يشهد السودان موجة احتجاجات متصاعدة منذ منتصف شهر يناير الجاري، رفضا لزيادة أسعار الخبز والمحروقات والكهرباء إلى جانب زيادات أخرى طالت جميع السلع ضمن توصيات صندوق النقد الدولي. ويواجه اقتصاد السودان صعوبات منذ انفصال الجنوب في عام 2011 مستحوذا على ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من النفط، إضافة إلى عقود من العقوبات الاقتصادية الأمريكية قبل أن يتم رفعها في اكتوبر.
وقد تصدر الحزبان الشيوعي، والمؤتمر السوداني الاحتجاجات وأفاد الحزب الشيوعي في بيان له أن “الطريق الوحيد لهزيمة هذا النظام هي الخروج للشارع والتظاهر لاستعادة كرامة السودانيين وحريتهم، على الشعب التظاهر ضد السياسات الاقتصادية.” ويتقدم الشباب السوداني من المستقلين وأعضاء هذه الاحزاب المشاركة في الاحتجاجات، سواء كان في الجامعات السودانية أو في الساحات العامة. وشهد السودان تظاهرات ضد رفع الدعم عن الوقود عام 2016 تم قمعها كما تم قمع التظاهرات عام 2013 ضد رفع الدعم كذلك أدت الى مقتل العشرات بسبب عنف الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين، بحسب منظمات حقوقية دولية. الأوضاع في السودان تعيد نفسها حالياً، وتعيد الأجهزة الأمنية قمع المتظاهرين بنفس الطريقة، بإستخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات مما تسبب في مقتل شخص وجرح واعتقال العديد من المتظاهرين. وعلى الرغم من تصدر الشباب لهذه المظاهرات، إلا أنه لم يكن بذات زخم الحراك الاحتجاجي في السنوات الماضية، الأسباب كثيرة، كما يخبرنا عدد من الشباب السودانيين الذين تحدثنا إليهم والذين رفضوا مشاركة صورهم خوفاً من اكتشاف أمرهم من الجهات الامنية.
سراج عمر، 29، قائد سابق في حركة “قرفنا” الشبابية
VICE عربية: كيف كانت بدايات حركة “قرفنا” في السودان؟
سراج عمر: في العام 2010 كنت وأنا واثنان من أصدقائي نبحث عن مراكز التسجيل لندلي بأصواتنا في الانتخابات الرئاسية حينها، ووجدنا صعوبة في التسجيل، وفكرنا بأن نقوم بحملة تعمل على التوعية بالانتخابات، بالاعتماد على شبكة علاقاتنا بين الشباب. تدريجياً، طوّرنا الفكرة وتوسعت مطالبنا لتشمل العمل من أجل إسقاط حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الانتخابات، ذلك أن أصواتنا لم تكن بأي حال ستذهب للحزب الحاكم، فنحن كشباب نواجه مضايقات يومية بسبب القوانين المقيدة للحريات ومن ذلك قانون النظام العام، هذا إلى جانب أننا في بلد يعاني من الحرب والتدهور الاقتصادي بسبب سياسيات الحزب، حزب المؤتمر الوطني الحاكم برئاسة عمر البشير. تأسست حركة “قرفنا” كحملة تعمل على إسقاط حزب المؤتمر الوطني عبر الدعوة والعمل الجماهيري في الأسواق والأماكن العامة، وتمكنا خلال تلك السنوات أن نخلق صوتا للشباب معارضاً للحكومة وله تمايزه عن الأحزاب السياسية.
Videos by VICE
لكن الحركة توقفت الآن، ما السبب؟
لم نكن نملك أفقا واضحا للعمل، فبعد انتخابات العام 2010 ضربت الخلافات الداخلية أجواء الحركة بشأن مستقبلها وطريقة عملها، مما جعل عدد من قادة الحركة وأعضائها يتسربون منها، وذلك أدى في نهاية الأمر إلى توقف الحركة نهائياً. لكني أعتقد أن الظروف الراهنة التي تمثل الضائقة المعيشية أبرز تجلياتها ستدفع المجموعات الشبابية بالعودة عبر إعادة تنظيم نفسها والمساهمة بفعالية في الاحتجاجات، وفعلاً شارك هؤلاء الشباب في الاحتجاجات الأخيرة وكنت أحدا منهم.
ما هو المختلف في الاحتجاجات الحالية؟
أغلب الشباب السودانيين حالياً يرون بأن الثورة في سبيل إسقاط النظام هي الحل للأزمات الحالية، وهذا هو المختلف. وأعتقد أن الوقت حان لنا كشباب أن نواصل ثورتنا ضد النظام الحاكم وضد المنظومة السياسية القديمة المتحكمة، والتي تخدم امتيازات فئة قليلة هي المسيطرة على الحكم والثروات في السودان تاريخياً. ولكن كما في الاحتجاجات السابقة، الشباب السوداني هم من يقودون أغلب التظاهرات التي اندلعت بدعوة من الحزب الشيوعي السوداني ومن تحالف قوى المعارضة، وهم أغلب المشاركين وكذلك أغلب المعتقلين.
طالبة جامعية، 19، وإحدى المشاركات في الاحتجاجات (رغبت في حجب اسمها) تم اعتقالها في 16 يناير 2018 من مسيرة الاحتجاج في وسط الخرطوم، ثم تم إطلاق سراحها لاحقاً
ما سبب مشاركتك في هذه الاحتجاجات؟
حين خرجت للمشاركة في مسيرة الاحتجاج لم أكن أفكر في نفسي، بل كنت أفكر في الناس؛ في الأسر التي لديها خمسة أو ستة أطفال في مراحل دراسية مختلفة، وكيف أن الراتب الشهري أو العائد المادي ليس كافيا لتغطية احتياجاتهم. كنت أفكر كيف سينام هؤلاء الأطفال جوعى، أو حين تفتقر الأسرة لجنيه واحد يجلبوا به رغيفة واحدة (ثمن الرغيفة صار جنيها بعد زيادات الخبز الأخيرة) ليتقاسموها فيما بينهم. إنني أطمح من خلال الاحتجاج والتظاهر إلى تغيير سياسة الدولة؛ أي أن لا أرى أطفالا ينامون جائعين دون تناولهم وجباتهم الغذائية في حين يحصل أطفال قليلون آخرون على وجبات كاملة وتعليم جيد. وهذا لن يتحقق في بلد تزداد فيه يومياً، اليوم الرغيفة بجنيه ونتوقعها غدا بجنيهين.
ويني عمر، 29، موظفة، وإحدى المشاركات في الاحتجاجات
ما الذي دفعك للمشاركة في الاحتجاجات؟
شاركت في الحراك الأخير، لإيماني بمسار التغيير السلمي وأن التغيير لن يحدث ما لم نشارك فيه جميعاً، الفعل الجماعي مطلوب بالضرورة، وخلق الأجندة المشتركة للتغيير السياسي لن يتم إلا بمشاركتنا جميعاً في كل خطوة لتشكيل المسار.
فتحي محمد، 24، ناشط وطالب دراسات عليا في جامعة الخرطوم
جامعة الخرطوم معروفة بمواقفها المعارضة لنظام الحكم الواحد، ولكنها لم تشارك في الاحتجاجات الحالية، ما السبب؟
ظلت الجامعة طوال السنوات الماضية تتقدم المعارضة السياسية بالخروج في مظاهرات ضد الأنظمة الديكتاتورية، ولكن الجامعة لم تشارك في المظاهرات الاحتجاجية التي نظمها الحزب الشيوعي قبل عدة أيام. السبب، أعتقد أن الجامعة منشغلة بإشكالاتها الداخلية مثل قضية الطالب عاصم عمر المعتقل منذ عامين في تهمة باطلة بقتل شرطي (تم الحكم عليه بالإعدام مما تسبب في مظاهرات سياسية ضد النظام) إلى جانب غياب اتحاد الجامعة، واختلال تقويم الدراسة بسبب إغلاق الجامعة عدة مرات بسبب الاحتجاجات، وكذلك محاولة معالجة قضايا الطلاب المعتقلين في الاحتجاجات الأخيرة وضمان حقهم الأكاديمي.
لديك مشكلة شخصية أخرى مع الجامعة؟
صحيح، لقد جئت من دارفور التي تعاني من ويلات الحرب وسياسة القمع والتفرقة العنصرية. وحين قدمت لجامعة الخرطوم واجهت وزملائي مشكلة تتعلق بأن إدارة الجامعة تريد أن تُرغمنا على دفع الرسوم الدراسية، في حين أننا معفيون منها كطلاب قادمين من مناطق الحرب، فنظمنا نشاطاً احتجاجياً رفضا لذلك، وكنت قد فعلا انخرطت منذ أول أسبوعين في النشاط السياسي لرابطة طلاب دارفور، وساهم ذلك في بناء وعيي تجاه مشاكل السودان السياسية والاجتماعية، ودفعني للعمل المستمر من أجل التغيير.
محمد آدم، 21، طالب بجامعة البحر الأحمر، وعضو في مؤتمر الطلاب المستقلين
ما دور مؤتمر الطلاب المستقلين في الاحتجاجات الاخيرة؟
حزب مؤتمر الطلاب المستقلين هو الذراع الطلابي لحزب المؤتمر السوداني المعارض، وقد شاركنا في الحراك الأخير بجامعة البحر الأحمر حيث تم تنظيم مظاهرة ضخمة في مدينة بورسودان حيث مقر الجامعة. نحن على قناعة تامة -قناعة منظومتنا وقناعتي الشخصية- بأن النظام الحاكم لم يعد صالحاً للحكم بأي حال من الأحوال، خلال هذه الاحتجاجات جوبهنا بقمع وحشي من قبل الأجهزة الأمنية، ولكننا سنستمر في موقفنا واحتجاجاتنا حتى تحقيق مطالبنا.
ما هي المشاكل التي تواجهكم كأحزاب طلابية؟
افتقادنا للتشبيك مع المنظومات السياسية المعارضة في مدينة بورسودان -الميناء البحري الرئيسي في السودان وحاضرة ولاية البحر الأحمر السودانية- بسبب ضعف الوعي لدى الطلاب السياسيين بمشكلاتهم التنظيمية وبضرورة توحيد الحركة الطلابية؛ هذا الضعف أفشل حراكنا بدفع جميع تكوينات المدينة بالانخراط في هذا الحراك الاحتجاجي.
فيصل بابو، 24، ناشط وطالب بكلية العلوم الإدارية، جامعة البحر الأحمر
لماذا شاركت في الاحتجاجات الأخيرة؟
لقد شاركت في المظاهرات الأخيرة التي خرجت من جامعة البحر الأحمر، إلى شوارع مدينة بورسودان حيث مقر الجامعة، لأن الأوضاع المعيشية في ولاية البحر الأحمر سيئة للغاية، وهذا ما دفعني للمشاركة في هذه التظاهرات وما سَيدفعني للمشاركة في أي احتجاجات قادمة خاصة إذا كانت تتصل بالقضايا السياسية والاجتماعية في الولاية من فقر وأمية. أننا محكومون في السودان من قبل نظام تنتهج سياسته الحروب والقمع كوسيلة للاستمرار في الحكم، ويجب علينا تغيير ذلك.
ما هي مشكلة الحراك السوداني حالياً؟
ما أعيبه في الحراك الذي حدث في الجامعة هو غياب الرؤية والتخطيط الإستراتيجي عند الفاعلين السياسيين. الحراك المدروس يقود إلى عملية مستمرة بتصور زمني، مقسم ومضبوط يضع للمواطنين رؤية تمكنهم من المشاركة، ففي الفترة الاخيرة كل الحراك كان مجرد فعل لذلك ادعو كل الفاعلين الى ايجاد طرق للاتفاق حول هدف وتخطيط يجعل من الحراك قوة ضد النظام لذلك لابد من ضبط هذا التخبط العشوائي.
More
From VICE
-
Screenshot: Alan Becker -
What a stinker of a law – Credit: Sufiyan Huseen via Getty Images -
Screenshot: Sony Interactive Entertainment -
Photo by Robert Alexander/Getty Images