صحافيون فلسطينيون يتحدثون عن تجربتهم في تغطية الحرب على غزة

صحافيون فلسطينيون يتحدثون عن تجربتهم في تغطية الحرب على غزة

منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” في ٧ أكتوبر، استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي العديد من الصحافيين في قطاع غزة لتغطية الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين.

وقتلت غارات الاحتلال الإسرائيلي الصحافيّة في إذاعة صوت الأقصى دعاء شرف مع ابنها عبيدة في منزلها في منطقة اليرموك وسط قطاع غزة الخميس الـ ٢٦ من أكتوبر الأول بعد ساعاتٍ من استهداف قوّات الاحتلال منزل عائلة الصحافي وائل الدحدوح وقتل ١٢ شهيدًا من أسرته، بينهم زوجه وابنه وابنته وحفيده.

Videos by VICE

ووفقًا لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، ارتفع عدد الشهداء الصحافيين إلى ٢٤ وأصيب العشرات، و عدد كبير من المؤسسات الإعلامية الناشطة في غزة. كما جعل هذا الاستهداف من الصعب على الصحافيين والمصورين نقل أخبار الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين بشكل دقيق وموضوعي

كما كانت منازل الصحافيين في مرمى صواريخ الاحتلال التي دُمرت عددًا منها كليًا أو جزئيًا على رؤوس ساكنيها، مما أدى إلى إصابتهم أو استشهادهم وأفراد عائلتهم، مثل الصحافي في قناة “فلسطين اليوم” الفضائية محمد بعلوشة الذي استشهد جراء قصف منزله في شمال غزة.

تحدثنا مع عدد من الصحافيين الناشطين في قطاع غزة لنعرف أكثر عن حجم الضغوط والمخاطر التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الإعلام عمومًا في كل فلسطين، وفي قطاع غزة بشكل خاص.

تم تهديدي لأتوقف عن التغطية

تقول عزة الخالدي، التي تعمل كصحافية في تلفزيون فلسطين، إن الصحافيين الفلسطينيين يتعرضون لخطر كبير، حيث لا يستطيعون الحصول على الحماية القانونية أو المادية الكافية. كما تشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع دخول المعدات والإمكانات اللازمة لتطوير قطاع الإعلام الفلسطيني.

وتضيف: “لقد قمت بتغطية كافة الاعتداءات السابقة على قطاع غزة وكنت جزءًا من الميدان. أنا أم مع أطفال. أعاني كل ما تعانيه الأمهات في غزة من الخوف على أطفالهن وأفراد أسرهن في مثل هذه الظروف. مثل كل الفلسطينيين، أنا الآن أعاني من التهجير بعد أن فقدت منزلي بسبب عملي الصحفي، مثل العديد من الصحافيين في قطاع غزة، الذين استهدفت منازلهم بشكل مباشر أو تم اغتيال عائلاتهم ضمن عمليات الانتقام المستمرة ضد الصحافيين وعائلاتهم. نحن نتعرض لحرب إبادة، وحرب قمع، ومحاولة قتل الرواية الفلسطينية بكل أشكالها وألوانها. وقد تم تهديدي أكثر من مرة منذ بداية هذا العدوان، عبر الأقراص المدمجة المسجلة ومن خلال المكالمات التي وصلتني على هاتفي الشخصي وهواتف أبنائي، بإيقاف الرسالة الإعلامية والتوقف بشكل كامل عن نقل الأحداث التي تجري في غزة.”

تكمل عزة: “إن الاستهداف ليس هو الشيء الوحيد الذي يربك الصحافيين في غزة؛ بل إن المجازر التي يغطونها تجعل مهمتهم صعبة في ظل المشاهد المروعة التي ينقلونها. تقول عزة: “لا أعتقد أن هناك قلبًا بشريًا قادرًا على تحمل ما نشهده في قطاع غزة، حيث تحدث مجازر إسرائيلية بأعداد هائلة. ليس هناك أصعب من رؤية الأطفال متناثرين في أشلاء، والأحشاء تخرج من بطونهم، والأمهات الحزينات، والزوجات الأرامل. هذه المسألة صعبة للغاية؛ لا يمكن لأي أم تعيش في وسط مناطق الحرب أن تتخيل رؤية هذه المشاهد يوميًا. اليوم يُعتبر قطاع غزة منطقة منكوبة ومدمرة بالكامل، ونحن كصحافيين، نعيش في هذه الظروف، ونغطيها إعلاميًا. وهذا يعني أننا جزء من الصورة، ولسنا مجرد ناقلين لها، وهذا أمر ليس سهلاً على الإطلاق.”

خولة الخالدي.jpg
عزة الخالدي. الصورة مقدمة منها.

أودع أطفالي كلما خرجت لتغطية الحرب

واجهت بيداء عثمان معمر، مقدمة ومعدة برامج ومراسلة في تلفزيون فلسطين، صعوبات عديدة في نقل الأحداث.

تقول بيداء: “نزلت لتغطية الأحداث منذ اليوم الثاني للعدوان الإسرائيلي لتلفزيون فلسطين، وكنت مكلفة بالتغطية في فترة ما بعد الظهر. كانت عائلتي في حيرة بشأن كيفية خروجي من هذا القصف الشديد، خاصة أنني أم لطفلين. أصبح الحوار الذي دار بيني وبين أطفالي، الذين بدأوا يطلبون مني البقاء، وكلهم خوف من أن يصيبني مكروه، أقلقني كثيرًا، لكنني تمالكت نفسي وحاولت طمأنتهم أنني سأكون بخير وسوف أعود إليهم. بدأت التغطية، وفي كل مرة أخرج أحضن أطفالي بقوة، وأنا خائفة من أن يكون هذا اللقاء الأخير بيننا. وأنا أفعل نفس الشيء مع زوجي وعائلتي، وأودعهم لأنني لا أعرف ماذا سيحدث لي أو لهم لاحقًا.”

ومع اتساع نطاق القصف، وجدت بيداء والعديد من زملائها الصحافيين أنفسهم مجبرين على البقاء لفترة أطول في الميدان، دون أي إجراءات أمنية. لم يتمكنوا حتى من الحصول على الدروع الواقية للبدن والخوذات. وبعد أيام قليلة، أصبح التنقل بين منازل ومكاتب الصحافيين لإجراء التغطية أمرًا صعبًا، وأصبحت التغطية الصوتية متاحة عبر الهاتف المحمول في جميع الأوقات.

وبعد يومين من تغطية الأحداث في خان يونس، تلقت بيداء اتصالًا من عائلتها يطلبون منهم إخلاء منزلهم بسبب القصف الإسرائيلي. وكانت الصدمة كبيرة بالنسبة لها، لأنها نزحت لأول مرة من غزة. وكانت مرعوبة وخائفة على زوجها وأولادها، لكن أهلها طمأنوها بأنهم بخير. 

توجهت بيداء إلى ملجأ للنازحين حيث وجدت آلاف الأشخاص الذين تركوا منازلهم بسبب القصف. وكانت المشاهد مؤلمة للغاية بالنسبة لها، إذ رأت أطفالًا وأمهات مشردين يحملون ما يمكنهم إحضاره معهم. بكت بيداء وهي ترى هذه المآسي، وشعرت بالحزن الشديد على معاناة الشعب الفلسطيني.

تروي بيداء: “كان من الصعب جدًا أن ننتقل من منزلنا ونجلس في مركز إيواء غير مهيأ للعيش على الإطلاق، نظرًا لكثرة النازحين الذين قدموا من عدة مناطق بسبب القصف المكثف على منازلهم. مكثت في المركز ليلتين، لاحظت خلالهما معاناة الأهالي بالداخل، يعيشون في خيم دون ماء، وإذا توفر، يضطرون للوقوف في طوابير طويلة للحصول على بعض منه في مشهد بدائي للغاية. بعد ذلك خشيت على صحة أطفالي في ظل الاكتظاظ الشديد وانتشار الأمراض والأوبئة، فانتقلت إلى منزل عمي في رفح، وهناك بدأت التغطية أيضًا، لكن كان هناك العديد من الصعوبات التي أثرت على سير العمل عملنا. لم نتمكن من التواصل مع زملائنا أو نقل الأحداث بشكل فوري ومباشر بسبب انقطاع التيار الكهربائي. بالتالي، أصبحنا غير قادرين على شحن هواتفنا المحمولة التي أصبحت وسيلة عملنا ووسيلة للإضاءة ليلًا، هذا بالطبع بالإضافة إلى انقطاع الإنترنت.”

ac8f2d8b-dc1e-47a8-a3b9-d03288aca2a0.JPG
بيداء عثمان معمر. الصورة مقدمة منها.

تخليت عن كاميرتي وبشحن جوالي من السيارة

بعد أن اضطر إلى النزوح مع زوجته وأطفاله إلى وسط قطاع غزة بحثًا عن مأوى آمن نسبيًا، وجد المصور الصحافي محمد أسعد نفسه أمام تحديات كبيرة في تغطية أحداث الحرب هناك. أستمر أسعد في التنقل إلى مدينة  بالسيارة لتغطية بعض الأحداث والانتهاكات،  تاركًا أولاده في حالة من الهلع والخوف.

يروي أسعد: “في ظل حالة من القلق والخوف على عائلتي وأطفالي، وفي ظل الحرب والقصف الإسرائيلي المجنون، أجد نفسي أمام مشاكل أخرى خلال تغطيتي للأحداث. لقد أغلق الاحتلال غزة وعزلها عن العالم وحرمها من الكهرباء والوقود، وهذا ما يجعل مهمتي صعبة. إذا نفدت كمية البنزين في سيارتي، فلن أتمكن من التحرك وتغطية ما يحدث. وأيضًا بسبب انقطاع الإنترنت، أحتاج إلى الذهاب إلى مكان بعيد آخر يتوفر فيه الإنترنت لإرسال الصور، مع العلم أن هذه الشبكة أيضاً تعمل ببطء شديد. وأيضًا، بسبب انقطاع الكهرباء، اضطررت للاستغناء عن الكاميرات في العمل بعد أن انتهت من الشحن، واكتفيت بهاتفي المحمول الذي أشحنه في السيارة.”

ومنذ بداية الحرب ضد غزة، سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى إخفاء الفظائع التي يرتكبها بحق الفلسطينيين، من خلال استهداف الصحافيين وشبكات الاتصالات والإنترنت والكهرباء.

يضيف أسعد: “رغم هذه الظروف الصعبة التي تعيق عملنا، إلا أن ما نراه على أرض الملعب يبقى الجانب الأصعب. على سبيل المثال، بعد انفجار المستشفى، أنت تمشي بين ٥٠٠ جثة، الكثير منها عبارة عن أشلاء وأشلاء ملقاة هنا وهناك، لنساء وأطفال. تجد نفسك غير قادر على التقاط الصور، وتترك هاتفك المحمول في محاولة لاستيعاب صدمة الموقف ورعب ما حولك. طبعًا بالإضافة إلى رؤية زملائنا الصحافيين ونحن نودعهم شهداء. إنه أمر صعب جدًا.”

محمد أسعد.jpg
محمد أسعد. الصورة مقدمة منه.

تدمير ممنهج للمؤسسات الإعلامية

يقول ياسر أبو هين، رئيس منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، إن الصحافيين في غزة يعملون في ظروف بالغة الخطورة بسبب القصف الإسرائيلي المستمر. ويمنع الاحتلال الصحافيين من التواصل مع العالم الخارجي ومن الحصول على معدات السلامة اللازمة. ونتيجة لذلك، يعمل الصحافيون بأقل قدر ممكن من الحماية.

يحكي أبو هين: “هناك مؤسسات تم تدميرها بما تمتلكه من أجهزة ومعدات، وهذا يخلق واقعًا صعبًا ومريًرا لها في عملية التعافي والعودة من جديد. لكن رغم ذلك ما زال الصحافي الفلسطيني يحمل رسالة الصمود والتحدي والمقاومة، وهذا ما يدفعنا إلى الاستمرار والبقاء، رغم أننا نتعرض في كل لحظة للقتل والاستشهاد.”

ويضيف: “إن قوات الاحتلال تعرف قيمة ودور الإعلام في هذه المرحلة، التي هي في جزء منها معركة على الصورة والمشهد والرأي العام، خاصة في ظل الخطوات المشرفة للمقاومة الفلسطينية. وبالتالي، فهي تستهدف بشكل مباشر الصحافيين سواء في مؤسساتهم أو في منازلهم أو أثناء التغطية الميدانية. أعتقد أن الاحتلال يحاول من خلال استهداف الصحافيين والمؤسسات ردع الصحافيين/ات ومنعهم من نقل صورة الألم والمعاناة والمجازر التي ترتكب بحق المدنيين وضد غزة، والمأساة والكارثة الإنسانية التي يشهدها القطاع. وأيضًا لمنعهم من نقل صورة البطولة والفداء والمقاومة التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ويتم هذا الأمر بتشريعات رسمية من القيادة السياسية والعسكرية العليا في دول الاحتلال، والتي تمارس التحريض المباشر ضد الفلسطينيين وحتى ضد العرب والأجانب العاملين داخل فلسطين.”

لا يتوفر وصف للصورة.
ياسر أبو هين. الصورة مقدمه منه

لا تزال إسرائيل تحاول طمس الرواية الفلسطينية

تستهدف إسرائيل بشكل ممنهج الصحافيين والناشطين الفلسطينيين، بهدف إخفاء الرواية الفلسطينية للأحداث ونشر نسختها الخاصة. وهو ما تؤكده الأرقام  وتقارير دولية، حيث تعرض أكثر من ١٤٤ صحافيًا فلسطينيًا وأجنبيًا لاعتداءات جيش الاحتلال خلال السنوات الخمس الماضية، تراوحت بين إطلاق النار عليهم ورشقهم بالقنابل المسيلة للدموع والصوت والضرب بالعصي والسحل. 

وبحسب نقابة الصحافيين الفلسطينيين، قتلت إسرائيل أكثر من خمسين صحافيا فلسطينيا منذ عام ٢٠٠٠ حتى مايو ٢٠٢٢، كما سجل عام ٢٠٢٢ أكثر من ٩٠٠ اعتداء إسرائيلي على الصحافيين. ووفقًا للجنة حماية الصحافيين، يشكل الصحافيون الفلسطينيون ٩٠ بالمئة من الصحافيين الذين قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي.