انقطاع الكهرباء، انترنت بطيء، إغلاق عام وأزمة اقتصادية- طلاب لبنانيون يتحدثون عن صعوبات التعليم عن بعد

علي غرابي

في يناير 2020، لم يتوقع طلاب العالم أن يتغير عالمهم من الجلوس على مقاعد الدراسة والتذمر من الحصص الدراسية والامتحانات إلى التعليم الإلكتروني. كانت جائحة كورونا أسرع من أي خطة بديلة وفي ليلة وضحاها قلبت الجامعات استراتيجياتها وحولت المناهج والدروس والمخططات إلى العالم الرقمي. التحول إلى التعليم الرقمي لم يكن سهلاً في جميع أنحاء العالم، والأمر شكل تحدياً كبيراً وخاصاً جداً في لبنان، فإطلاق التعليم الإلكتروني في لبنان كان شبيهاً بتقديم تطبيق الكتروني لقرية أم الطنافس الفوقة في مسلسل “ضيعة ضايعة” في ظل عدم توفر أدنى مقومات البنى التحتية مع انقطاع الكهرباء المستمر وضعف الإنترنت والإتصالات ونقص العديد من التقنيات الرقميّة.

كثير من الطلاب والعائلات لا تملك إنترنت أو حتّى لابتوب، أو هناك جهاز واحد يستخدمه أكثر من شخص في المنزل، مما يعني أن عليهم التناوب عليه. كما أن معظم الأساتذة ليس لديهم أي خبرة أو تدريب على كيفية القيام بالتعليم عن بعد وتقع عليهم مسؤولية رقمنة المناهج الغير رقمية.

Videos by VICE

الطلاب الجامعيين لم يكن عليهم فقط التعامل مع هذا التغير اللوجيستي الكبير، بل أيضاً كل الصعوبات المادية المرتبطة بانهيار الاقتصاد وانهيار قيمة الليرة أمام الدولار، وعدم قدرتهم على الحصول على أموالهم المودعة في المصارف اللبنانية، وقيام بعض الجامعات الخاصة بإصدار قرارات إدارية بوجوب دفع الأقساط بالدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية على سعر صرف مرتفع. أضف إلى كل هذا أزمة فيروس كورونا المستمرة، وقرار الحكومة اعتماد خطة إغلاق البلد مجدداً خلال الفترة الممتدة من 11  يناير حتى 8 فبراير، ما يعني أن معظم الطلاب الذين يعملون بشكل جزئي وأهاليهم خسروا مدخولاتهم الشهرية.

كيف يتعامل الطلاب اللبنانيين الذين دخلوا الجامعة في ظل اقفالٍ عام وانتشار فيروس كورونا ومصائب أخرى رافقت هذا العام الدراسي. تحدثت مع عدد من الطلاب وإليكم اجاباتهم.

“أدرس المعلوماتية ولا أملك لابتوب” “هذه سنتي الجامعية الأولى وأنا أدرس اختصاص المعلوماتية في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية. كانت توقعاتي كبيرة لهذه السنة لكنها سقطت بعد أول فصل. بدأ العام الدراسي متأخراً بأسابيع عن الجامعات الأخرى وسُجلت صفوفنا الإلكترونية اونلاين قبل يوم واحد من انطلاق العام الجامعي ما سبّب إرباكا كبيرًا لدى الطلاب. المشكلة الأصعب هي أنني لا أملك لابتوب ولم أستطع شراء واحد خلال الفصل الأول، بسبب غلاء سعر الألكترونيات في لبنان المترافق مع ارتفاع سعر صرف الدولار. اضطررت أن أستخدم الهاتف كي أحضر محاضراتي التي استمرت لـ 6 ساعات متواصلة، بدون أي إستراحة، هذا في الحالات القليلة طبعاً التي لا تنقطع فيها الكهرباء أو الإنترنت.

ما يحدث أنه في نصف المحاضرة، أفقد تركيزي وأتعب من الشاشة الصغيرة وكمية المعلومات الكبيرة. الأمر كله أثر على صحتي النفسية، فأنا لم أعد متحمسًا لحضور المحاضرات، واضطر أن أعيدها عدة مرات كي أفهم المواد. في ظل هذا الوضع، اضطر والدي أن يأخذ قرضاً كي يشتري لي لابتوب، وأشعر بضغط كبير للنجاح هذا العام، وبنفس الوقت أشعر بالإحباط، فقد قررت الجامعة أن تجري امتحان نهائي واحد (بدون امتحان نصف الفصل كما في السابق) ما سيضاعف الضغط علينا في الإمتحانات النهائية.” –علي، 18 عاماً

زهراء نجدي copy.jpg
زهراء.

**”كان علي أن أضحي من أجل والدتي”
**”أدرس في الجامعة اللبنانية الدولية بمنحة 50%. أعيش وحدي مع والدتي، وبدأت قبل فترة بالعمل كمعلمة من المنزل لطلاب المرحلة الإبتدائية من أجل الحصول على بعض المال في ظل الوضع الإقتصادي الصعب. ولكن حدثت مأساة، وأصيبت والدتي بسرطان الرئة فتوقفت عن استقبال الطلاب من أجل حمايتها من المرض ولا اعرضها للخطر. التعلم الألكتروني كان له ايجابياته من ناحية قضاء وقت مع والدتي والاهتمام بها، كما مكنني من الدراسة بتركيز أكبر، لكن من سلبيات الأمر أن مدة الإمتحانات لم تكن كافية، فالأساتذة قرروا أن يجعلوا مدة الإمتحانات قصيرة كي يمنعوننا من الغش. وطبعاً، الإنترنت الذي ينقطع عدة مرات في اليوم. الحجر المنزلي جعلني أكثر انتاجاً في البداية، لكنني بدأت أشعر بالتعب والإرهاق النفسي، خاصة أنني محجورة منذ سنة من أجل والدتي، ولا أستطيع الخروج كثيراً.” –زهراء، 19 عاماً

عباس حمزة 2.jpg
عباس.

**”سأغير اختصاصي، قرار نهائي”
**”أدرس العلوم الإجتماعية في الجامعة اللبنانية وتجربتي مع التعلم عن بعد كانت سيئة جداً. المحاضرات تضم الكثير من الطلاب، حوالي 170 طالب في المحادثة …يعني زي الحمام المقطوعة ميته. لم أستطع فهم المواد لأن التواصل مع الأساتذة شبه معدوم بسبب عدد الطلاب الكبير. انقطاع الكهرباء وبطئ الإنترنت يعيق عملية التواصل، البعض يخرج من الحصّة ويحاولون الدخول مرة أخرى. وهناك صعوبة في القدرة على سماع بعضنا ووصول صوت طالب قبل الآخر، مما يجعل النقاشات بلا معنى. كما أننا لم نتلقى مساعدة كبيرة  في المواد المعقدة كالإحصاء والرياضيات، حيث كان على عاتقنا أن نفهم وندرس المواد (تفهم ما تفهم مشكلتك). لا أدري إن كانت المشكلة في التخصص أم في التعليم الرقمي ككل، ولكنني لا استطيع الإكمال في هذا التخصص، قرار نهائي.” -عباس، ١٨ عامًا

فاطمة دياب copy.jpg
فاطمة.

**”لم أستفد أبداً من الأونلاين وتوقف عملي”
**”أدرس الترجمة في الجامعة اللبنانية الدولية إلى جانب أنني أتابع علمي للحصول على شهادة ماجستير في المسرح من الجامعة اللبنانية. لم أستطع أن أواكب التعليم الإلكتروني، فأنا لا أرى أي منفعة فيه. أستيقظ صباحاً ويمر يومي دون أن أفعل أي شيء، حالتي النفسية سيئة، وفي بعض الأحيان أنسى أن أحضر محاضرتي، ما جعل علاقتي بالدكاترة غير جيدة. أفضل أن متابعة دروسي في الحرم الجامعي من السابعة صباحاً حتى السادسة ليلاً بدلاً من الجلوس أمام شاشة الكومبيوتر في المنزل كل يوم. المشكلة الأكبر أتت بسبب قرار الإغلاق، فقد افتتحت أنا وصديقاتي محل لصنع الحلويات وتوصيلها لتحسين وضعنا المادي، ولكن مباشرة بعد فتح المحل، سكرت البلد، ولم استطع توفير المواد اللازمة للقيام بالتوصيل المنزلي، خسارة كبيرة. أشعر أن كل التعب والعمل والدراسة يذهب سدى في هذا البلد.”  –فاطمة، 22 عاماً

**”أعيش في حالة من الذعر”
**”أدرس علوم الحاسوب في الجامعة اللبنانية الأميركية وهذا هو الفصل الثاني من السنة الأولى. واجهت مشاكل كثيرة خلال التعليم عن بعد، أبرزها طبعاً كانت خاصة بالإنترنت والكهرباء. حاسوبي أيضاً لم يخدمني لأنه كان ضعيفاً نسبةً للبرامج الضخمة التي كان يجب تنزيلها، وفي أحد المرات  توقف عن العمل في منتصف الإمتحان لأنني كنت أعمل على برنامجين في الوقت نفسه. لا استطيع شراء حاسوب جديد وأنا أعيش في خوف مستمر من اليوم الذي سيتوقف فيه عن العمل. إلى جانب  كل هذه المصائب، أتت قرارات الجامعات كي تزيد الهم علينا، فقبل يوم من امتحانات الفصل الأول، أعلنت جامعتي رفع سعر صرف الأقساط من 1،551 مقابل الدولار الواحد إلى 3،900 بحسب سعر صرف المصرف المركزي. هذا الأمر وضعني أمام مفترق طرق بين ترك الجامعة وتغيير الإختصاص، خاصة أنني طالب منحة بنسبة 60%. لحسن الحظ، قامت الجامعة برفع نسبة منحتي إلى 80% لتعويض الخسارة، لكنني ما زلت أعيش في حالة من الذعر والخوف ما اذا قررت الجامعة أن تسحب المنحة أو أن تزيد من سعر الأقساط مع تدهور الوضع الإقتصادي. نحن في صراع مستمر لإيجاد خطة بديلة في حال حصول الأسوأ.” –كميل، 18 عاماً

شذا ونوس.jpg
شذا.

**”لا أشعر بنفس الحماس تجاه اختصاصي”
**”أنا طالبة صحافة في الجامعة اللبنانية الأميركية وهذه أول سنة لي، لكنني لم أستفد كثيراً خاصة أن اختصاصي تطبيقي. لم أحب فكرة الأونلاين أو التعليم الرقمي، شعرت أنني بحاجة أن أكون موجودة في الجامعة كي أتعلم تطبيق المهنة بدل من دراسة مواد جامدة من المنزل. نفسياً، دمرني الأمر خاصة أنني كنت أحب اختصاصي، وكنت متحمسة من أجل العمل فيه، لكنني الآن لا أشعر بالحماس نفسه فأنا لا أرى زملائي ولا أفهم كثيراً النظريات، ولا أستطيع التركيز في المحاضرات. الأمر ازداد سوءاً حين رفعت الجامعة سعر صرف القسط إلى سعر صرف  البنك المركزي – 3900 مقابل الدولار. فأبي خسر قسم من راتبه وأنا طالبة بمنحة دراسية. رفع الأقساط هو قرار غير منصف أبداً، فنحن ما زلنا نتعلم رقمياً. برأيي إن لبنان، غير مجهز لاعتماد التعليم عن بعد خاصة أننا نعاني من انقطاع مستمر في الكهرباء وضعف في شبكة الإنترنت. أفكر إما بترك الجامعة أو بتغيير الإختصاص بسبب ظروف البلد.” – شذا، 18 عاماً

20201207_132936 copy.jpg
أحمد.

**”تجربة سيئة”
**”أدرس اختصاص السلامة البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت. تجربتي مع التعليم عن بعد كانت سيئة لأنني لم أكن جاهزاً نفسياً، والقطاع التربوي بشكل عام لم يكن جاهز لهذه النقلة النوعية. لا أحد يتحدث عن الجانب النفسي من التعليم عن بعد، ضغط الدراسة أصبح أكبر، يظن بعض الدكاترة أن يومنا كله مكرس للأعمال الجامعية..كأنه ما عندنا حياة. في المقابل، تظن العائلة أن لدينا كل الوقت، وأننا لا ندرس عن جد. في الحقيقة، لم أعد مهتماً بالمعلومات، أنا أدرس كي أحافظ على علاماتي من أجل المنحة لا أكثر. فالعديد من المواد كان يلزمها تطبيق مباشر، لكننا لم نطبقها بسبب التعليم عن بعد، وكانت هذه المواد مضيعة للوقت بالنسبة إلي. الأساتذة لم يكونوا جاهزين للتعليم الرقمي كذلك، التفاعل غير موجود، ويتم تقديم بعض المعلومات “شلف” وباستهتار لإنهاء الفصل فقط.” -أحمد، 19 عامًا

IMG_20200410_194617_335 copy.jpg
نعمت.

**”أحتاج إلى الرجوع للعمل”
**”أدرس نظام ادارة المعلومات في الجامعة اللبنانية وهذه السنة الأخيرة لي. نحن 6 في العائلة وجميعنا نستخدم الجهاز نفسه للوايفاي، وكان الأمر صعباً لأن الإنترنت كان ينقطع في معظم الأحيان. الأمر الجيد هو أنني أستطيع أن أحضر المحاضرات في وقت آخر لأنها مسجلة، وكان يمكنني فهم المعلومات أكثر لأنني كنت أُعيد الفكرة أكثر من مرة. لكن بحال غبت عن المحاضرة بسبب الوايفاي، كان بعض الدكاترة غير متفهمين وكانوا ينقصون من علامة حضوري. مادياًَ، خسرت عملي سبب الإغلاق، كنت أعمل مندوبة تسويق في سوبر ماركت، ونحن كمندوبين مبيعات لا نستطيع العمل أونلاين. كل ما أتمناه هو أن ينتهي هذا الإغلاق، أحتاج إلى الرجوع للعمل.” –نعمت، 21 عامًا

image0 (5).jpg
هاني.

**”ارتفع سعر كل شيء”
**”أدرس في جامعة هايكازيان، تخصص الأعمال التجارية والتسويق. الفصل الدراسي في العام الماضي كان الأسوأ. كنا كطلاب مثقلين بأعباء كبيرة ولم تأخذ الجامعة بعين الإعتبار انفجار بيروت، فبدأ الفصل فوراً في بداية سبتمبر بعد أقل من شهر من الانفجار. كان حضور الفصول الدراسية مرهقًا عقليًا نظراً إلى جميع الأخبار التي كانت تحيط بنا، مما جعل التركيز أمرًا صعبًا حقًا. كثير من الطلاب خسر أحد معارفه أو منزله في الانفجار، وهناك من لا يزال يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة. وفوق كل ذلك، كان هناك انقطاع متواصل في الطاقة والإنترنت، لكن الأساتذة لم يأخذوا هذه الأمور في عين الإعتبار. ففي إحدى المرات، أعطاني المدرس صفرًا في مهمة لأنني تأخرت 15 دقيقة بسبب مشاكل الإنترنت.

ومن أين أبدأ بالحديث عن الناحية الاقتصادية، لقد ارتفعت أسعار القرطاسية والمستلزمات والكتب المدرسية بشكل جنوني، أسعار بعض المستلزمات ارتفعت بنسبة 200٪ وأصبحت صيانة الأجهزة الالكترونية التي نستخدمها في المنزل باهظة الثمن مع ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء. اضطررنا أيضًا إلى استثمار الكثير من المال للحصول على خدمة الجيل الرابع والتي أصبحت أسعارها نار. الكتب المدرسية باهظة الثمن كذلك، بعض الكتب المدرسية تكلف ما يصل إلى مليون ليرة لبنانية بسعر الدولار. كثير من الناس لديهم هذا التصور بأن الطلاب يجلسون في المنزل مبسوطين، بينما في الواقع نحن نعاني من القلق واضطراب ما بعد الصدمة، ولا نتوقف عن التفكير بكيفية دفع الرسوم الدراسية.” –هاني، ٢٠ عامًا

ضياء مرضه copy.jpg
ضياء.

**”تخليت عن طموحي بسبب الوضع المعيشي”
**”سجلت في اختصاصين الأول هو حقوق والثاني هو رسم في الجامعة اللبنانية، لكنني اضطررت أن أتخلى عن الرسم بسبب الوضع المعيشي. ومن يعرف امتحان دخول الجامعة اللبنانية إلى كلية الفنون، يعلم صعوبة أن يتم قبولك. خسرت أكبر حلم بالنسبة لي بسبب الوضع المعيشي، ولأنني لم أكن قادرة على تأمين سعر مواد الرسم واللوحات والعدة. والأمر لم يكن سهلاً في الإختصاص الثاني، خاصة أنني انتقلت من بيروت إلى قريتي في بعلبك في ظل الإغلاق. في البيت، إرسال الإنترنت شبه معدوم، ولا يوجد مولدات عندما تنقطع الكهرباء، وفي الساعات التي اتمكن من حضور المحاضرات افتراضياً، أقوم بذلك على الهاتف لأنني لا أملك لابتوب، ولا أستطيع شراء واحد. أشعر أن حالتي النفسية تسوء يوماً بعد آخر، وأصبحت أكره إختصاصي رغم أنها سنتي الأخيرة، وأشعر بالخوف من الآن من عدم وجود فرص عمل بعد التخرج.” -ضياء، 22 عامًا

الصور مقدمة من الطلاب.