“أي وظيفة سيكون فيها روتين وتكرار ستكون بنسبة 100% للروبوتات. لهذا الطلبة بحاجة إلى التركيز على الوظائف التي تتطلب التعاطف والرحمة والمشاعر والذكاء العاطفي، فهذه عموماً ليست مهددة حالياً ولن يتم الاستيلاء عليها من قبل الروبوتات. وبالتحديد المهن المتعلقة بالتدريب والتوجيه، وإدارة الناس، والتنمية،” هذا ما أعلنته روان جلال، مديرة قسم التطوير في شركة بوبا العربية للتأمين ضمن ورشة العمل التي عقدت في المؤتمر التعليمي الخليجي السابع الذي عقد في جامعة الأعمال والتكنولوجيا في جدة والتي ركزت على تهديد التكنولوجيا وبالتحديد “أن الروبوتات تستولي على وظائفنا” ضمن محور أساسي بعنوان “فرص العمل في 2030.” وأكدت روان من خلال مداخلتها على أن “الوظائف الأبدية” لم تعد موجودة، “لا توجد وظيفة آمنة بعد الآن. اليوم نحن نبحث عن أشخاص بمهارات متعددة.” وللتأكيد على تغير شكل العالم، قامت روان بعرض صورة لمصنع “تويوتا” وتساءلت “هل ترى بشراً؟” الصورة هي لمصنع تويوتا ويتم فيها التصنيع من قبل الروبوتات بدلا من الناس. ومن ثم أضافت “هذا هو الوضع الحالي و ليس المستقبل… هذا الآن.”
طبعاً كان الحضور الذي يضم في معظمه الكثير من الطلاب والشباب السعوديين في معظمه مستمعاً جيداً، فيما ظهر على وجوههم الصدمة والخوف وبنفس الوقت الرغبة بمعرفة المزيد. ولاء نحاس، مستشارة في مجال التنمية الاقتصادية، دفعت الحضور لرؤية المستقبل بشكل مختلف حيث أشارت الى أنه “قبل عشرة سنوات من الآن لم يكن هناك أي شيء يدعى مواقع التواصل الإجتماعي وفي العشر سنوات التي سبقتها لم يكن هناك تواجد للإنترنت. قبل عشرين سنة، مبرمج مواقع التواصل الاجتماعي وأيضا من مدير أو محرر مواقع التواصل الإجتماعي لم يكن يعرف وظيفته، إلى هذا المدى إحنا في سرعة لكن ما نشعر فيها.”
Videos by VICE
ما هي الوظيفة المستقبلية إذن، لا إجابات جاهزة بحسب ولاء: “إذا أحد سألك عن شكل الوظائف في 2030 ؟ لا تهتم بذلك اهتم بما تحب وقدم الجديد في تخصصك.” ركزت ولاء على هذه النقطة بالتحديد: “قدم شيء لا يقدمه الروبوت، شيء يجعل صاحب المنشأة يقول: لا. إلا أنت، أنا ما أقدر أستغني عنك. مليون ألف روبوت ما يقدر يعوضني عنك.” وفي الوقت الذي بدأت الروبوتات بتغيير المشهد الوظيفي حول العالم ، العديد من الشباب والشابات في السعودية يعيشون تحت تأثير مناخ عمل سريع التغير بالتحديد مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030. الرؤية التي قدمها صاحب السمو أمير الشباب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هي خارطة طريق للعمل الاقتصادي والتنموي في المنطقة. ومن ركائز هذه الخارطة تنويع الاقتصاد المحلي وتقليل الاعتماد على العائدات النفطية بالإضافة إلى استثمار طاقة الشباب في القطاع الخاص. وأحد أهداف هذه الرؤية تخفيض معدل البطالة في السعودية والذي يمثل بنسبة (% 12.8) وتخفيضها إلى نسبة (% 7) بحلول عام 2030. ومن المرجح أن الكلمة الرائجة بين السعوديين اليوم هو أن الجميع يتحدث عن مستقبل الوظائف في المملكة.
البعض ربما يرى أن المستقبل يحمل عددا أقل من الوظائف، في حين يرى آخرون أن مستقبل الوظائف في السعودية يعتبر أكثر إشراقا من أي وقت مضى، وخاصة أن القطاع الخاص من المتوقع أن يزدهر في المملكة العربية السعودية، بالتحديد مؤخرا تم دعم هذا القطاع بمبلغ 72 مليار ريال بالإضافة إلى التغييرات العديدة التي طرأت في سوق العمل السعودي. منذ الإعلان عن رؤية 2030، تجد أن الكثير من السعوديين أصبحوا مطلعين على معظم القرارات والتغييرات التي تحدث في بيئة وسوق العمل السعودي. والمطلع على هذه التغييرات يرى بأن هناك توجه لتوطين العديد من القطاعات في المملكة، ونذكر منها: قصر 12 نشاطا ومهنة على السعوديين اعتبارا من سبتمبر 2018 تشمل قطاعات مختلفة. بالإضافة إلى ذلك تم الإعلان مؤخرا عن قرار إنشاء وكالة في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تعنى بشؤون توظيف السعوديين في القطاع الخاص.
تحدثت الى بعض الشباب من الحضور وسألتهم عن مدى قلقهم من التغيير على مستقبلهم.
صفوان العمري، 26، طالب هندسة صناعية في جامعة الأعمال والتكنولوجيا رأى أن النظرة المستقبلية للوظيفة في مجاله فيها نوعا ما من التفاؤل. وأضاف بأن “نظام العمل حالياً يشجع توظيف السعودي وفي المقابل يقلل فرص العمل للعمالة الوافدة بشكل عام، وهذا أمر جيد.” صفوان يشير في كلامه إلى قانون “المقابل المادي” والذي فرضته المملكة ابتداء من 2018 وحتى عام 2020 وبشكل مبسط هذا القانون عبارة عن رسوم شهرية تدفع من قبل شركات القطاع الخاص لغرض استبدال العمالة الوافدة بالكوادر الوطنية ويبلغ المقابل المالي -الذي سيدفع على كل عامل وافد بالقطاع الخاص- 400 ريال شهرياً في 2018 ثم سيرتفع إلى 600 ريال شهرياً في 2019، ثم سيصبح 800 ريال شهرياً في 2020. وهذه الرسوم تقع على عاتق الشركات التي تزيد عمالتها الوافدة عن العمالة الوطنية.
أما صفاء زاهد، 19، طالبة إعلان في جامعة الأعمال والتكنولوجيا فقد أشارت الى أن الوظائف التي كانت بالسابق لم تعد موجودة وخصوصاً أن الجامعات تقوم بتخريج دفعات كبيرة من الطلاب “لكل عشرة أشخاص تتوفر ثلاثة فرص وظيفية،” تقول صفاء ولكنها متفائلة بوجود فرص أكثر في المستقبل القريب وخاصة مع المشاريع الجديدة في المملكة مثل المدينة الذكية السعودية نيوم NEOM وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية KAUST فأعتقد بيكون لنا فرص عمل كثيرة. أنا جدا متفائلة بنسبة 90% وأعتقد بأن البلد في تطور وأيضا بتنزل قوانين جديدة وتقريبا المملكة في كل مجال بتتغير، المملكة بتتطور.” صفاء حالياً تبحث عن عمل بدوام جزئي ولكنها لا تريد أن تعمل في مكان يوجد فيه ضغط عمل كبير ويأخذ وقتا من دراستها، وأشارت الى أنها تحب التطوع في الفعاليات الفنية والثقافية في المملكة.
من المتوقع أن تشهد المملكة زيادة في معدلات التوظيف وأيضا مشاركة القوة العاملة وسط الإناث ابتداءً من النصف الثاني في عام 2018 عندما يتم رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة رسمياً
طيف بامحفوظ، 19، طالبة إدارة مالية في جامعة الأعمال والتكنولوجيا أيضاً متفائلة بالمستقبل: “أعتقد بأن رؤية المملكة هي رؤية منطقية، حيث لم يعلنو إنها رؤية 2020 ولا رؤية 2025 ولكن رؤية 2030 فبالتالي في متسع من الوقت للناس إنها تغير تفكيرها وأنهم يتقبلو التغيير.” وذكرت لنا طيف بأنها تفكر أن تدرس تخصصين في نفس الوقت فإلى جانب تخصصها في المالية تود أن تدرس في مجال التسويق.
ربما بالإمكان فهم موجة التفاؤل، فقد أشارت إحصائية تطورات سوق العمل السعودي في الربع الثاني من 2017 الصادرة عن جدوى للاستثمار إلى أن فرص العمل الجديدة للسعوديين ارتفعت بمقدار 28.9 ألف وظيفة خلال الربع الثاني وأن نحو 40٪ من هذه الوظائف الجديدة ذهبت إلى الإناث. وفي المقابل فقد انخفض إجمالي الوظائف الجديدة بمقدار 161.5 ألف وظيفة بالنسبة لغير السعوديين في نفس المدة. وتوقع التقرير حدوث المزيد من التراجع في صافي التوظيف لغير السعوديين، فيما من المتوقع أن تشهد المملكة زيادة في معدلات التوظيف وأيضا مشاركة القوة العاملة وسط الإناث ابتداءً من النصف الثاني في عام 2018 عندما يتم رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة رسمياً. في الواقع، نوه التقرير بأن أي تحسن في جانب توظيف الإناث سيؤدي في النهاية إلى خفض معدل البطالة الكلي، لأن هذا المعدل يتأثر بشدة بمعدل البطالة وسط الإناث وهو ما يقدر بحوالي 33.1٪.
تخفيض نسب التوظيف لغير السعوديين هي أخبار تبعث على القلق بالنسبة لـ صبا العوضي، 18 طالبة إعلان في جامعة الأعمال والتكنولوجيا: “بشكل عام أنا متفائلة، ولكن لأنني لست سعودية فنسبة تفاؤلي ليست مرتفعة.” صبا، يمنية نشأت في السعودية تضيف: في الحقيقة مع تغير الأوضاع نحو غير السعوديين هنا، فأنا لا أفكر بالعمل في السعودية.” حسام بنجر،23، طالب، هندسة في جامعة الأعمال والتكنولوجيا نسبة تفاؤله هي 50%. “صحيح هناك مشاريع جديدة بتوفر فرص. ولكن أعتقد في عدد كبير بيتخرج من نفس التخصصات ومن الصعب أن يحصل الجميع على وظائف.”
لا استغرب أنه خلال سنوات قادمة أن يسأل صاحب العمل الخريج الجديد: هل أنت روبوت؟..لا..إذن شكرا لمجيئك، مع السلامة، الباب أمامك
ما بين القلق من المستقبل والتفاؤل به، عدت مجدداً إلى حلقات النقاش في الوقت الذي كان هناك مداخلة من أحد الحضور، الدكتورة تغريد السراج مستشارة في مجال التعليم وريادة الأعمال في شركة “تسعة أعشار” المتخصصة في دعم ريادة الأعمال التي تحدثت عن طريقة التعامل مع الخريجين الجدد: “في المجتمع الذي نعيش فيه، يوجد نساء تخاف من ارتكاب الأخطاء، الخوف هو ما يعوق من قدرة الشخص على تحقيق النجاح. ودائما أطلب من الطلبة أن يرتكبوا الأخطاء وأن يعبروا لي عن آرائهم مهما كانت.أعتقد أن نظام التعليم مهم جداً أن يركز على هذه الناحية وأود أن أطلب من أصحاب العمل وموظفي الموارد البشرية أن يرحموا الخريجين الجدد، ويضعوا بعين الاعتبار أن الكثير منهم ليس لديهم القدرة على التعبير عن أنفسهم بحرية.”
حينها فقط استعدت أنفاسي، أتفق مع الدكتورة تغريد بأن على أصحاب العمل أن يرحموا الخريجين الجدد، لفترة طويلة تعامل القطاع الخاص مع الخريجين بطريقة غير منصفة، “سبب عدم توظيفنا لكم هو الخبرة، الرجاء أن تأتينا بخبرة حتى نوظفك،” فيما المنطق يصرخ أنا خريج حديث من أين لي بهذه الخبرة؟ ولا استغرب أنه خلال سنوات قادمة أن يسأل صاحب العمل الخريج الجديد:”هل أنت روبوت؟..لا..إذن شكرا لمجيئك، مع السلامة، الباب أمامك.”
أيضا من الأمور التي احتدم فيها النقاش كان موضوع الإنتماء للمؤسسة. فقد ذكرت ولاء: “مشكلتنا مع الأسف حينما نوظف المواطن ممكن بعد شهر يتركنا ويذهب لعمل آخر. أنا استثمرت فيك وعلمتك. الأفكار السلبية الناتجة عن العمالة الوطنية نحن جزء منها.” وفورا ردت دكتورة تغريد: “أنتي أيضا كصاحبة عمل تريدين شخصا يشعر أنه ينتمي إلى هذه الشركة أو هذه المؤسسة، ولكن الموظف أيضا يحتاج الى أن يؤمن بإمكانيات هذه الشركة، وهذا لن يحدث إلا إذا شعر الشخص أنه مقدر في بيئة عمله.”
وفيما حاول رئيس الجلسة الدكتور لؤي الطيار من جامعة الأعمال والتكنولوجيا التركيز على ضرورة أن تقوم الجامعات السعودية ببناء هذه المهارات في الطالب سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة، كان للدكتورة تغريد تعليق في محله: “الجامعات الحكومية جدا مكتظة، وإذا طبقوا بعض الدورات اللازمة لصقل هذه المهارات، فلن تصل فائدتها لجميع الطلبة ومثال على ذلك، في جامعة أم القرى يوجد 120 ألف طالب وطالبة أما جامعة الملك سعود فلديها 75 ألف، نحن بنتكلم عن أرقام مهولة من الطلاب.”
لا شك أن قطاع التوظيف تغير وسيستمر بالتغير بشكل كبير في السعودية وبالتحديد مع رؤية 2030، لكن مازالت هنالك قضايا تتعلق بثقة أصحاب العمل لشريحة الشباب والشابات السعوديات والمهم أن هذه القضايا يتم التركيز عليها ومناقشتها. الشباب السعودي قد يكون في معظمه متفائل بالمستقبل ولكن طاقة تفاؤلهم تواجه جيش كبير من الروبوتات بالإضافة إلى أعدائهم في سوق العمل.
More
From VICE
-
OsakaWayne Studios/Getty Images -
Screenshot: Atari -
Screenshot: Capcom -
Yolanda Mejia Carranza