اللاجئون السوريون في اليونان: النجاة من الحرب لا تلغي خطر الإصابة بفيروس كورونا

refugees

هذا التحقيق هو الثاني ضمن سلسة تحقيقات عن ظروف الحياة بالنسبة للاجئين السوريين في المخيمات في ظل التخوف من تفشي فيروس كورونا. يمكنكم الضغط هنا لقراءة التقرير الأول.


ماجد ليس حالة استثنائية، فبعد أن أجبرتهم الحروب والدمار على ترك ديارهم وطرق سبل محفوفة بالمخاطر أملاً في حياة أكثر أمانًا، يقف اللاجئون السوريون في المخيمات اليونانية أمام عدو جديد لا يقل خطورة، ففي ظل الظروف المعيشية الصعبة وغياب التغطية الصحية اللازمة في هذه المخيمات يواجه اللاجئون مخاوف كبيرة من أن يفتك بهم فيروس كورونا المستجد، لا سيما بعد فرض السلطات اليونانية الحجر الصحي على مخيمين بعد تسجيل إصابات داخلهما وتحذيرات بعض المنظمات من خطر تفشي الفيروس داخل المخيمات.

Videos by VICE

“كان دخولي لتركيا مع عائلتي هربًا من القصف أشبه بالمعجزة، لوهلة ظننت أننا بتنا في بعيًدا عن الخطر لكن بدء حملات الترحيل القسري إلى إدلب من قبل تركيا، جعلتني أقرر الذهاب مع عائلتي إلى اليونان عبر البحر تحديدًا إلى جزيرة ليسفوس،” يخبرني ماجد ويضيف: “كنت أعلم مسبقًا أنني لا أمضي إلى الجنة، لكن لم يخيل إلي أن المعاناة ستكون بهذا الحجم.”

يعيش ماجد الآن مع زوجته وطفليه (5 و3 سنوات) في مخيم موريا، في جزيرة ليسبوس اليونانية منذ ستة أشهر يتقاسمون خيمة مع عائلة أخرى وسط ظروف وصفها بـ “الجحيم” حيث لا أمان ولا طعام ولا عناية طبية ولا نظافة ولا مرافق صحية ولا مياه في أغلب الأوقات: “نحن الآن في الشهر السادس في هذه الخيمة، وبالحقيقة لا أعرف إذا كان هناك أي نهاية لهذه المحنة.”

منظمة أطباء بلا حدود اعتبرت أن الظروف المعيشية في مراكز التجمع المكتظة على الجزر اليونانية تشكل “بيئة مثالية لتفشي فيروس كورونا”

وقد حذرت منظمة أطباء بلا حدود في وقت سابق من الظروف المعيشية التي وصفتها بـ”المروعة” في مراكز التجمع المكتظة على الجزر اليونانية معتبرة أنها تشكل “بيئة مثالية لتفشي فيروس كورونا.” وقالت المنظمة في تقرير لها “أن انعدام توفر خدمات الصرف الصحي المناسبة ومحدودية الرعاية الطبية يجعل خطر انتشار الفيروس بين سكان المخيمات مرتفعا للغاية” معتبرة أن إجبار الناس على العيش في مخيمات مكتظة بدون حماية يكاد “يمسي عملاً إجراميًا.” ودعت السلطات اليونانية والأوروبية لإجلاء المهاجرين واللاجئين من الجزر اليونانية على وجه السرعة.

وقد فرضت السلطات اليونانية الحجر الصحي على مخيم مالاكاسا (مسافة حوالي 38 كلم شمال شرق أثينا) مع حظر الخروج منه والدخول إليه بعد إجراء فحص لأفغاني فيه تبين أنه مصاب بفيروس كورونا المستجد. وهو المخيم الثان للمهاجرين قرب أثينا الذي تم إخضاعه لهذا الإجراء بعد مخيم ريتسونا (على مسافة 80 كلم شمال أثينا) الذي تبين إصابة 23 من المقيمين فيه حتى الآن والذين يبلغ عددهم 2،500 شخص.

سمير، لاجئ سوري (بآخر الثلاثينات في مخيم موريا منذ ثمانية أشهر غادر سويا منذ سنة وشهرين وتواصلت معه عن طريق ناشطين في اليونان) هو الآخر من دير الزور نزح في البداية في الداخل السوري هربًا من داعش لكنه وجد نفسه تحت طائلة عنف القوات السورية. نزح مجددًا إلى منطقة أخرى لكنها لم تكن بعيدة عن مرمى الحرب، عندها هرب إلى تركيا التي اضطر لتركها هي الأخرى خوفًا من الترحيل القسري إلى إدلب، باتجاه اليونان وتحديدا إلى مخيم موريا.

يقول سمير: “حالفني الحظ بأن نجوت من الترحيل القسري إلى إدلب الذي فرضته السلطات التركية على اللاجئين السوريين بعد مداهمة مقر عملي. كنت أنوي الاستقرار بتركيا، لأن هاجسي كان توفير مكان آمن لي ولأطفالي وزوجتي، لكن تعذر ذلك، واضطررت وعائلتي منذ ثمانية أشهر للعبور إلى اليونان وكلي أمل بأن محطتنا القادمة ستكون أفضل مما كنا عليه.”

ينتابنا هذه الأيام رعب شديد من انتشار الكورونا فنحن دون معقمات، العناية الطبية مفقودة بشكل كامل وحتى المياه النظيفة تظل مقطوعة لأيام ولا نعلم كيف سنتعافى فيما لو أصيب أحدنا

لدى وصوله سمير وعائلته تم نقلهم إلى مخيم موريا يتقاسمون منذ وصولهم خيمة مع عائلة أخرى، ويضيف: “يقدمون لنا أسوأ أنواع الطعام حتى أننا لا نأكلها، وغالبًا ما نأخذ الخبز والخضروات ونرمي البقية. ينتابنا هذه الأيام رعب شديد من انتشار الكورونا فنحن دون معقمات، العناية الطبية مفقودة بشكل كامل وحتى المياه النظيفة تظل مقطوعة لأيام ولا نعلم كيف سنتعافى فيما لو أصيب أحدنا. أطفالي بلا مدراس بلا مستقبل بلا أمان، وبلا رعاية صحية.”

سمير المحبط من رؤية هذه الظروف اللاانسانية في دولة أوروبية يشعر بالأسى من رؤية أطفاله يكبرون في مخيم موريا “البائس” بحسب وصفه، لكنه رغم ذلك مازال يحدوه الأمل بأن التغيير سيحدث في لحظة ما. وهناك 42 ألف طالب لجوء أغلبهم من السوريين محاصر في مراكز التجمع الخمس في الجزر اليونانية (ليسبوس وخيوس وساموس وليروس وكوس) بينما تبلغ سعة المرافق الإجمالية 6،095 شخصًا فقط، حسب منظمة أطباء بلا حدود.

مخيم موريا في جزيرة ليسبوس اليونانية، الذي أنشئ لإيواء 3,000 شخص، ويستضيف الآن ما يقرب من 20,000 شخص، يُضطرّ ما يصل إلى 160 شخصًا إلى استخدام نفس المرحاض

وحسب منظمة أوكسفام فإن بعض أجزاء مخيم موريا في جزيرة ليسبوس اليونانية، الذي أنشئ لإيواء 3,000 شخص، يستضيف الآن ما يقرب من 20,000 شخص، ويُضطرّ ما يصل إلى 160 شخصًا إلى استخدام نفس المرحاض غير النظيف فيما يتشارك أكثر من 500 شخص دورة استحمام واحدة. وفي بعض أجزاء المخيّم، يتشارك 325 شخصًا صنبور ماء واحد ولا يتوفّر لهم الصابون لغسل أيديهم. كما يُضطرّ 15 إلى 20 شخصًا للعيش في حاوية شحن واحدة، أو في خيام أو ملاجئ مؤقتة.

في ظل هذا الوضع، فإن اتباع التدابير الصحية الموصى بها لمنع من انتشار فيروس كورونا مثل المواظبة على غسل اليدين والحفاظ على المسافات اللازمة بين الأشخاص يعد أمرًا مستحيلاً. وتنص إرشادات منظمة الصحة العالمية على ضرورة ابتعاد الأشخاص بمسافة متر واحد على الأقل من أي شخص يسعل أو يعطس، وأن يغسلوا أيديهم بشكل متكرر وأن يطلبوا المساعدة الطبية بمجرد ظهور الأعراض لتجنب انتشار فيروس كورونا.

زد على ذلك قيام الحكومة اليونانية بانهاء العمل بنظام الضمان الاجتماعي اليوناني للاجئين والأشخاص غير الموثقين في يوليو الماضي، كما أن التشريع الجديد الذي أقرته في نوفمبر الماضي والذي سيمنح طالبي اللجوء إمكانية الوصول المؤقت إلى الرعاية الصحية لم يتم تفعيله حتى الآن حسب معلومات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.

عندما أخبرني الُمهرب عن كل الصعوبات التي ستعترضنا في رحلتنا إلى اليونان، لم أكترث كثيرًا. أعتقد أن تركيزي كله توقف عند قوله أن الأمور ستجري بشكل طبيعي بعد وقت قصير

غياث الجندي، متطوع في مخيمات اللاجئين باليونان (بريطاني من أصول سورية تحدثت إليه هاتفًيا) يصف الوضع في مخيم موريا بأنه “مزر جداً” ويقول: “من ناحية الاكتظاظ البشري أو شروط المعيشة، أستطيع القول أن المكان يفتقر لأدنى المعايير والشروط الإنسانية. مع غياب العناية الطبية الجيدة، فإن أي إصابة في المخيم ستكون كارثة حقيقية، ونظراً للاكتظاظ المخيم وما حوله فإن خطر انتشار الإصابات بشكل سريع سيكون أمرا حتميًا.”

ولا يبدو أن وضع اللاجئين السوريين وغيرهم من الجنسيات القابعين في المخيمات اليونانية سيشهد انفراجة قريبة في ظل الصعوبات التي يتعرض لها نظام الهجرة في جميع أنحاء أوروبا بعد أن أغلق الاتحاد الأوروبي حدوده الخارجية لثلاثين يومًا كإجراء لمواجهة فيروس كورونا.

ماجد يصلي أن تتحسن الأوضاع قريبًا ويقول: “عندما أخبرني الُمهرب عن كل الصعوبات التي ستعترضنا في رحلتنا إلى اليونان، لم أكترث كثيرًا. أعتقد أن تركيزي كله توقف عند قوله أن الأمور ستجري بشكل طبيعي بعد وقت قصير.”