السعودية تمارا المعشوق تسأل: هل يمكن أن تموت إذا لم تكن قد عشت؟

تمارا المعشوق

ولدت تمارا المعشوق، 30 عاماً، في المملكة العربية السعودية لعائلة فلسطينية، وانتقلت بعدها إلى البحرين ومن ثم الولايات المتحدة، وحصلت على درجة ماجستير من مدرسة متحف الفنون الجميلة في بوسطن، ومن ثم انتقلت إلى لوس أنجلوس. وفي يونيو 2018 تركت تمارا الولايات المتحدة للعيش في لندن في المملكة المتحدة.

كما لاحظتم، التنقل والحدود، هي أمور شخصية جداً بالنسبة لتمارا، كونها قادمة من دولة عربية، فهي تحتاج إلى تأشيرة في كل مرة تفكر فيها بالسفر وفي كل مرة ستنتظر ختم الرفض أو القبول. الحدود، التأشيرات، اللجوء هي كلها مواضيع عامة وشخصية بالنسبة لتمارا التي تركز في أعمالها الأخيرة على اللجوء وقوارب الموت والقيود الاجتماعية والوطنية. تحدثت مع تمارا عبر سكايب لأعرف أكثر عن فنها ومشاريعها الحالية.

1558427147309-Photo-1-copy
تمارا المعشوق

VICE عربية: مرحبا تمارا، دخلت عالم الفن من الهندسة المعمارية، كيف حدث ذلك؟
تمارا المعشوق: لا أظن أن دخولي عالم الفن بدأ في لحظة معينة، دائماً كنت أمثل نفسي كما أراني الآن. علمت من البداية أنني يجب أن أعمل في مجال ابداعي. لم أكن قادرة جيدة في رسم الناس، ولكنني كنت بارعة في رسم الخطوط، عندما كنت طفلة كنت أظن أن عدم قدرتي على رسم الوجوه يعني أنني لا يمكن أن أكون فنانة. ولكني كنت أهتم بالمساحات وأحب رسمها، لهذا ربما قررت دراسة الهندسة المعمارية في بوسطن. ولكن بعد فترة، وجدت نفسي في الفن وخاصة الفيديو، ولكني استخدمت بعض المهارات التي اكتسبتها خلال دراستي الهندسة المعمارية.

Videos by VICE

لماذا إخترت الفيديو؟
أركز في عملي على فيديوهات متعدد القنوات، أداء وتركيب معماري، أحب دائماً أن أعمل على شاشات متعددة ولا أقوم بتنزيل تركيب ضوئي واحد فقط. عندما أنهيت دراسة الهندسة المعمارية، أردت أن أتحول إلى شيء أكثر مرونة وإبداعاً في المساحات التي أقوم بتصميمها. لذلك اخترت دراسة الماجستير بمدرسة متحف الفنون الجميلة ببوسطن، وهناك اكتشفت حبي لفن الفيديو. فن الفيديو الذي أعمل عليه لا يمثل شاشة واحدة، بل عبارة عن شاشات كبيرة أقوم بنصبها في صالات العرض، عادة ما يكون عبارة عن خمس شاشات وكواشف ضوئية. عندما تمر بصالة العرض فستأخذك إلى عالم آخر.

تركيزي هو أولاً وأخيراً على الأشخاص أو المجموعات الذين ليس لديهم امتياز اجتماعي

أنا عادة أقوم بتمثيل الجسد الآخر، أو الجسد المتعدد ، بالأساس هو جسد أي شخص ليس بذكر أبيض متباين الجنس. لأن ما أبحث عنه هو الامتياز في الحركة في المساحات المجتمعية والجغرافية. التركيز في عملي هو على الأشياء التي أهتم بها ومنها طبعاً حقوق المرأة والنسوية وحقوق المثليين،. ويهمني موضوع اللاجئين والحدود، لأن تركيزي هو أولاً وأخيراً على الأشخاص أو المجموعات الذين ليس لديهم امتياز اجتماعي.

1560069953497-Can-You-Die-If-You-Dont-Exist-1
تمارا خلال قراءتها قائمة اللاجئين الموتى من مشروع ?Can You Die If You Don’t Exist

حدثيني أكثر عن مشروعك الأخير “هل يمكن أن تموت إذا لم تكن قد عشت” (ترجمتي). قراءتك لقصص اللاجئين الموتى تقشعر له الأبدان.
مشروعي الأخير بعنوان (?Can You Die If You Don’t Exist) هو عمل يتحدث عن قائمة تضم 34،361 لاجئ -رجال ونساء وأطفال -لحقوا حتفهم خلال محاولتهم الهجرة إلى أوروبا الـ خلال 25 السنة الأخيرة. وتشمل القائمة التي تم نشرها في صحيفة The Guardians البريطانية على اسم وجنس وعمر الشخص، وبلدهم الأصلي، وكيف ومتى مات في قائمة امتدت على 52 صفحة.

حوالي 95% من اللاجئين الذين يتواجدون في القائمة كانوا مجهولي الهوية، ليس لديهم أسماء، الكثير منهم كانت جثثهم متحللة بحيث لا يمكنك معرفة هويتهم

لقد عملت على هذا الأداء مع جمعية Deep Lab، والتي أنا عضو فيها، وقمت بقراءة القائمة كلها، جميع من مات في رحلته نحو حياة أفضل، لم استطع التوقف عند أي تفصيل -وهذا ما تطلب ساعات من القراءة. اخترنا هذا العنوان (هل يمكن أن تموت اذا لم تكن قد عشت) لأن حوالي 95٪ من اللاجئين في هذه القائمة كانوا مجهولي الهوية، ليس لديهم أسماء، الكثير منهم كانت جثثهم متحللة بحيث لا يمكنك معرفة هويتهم، معظم التفاصيل مفزعة، مثل: صبي، سنتين، العراق، مات متجمداً في ثلاجة شاحنة نقل خلال محاولته اللجوء من تركيا الى اليونان (0:25 في الفيديو). أديت العمل في مكان عام في فضاء York Mediale حيث كانت الناس تمر وتعود لاحقاً وتتسأل عن كيفية صمودي لـ 10 ساعات متواصلة. خلال الأداء، كانت الناس تقترب مني وتضع الزهور والدببة وتقول لي شكراً، كانت لحظات جميلة من التواصل الإنساني.

قمت بذات القراءات في المكسيك أيضاً؟
صحيح، شاركت في برنامج زمالة للفنانين مع مركز للفنون والموارد الاجتماعية، وقد حصلت على إقامة فنان في المكسيك. وهناك فكرت بإعادة أداء مشروع ?Can you die if you don’t exist لكن مع تغيير بعض التفاصيل. أردنا أن نجعل المشروع أكثر محلية، وقررت العمل مع متعاون لتحضير لائحة بأسماء اللاجئين الذين لقوا حتفهم خلال محاولاتهم الوصول الى الولايات المتحدة عبر المكسيك، وأضفت بعض التفاصيل من قائمة اللاجئين الذين حاولوا العبور إلى أوروبا، واجتمع عدد من الفنانين للقراءة اللائحة تحت عنوان We Exist.

أعطيت كل فنان صفحة من القائمة الأوروبية وصفحة من القائمة المكسيكية، كان هناك مزج بين اللغة الإسبانية والإنجليزية حيث استمر الأداء لـ 18 دقيقة. بدأت بقراءة جملة واحدة من القائمة، وتبعني الفنانون الآخرون بقراءة باقي الصفحات في نفس اللحظة. كانوا يقرؤون جمل مثل: بدون اسم، رجل، سوريا، قتل من قبل حارس الحدود في محاولة للعبور الحدود السورية التركية. أشعر بالقشعريرة عندما أتذكر ذلك الآن، فلم أتوقع مدى قوة ذلك الأداء، لقد كان عملاً قوياً ومؤثراً فعلاً.

1560070397345-We-Exist-Existimos-1-1
We Exist
1560070414968-We-Exist-Existimos-2

قضية الحدود هي قضية عالمية ولكنها أيضاً شخصية بالنسبة لك؟
صحيح، لدي تجاربي الخاصة مع الهجرة طوال حياتي. لدي جواز سفر عربي، وأحتاج إلى تأشيرة، بشكل دائم، عندما ذهبت للدراسة في الولايات المتحدة وبعدها للندن، كنت أضطر للتقديم على تأشيرة، وكان يجب على أن أتعامل مع مختلف المؤسسات ومختلف برامج الهجرة. كل تلك العملية صعبة جداً. برامج الهجرة بشكل عام تعطي الأسبقية للمتميزين فقط، حيث يمكنك أخذ فيزا إقامة أو جواز سفر بسهولة إذا كنت ستستثمر في بلد معين. ولكن يوجد شك ورفض إذا احتجت إلى طلب اللجوء إلى بلد آخر إذا كان بلدك غير آمن. جدتي خرجت من فلسطين بعد نكبة عام 1948 في قارب، والداي خرجا من لبنان خلال الحرب الأهلية، وهناك كثيرين مثلنا لديهم تاريخ طويل في اضطرارهم لترك بيوتهم. اضطرت عائلتي لترك كل شيء والتنقل كثيراً. كل هذه الأشياء، بلورت لدي فكرة العمل عن مشاريع تتكلم عن الحدود.

من هنا جاءت فكرة مشروع I Exist؟
مشروع I Exist قمت بتصويره في لندن عندما عدت من المكسيك. الفيديو هو عن فكرة استوحيتها من الرجوع إلى الألفة. لقد قرأت تلك القائمة لمدة عشر ساعات وأحسست أن قصص هؤلاء اللاجئين مدفونة بداخلي، وبدا الأمر غريباً وسريالياً أن أقرأ كل تلك التفاصيل وأن أرجع إلى بيتي في المساء، أرجع إلى تلك الألفة والحياة العادية وكأن شيئاً لم يكن.

عندما كنت أغسل وجهي في البيت، كنت أرى المحيط، عندما كنت أغلق عيناي كنت أشعر أنني أغرق

ولكن الأمر لم يكن سهلاً، عندما كنت أغسل وجهي في البيت، كنت أرى المحيط، عندما كنت أغلق عيناي كنت أشعر أنني أغرق. خلال قراءتي للقائمة وجدت فقرة تتحدث عن مجموعة من الأطفال والأشخاص من سوريا، تم تجاهل اتصالهم بالطوارئ وغرقوا كلهم، بحثت عن اتصال الطوارئ الذي تم تجاهله واستمعت إليه، مكثت أصواتهم التي تصرخ للمساعدة في بالي ولم أقدر على نسيانها. هذا المشروع هو تعبير عن كل ذلك.

1558427008991-I-Exist-Video-Still-Left-Channel
I Exist
1558427021949-I-Exist-Video-Still-Right-Channel

هل تشعرين أن كونك فنانة عربية تعيشين في الخارج ساعدك أم كان حاجزاً أمامك؟
أشعر أن الناس من حولي أرادتني أن أتحدث عن نفسي كفنانة عربية، عن التحديات التي أواجهها. ولكن الحقيقة لم تكن كذلك. لقد نشأت في بيئات غربية مختلفة والتي كانت تساند الفن الذي أمارسه، كنت ولا زلت محاطة بالفن والفنانين في البيئة التي أعيش فيها. عندما يتعلق الأمر بالفن الذي أقوم به فإن المعظم يتوقعون مني أن أتحدث عن الاضطهاد الذي يمكن أن أكون قد عانيت منه. وهو ما رفضته من البداية. لاحقاً وجدت أن هناك طريقة للتكلم عن عروبتي بدون محاولة إنكارها. عندما أعرض فني في صالات العرض ويأتي إلي شخص غربي ويقول أنني “كعربية” كسرت بعض القيود من خلال فني أو شخصيتي أو حتى ملابسي، أشعر بالانزعاج ولكنني أحاول التركيز بنفس الوقت على أنها فرصة لإظهار نسخة مختلفة من العروبة أو العرب. هناك الكثير من الصور المختلفة عن العالم العربي، صور غير نمطية لا يعرفها الغرب بالضرورة، أو لا يريد رؤيتها. نحن مختلفين، لسنا نسخة واحدة، ولكن هناك كثيرون يشبهونني أيضاً، شباب عرب يرتدون ملابس مختلفة ويضعون الوشوم.

1560071649169-Self-Portrait-Video-Still

هل كان هذا هو دافعك لادخال اللغة العربية في أعمالك؟
في السنوات الأخيرة أردت إعادة الاتصال بعروبتي وتمثيلها بالطريقة التي أراها مناسبة، وهذا ما جعلني أستعمل اللغة العربية في صوتي على الفيديوهات. في البداية، لم أكن واثقة جداً لاستعمالي للعربية بسبب لهجتي المختلطة بين البحرينية والسعودية، واللبنانية. لكنني أدركت بعد ذلك أن لهجتي هي تمثيل لهوياتي وحياتي وحتى الحدود التي قطعها أسلافي. أنا أعمل على تمثيل النسخة العربية مني، هدفي هو تنويع صورة المرأة العربية.

1558427671072-Parrhesia-1
Parrhesia
1560070107741-Parrhesia-3
1560070144156-Parrhesia-4

هل تنوين عرض أية أعمال في الشرق الأوسط؟
نعم بالتأكيد. لدي خطط للذهاب إلى دبي والبحرين، وأنوي أن أصور فيلماً هناك، وأنا الآن أعمل على مشروع الذي أريد أن أعرضه في البحرين. المشروع اسمه Parrhesia (والتي تعني الصراحة باللاتينية) هو عبارة عن تراكيب فيديوهات عن طريق خمس شاشات. العمل يتحدث عن الأقليات في المجتمعات العربية والأحكام الجاهزة عليهم. التركيب الهندسي في الفيديو يمثل أي هيكل قد يشكل أو يحكم على حياة الشخص، أخذت كل هذه الهياكل/القيود وقمت بإشعال النار بها. أقوم حالياً بكتابة النص الذي سأقرأه في الفيديو والذي سيكون عبارة عن جمل غير مترابطة كالحب، صداقة، علاقات، حريق، سخيف، استهلاك، خيانة، مجتمع، جنس، غضب، خسارة، ضياع…”