اللاجئون السوريون يعانون داخل المخيمات بالأردن: فقر وغلاء وبيئة خصبة لانتشار فيروس كورونا

اللاجئين السوريين

هذا التحقيق هو الأول ضمن سلسة تحقيقات عن ظروف الحياة بالنسبة للاجئين السوريين في المخيمات في ظل التخوف من تفشي فيروس كوفيد-19. سيتم نشر التقرير الثاني الأسبوع القادم من مخيمات اللجوء في اليونان.

“بقالنا مدة مش عارفين نأمن احتياجات الأسرة من الغذاء، لازم نستلف مصاري لنجيب أكل يكفينا لأن زوجي توقف عن العمل بسبب فيروس كورونا ومن وقتها الأوضاع من سيء لأسوأ،” تشكو لطيفة عوض، 35 عامًا، لاجئة سورية بمخيم الزعتري شمالي الأردن، خلال حديثي معها عبر موقع فيسبوك، من أوضاع أسرتها البالغ تعدادها 7 أفراد في ظل الخوف من وصول فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى المخيمات.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن نحو 655 ألف لاجئ، فيما يعيش قرابة 123 ألف لاجئ سوري ظروفًا مشابهة لـ لطيفة في مخيمات اللاجئين الثلاث الرسمية في الأردن، وهي الزعتري، الأزرق، والإماراتي الأردني بمنطقة مريجب الفهود بمدينة الزرقاء. ويعتبر مخيم الزعتري الأكبر حيث يعيش فيه حوالي 67 ألف لاجئ.

في ظل سوء الأوضاع المعيشية وضعف قدرة اللاجئين على تأمين احتياجاتهم اليومية، يتخوف اللاجئون في هذه المخيمات من الإصابة بفيروس كورونا، خاصة أن المخيمات هي الحد الأضعف في المعادلة الصحية العالمية بسبب ضعف مستوى الخدمات الطبية وعدم قدرتهم على شراء مستلزمات الوقاية الشخصية مثل الكمامات ومواد التعقيم وعدم توفر المياة بشكل متواصل. ويعيش 79% (أكثر من 500 ألف شخص) من اللاجئين السوريين في الأردن تحت خط الفقر بما يعادل 3 دولارات يوميًا.

Videos by VICE

1586339194151-GettyImages-976875838
يعيش قرابة 123 ألف لاجئ سوري في المخيمات الرسمية الثلاث في الأردن. وتعتبر المخيمات هي الحد الأضعف في المعادلة الصحية العالمية بسبب ضعف مستوى الخدمات الطبية وعدم توافر مستلزمات الوقاية الشخصية.

ويحصل اللاجئون السوريون داخل المخيمات في الأردن على دعم مالي يمكنهم من الحصول على حصص تموينية شهرية، تشمل: البرغل، المعكرونة، الأرز، العدس، السكر، والملح، “لكن ساعات التبضع باتت محدودة، بسبب حظر التجوال الجزئي المفروض على سكان المخيم،” كما يخبرني محمد الحواري، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في الأردن.

وهذا ما يؤكده أحمد موسى، 32 عامًا، لاجئ سوري بمخيم الأزرق الصحراوي (120 كلم شرق العاصمة الأردنية عمّان) الذي يضم 53 ألف لاجئ سوري، خلال حديثه معي عبر فيسبوك، بأنه لا يوجد نقص في توافر المواد الغذائية حتى اللحظة، لكنه اشتكى “من ارتفاع الأسعار لأربعة أضعاف قيمتها علاوة على زيادة الطوابير أمام المخابز،” وعبر عن مخاوفه من تفاقم الأزمة مستقبلاً، بسبب الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا داخل الأردن بشكل عام، والمخيم بشكل خاص، ما قد يؤثر على توافر احتياجاتهم اليومية.

حتى اللحظة لم تُسجل أي حالات اشتباه أو إصابة بفيروس كورونا بين مجتمع اللاجئين داخل الأردن. ولكن القلق هو المسيطر. وقد سجلت الأردن 372 حالة إصابة و7 وفيات، فيما تم إعلان شفاء 170 حالة. وبعد تسجيل حالات الإصابة بالفيروس، قامت وزارة الداخلية الأردنية بالتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية باتخاذ إجراءات للحد من تنقل اللاجئين داخل المخيمات وخارجها وشملت هذه الإجراءات الحد من الحركة داخل المخيمات والسماح للاجئين بشراء احتياجاتهم خلال الفترة ما بين الـ6 صباحًا و الـ12 ظهرًا. كما تم إغلاق المحال التجارية والأسواق داخل المخيمات، وتقرر منع خروج الأطفال والحوامل وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة من مقار إقامتهم، ومنع الزيارات الخارجية للمخيمات.

المخيم بيئة خصبة لانتشار الفيروس بين المقيمين داخله، ولدينا شكوك كبيرة من قدرة المستشفيات الميدانية الموجودة في المخيم على تأمين احتياجات المرضى حال الإصابة بالفيروس

هذه الإجراءات الاحترازية فاقمت من حدة الفقر التي يعاني منها اللاجئون، بسبب منع حركتي الدخول والخروج من المخيم، وتعليق المنظمات الأممية أنشطتها داخل المخيمات، ما ترتب عليه انقطاع مصادر دخل عمال المياومة، وهو ما يجعل آلاف اللاجئين عاجزين عن توفير احتياجاتهم الأساسية. وتشير تقديرات مفوضية شؤون اللاجئين إلى أن أكثر من ثلث أسر اللاجئين يتراكم عليها ديون بأكثر من 400 دينار (حوالي 564 دولار) بسبب حاجتهم إلى شراء الطعام ودفع تكاليف الرعاية الصحية. وذلك لأن 66% فقط من اللاجئين السوريين بالأردن يحصلون على الخدمات الصحية برعاية المفوضية والمنظمات الأممية.

ويشكو مازن حاج يحيى، 40 عامًا، أحد اللاجئين بمخيم الزعتري، من عدم توافر مواد الحماية والوقاية الشخصية بالصيدليات داخل المخيم، مثل الكمامات وأدوات التعقيم وغيرها وأضاف خلال حديثنا عبر فيسبوك: “المخيم بيئة خصبة لانتشار الفيروس بين المقيمين داخله، ولدينا شكوك كبيرة من قدرة المستشفيات الميدانية الموجودة في المخيم على تأمين احتياجات المرضى حال الإصابة بالفيروس، أو على الأقل التعامل المبدئي معها. نحن نعيش في قلق وخوف دائم.” وطالب مازن بتكثيف ندوات التوعية بطرق الوقاية من الفيروس داخل المخيم، وتوفير أدوات الحماية الشخصية مثل الكمامات ووسائل التعقيم.

1586339322942-GettyImages-479330581
هناك تخوف من أنتشار فيروس كورونا ‏في المخيمات في ظل صعوبة الحصول على المياه والمطهرات وتعليق معظم أنشطة المنظمات الأممية داخل المخيمات.

وقد طالبت مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتوفير المياه بكميات كافية لمخيمات اللاجئين بعدة دول بينها الأردن، لأهميتها في الوقاية من فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). ويؤكد سعيد عبد الحافظ، رئيس المؤسسة في مقابلة هاتفية معه على “الأوضاع المأساوية في المخيمات” بسبب صعوبة الحصول على المياه ومواد التعقيم، ويضيف: “يواجه اللاجئون السوريون في مخيمي الزعتري والأزرق أزمة كبيرة في نقص المياه، التي تعد خط الدفاع والوقاية الأول ضد الإصابة بفيروس كورونا. هذه المخيمات ستتحول إلى بؤر ‏لتفشي المرض حال وصول فيروس كورونا إليها.”

وبالإضافة إلى أزمة المياه، فإن الكثافة السكانية العالية بين اللاجئين بالمخيمات تزيد أيضًا من مخاطر الإصابة بفيروس كورونا، إذ يعيش 67 ألف لاجئ على مساحة تقارب 8.5 كيلومترات داخل مخيم الزعتري، أي 8 أفراد داخل المتر المربع الواحد. كما تعيش جميع الأسر داخل كرفانات ضيقة بالمخيم، تتسم برداءة التهوية. وتتجمع كل عائلة داخل كرفان واحد لا يتعدى حجمه مساحة حمام منزلي، فيما يصل عدد معظم العائلات إلى 10 أفراد. ويزيد الأزمة حرجًا أنه لا يمكن لأي من أفراد الأسرة أن يعزل نفسه عن باقي أفراد العائلة حال الاشتباه في إصابته، إذ أن الكرفان لا يتسع لذلك على الإطلاق.

1586339378064-GettyImages-1065036420
يعتبر مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن الأكبر من حيث الكثافة السكانية، حيث يعيش فيه حوالي 67 ألف لاجئ على مساحة تقارب 5 كيلومترات.

كما يعيش اللاجئون السوريون خارج المخيمات (أكثر من مليون مواطن وفًقا لوزارة الداخلية الأردنية) قلًقا بالغًا يعادل من يعيشون داخله، وذلك لحرمانهم من الحصول على المواد الغذائية الخاصة بشهر أبريل من داخل المخيمات، بسبب حظر التجول وقرار الحكومة منع الزيارات للمخيمات، ما يصعب على آلاف الأسر أن تحصل على حصتها من المواد التموينية. وتقول نهلة، 20 عامًا، لاجئة سورية تعيش في الأردن بجوار مخيم الزعتري: “أسرتي مكونة من 13 فرًدا، كنا نحصل على المواد الغذائية من المول التجاري داخل مخيم الزعتري، ولا نعرف مصيرنا الآن، أو كيف سنتدبر حالنا الفترة المقبلة.”

على الرغم من الصعوبات في توفير الحماية للاجئين في ظل هذه الأزمة الصحية مع وجود تواجد محدود لموظفي المفوضية داخل مخيمات اللاجئين، أكد الحواري بأن المفوضية ستستمر تلبية جميع احتياجات الحماية العاجلة للاجئين: “الخدمات الأساسية ستستمر في العمل داخل مخيمات اللاجئين، مثل المستشفيات والعيادات ومحلات السوبر ماركت، وسيتم تم توفير الكهرباء لأكثر من 14 ساعة في اليوم لدعم الأطفال الذين يدرسون عبر التلفزيون ومنصات التعلم الإلكتروني، إذ ستتوافر الكهرباء خلال الفترتين ما بين الـ8:30 صباحًا و الـ6 مساء، وبين الـ 8 والـ10 مسًاء.”

كما أشار الحواري إلى وجود مستشفيات وعيادات مؤهلة للعلاج الأولي والثانوي بالمخيمات، أما الحالات المتقدمة فستتم إحالتها إلى المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، ويضيف: “تم توفير كل ما يلزم لاحتواء الحالات وعزلها وعلاجها. وقد ناشدنا المجتمع الدولي بتوفير 27 مليون دولار للمساعدة في منع انتشار فيروس كورونا في الأردن بين اللاجئين والمهجرين قسريًا، كي تتمكن من الحفاظ على الخدمات الأساسية مثل المستشفيات والعيادات الطبية، وشراء المعدات الطبية.”

1586339456093-GettyImages-1155555191
تقول نهلة، لاجئة سورية تعيش في الأردن بجوار مخيم الزعتري: “أسرتي مكونة من 13 فرًدا، كنا نحصل على المواد الغذائية من المول التجاري داخل المخيم، ولا نعرف مصيرنا الآن، أو كيف سنتدبر حالنا الفترة المقبلة.”

يدعو اللاجئون يوميًا أن تنزاح غُمة فيروس كورونا بسلام، خوفًا من تبعاتها وتأثيرها السيئ عليهم من ارتفاع نسب الفقر وتفاقم أزمة الديون، إضافة إلى أن منع حركتي الدخول والخروج من وإلى المخيم قد تتسبب في نقص حاد في احتياجات المقيمين داخل المخيم من مواد غذائية وتموينية وأدوية ومياه. تأمل لطيفة بأن تمر هذه الأزمة على خير على الرغم من قلقها المستمر من وصول الفيروس إلى المخيم، كما وصلت الحرب إلى بلدها قبل تسع سنوات: “خوفي كل يوم بيزيد من وصول كورونا للمخيم، ما بنقدر نشتري أي شي للوقاية من المرض، الوقاية أصلاً رفاهية ما بنقدر عليها.”