“لا اسمي نفسي ناشطة أو مدافعة أو أي لقب آخر من الألقاب التي يتفق عليها العالم بقدر ما اسمي نفسي رافضة لأي شكل من أشكال التمييز والظلم والحرمان، رافضة لانتهاك كرامة الإنسان وتجزئة حقوقه ومنحه ما تريد السياسة وحرمانه مما لا تريد.” هكذا عرفت العراقية فاطمة البهادلي، التي فازت بجائزة فرونت لاين ديفندرز الدولية للمدافعين عن حقوق الإنسان عن نفسها.
حصلت فاطمة على الجائزة بسبب عملها المهم في حماية المرأة، حيث أسست جمعية الفردوس في البصرة، في يونيو 2003، وهي منظمة حقوقية تُعنى بحماية النساء المتضررات من الحرب، وتعمل على إنهاء العنف ضد المرأة إضافة إلى تقديم ورش عمل لمحو الأمية وزيادة الوعي بين أفراد المجتمع حول قضايا حساسة مثل زواج الأطفال والانقطاع المبكر عن الدراسة.
Videos by VICE
وقد تأسست جائزة فرونت لاين ديفندرز في دبلن عام 2001، بغرض حماية والتعريف بالمدافعين عن حقوق الإنسان من كافة أنحاء العالم. تحدثت مع فاطمة حول عملها في العراق والتحديات التي تواجهها وخاصة في الوقت الذي تم تسجيل عدة حالات اغتيال لناشطات عراقيات.
VICE عربية: كيف بدأت العمل بمجال الدفاع عن حقوق الإنسان؟
فاطمة البهادلي: دخولي مجال حقوق الإنسان جاء من دافع شخصي، لقد عانيت وأسرتي كثيراً، خلال حكم النظام السابق، تم اعتقالي وسجن أخوتي، وكان هناك ملاحقات ومضايقات. تطورت علاقتي مع النشاط الاجتماعي خلال دراستي الماجستير في اللغة العربية في عام ٢٠٠٣، لم يكن هناك منظمات مجتمع مدني في ذلك الوقت، كنت أُحرك الرأي العام داخل الجامعة وبين الطلبة في قضايا تخص حقوقنا كطلاب. بعد ذلك، ومع انفتاح العراق على العالم وانطلاق عمل المجتمع المدني، أصبح لدي وضوح وفهم لحقوق الإنسان وقمت بتأسيس جمعية الفردوس.
يركز عملنا على تمكين المرأة اقتصاديًا وسياسًيا واجتماعيًا ومساعدة النساء على بناء قدراتهن في صنع القرار والحصول على حقوقهن في كافة المجالات، إضافة إلى مكافحة الأمية وزواج القاصرات. الجمعية تهتم كذلك بقضايا الجندر والمساواة بين الجنسين، والتمكين السياسي للمرأة سواء من خلال المشاركة بالعملية السياسية أو الترشح للانتخابات. كما أننا نقدم المساعدة للشباب العائدين من الحرب، كالحرب ضد داعش، وتقديم الدعم النفسي لهم وتطوير مهاراتهم بهدف إعادة إدماجهم في المجتمع بعيدًا عن العنف والتطرف وخطاب الكراهية.
ماذا يمثل لك الفوز بهذه الجائزة؟
هذه الجائزة تعني لي الكثير، وسعيدة جدًا بأن هناك من يهتم بعملنا ويُقدر ما نقوم به في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. هذه الجائزة لا تبدأ بفاطمة ولا تتنهي بها، هي رسالة دعم لجميع الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان. ولكن لا شك أن اختياري لهذه الجائزة أعطاني دفعة كبيرة وطاقة للاستمرار خصوصًا في تلك اللحظات التي أجد نفسي فيها ضعيفة، وتحيط بي المخاوف حيث بسبب التهديدات التي أتلقاها يوميًا. هذا العام، تم اختياري لهذه الجائزة، ولكني متأكدة أن هناك آلاف النساء اللواتي يعملن بجد ويستحق الفوز بجوائز كبيرة لما يقدمونه من عمل رائع في مجتمعاتهم وبلدانهم.
هل يمكنك الحديث أكثر عن هذه التهديدات والتحديات التي تواجهك كناشطة في العراق؟
منذ سنوات تصلني – أنا وعدد من الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان – الكثير من التهديدات من ضمنها التهديد بالقتل، بعض التهديدات التي تطالنا كنساء ناشطات تتعلق بنظرة بعض المتطرفين إلى حقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكل خاص بأنها ضد الدين وتتعارض مع الدين والأعراف الاجتماعية. بسبب نشاطي المدني، تم اختطافي على يد جماعة مجهولة في عام 2012، بعد اقامتي مهرجان للشباب بمناسبة يوم السلام العالمي في إحدى متنزهات مدينة البصرة. أخذتني الجهة الخاطفة (لا زلت لا أعرف من هم) إلى مكان مجهول، واتهموني بأنني ممولة من دول أجنبية وأنني أجمع الشباب لتغيير أفكارهم بما يخالف قيم المجتمع. لم يتغير الكثير بعد إطلاق سراحي، التهديدات ورسائل التخويف التي تصلني لم تتوقف.
الخوف الكبير هو أن يتاذى آخرون بسببك، من أجل الضغط عليك لترك ما تحمله وتؤمن به كقضية. أنا لست خائفة من الموت، آلاف العراقيين فقدوا حياتهم بطرق مختلفة- كثير منهم لم يكونوا مدافعين عن حقوق الإنسان- وتركوا خلفهم يتامى وأرامل. لا فرق بين الناشط وغير الناشط عندما يتعلق الأمر بالظلم. أنا إنسانة مؤمنة وأعلم أن الموت لا مفر منه، التهديدات لا تثبط من عزيمتي، أنا مستمرة في عملي، لن يوقفني شيء ما دمت أؤمن بقضية وما دام هناك انتهاكات وظلم.
كيف هو وضع المرأة في العراق، والبصرة تحديدًا؟
وضع المرأة في العراق يختلف من مدينة إلى أخرى، وأحياناً يختلف من منطقة إلى أخرى في نفس المحافظة، مثلًا في قرى شمال مدينة البصرة تسود الأعراف الإجتماعية المتشددة وهناك الكثير من الانتهاكات ضد النساء مثل الزواج القسري، الزواج المبكر، منع المرأة من إكمالها التعليم، تفشي الأمية، إنتشار الأمراض، القتل باسم الشرف، كثرة الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن في الحروب وهن مهمشات جدًا في مجتمعاتهن. وقد ارتفعت حجم الإنتهاكات مؤخرًا خلال فترة الحجر المنزلي أثناء تفشي وباء كورونا.
ولكن حتى في بغداد والمحافظات الوسطى، لا يزال هناك انتهاكات لحقوق المرأة بالعمل والمساواة في الأجور، وتطوير مهاراتها وموهبتها وخاصة في مجال الفنون كالمسرح والموسيقى. وحتى في القطاع الصحي حيث لا يسمح للنساء الالتحاق بـ إعداديات التمريض، فكثير من الأهالي ترى هذه المهنة للرجال وليس للنساء. بالنسبة للنشاط المدني، هناك رفض كبير للنساء العاملات في مجال حقوق الإنسان، من كافة الجهات، من المجتمع والأهل والعشيرة والحكومة والأحزاب والمليشيات. هذا الرفض ظهر بشكل دموي من خلال عمليات الاغتيال التي طالت عدد من الناشطات والمشاركات في الاحتجاجات الشعبية، مثل الدكتورة سعاد العلي وسارة والدكتورة ريهام يعقوب، ومحاولة الاغتيال الفاشلة بحق الناشطة لوديا ريمون.
ما الذي تطمحين إلى تحقيقه في المستقبل؟
أعمل جاهدة لتحقيق كل ما أحلم به وتحلم به كل مرأة عراقية: قوانين عادلة وحقوق مصانة.
رسالتي إلى كل نساء العالم، وإلى كل امرأة من أي ديانة أو طائفة أو قومية أو أي انتماء آخر، أن حقوق الإنسان متساوية لجميع البشر، وأن السعي إلى الحفاظ عليها وتعميمها مسؤولية جماعية علينا. الحقوق لا تعني أننا ننسلخ من ديننا وثقافتنا وعاداتنا، بل أن نحافظ على كل ما فيه خير للإنسان. كما علينا أن ننبذ التطرف والكراهية وأن نسعى لبناء مجتمعات تسودها لغة السلام.