بدأ رضا رابحي (34 سنة) حديثه بكلمات تونسية “سي قارو يتحكملك في حياتك و هذا علاش يسموه سي قارو في تونس”، التي تعني أن (السيدة سيجارة تتحكم بحياتك و لهذا يطلقون عليها لقب السيدة في تونس). يستذكر رضا تجربته القديمة قائلاً “لقد كنت مستهلكا يوميًا للحشيش (ما يعبر عنه بالزطلة في تونس) أدخن أكثر من 3 سجائر يوميًا، بعد سنتين، انقطعت تمامًا، وفي أحد الأيام و أنا عائد من بيت أحد الأصدقاء أوقفتني الشرطة، فتشوني ولما لم يجدوا شيئًا أودعوني السجن ثم في الصباح ذهبت للتحليل و تمت إحالتي إلى القضاء الذي حكم عليّ بالسجن لمدة سنة بتهمة الاستنشاق، وهي قضية معروفة ومضحكة في تونس.
أثرت هذه التجربة على حياة رضا الذي تم طرده من الدراسة بعد دخوله السجن، إضافة إلى تعرضه إلى متاعب كبيرة بعد خروجه من السجن. كثيرون مثل رضا يقبعون في السجون المظلمة في تونس بسبب قانون 52 والذي يعاقب بالسجن كل من يتعاطى هذه المادة.
Videos by VICE
قصة رضا وقصة آخرين دفعت بجمعيات من المجتمع المدني قبل سنتين إلى الضغط من أجل تعديل القانون الذي حوكم بموجبه آلاف الشباب، والذي يفرض على مستهلكي المواد المخدرة عقوبة تترواح ما بين سنة و5 سنوات سجن، وغرامة تراوح بين ألف و3 آلاف دينار (500 إلى 1500 دولار). بعد ضغط و مشاحنات ووقفات احتجاجية طويلة تغير القانون ليصبح أكثر مرونة وليعطي القاضي حرية أكثر للاجتهاد في قضايا الاستهلاك وأصبح بإمكانه إصدار أحكام تتراوح ما بين السجن لمدة يوم واحد وحتى خمس سنوات، مع إمكانية إصدار العقوبة مع تأجيل التنفيذ، أو غرامة مالية، لكن هذا التعديل لم يرضي قطاعات كبيرة من الشباب ومنظمات المجتمع المدني.
حالة عدم الرضا خلقت ما يسمى بـ “الائتلاف من أجل تقنين القنب الهندي”، وهو ائتلاف يتكون من 30 شخصية مستقلة من نشطاء المجتمع المدني، ومن خلال مبادرة قانون أعدها يسعى إلى تقنين زراعة و استهلاك (تعاطي) مادة القنب الهندي في تونس وجعل الدولة مسؤولة عن ذلك. وتتضمن تفاصيل المبادرة السماح باستهلاك الحشيش (الزطلة) لمن يتخطى سنهم 18 سنة، وترويجها تحت إشراف مؤسسة حكومية على غرار التبغ. و يرى الائتلاف في دراسة أشرف عليها خبراء أن تقنين القنّب الهندي سيمكن من الحد من الجريمة ودعم الاقتصاد وتوفير فرص عمل جديدة، مشيرًا إلى أن عائدات الزطلة ستخصص – حسب المبادرة – لصالح وزارات الشباب والرياضة والصحة والتربية لدعم إنشاء دور الثقافة ومراكز مكافحة الإدمان.
من جهة أخرى يعتمد الائتلاف في مبادرته على نموذج دولة الأوروجواي في تقنين وزراعة القنب الهندي. ويضم الائتلاف مجموعة كبيرة من المستقلين الناشطين في المجتمع المدني، إضافة إلى نواب من البرلمان وممثلون عن الأحزاب الحاكمة. ومن المقرر عرضه على البرلمان بعد الانتهاء من حلقات النقاش.
من جانب آخر، تبنى المحامي التونسي قيس بن حليمة مبادرة مختلفة، تقتضي إلى البدء بتجربة تشريع زراعة القنب الهندي في مدينة واحدة بتونس (مدينة سليانة) التي تقع غربي العاصمة تونس، والتي عانت كثيرًا من التهميش الذي انعكس على وضعها الاقتصادية. وتقتضي مبادرة بن حليمة، حال نجاح تجربة سليانة، إلى تعميم المشروع على بقية المحافطات التونسية. اعتمد المحامي الحقوقي في التحضير لمشروعه على دراسة تم فيها استدعاء عدد كبير من الخبراء في مختلف الاختصاصات إضافة إلى استطلاعات الرأي لمعرفة وجهة نظر الشارع. و كانت تضاهرة تداكس قرطاج لسنة 2018 أول مناسبة يقدم فيها المحامي قيس بن حليمة مشروعه.
تقول الدراسة التي تم الاعتماد فيها على تجربة ولايتي واشنطن و كولورادو الأمريكيتين أن المشروع سيوفر أرباحًا تصل إلى 100 مليون يورو لو تم تعميمه على جميع المحافظات، وسيؤدي لجلب أكثر من 150 ألف سائح سنويًا وتوفير 3000 فرصة عمل.
رداءة الوضع السياسي حسب قول بن حليمة، دفعت به إلى إطلاق حزب جديد تحت مسمى “حزب الورقة”، وهو حزب غير تقليدي يسعى إلى الابتعاد قدر الإمكان عن الممارسات التقليدية للسياسة، كما أنه لا يسعى إلى الحصول على رخصة نشاط، وهو بمثابة مجموعة أفكار ومبادئ يقول قيس أنها في صلب إهتمامات الشباب التونسي. و في سؤالنا حول إذا ما كان حزب الورقة سيدخل معركة الانتخابات القادمة قال بن حليمة: “سندخل الانتخابات القادمة بنوع جديد من الممارسة السياسية بعيدًا عن الأحزاب، لنا طرقنا في ممارسة السياسة و لنا حظوظ كبيرة في الفوز”.
يدعو حزب الورقة إلى الرفع الفوري للتجريم القانوني والاجتماعي عن مستهلكي القنب الهندي، كما يدعو إلى إلغاء كل القوانين التي تعاقب على الاستهلاك. يوجد في تونس و حسب الإحصائيات الرسمية أكثر من 3.5 مليون مستهلك للمخدرات، منهم ما يقارب 300 ألف مدمن، و يقول بن حليمة إن المدمن و حسب التقارير العالمية في تعريفاتها هو شخص مريض فكيف يتم إيداع شخص مريض السجن.
من جهة أخرى اعتبر طارق الفتيتي، النائب بمجلس نواب الشعب التونسي، أن كل ما يتعلق بمبادرة لتقنين زرع القنب الهندي إنما يدخل في نطاق إثارة الجدل و منطق خالف تُعرف: “هذه المبادرات أضغاث أحلام ولن تطبق في تونس أبدًا، نواب مجلس الشعب لديهم أمانة وهي إيصال صوت ناخبيهم وضمان عيش كريم لهم والسعي إلى تطوير مستوى العيش و ليس زرع المخدرات”.
يعتبر الفتيتي أن مثل هذه المبادرات لا تتعدى أن تكون قضايا جانبية تدخل في إطار المطلبية المشطة، كما يؤكد على أن هناك دول سبقت تونس بأشواط كبيرة في الديموقراطية لم تتطرق إلى مواضيع مثل هذه. لكن رأي النائبة خولة بن عايشة يختلف تمامًا الاختلاف عن الفتيتي إذ قالت “بن عايشة” إنها ستصوت على أي مبادرة تدعو إلى إلغاء الأحكام الجزائية لمستهلكي القنب الهندي. وأضافت: “أعتقد أن العقاب ليس له أي تأثير على توجه المستهلك نحو الانقطاع عن استهلاك هذه المادة”. أما فيما يتعلق بمبادرة تقنين زرع المخدرات فتقول: “إنه في ضمان تطبيق جيد للقانون و في تهيئة أرضية ملائمة يمكن التصويت على مبادرات مثل هذه”.
شاركت “بن عايشة” في عدد من حلقات النقاش حول قانون 52، و كان من بين الفاعلين الأساسيين في تغيير صبغة القانون العقابي. لكن تردد النائبة نابع من خلفيات المجتمع المحافظة والنفاق الاجتماعي الذي يعاني منه، والذي يجب العمل عليه على المدى الطويل حسب رأيها.
لا يمكن ضمان في ما إذا كانت هذه المبادرات ستلقى طريقها نحو البرلمان، لكن المهم في القصة أن الجميع يتفق على إعادة الحسابات في النظر إلى مادة القنب الهندي أو الحشيش أو الزطلة على اختلاف تسمياتها في الوطن العربي، وفي القوانين التي تعاقب عليها والتي من شأنها أن تؤثر على مستقبل شباب مثل “رضا”، الذي قال في نهاية حديثه: “لو لم أدخل السجن لواصلت دراستي، ولكان حالي أفضل اليوم. عاقبوني لأني جلست مع أصدقاء يدخنون سجائر محشوة بالقنب الهندي”.
More
From VICE
-
Illustration by Reesa -
Screenshot: Studio Imugi -
Patrick Pleul/Picture Alliance via Getty Images -
Billie/TikTok