ثقافة الأحذية الرياضية في دبي: ما بين الهواة والمهووسين

عندما كان علي مارش صبياً صغيراً في بلدة دوفر في المملكة المتحدة، رفض والداه شراء الأحذية الرياضية التي كان يرغب بها. كمشجع لكرة السلة، كان علي يحلم بامتلاك زوج من نايك اير جودران (Nike Air Jordan’s)، ولكن في كل عام، كانت تذهب محاولات علي بإقناع والديه بشراء ذلك الزوج من الأحذية الرياضية أدراج الرياح، حتى حصل أخيراً على حذاء جوردان الذي يحلم به في سن الـ 17. “سعادة فقط” يقول علي عن تلك اللحظة التي عاد فيها الى البيت حاملاً حذائه المفضل. اليوم، يمتلك علي، البالغ من العمر 36 عاماً، أكثر من 70 زوجاً من الاحذية في منزله في دبي. بعد انتقاله من لندن إلى دبي قبل ثلاث سنوات، حاول علي، الذي يعمل كمدير لخدمة العملاء في متجر متخصص ببيع الماركات العالمية، ايجاد “جماعته” من محبي الاحذية الرياضية في المدينة ولكن ذلك لم يكن سهلاً. “كانت ثقافة جمع الأحذية الرياضية معروفة فقط لعدد بسيط من الناس،” يقول علي مشيراً إلى أنه خلال السنوات القليلة الماضية، توسعت ثقافة الأحذية الرياضية لتشمل عدد أكبر من الناس وأيضاً الكثير من المال.

ظهرت ثقافة الاحذية الرياضية لأول مرة في الولايات المتحدة في الثمانينيات عندما بدأت مجموعة من الأشخاص بجمع أحذية كرة السلة وأبرزها نايك اير جوردان التي صممها لاعب كرة السلة المعروف مايكل جوردان. تدريجياً، خرجت هذه الثقافة من الولايات المتحدة إلى المملكة المتحدة وبعض أجزاء من أوروبا. وقدرت شركة سبورتسونسورس، وهي مجموعة أبحاث السوق للسلع الرياضية والأحذية الرياضية، أن سوق الأحذية الرياضية الدولية قد نما بأكثر من 40٪ منذ عام 2004 إلى صناعة تبلغ قيمتها 55 مليار دولار.

Videos by VICE

علي مارش في “سول كي اكس بي”

لم تنتشر هذه الثقافة في منطقة الشرق الأوسط، باستثناء دبي، المعروفة بمتابعتها الاتجاهات الدولية، حيث بدأ عدد متزايد من الأشخاص بالاهتمام بالأحذية الرياضية، وأصبح مشهد الناس وهم يصطفون لساعات أمام محلات بيع الأحذية في المولات للحصول على زوج من الأحذية ذات الإصدارات المحدودة مشهداً طبيعياً. “قبل حوالي عام ونصف، لم يكن هناك أي إهتمام بعالم الأحذية الرياضية، في معظم الحالات، الأشخاص الذين بدأوا بالاهتمام بشراء وجمع هذه الاحذية، هم نفس الأشخاص الذين كانوا يصرفون أموالهم على الماركات العالمية والملابس الفاخرة سابقاً، لكنهم اليوم يتركون أحذية غوتشي لشراء سنيكرز.”

تامر جعفر، 30 عاماً، لاحظ أيضا هذا التغيير في العالم. تامر، الذي يعمل في مجال تنظيم الأحداث المتعلقة بثقافة الشارع مثل الرقص، كرة القدم الحرة وكرة الشارع، هو من هواة جمع الأحذية الرياضية. “قبل عدة سنوات، كان من الصعب الحصول على آخر صيحات الموضة من الاحذية الرياضية، كنت ابحث في كل مكان في دبي، وعادة ما كنت أجد زوجاً رياضياً رائعاً في تلك المحلات الصغيرة في مناطق مثل الكرامة والسطوة. في أحيان أخرى وإذا كنت محظوظاً يمكن أن أجد زوجاً من الأحذية التي لم يتم إطلاقها في المتجر الرئيسي وانتهى بها الأمر في اوتليت مول بأسعار مخفضة. لقد وجدت بعض الأحذية الثمينة في محلات لا يمكن تتوقعها،” يقول تامر. بدأ تامر، الذي نشأ في لندن وهو من أصول مصرية، في جمع الاحذية الرياضية في سن الـ12. في عام 2010 وبعد أن استقر في دبي، بدأ بجمع هذه الأحذية بشكل أكثر جدية لأنه أصبح أكثر قدرة على تحمل تكلفتها والآن تضم مجموعته من ما يقرب من 200 حذاء رياضي.

حبي للأحذية يأتي من حبي للموضة فأنا أختار زوج من الأحذية أولا ثم ماذا سأرتديه ثانياً

“أنا فقط أقوم بجمع الأحذية التي أحبها، فأنا أقدر التصميم، أقدر التفاصيل الصغيرة في الأحذية التي أقوم باقتنائها،” يقول تامر مشيراً إلى أنه يمتلك عدد من الأحذية في مجموعته لا تناسب قدمه، ولكنه قرر شرائها لأنها أعجبته. وخلافا لمعظم جامعي الأحذية الرياضية اليوم، يشير تامر إلى أنه نادراً ما قام بشراء الأحذية الرياضية اونلاين، فهو يفضل أن يدخل القرعة قبل إصدار زوج جديد من الأحذية الرياضية حيث يتم اختيار عدد قليل من المشترين بشكل عشوائي للحصول على فرصة شراء هذه الأحذية. أو أنه يضطر إلى الوقوف في طابور خارج المتجر لشراء آخر الاصدارات لأنه يفضل أن يكون هناك قصة متعلقة بكيفية حصوله على هذا الحذاء أو ذاك. “أنا أحب التخييم camping خارج المتاجر وانتظار مجيء دوري لشراء الحذاء، لأن هذا جزء من هذه الثقافة،” يقول تامر موضحاً أنه يعني بالتخييم تشكيل طابور خارج متجر في الليلة التي تسبق إصدار الأحذية الجديدة من أجل أن يكون الأول لشرائه قبل نفاد المخزون. بالنسبة إلى تامر، الأمر لا يتعلق فقط بالأحذية الرياضية بل بالتجربة نفسها، حيث انه يستمتع بوجود أشخاص آخرين يشاركونه نفس الاهتمام، وهم من جميع الفئات العمرية فقد تتراوح أعمارهم بين 40 عاماً الى إشخاص في عمر المراهقة.

تامر جعفر بين مجموعته- تصوير: بسنت ربيع

أسماء العلوسي أيضاً من محبي “التخييم” خارج المحلات، حتى عندما لا تحصل على الحذاء الذي تريده في النهاية. فالطالبة البالغة من العمر 22 سنة ترتدي مقاس حذاء 5.5، وهو مقاس صغير لا يتم إطلاقه في كثير من الأحيان في المتاجر في دبي. لكن أسماء لا تزال تتمتع بكونها جزءاً من هذه الثقافة لدرجة أنها قضت ليلة كاملة خارج محل أحذية مع صديقها من أجل خوض التجربة فقط. “معظم الإصدارات الأخيرة التي يتم إطلاقها في دبي تناسب مقاسات أقدام الرجال، ولكني أحاول التسجيل في القرعة في كل مرة، حتى مع أن لدي فرصة أقل للحصول على زوج الاحذية الذي أريده.” ونتيجة لصغر مقاس قدمها، فإن مجموعة العلوسي من الأحذية الرياضية لا تزيد عن 20 زوجاً. “حبي للأحذية يأتي من حبي للموضة فأنا أختار زوج من الأحذية أولا ثم ماذا سأرتديه ثانياً.”

وبخصوص المال الذي تصرفه لشراء هذه الأحذية، تؤكد أسماء أنها اشترت كل مجموعتها من الأحذية من أموالها الخاصة، فهي تعمل حتى وهي لا تزال طالبة. “شراء زوج سنيكرز هو بمثابة هدية لنفسي، كلما ادخرت بعض من المال، عادة ما أقوم بصرفها على شراء الأحذية الرياضية.” على الرغم من الاهتمام المشترك “المفترض” فإن ثقافة الاحذية الرياضية في دبي غالباً ما توصف بأنها منقسمة، كما يقول رامي عفيفي، مصمم أزياء، انتقل إلى دبي قبل أربع سنوات من الأردن: “هواة جمع الأحذية منقسمين ما بين الذين يجمعون الأحذية منذ 10-15عاماً، وما بين محبي الصيحات أو ما يسميهم hypebeast kids الذين يتأثرون بالتريندز وآخر صيحات الموضة.”

اسماء العلوسي- الصورة مقدمة منها

ويقول رامي، الذي تربى في المملكة العربية السعودية، إنه لم يكن محاطاً بهذه الثقافة خلال فترة مراهقته، ولكنه بدأ يهتم بها بشكل أكثر جدية في عام 2006 حيث أنه من هواة الجمع بطبيعته فهو يحب جَمع الكتب المصورة وألعاب الفيديو. ولدى عفيفي الآن ما يتراوح بين 70 و 80 سنيكرز جمعها على مر السنين، ويضع لنفسه حد قدره 1،500 درهم لإنفاقه على الأحذية كل شهر، وهو رقم أصبح من الصعب التقيد به مع سهولة الوصول إلى الأحذية الرياضية الجديدة في دبي. “في السابق، كنت ابحث عن الأحذية الرياضية على الإنترنت أو انتظر حتى يكون لدي سَفرة إلى الخارج للحصول على زوج جديد أو الاعتماد على المحلات الأساسية التي كانت متاحة آنذاك مثل نايك وأديداس،” يقول رامي. اليوم هناك متاجر متخصصة للأحذية الرياضية، كما أن دبي تنظم المهرجان الأول في المنطقة المتخصص بثقافة الشارع “سول دي اكس بي” SOLE DXB حيث يستعرض أصحاب العلامات التجارية آخر تصاميمهم في عالم الأحذية الرياضية والأزياء والموسيٍٍقى وكل ما يتعلّق بالمبتكرات العصرية.

رامي عفيفي- الصورة مقدمة منه

ويشير كريس بالريت، أحد مؤسسي مهرجان سول دي اكس بي، أنه عندما تم تنظيم الحدث للمرة الأولى قبل سبع سنوات، كانت ثقافة الأحذية الرياضية غير موجودة في المنطقة. بدأ كل شيء عندما التقى كريس مع المؤسس الشريك حسين مولوبهوي في فعالية خاصة بماركة بوما وتحدثا عن اهتماماتهما المشتركة بالأحذية الرياضية والهيب هوب وكرة السلة. بعد هذا اللقاء، قرر كريس، الذي نشأ في دبي، إنشاء صفحة على فيسبوك من أجل مقابلة المزيد من الأشخاص الذين يتقاسمون هذه الاهتمامات في دبي. من خلال هذه الصفحة، أعلن شريكهم الثالث، جوشوا كوكس أن لديه الحق في عرض فيلم “سر الاحذية الطائرة” وهو فيلم وثائقي يستكشف ظاهرة الأحذية التي يتم القاؤها على خطوط التليفونات في بعض المجتمعات في الولايات المتحدة. اتفق الثلاثة على عرض الفيلم وتم دعوة الجمهور إلى مركز الفنون في شارع السركال لمشاهدة الفيلم، وكان الدخول مجانياً طالما كنت ترتدي سنيكرز.

“كنا نتوقع حضور حوالي 200 شخص، ولكن بنهاية العرض كان هناك أكثر من 1،000 مشاهد من مختلف مناحي الحياة،” يقول كريس. ومنذ ذلك الحين، بدأت فكرة تنظيم “سول دي اكس بي،” المهرجان الذي نمى بشكل كبير خلال السنوات السبع الماضية، كما يوضح كريس: “ارتفع عدد المشاركات بشكل كبير، من مشاركة 12 علامة تجارية في الحدث الأول في عام 2010 إلى أكثر من 200 علامة تجارية في ديسمبر آخر العام الماضي.” “قبل سبع سنوات، لم يكن هناك شيء، لم يكن المشهد موجوداً،” يضيف كريس مشيراً الى أن العلامات التجارية العالمية تدرك اليوم أن هناك سوقاً للأحذية الرياضية في دبي، وترى أنها مدخل إلى سوق الشرق الأوسط ككل. على مر السنين، شهد كريس تطور ثقافة الأحذية الرياضية في دبي أمام عينيه، ويعزو ذلك الى الانترنت. “في الماضي، كان من الصعب جداً الحصول على آخر صيحات سنيكرز ولكن الآن يمكن للجميع القيام بذلك،” يقول كريس مشيرً الى أن الأطفال الأصغر سناً بدأوا بتقبل هذه الصيحة فضلا عن البائعين الغير رسميين.

ويذكر تامر أنه أجرى محادثة مع أحد البائعين، الذي اعترف له بأنه اشترى 12 زوجاً من الأحذية الرياضية، كل منهما بـ 500 درهم، وبعد ذلك باع كل زوج بـ 5،000 درهم

يشار الى أن سوق إعادة البيع هو جزء كبير من تجارة الأحذية الرياضية في كل مكان، حيث يشتري الموزعون الأحذية بسعر التجزئة ويبيعونه بسعر إعادة بيع أعلى بكثير، وتقدر هذه السوق بنحو مليار دولار في جميع أنحاء العالم، وفقا لمقال صدر مؤخرا في مجلة فوربس. ويقول مارك دي ليون، مدير مبيعات في متجر رياضي يعيش في دبي منذ عام 2010، أن سعر إعادة بيع زوج من الأحذية الرياضية يعتمد على الكمية والمقاس ونوع الاصدار الخاص من الأحذية. على سبيل المثال، يقول مارك أن زوج من أديداس ييزي، التي هي تعاون مع مغني الراب كاني ويست، قد يصل سعرها الى 895 درهم بأسعار التجزئة ولكن غالباً ما يرتفع السعر بنسبة 100-150٪ في إعادة البيع. “في دبي، هناك الكثير من الذين يقومون باعادة البيع الآن،” يقول مارك ويضيف: “الجميع يريد أن يكون رجل أعمال، الجميع يريد قطعة من الكعكة.”

مارك، الذي لديه نحو 80 زوجاً من أحذية سنيكرز، يقول أنه يقوم ببيع الأحذية الرياضية التي لم يعد يستخدمها من أجل استخدام تلك الأموال لشراء أحذية رياضية جديدة. “هناك جوانب جيدة وسيئة للثقافة، فهناك من يحبون جمع هذه الأحذية وهناك ما يربطهم بهذه الثقافة، وهناك من يقومون بشراء الأحذية من أجل إعادة البيع فقط.” وفقاً لمارك، هناك بعض المجموعات المتخصصة بهذه الثقافة على الإنترنت في دبي التي تحاول تنظيم إعادة البيع من خلال التهديد بإخراج الأشخاص من المجموعة إذا قاموا برفع سعر إعادة البيع أكثر من 200 درهم من السعر الأصلي. ولكن ذلك لا يبدو أنه يؤدي إلى ردع البائعين. تامر وأسماء لاحظوا أيضاً ارتفاع عدد في البائعين في طوابير التخييم أمام المحلات للإصدارات الجديدة. “ترى كثير من الناس يقفون بالطابور وتنظر إلى الاسفل وترى أنهم يرتدون الصنادل، فتعرف بلحظتها أنهم ليسوا من عشاق الأحذية الرياضية،” يقول تامر. ويذكر تامر أنه أجرى محادثة مع أحد البائعين، الذي اعترف له بأنه اشترى 12 زوجاً من الأحذية الرياضية، كل منهما بـ 500 درهم، وبعد ذلك باع كل زوج بـ 5،000 درهم. ولأن دبي تعتبر دولة ثرية، فإن مبلغ الربح من إعادة البيع مرتفع. “دبي هي البلد الأكثر هايب بيست في العالم،” يقول مارك. ويضيف أن الناس تنفق مبالغ كبيرة من المال من أجل الحصول على آخر صيحة وذلك يغضب المجموعة الاصلية من هواة جمع الاحذية الذين يطلقون على انفسهم لقب OGs أو الاصليين.

رامي عفيفي، علي مارش وصديقهم- الصورة مقدمة من علي

يقول رامي: “إذا كنت تملك المال، يمكنك شراء أي شيء. ولكن الشيء المهم في جمع الأحذية هو إنها هواية مكلفة، إذا كنت تشتري الأحذية من أجل شرائها فقط، فربما يمكنك أن تطلق على نفسك لقب جامع الأحذية، يمكنك أن تبدو وكأنك هاوي، ولكن ليس هناك الكثير من المصداقية لذلك.” قد يكون أكثر الشخصيات شهرة في مجتمع الهايب بيست هو راشد بالحصا، 15 عاماً، المعروف أيضا باسم ماني كيكس على حسابه في إنستاغرام. بالحصا يمتلك ما يقرب من 2،000 زوجاً من الأحذية الرياضية وأنفق في مناسبة واحدة حوالي 5،000 دولار على زوج واحد.

ويشكو علي من أن أعضاء جامعي الأحذية أصبحوا الآن أصغر سناً، من أواخر العشرينات والثلاثين إلى السادسة عشرة من العمر الذين يفهمون القليل عن التاريخ والثقافة وراء الأحذية الرياضية. يقول علي: “هناك فرق كبير في تقدير الأحذية الرياضية،” مضيفاً أن معظم محبي الأحذية الرياضية يشترون الأحذية التي لم يكونوا يستطيعون تحمل نفقتها في صغرهم، فهو نوع من الحنين إلى الماضي. ولكنه يشير الى أن بعض الفعاليات مثل “سول دي اكس بي” تقوم بما في وسعها لتثقيف القادمين الجدد. وينهي رامي بالقول: “المشهد حالياً لا يزال في مراحله الأولى، لذلك من الصعب الحكم. هناك بعض الذين يركبون هذه الموجة اليوم، ولكن مع مرور الوقت الضجة سوف تخف، وفقط أولئك الذين لديهم ارتباط حقيقي هم الذين سيبقون.”

@PassantRabie