصلية التي أكدت بالخطأ الصور النمطية الغربية عن العرب باعتبارهم قتلة همجيين قد تركت بصماتها على أذهان الناس وكانت بمثابة دعاية لتبرير رد فعل الحكومة الإسرائيلية في غزة.

عند الحديث عن السياق، توصف الحرب الإسرائيلية على غزة دائمًا بشكل واضح على أنها نتيجة لهجوم حماس على إسرائيل في ٧ أكتوبر – ونادرًا ما يتم تقديم الهجوم على أنه رد فعل على الاحتلال الإسرائيلي المستمر. والمغزى هنا ليس تبرير ما فعلته حماس، بل تسليط الضوء على العناصر الأساسية الغائبة عن القصة السائدة.

كثيرا ما تتم مقارنة حماس بحركة داعش. وتصفها إسرائيل والولايات المتحدة ودول متعددة في أوروبا بأنها حركة إرهابية. ومع ذلك، فإن حماس تُعرف نفسها على أنها حركة مقاومة إسلامية لها حزب سياسي وجناح عسكري، وينظر إليها الفلسطينيون والدول العربية الأخرى بهذه الطريقة. ففي نهاية المطاف، تدير حماس قطاع غزة منذ سبعة عشر عاماً، وتقدم العديد من الخدمات المنتظمة مثلما تفعل أي إدارة حكومية.

ونتيجة لذلك، عندما قتلت حماس مدنيين إسرائيليين في السابع من أكتوبر، تم وصفهم بأنهم جماعة إرهابية تقتل الأبرياء بوحشية؛ ولكن عندما قتلت إسرائيل بدورها مدنيين فلسطينيين في غزة، تغيرت العناوين الرئيسية فجأة إلى تعريف القتلى بأنهم ضحايا الحرب. وكما كتب المؤرخ الفرنسي بيرنار رافينيل في عام ٢٠٠٥ فيما قدمه من إسهام في كتاب “إسرائيل: العزلة Israël: L’enfermement “، فإن “الرسالة التي يتم توصيلها هي أن الإسرائيليين يشنون حرباً وأن الفلسطينيين إرهابيون.”

يجد الناس صعوبة في فهم السبب وراء حصول حماس على الدعم من بعض الفلسطينيين. كثيرًا ما تشير الشخصيات السياسية إلى أنه ليس جميعهم يؤيدون حماس، وكأنهم يريدون التمييز بين الفلسطينيين الطيبين والأشرار ـ وهم الأشخاص الذين يستحقون القنابل الإسرائيلية أكثر من غيرهم.

تأسست حماس خلال الانتفاضة الأولى، وهي انتفاضة فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتي استمرت من عام ١٩٨٧ إلى عام ١٩٩٣. وأثناء الانتفاضة الثانية (٢٠٠٠- ٢٠٠٥)، والتي كانت أكثر دموية بكثير من الأولى، عززت حماس سلطتها في غزة ونفذت سلسلة من الهجمات. تفجيرات انتحارية في إسرائيل خلفت مئات القتلى. ردًا على ذلك، قامت إسرائيل بإخلاء مستوطنتها في غزة ووضعت القطاع تحت حصار جوي وبري وبحري منذ عام ٢٠٠٦ وحتى اليوم، وسيطرت على جميع تحركات الأشخاص والموارد والبضائع في القطاع.

وفي عام ٢٠٠٧، تم انتخاب حماس في غزة بعد أن قامت بحملة معارضة ضد حركة فتح التي يُدّعى بأنها فاشلة وفاسدة، والتي لا تزال على رأس السلطة في الضفة الغربية. ومنذ ذلك الحين، تم إطلاق آلاف الصواريخ، التي استهدفت في كثير من الأحيان المدنيين. ووفقًا للأمم المتحدة، قُتل حوالي ٣٠٠ إسرائيلي على أيدي الفلسطينيين بين عامي ٢٠٠٨ وأغسطس ٢٠٢٣، على الرغم من أن الأرقام لا تشير إلى عدد الذين قتلوا من تلك الحصيلة على يد حماس.

وعلى النقيض من ذلك، تمتلك إسرائيل واحدًا من أكثر الجيوش تقدمًا في العالم، والذي قتل أكثر من ٦٠٠٠ فلسطيني خلال الفترة نفسها. وقد قام نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي، النشط منذ عام ٢٠١١، بتفجير الآلاف من صواريخ حماس في الجو. ويعتمد الجيش أيضًا على أكثر من ١٦٩،٥٠٠ جندي، و٤٠٠،٠٠ جندي احتياطي، و١٣٠٠ دبابة وعربة مدرعة أخرى، و٣٤٥ طائرة مقاتلة. بين عامي ١٩٤٨ و٢٠٢١، ساهمت الولايات المتحدة بمبلغ ١٢٥ مليار دولار للجيش الإسرائيلي كجزء من اتفاقية عسكرية ثنائية وواصلت تزويدهم بالأسلحة خلال الاستعدادات الحالية للغزو البري لغزة.

منذ الحصار، يعاني قطاع غزة من الفقر والبطالة على نطاق واسع، والقصف الدوري الذي خلف سلسلة من الموت والدمار، وأزمة صحية نفسية واسعة النطاق تؤثر بشكل خاص على الأطفال. وسوف تنفد المياه الصالحة للشرب في القطاع قريبًا، وأصبح غير صالح للعيش فيه تقريبًا، وفقًا للأمم المتحدة.

في عام ٢٠١٨، نظم سكان غزة واحدة من أكبر المظاهرات السلمية في تاريخ الصراع، وهي مسيرة العودة الكبرى، والتي فشلت إلى حد كبير في جذب الاهتمام الدولي، ناهيك عن التدخل السريع. وفي سياق هذا المستوى من اليأس، ربما يكون من غير المفاجئ أن ينظر البعض الآن إلى النضال العنيف باعتباره هو الحل.

عند الحديث عن الانحياز الإعلامي ضد الفلسطينيين، لا يمكن عدم الحديث عن موضوع الإرهاب. تمت صياغته لأول مرة في عام ١٧٩٣، وقد تطور هذا المصطلح على مر السنين. واليوم، وفقًا لقاموس أكسفورد، نعرّفه بأنه “الاستخدام غير القانوني للعنف والترهيب، وخاصة ضد المدنيين، لتحقيق أهداف سياسية.”

بشكل عام، غالبًا ما تستخدم الأقليات التكتيكات الإرهابية إما لفرض السلطة أو الإطاحة بها، كما هو الحال في سياق النضال من أجل الاستقلال. لكن يمكن للدولة أيضًا أن تفرض الإرهاب على سكانها كوسيلة لممارسة السيطرة والسلطوية، كما هو الحال في النظام الديكتاتوري أو أثناء الاحتلال.

باعتباري بلجيكية جزائرية، لا يسعني إلا أن أعقد مقارنة مع حرب الاستقلال الجزائرية، التي خاضها جدي كعضو في جيش التحرير الوطني الجزائري، الجناح المسلح لحزب جبهة التحرير الوطني السياسي (جبهة التحرير الوطني). بالنسبة للجزائريين، كان ثوريًا، ومناضلًا من أجل الحرية. ولكن بالنسبة لكتب التاريخ الفرنسية ومعظم كتب التاريخ الغربية فإن جدي لم يكن سوى إرهابي. في الواقع، كان يناسبه هذا الوصف، لأنه كان ينتمي إلى منظمة تهدف إلى الإطاحة بالسلطة القائمة: المستعمرين الفرنسيين. كما تم إدراج نيلسون مانديلا كإرهابي حتى عام ٢٠٠٨، لدوره في مقاومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

ومرة أخرى، المقصد هنا ليست تبرير قيام حماس بقتل الآلاف من المدنيين الإسرائيليين. الهدف هو تسليط الضوء على الكيفية التي تقوم بها الكلمات بتحويل وتعديل تصورنا ورؤيتنا وانطباعاتنا، من مجموعة تستخدم العنف في صراع لإنهاء الاحتلال، إلى كيان شرير محض يجب محاربته بكل الوسائل وهزيمته بأي ثمن.

يستنكر العديد من الناشطين وأفراد المجتمع الإسلامي استخدام مصطلح الإرهابي، مسلطين الضوء على أنه يستخدم عادة للإشارة إلى المهاجمين عندما يكونون مسلمين. لقد أصبح الارتباط بين الإرهاب والإسلام أقوى منذ أحداث ١١ سبتمبر. لذا فربما لا تكمن المشكلة في الكلمة ذاتها، بل في الدلالة التي اكتسبتها: الإرهابيون عرب سيئون، وليسوا مقاتلين ثوريين بكل تأكيد.

لدى شبكة بي بي سي سياسة تعارض وصف حماس بالإرهابية. وأوضح محرر الشؤون العالمية في بي بي سي، جون سيمبسون، ردًا على الانتقادات، أن “الإرهاب كلمة حافلة بالمعاني يستخدمها الناس لوصف جماعة يعارضونها أخلاقيًا.” ومع ذلك، تسمح الشبكة الإعلامية للصحفيين بالاقتباس من أشخاص آخرين يقولون ذلك.

أخبرني أوين جونز، الذي كتب عدة مقالات رأي حول القضايا الفلسطينية، أن هناك أيضًا سببًا عمليًا وراء قرار بي بي سي. وكتب في رسالة بالبريد الإلكتروني: “إذا اضطر صحفيو بي بي سي إلى [تصنيف] حماس على أنها “إرهابية”، فإن ذلك سيمنعهم من القدرة على تقديم التقارير من غزة ويمكن أن يعرض سلامتهم للخطر في الأراضي المحتلة بشكل عام.” وأضاف: “سيؤدي ذلك أيضًا إلى حجج مضادة صاخبة للغاية من أجل وصف إسرائيل بأنها تمارس إرهاب الدولة – الذي يرتكز بشكل واضح على الواقع – والذي … من شأنه أن يخلق مشاكل شديدة التعقيد، على أقل تقدير.”

طريقة أخرى مهمة لإسكات التقارير التي تركز على وجهات النظر الفلسطينية هي من خلال تصنيف معاداة السامية. تبنت العديد من الدول والمؤسسات الغربية تعريف معاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، والذي تعرض لانتقادات منذ فترة طويلة من قبل الخبراء لخلطه بين انتقادات الحكومة الإسرائيلية والكراهية ضد الشعب اليهودي. وقد أصبحت هذه النظرة الآن متجذرة بعمق في الرأي العام لدرجة أن بعض الناس يتجنبون اتخاذ موقف لصالح فلسطين خوفًا من أن يُنظر إليهم على أنهم معادون للسامية. لكن الحقيقة هي أن العديد من اليهود يعارضون الصهيونية والاحتلال، حتى بين أولئك المقيمين في إسرائيل.

في مثل هذه الأوقات، نشعر بالقلق بشأن صعود معاداة السامية، وهذا صحيح. ولكن من الذي يشعر بالقلق إزاء الصعود المستمر لظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، باستثناء المتضررين؟ من يهتم بكيفية تأثير هذه الأزمة على المجتمع الإسلامي؟ وتحمل القضية الفلسطينية قيمة رمزية كبيرة للعالم العربي، كما رأينا خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم ٢٠٢٢ في قطر. ومن المحتم أن يؤدي الإفلات من العقاب على تصرفات إسرائيل إلى خلق قدر أعظم من عدم الاستقرار في المنطقة، وزيادة إقصاء أولئك الذين يتعرضون للتهميش بالفعل في المجتمعات الغربية.

وإلى جانب وسائل الإعلام، تساهم الشخصيات السياسية أيضًا في نزع صفة الإنسانية عن الفلسطينيين. قال بايدن: “إننا نشاطر إسرائيل حزنها. لقد تم تعقب مئات الرضع والأطفال والنساء والرجال واختطافهم وقتلهم واحتجازهم كرهائن.” وقال أيضًا: “لقد كان ذلك عملًا من أعمال الشر المطلق. لقد تم ذبح أكثر من ١٠٠٠ مدني – وليس مجرد قتل، بل ذبح – في إسرائيل.”

وقالت رئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين في مؤتمر صحفي في إسرائيل وهي تقف بجوار بنيامين نتنياهو الذي كان يومئ برأسه: “ما رأيته وما سمعته يحطم قلبي.” وأضافت: “دماء الناس الذين قتلوا أثناء نومهم. قصص أبرياء أُحرقوا أحياء أو ذُبحوا في منازلهم. يقوم الأهل بإخفاء أطفالهم حديثي الولادة قبل مواجهة الإرهابيين. […] قُتل أكثر من ١٣٠٠ إنسان على يد الإرهابيين الهمجيين من حماس الذين يقاتلون ضد إسرائيل.”

البربرية، والحزن، والقتل، والخير مقابل الشر، والذبح، والأبرياء… تحمل هذه المصطلحات الكثير من المشاعر، وهي محقة في ذلك، فمن منا لا يشعر بأحاسيس عميقة تجاه ضحايا هجمات حماس؟ ولكن عندما يُقتل الفلسطينيون بالقنابل الإسرائيلية، فإن معظم السياسيين لا يصفونهم بأنهم يُذبحون في منازلهم. عندما تحرم إسرائيل غزة من الماء والغذاء والدواء والغاز والكهرباء، فإنها لا تقول إن الناس يموتون جوعًا. عندما تأمر إسرائيل ١.١ مليون مدني بالإجلاء عن منازلهم عبر طريق آمن، ثم تقصف هذا الطريق، لا أحد يقول إن الأبرياء قد أُحرقوا أحياء.

تصف وسائل الإعلام الوفيات الفلسطينية بعبارات أكثر فتورًا وتحفظًا. وفي أقصى الأحوال، فإن مسؤولي الأمم المتحدة أو منظمات حقوق الإنسان “يثيرون المخاوف” بشأن الوضع باستخدام مفردات فنية: جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، عقاب جماعي، تطهير عرقي. ليست هناك نزعة عاطفية ولا توجد عواطف أو مشاعر. لم ينفجر أي متحدث باسم البيت الأبيض في البكاء خلال مقابلة مباشرة على قناة سي إن إن. وحتى كلمة “الإبادة الجماعية” – التي حذر عدد من الخبراء من إمكانية حدوثها في غزة – بدأت تبدو جوفاء بلا معنى.

إن وسائل الإعلام الرئيسية كثيراً ما تتجاهل السياق التاريخي الحاسم، وتستخدم لغة تضفي طابعًا إنسانيًا على الإسرائيليين وتجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وتعمل على تضخيم وجهات النظر التي تبرر التفجيرات في غزة. فلماذا لم يثير المزيد من الصحفيين قضايا التحيز هذه داخل غرف الأخبار الخاصة بهم؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يتم تعديل غرف الأخبار لتتناسب مع تغطية أكثر عدالة وتوازنًا؟

ندد الصحفي الأمريكي ديلان سابا مؤخرًا بتجربته الخاصة مع الرقابة الإعلامية على منصة “إكس” (تويتر سابقًا). وقد اتصل به محرر في إحدى الصحف اليسارية الكبرى للكتابة عن “موجة ردود الفعل المكارثية المعادية للفلسطينيين والرقابة المتفشية حاليًا في الولايات المتحدة في الوقت الحالي.” وهو ما فعله. لكن مقالته قُضي عليها قبل دقائق من نشرها.

كما نددت جينيلا ماسا، الصحفية في هيئة الإذاعة الوطنية الكندية سي بي سي، بالصعوبات التي يواجهها الصحفيون عندما يحاولون تحدي الخط التحريري لوسائل الإعلام التي يعملون بها. في عام ٢٠٢١، بعد أن داهم الجنود الإسرائيليون المسجد الأقصى في القدس، وقّع ٢٠٠٠ مواطن كندي – بما في ذلك العديد من الصحفيين – على رسالة مفتوحة إلى قناة سي بي سي تدعو إلى تغطية إعلامية أكثر توازنًا.

لكن ماسا لم تجرؤ على التوقيع على الرسالة لأنها شعرت أن “لديها الكثير لتخسره.” في الواقع، تم توبيخ بعض زملائها الذين فعلوا ذلك لاحقًا ومنعوا من تغطية الموضوع بسبب وجهة نظرهم “المتحيزة.” أنا شخصيًا أعرف أيضًا صحافيين كانت لديهم مخاوف صادقة بشأن الطريقة التي تُغطي بها وسائل الإعلام التي يعملون بها القضايا الفلسطينية، لكنهم كانوا يعلمون أن آراءهم لن تكون موضع ترحيب، لذلك ظلوا صامتين.

أعلم أن بعض القراء الذين يشاهدون هذا المقال ويرون اسمي سيعتقدون أنني شخص متحيز بسبب أصولي. لكن لا تقلق، فمصادري جميعهم تقريبًا من ذوي البشرة البيضاء، لأنني أعلم جيدًا أنه، حتى لو كنت حاصلاً على شهادة في الصحافة وسنوات من الخبرة، فإنك سوف تتمتع بمصداقية أكبر عندما تكون من ذوي البشرة البيضاء.

وفي نهاية المطاف، فإن مسألة ما إذا كان ينبغي لنا أن “ننحاز إلى أحد الجانبين” هي ببساطة مسألة لا صلة لها بالموضوع. عندما يُقتل الآلاف من المدنيين، فإن دور المجتمع الدولي دائمًا هو التدخل ووقف ذلك. منذ عام ٢٠٢٠، أجرينا الكثير من المناقشات العامة حول الاستعمار. نظمت المؤسسات الثقافية محادثات وورش عمل وفعاليات لإنهاء الاستعمار في الفضاء العام- فلماذا يوجد صمت لوسائل الإعلام عندما يتعلق الأمر بالاستعمار الفعلي والمستمر لفلسطين؟

أحلم برؤية العلم الفلسطيني على واجهات المسارح والمؤسسات الوطنية. أحلم برؤية تقارير خاصة في الأخبار تتحدث مع أُناس عاديين فقدوا كل شيء، تمامًا كما حدث عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا. وبدلا من ذلك، تم حظر الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في فرنسا وكذلك في العديد من المدن الألمانية. في برلين، لا يمكنك حتى ارتداء الكوفية الفلسطينية في المدرسة. وفي أكتوبر، حذرت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان من أن التلويح بالعلم الفلسطيني أو ترديد شعارات مؤيدة للفلسطينيين قد يعتبر جريمة جنائية في المملكة المتحدة. وحتى قبل ٧ أكتوبر، أزيلت رسومات للعلم الفلسطيني من جدران محطة ميدي في بروكسل من قبل البلدية لأنها أُعتبرت معادية للسامية.

وبالتأكيد، يخرج المتظاهرون إلى الشوارع على أي حال. يجتمع الآلاف من الأشخاص حول العالم للتنديد بهذا الظلم. لكن من دون دعم وسائل الإعلام، لن يكون هناك ضغط على السياسيين لمنع إسرائيل من فعل ما تريد.

عندما تُمحى غزة من الخريطة، سيكون الأوان قد فات لإظهار دعمكم.