كل 40 ثانية يموت شخص ما بسبب الانتحار. الانتحار هو ثاني الاسباب الرئيسية للوفاة في أوساط من تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عاماً على نطاق العالم.
لماذا يقوم الشباب بإنهاء حياتهم، الأسباب كثيرة، ولكن يقال أن الاضطرابات والأمراض النفسية تشكل السبب الأساسي، وهناك أسباب اجتماعية وسياسية. في سوريا، يبدو أن الأمر يجمع ما بين كل هذه العوامل معاً، النفسية والسياسية والاجتماعية وكل ما بينهم.
Videos by VICE
تشير العديد من التقارير إلى ارتفاع نسب الانتحار والأمراض النفسية بين الشباب في سوريا. الأمر المخيف أن حالات الانتحار ارتفعت بين الأطفال، والذين يمثلون نحو واحد من كل خمس محاولات انتحار ووفيات مسجلة في شمال غرب سوريا، بحسب منظمة أنقذوا الأطفال. وثقت المنظمة الخيرية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها ما مجموعه 246 حالة انتحار، وأكثر من ١،٧٠٠ محاولة خلال عام 2020. ومن بين أولئك الذين حاولوا الانتحار، كان 18٪ منهم تتراوح أعمارهم بين 16 و 20 عامًا.
وترتبط هذه الزيادة في حالات الانتحار في ظل الأزمة الاقتصادية التي تركت 12.4 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، حسب تقديرات الأمم المتحدة (حوالي ٦٠٪ من السكان). كما تعاني المجتمعات التي مزقتها الحرب في المنطقة من ارتفاع معدلات العنف المنزلي وزواج القاصرات والعلاقات المحطمة والتنمر.
بحسب التقارير القليلة الموجودة عن الصحة النفسية للسوريين، فإن الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة هو الأكثر انتشاراً بين السوريين. وبحسب منظمة “إغاثة سوريا” البريطانية فإن 75 في المئة من السوريين يعانون من سبعة أعراض على الأقل لاضطراب ما بعد الصدمة. وقد أجرت المنظمة استبيانًا على 721 من الشباب والشابات السوريين في لبنان وتركيا ومحافظة إدلب بشمال سوريا. وتشمل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة الخوف وصعوبة النوم وكوابيس مزعجة وتغيرات سلبية بالتفكير أو الحالة المزاجية مثل القلق ومشاكل في الذاكرة، وصعوبة الحفاظ على العلاقات والتجرد من المشاعر الإيجابية.
حسين موسى، طبيب نفسي في مشفى ابن رشد للأمراض النفسية في دمشق، يقول أنه من الصعب “الوصول لإحصائيات رسمية داخل سوريا. ويحدد عدة معوقات مرتبطة بالوضع السياسي والاجتماعي. ويضيف: “هناك وصم مجتمعي منتشر، يبدأ بوصم الطبيب النفسي أنه طبيب مجانين، وينتهي لوصم مختلف المرضى النفسيين إلى مجانين، أو مسحورين أحياناً، ولهذا يتم إخفاء المرض النفسي، والتكتم على الموضوع خاصة عند تفاقم الحالة والوصول لحالات انتحار.
ويقول موسى أنه بحسب دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة لعام 2019، أظهرت الأرقام 333 حالة انتحار منهم 273 رجلاً، “وعلى الرغم من هذا الرقم الكبير إلّا أننا من النادر نستطيع الوصول إليهم.” وعن مراجعي العيادات النفسية فيؤكد أن ما يقارب ربعهم ومن مختلف الفئات العمرية يعاني من اكتئاب.
بشكل عام، تبلغ نسبة الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية ممن لا يتلقون أي علاج على الإطلاق أكثر من 75٪ في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وفقًا للأمم المتحدة، التي تشير إلى أن الحكومات في هذه الدول تنفق في المتوسط أقل من 2٪ من ميزانيتها الصحية على علاج أمراض الصحة النفسية.
الأمر يصبح أكثر صعوبة بالنسبة للنساء، حيث تصاب النساء بالاكتئاب أكثر بمرتين من الرجال، أي بمعدل امرأة من بين كل أربع نساء، تساهم التغيرات الهرمونية في ارتفاع نسب اضطرابات المزاج. لكن الهرمونات ليست السبب الوحيد، فلقد وجد الباحثون أن الفروق بين الجنسين في التنشئة الاجتماعية يمكن أن يلعب دوراً مهماً في معدلات الاكتئاب كذلك.
سهى، 32 عاماً، تعمل سكرتيرة منذ سنتين عند أحد الأطباء النفسيين وسط دمشق، تقول: “في البداية ظننت أنه من السهل العمل عند طبيب نفسي فلا أحد في دمشق يزور العيادة النفسية، إلّا أنني اليوم أندم أحياناً بسبب ما نعانيه من ازدحام. أصبحت قادرة على تشخيص الاكتئاب بدقائق قبل أن أملأ استمارة المريضة، والنساء هن الغالبية العظمى.”
لانا، 20 عاماً، فقدت صديقها منذ أشهر تقول: “قبل عدة أيام من وفاته كتب لي تعليق على فيسبوك أنه سيغادر الحياة، كان محباً للحياة وصغيراً، لم أتوقع لحظة أنه قد يجرؤ على الانتحار، في ذلك اليوم اعتبرتها نكتة سمجة، اليوم يلومني أصدقاؤنا أنني كنت أعرف ولم أمنعه.” تكمل لانا أن صديقها لم ينتحر، بل قتلته البلاد: “في دمشق نحن نولد أموات، كان عمري عشر سنين لما بلشت الحرب، أنا مابعرف شكل تاني للحياة.”
سمر، 27 عاماً، تؤكد حديث سهى حيث شخص لها اضطراب اكتئاب وقلق مختلط منذ عامين: “تخرجت من كلية هندسة العمارة بدرجة امتياز، وعملي وحياتي مستقرة، وهرموناتي كذلك (تبتسم)، لكن كل هذا لم يحميني من الاكتئاب.” تعاني سمر من نظرة المحيط لها حيث أنها حين أخبرت أهلها بمرضها، تم قمعها والتعامل معها كفضيحة: “أهلي قالولي اسكتي، إذا العالم عرفوا إنك مجنونة ما رح تتزوجي.”
حظ الرجال ليس أفضل بكثير من حظ النساء في النجاة من وصمة العار التي تلاحقهم في حال عبروا عن اكتئابهم، بل يحصل الرجال على نصيبهم من كتم المشاعر وقمعها منذ الصغر، ففي التنشئة يتعلم الولد أن المشاعر أنثوية، والرجال لا يبكون، بل عليهم التحلي بالصلابة. وقد تكون هذه التنشئة السبب نفسه لتفاقم المرض عند أي رجل، والتي قد تؤدي للجوء الشباب إلى المخدرات والكحول عوضاً عن الطبيب النفسي، أو في كثير من الأحيان قد تودي بحياتهم.
حسن، 19 عاماً، يحكي لي عن رغبته بالسفر، لا يحب الحديث عن الصحة النفسية وعبّر عن ذلك بقوله: “بسوريا كلنا مو مناح.” يقول حسن أنه كان يحلم أن يدرس الطب، لكن والده خسر عمله في الحرب وأجبره ذلك على ترك المدرسة. حسن لا يجد أملاً في البلاد ويقول: “إذا قدرت سافر رح صير دكتور ولو عمري أربعين سنة، أحسن ما ضل هون بلا أحلام. أمل السفر هو الوحيد الذي يبقيني حياً، لولا ذلك لاستغنيت عن حياتي منذ زمان.”
جهاد، 25 عاماً، كيف فشلت محاولاته في إقناع أهله بأنه يعاني من اضطراب نفسي: “كل مرة وقبل مراجعتي لمعالجتي النفسية لا يتوقف أهلي عن توبيخي، ويصل الأمر أحياناً لبكاء أمي وانهيارها وهي على سجادة الصلاة وهي تجلد نفسها لأنها فشلت في تربيتي.”
في الظروف التي يواجهها العالم بسبب الأزمات الصحية والسياسية والاقتصادية، يزداد الضغط على الأفراد بشكل مضاعف مما يجعلنا جميعاً أكثر هشاشة وقابلية للتعرض لأي أزمة نفسية، وهنا يكمن دور كل الأشخاص والمؤسسات في تمكين أهمية الصحة النفسية والتوعية بها.
يؤكد الطبيب موسى على دور الأسرة والمجتمع في عملية العلاج النفسي ويقدم لنا بعض النصائح أهمها الاستماع إلى المريض والإصغاء له، وتنجب إلقاء اللوم عليه ويضيف: “مريض الاكتئاب مثلاً هو كشخص كُسرت ساقه، ومطالبته بالنهوض والاستمتاع بالحياة كمن يطالب صاحب الساق المكسورة بالنهوض والركض،” ويضيف: “من المهم احتضان المريض وتفهمه وعدم السخرية منه، وعدم تركه وحده إذا ما لاحظنا عليه إشارات توحي لنا بأنه قد يقدم على الانتحار، مثل تمنيه الموت، هناك حاجة لتدخل طبي عاجل وفوري.”
أما عن الأطفال الذين يعانون من صدمات نفسية، يشير الطبيب إلى ضرورة استمرار الحياة الروتينية، لمساعدة الأطفال على تجاوز الذكريات السيئة وبناء ذكريات سعيدة، وهنا تكمن أهمية عودة المدارس مثلاً في المناطق التي تعرضت إلى قصف ودمار خلال الحرب وتوقفت الحياة فيها. كما يؤكد على أهمية قضاء وقت أكبر مع العائلة، ليشعر بالأمان، فالطفل المصدوم هو طفل فاقد الأمان ومن المهم إعادة هذا الشعور له ليتمكن من تجاوز الصدمة.
More
From VICE
-
Screenshot: Shaun Cichacki -
Screenshot: Electronic Arts -
Screenshot: Bethesda -
Credit: Proton VPN