في 19 أغسطس ٢٠٢٠، اغتيلت الناشطة العراقية رُهام يعقوب، 31 عاماً، عقب إطلاق مسلحين ملثمين النار على سيارتها، بينما أُصيب ثلاثة آخرين كانوا رفقتها. عُرفت يعقوب بمشاركتها في الاحتجاجات الشعبية بمدينة البصرة عام 2018 والتي جاءت اعتراضاً على سوء الخدمات العامة وتفشي البطالة في أوساط الشباب. تعبير يعقوب عن الامتعاض من الأوضاع المتردية في مدينتها كمواطنة عراقية، وقيادتها مسيرات نسائية هتفت ضد سطوة “الأحزاب الدينية” كان كافياً أن تُشن ضدها حملة “تخوين” وأن تُتهم بـ”العمالة لأمريكا” وهو اتهام في غاية الخطورة بالعراق.
رهام يعقوب هي واحدة من العديد من النساء من الناشطات والصحفيات اللواتي تعرضن للقتل والسجن والخطف وتشويه السمعة بسبب تغطيتهن الإعلامية أو بسبب نشاطهن السياسي أو نتيجة مباشرة لنشر معلومات مضللة عنهن.
Videos by VICE
بعد تضمين اسمها في تقرير تحت عنوان: دور القنصلية الأمريكية في العراق تحريك الشارع العراقي، تلقت يعقوب تهديدات بالقتل عقب هذا التشويه والتحريض المباشرين ضدها، فقررت التوقف عن ممارسة أي نشاط سياسي والتفرغ لدراستها الأكاديمية وتخصصها في مجالي التغذية والرياضة. ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية مجدداً ضد الفساد والبطالة وسوء الادارة في أكتوبر عام 2019، تجدد التحريض ضد المشاركين ومن بينهم يعقوب، التي يقول مقربون إن اغتيالها جاء “نتيجة الاتهامات المزيفة بالعمالة للولايات المتحدة.”
لوديا ريمون، 27 عاماً، ناشطة مدنية عراقية، هي الصديقة المقربة ليعقوب، وتقول في مقابلة مع VICE عربية إنها ويعقوب تم اتهامهما زوراً بالعمالة للولايات المتحدة مباشرة بعد انتشار صور لهما مع دوغلاس سيليمان، السفير الأمريكي في العراق في حفل تكريم الفتيات القائدات في عيد المرأة في عام ٢٠١٨. وتضيف: “اعتبر هذا التكريم دليل إدانة على العمالة لأمريكا.”
لم تنج ريمون هي الأخرى من التحريض ضدها. يوم 17 أغسطس عام 2020، تعرضت لمحاولة اغتيال فاشلة، وذلك خلال توجهها إلى منزل الناشط تحسين علي – ابن البصرة الذي اغتيل يوم 14 من نفس الشهر، لتعزية والدته وزوجته. بعد محاولة اغتيالها، اضطرّت ريمون إلى ترك البصرة والابتعاد عن العمل السياسي والمدني. ومنذ تسعة أشهر لم ترَ أهلها خوفاً على نفسها وعليهم: “صعب أرجع البصرة، لأنه يمكن أن أتعرض للقتل في أي لحظة،” تقول ريمون التي لم تفصح عن مكان تواجدها.
وعن الجهة التي وقفت خلف استهدافها تقول ريمون عبر واتساب: “بصراحة لست متأكدة إذا كانت جهات الحشد الشعبي هي من استهدفتني، لكني على يقين أنها جهة تابعة إلى ميليشيات مسلحة لها ارتباط مباشر بإيران. عام 2018، حين شاركت في المظاهرات التي خرجت بالبصرة، اتُهمت بأنني “عميلة للسفارة الأمريكية ببغداد” عبر السوشيال ميديا.”
تمثل قوات “الحشد الشعبي” الفصيل غير النظامي الأبرز في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، قبل أن يتم اعتبارها جزء من القوات المسلحة العراقية في نوفمبر ٢٠١٧. وقد تم اتهام الحشد الشعبي بارتكاب انتهاكات ذات صبغة طائفية، وهو ما نفته قيادات هذه القوات. وبحسب كريم النوري القيادي بالحشد في مقابلة مع بي بي سي، فإن هذه القوات لا تقتصر على الفصائل الشيعية، بل تضم فصائل سنية وأخرى مسيحية.
وتشهد المدن العراقية منذ فترة مظاهرات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن مقتل عدد من الصحفيين والناشطين العراقيين. وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش أن الحكومة العراقية لم تتخذ أي إجراءات ملموسة لمعرفة المسؤولين عن هذه الاغتيالات. وقالت المنظمة في تقرير لها إنه في ظل عدم قدرة السلطات العراقية على اتخاذ خطوات عاجلة لوقف عمليات القتل خارج نطاق القضاء فقد “أصبحت الجماعات المسلحة وقحة للغاية لدرجة أن المسلحين لا يخشون الاقتراب من شخص ما في منتصف الشارع في مدينة عراقية كبرى وإطلاق النار عليه دون الخوف من أي عواقب.”
ويوضح الدكتور علي البياتي، عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالعراق، هيئة مستقلة، في مقابلة مع VICE عربية، أنه ومنذ تظاهرات تشرين المستمرة منذ عام ٢٠١٩، قُتل 34 ناشطاً، من أصل 82 تعرضوا لمحاولات اغتيال. كما اختُطف 76 ناشطاً، أُفرج عن 22 منهم، وظلّ 54 مجهولي المصير. ووثّقت المفوضية إصابة 18 ناشطة، ومقتل واحدة، ومحاولة فاشلة لاغتيال خمس أخريات، واختطاف مثلهن، خلال فترة التظاهرات. ويضيف: “هذه الأعداد تشمل فقط من تقدموا/ ن أو ذويهم/ن بشكوى إلى المفوضية، لهذا الأرقام الحقيقة قد تكون أعلى.”
وعن نفوذ “الحشد الشعبي” في العراق، يوضح لنا أكاديمي ومحلل سياسي اشترط عدم ذكر اسمه لاعتبارات تتعلق بالسلامة الشخصية: “الحشد عبارة عن مجموعة كبيرة من الميليشيات تشكلت في لحظة ما وتوحدت في هدف مكافحة إرهاب داعش وبات يطلق عليها رسمياً الحشد الشعبي. يمارس الحشد حالياً اللا دولة في إطار الدولة إذ تحصل فصائله على الأسلحة والرواتب الشهرية من الدولة لانضوائها تحت القوات المسلحة العراقية، لكن بالموقف السياسي وفي قضايا مثل مكافحة الفساد واستهداف السفارات واستهداف الناشطين يبقون قوى متمردة.”
ويلفت المحلل إلى أن الشارع الشيعي أكثر تعقيداً في ما يخص الموقف من الميليشيات الشيعية المسلحة: “الشارع الشيعي يلقي باللوم في الكثير من مشاكل البلد، مثل التدخل الأجنبي والفساد على هذه الميليشيات. لكنه للمفارقة، أنه يدعم هذه الفصائل لأنها تقدم لهم خدمات لم توفرها لهم الحكومة مثل تشغيل الشباب العاطلين عن العمل وتقديم المساعدات الخيرية للفقراء.”
ويقول المحلل السياسي إن علاقة إيران بالحشد الشعبي مُبالغ فيها، وإن هذه القوات حالياً تنفذ قراراتها الفردية في داخل العراق ويضيف: “للدقة قرارات الاغتيال والتحرك ضد الناشطين هي قرارات الميليشيات أنفسها. هذه الميليشيات، لم تعد منصاعة لإيران بل باتت أكثر استقلالية في قراراتها بعدما تمكنت من توفير مصادرها (المال والسلاح) بشكل مستقل.”
في مقابلة هاتفية مع الصحفية العراقية سؤدد الصالحي، مراسلة موقع “ميدل إيست آي” في العراق، تقول إنها اضطرت للاستقرار خارج العراق منذ ست سنوات خشيةً على سلامتها وسلامة أسرتها، بسبب الهجوم الذي تتعرض له عقب كل مقال تنشره تقريباً منذ عام 2003.
“لقد تم اتهامي بالانحياز لطرف أو آخر بناءً على اعتبارات سياسية أو طائفية أو دينية. كلما كتبت قصة لم تعجب طرف ما اتهمني بالانحياز إلى خصومه. في البداية، لم يكن هذا يمثل لي مشكلة، بل ولطالما أسعدني سيّما وأن كافة الأطراف تقريباً وجهت لي مثل هذه الاتهامات ما يعني أنني لا أمثل أي جهة. ولكن الأمر تطور ولم يعد وجودي في العراق خياراً آمناً،” تضيف الصالحي.
في 22 أكتوبر 2020، صدرت مذكرة توقيف بحق الصالحي بتهمة “القذف” عقب نشر تقرير لها حول الصراع بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وكتائب حزب الله العراقية المدعومة من إيران. يُعاقب على هذه التهمة في حال الإدانة بالحبس مع دفع غرامة أو بإحدى العقوبتين، وفق المادة 433 (1) من قانون العقوبات العراقي.
حظيت الصالحي بدعم العديد من الجهات الحقوقية والمنظمات المعنية بحرية الصحافة والتعبير، وأشاد صحفيون عراقيون كُثر بـ”حيادية” الصالحي ووقوفها على مسافة واحدة في تغطيتها لكافة أطراف السلطة والصراع في العراق. ولكن مذكرة الإحضار بحق الصالحي لا تزال سارية، وقد تستخدم كذريعة ضدها في حال عودتها للعراق.
لم تتوقف حملات التضليل ضد الصالحي، في مارس الماضي، وبعد نشر أحد التقارير لها عن أجهزة الاستخبارات الإيرانية العاملة بالعراق، دُشنت ضدها حملة متزامنة في عدة مواقع مرتبطة بقوى سياسية أو فصائل مسلحة موالية لإيران. روّجت هذه المواقع إلى أن الصالحي “بعثية” أي موالية لحزب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين المحظور.
ترفض الصالحي الحديث عن أي حملة تضليل شنت أو تشن ضدها شخصياً، وتشرح أسبابها: “لديّ مفهومي الخاص في ما يتعلق بهذه الجزئية تحديداً. أعتقد أن حملات التضليل تأخذ قيمةً أكبر حين تتحول إلى خصومة شخصية، وبالتالي أرى في تجاهلها وعدم الرد عليها بشكل شخصي هو أفضل طريقة لمواجهتها حتى لا تُتخذ الردود الشخصية كوسيلة لانعاشها ومنحها الزخم المطلوب للاستمرار.”
عوضاً عن ذلك، تعتقد الصالحي أن الشخص الذي يتعرض لتضليل، خصوصاً إذا كان صحافياً، ينبغي أن يرد عبر “العمل المهني، الخالي من الانفعالات الشخصية ودون أية انحيازات شخصية أو أحكام مسبّقة أو أن يتأثر بغضبه تجاه حملات التضليل هذه أو من يقفون خلفها.” وتضيف: “إبقاء الرد في إطار المسار المهني هو الضمانة الوحيدة ليحمي الشخص نفسه. في المقابل، فإن الانجرار إلى انعدام المهنية هو ملعبهم وسيتفوقون فيه دائماً.”
تقول الصالحي إن الهجمات التي يتعرض لها الصحفيون والناشطون في العراق -بغض النظر عن جنس الضحية- هي حملات ممنهجة تستهدف بالأساس كل صوت معارض وكل صحفي يسلط الضوء على الفساد وجرائم القتل، وليست موجهة ضد أسماء بعينها. وتشدد على “أن التضليل الإعلامي في العراق لا يقتصر على إيران والقوى المرتبطة بها فقط، فمن غير المهنية قول ذلك.”
مهند حبيب السماوي، رئيس مجلس إدارة مركز الإعلام الرقمي DMC في العراق، يصف حملات التشويه والتضليل ضد النشطاء والصحفيين ونشر الأخبار الكاذبة واختراق الخصوصية بأنها “كوارث تضرب صميم البنية السياسية للدولة.” ويشير إلى أن بعض الجهات تستخدم التسقيط، وهي حملات تشويه سمعة ممنهجة ضد كل من شارك في التظاهرات أو هتف ضد التدخل الإيراني في العراق أو عبر عن رفضه لسطوة الأحزاب الدينية في العراق، وضد أي أطراف سياسية أخرى.
وينبه السماوي إلى أن “التسقيط” يتم أحياناً لأسباب شخصية “لإسقاط الخصوم وتحطيم سمعتهم وتدمير مستقبلهم.” أما عن وضع المرأة، فيؤكد أنها كما الحال في المجتمعات العربية والإسلامية يكون وضعها “أكثر حساسية ويخضع لتابوهات دينية ومحددات اجتماعية تؤطر خريطة تحركاتها، وبالتالي قد تُضاعف ضدها النتائج السيئة للتسقيط الاجتماعي الذي هو أحد تمظهرات أو نتائج التسقيط على مواقع التواصل الإجتماعي.”
حملات التشويه والتضليل والإسكات ضد الصحفيات والمؤثرات تتكرر في لبنان.
الإعلامية اللبنانية ديما صادق، 41 عاماً، مقدمة برنامج “حكي صادق” على قناة “MTV” المحلية، تعرضت ولا تزال للكثير من حملات إلكترونية ومسبّات وتشويه للسمعة واختراق لحياتها الخاصة. تحت هاشتاغ ديما_الواطية، اتُهمت صادق بـ”التعاون مع العدو الإسرائيلي” وعُيّرت بمرض والدتها كما بابنتها من ذوي الإعاقة. ثم شُمت بها في وفاة والدتها حتى أُجبرت على حذف رثائها. ويرى البعض أن استهداف صادق بشكل خاص، التي تنتقد حزب الله، جماعة شيعية مسلحة وعضو في البرلمان اللبناني، قد يكون بسبب الحساسية التي يُثيرها انتماؤها للطائفة الشيعية.
وحول الهجمات التي تعرضت لها، توضح صادق في مقابلة مع VICE عربية: “أعتقد أن هناك عاملان يلعبان دوراً أساسياً في هذه الحملات ضدي. أولهما أني شيعية وأوجه انتقاداتي السياسية للطائفة الشيعية، وثانيهما أنني امرأة. الجيوش الإلكترونية والناشطين في فلك حزب الله يتجندون للهجوم على أي معارض، لكن يصبح الأمر أكثر شراسة عندما يكون المعارض شيعياً. ولكوني امرأة شيعية وضد سياسات الحزب في لبنان، أعتقد أن الاستفزاز يكون أعلى. وجود امرأة تسعى لكسر قيود اجتماعية وسياسية وعقائدية هي أخطر بالنسبة لهم، ولها دلالة أكبر مقارنة بالمعارضين من الرجال.”
وعن تأثير هذه الحملات على حياتها، تقول صادق إنها تشعرها بالإنهاك: “الأمر ليس سهلاً. تسببت هذه الحملات في توتر علاقتي مع أهلي الذين ليسوا بالضرورة يتفقون مع توجهاتي وآرائي. تأثير ذلك على الدائرة المقربة لي أهم من تأثيره الخارجي. أشعر بالإنهاك طوال الوقت، علي أن أخوض معارك يومية داخل ما يفترض أن يكون شبكة الأمان الشخصية. هذا الأمر مؤذي جداً. لكِ أن تتخيلي، إذا لم تشعري بالأمان والراحة داخل هذه الشبكة، فهذا له تبعات على كل تفصيل في حياتي، صحتي النفسية، صداقاتي، وثقتي بمن حولي.”
الإعلامية اللبنانية ليال الاختيار، مقدمة برنامج “المشهد اللبناني” على قناة الحرة، الممولة من الحكومة الأمريكية، هي واحدة ممن تعرضن للتهديد بالقتل على خلفية “تغريدة” انتقدت خلالها إقامة تمثال للجنرال الإيراني قاسم سليماني (الذي قُتل في غارة أمريكية على مطار بغداد مطلع العام الماضي) في بلدية الغبيري، محافظة جبل لبنان في يناير ٢٠٢١. غرّدت الاختيار قائلة “ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون،” لتنهال عليها الشتائم والاتهامات وعبارات التجريح والإساءة الشخصية.
ما أشعل الهجمة ضدها، استخدام المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، نفس التغريدة تعليقاً على ذات الحدث، واتُهمت الاختيار بالعمالة -علماً أنها كانت أسبق في نشر تغريدتها. حتّى عقب إعلانها تعرضها للتهديد وإبلاغ كافة الجهات الحكومية المعنية، استمر التحريض ضدها وتم “تخوينها” واتهامها بأنها “مسيرة من قبل قناتها والتنسيق مع العدو لضرب المقاومة.”
تقول الاختيار في مقابلة عبر واتساب إنها تلقت “تهديدات مباشرة بالقتل وادّعى بعض مهاجميها أن اسمها على قائمة ترقب الوصول لدى دخولها لبنان- إذ كانت في دبي آنذاك، وتضيف: “كل ذلك لأنني عبرت عن رأيي كمواطنة لبنانية بتمثال قاسم سليماني.”
الاختيار التي عملت سابقاً في محطة LBC -المحسوبة على تيار 14 مارس المناهض لحزب الله- تشدد على أنها دائماً ما كانت حيادية في مواقفها وتضيف: “صراحةً، لم يكن بيني وبين جمهور حزب الله أي مشكلة، كنت أنقل وجهات نظر الجميع، مثلهم مثل سائر ضيوف برامجي وفق ما اقتضاه عملي في محطة LBCI.” وتابعت: “منذ انتقالي للعمل بقناة الحرة، ورغم التزامي بالموضوعية والمهنية التي طالما تحليت بها في عملي الإعلامي المحلي كشخص مهني أولاً، وغير متحزّب ثانياً، بدأت الحملة ضدي بالتحذيرات السخيفة من أنني سأكون جزءاً من البروباغاندا ضد الحزب.”
وتشير الاختيار إلى أنها حظيت بدعم الكثيرين من المقربين لها ومن المسؤولين اللبنانيين، الذين أصروا ألا تكون “فرق عملة” أي ضحية مرحلة تغيير المعادلات الإقليمية، لكنها لفتت: “في الفترة الأخيرة، لم أعد أعلق على ممارسات الحزب. ليس خوفاً وإنما إحباطاً من كل الوضع الحاصل وفي حالة ترقب لأرى ما قد يصير في الفترة المقبلة.”
بحسب المحلل السياسي والصحافي اللبناني علي الأمين، رئيس تحرير موقع جنوبية المناهض لحزب الله، فإن هناك خلاف سياسي كبير حول حزب الله في لبنان. ويضيف: “حزب الله ومنذ تحرير الجنوب اللبناني من إسرائيل عام 2000 كان في نظر معظم اللبنانيين حركة مقاومة، على رغم انتقادات الكثيرين له لاحتكاره فعل المقاومة. بعد التحرير، أصبح بعض اللبنانيين ينظرون إلى سلاح حزب الله باعتباره يوظّف لمصالح إقليمية بالدرجة الأولى. وبعد عام 2005 وانسحاب سوريا من لبنان إثر مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، برز مطلب سياسي لبناني يدعو إلى إستراتيجية دفاعية تستوعب سلاح حزب الله وتوظيفه لصالح حماية لبنان وتحت إمرة الدولة، وهو ما وافق الحزب عليه ظاهراً ورفضه عملياً.”
جاءت الثورة السورية عام 2011 لتشكل مرحلةً فاصلة في الموقف داخل لبنان من الجماعة الشيعية المسلحة، كما يقول الأمين: “وقف حزب الله إلى جانب نظام بشار الأسد وأصبحت “المقاومة” أداة لقمع الثورة وحماية النظام. كما استمر الحزب بتنفيذ وظائف عسكرية وأمنية لصالح إيران في المنطقة برغم تداعيات ذلك على لبنان، من ناحية تراجع سلطة الدولة ومؤسساتها من جهة، وانهيار علاقات لبنان مع معظم دول الخليج العربي التي كانت داعماً أساسياً للبنان اقتصادياً ومالياً وتجارياً، من دون أن يؤمن حزب الله بديلاً عنها، من جهة أخرى.”
واعتبر الأمين أنه في ظل هذا الوضع كان من المتوقع أن تتم “شيطنة كل مخالف لسردية حزب الله عن دوره ووجوده ومقولته حول المقاومة، وصولاً إلى تصفيته.” واعتبر أن “كل عمليات الاغتيال التي تمت منذ 2005 وحتى اغتيال الناشط الشيعي لقمان سليم هذا العام، استهدفت حصراً شخصيات تعارض سردية حزب الله وتخالف مقولاته عن السلاح والمقاومة.”
الناشطة اللبنانية كيندا الخطيب، 24 عاماً، والتي تنتقد سياسات حزب الله، تعرضت للاستهداف كذلك واتهمت بأنها عميلة لإسرائيل وخائنة لوطنها، وتطور الأمر إلى توقيف لمدة تسعة أشهر وحكم بالسجن ثلاث سنوات بتهمة “التواصل مع صحفي إسرائيلي.”
تقول الخطيب في مقابلة معها عبر زووم إن الصحفي الإسرائيلي روعي قيس حاول التواصل معها عبر تويتر عام 2019 خلال أحداث ثورة تشرين. وتضيف: “أبلغت قوى الأمن الداخلي على الفور بما حدث، واتصلت بالعقيد جوزيف مسلم، المتحدث باسم الجهاز الأمني نفسه، ووضعت حساباتي – بما في ذلك كلمات الدخول ورقم الهاتف- قيد تصرف الجهاز. كما أبلغتهم عن وجود نشاط مشبوه واختراق لحساباتي أكثر من مرة. كل هذه التفاصيل مثبتة في أوراق المحكمة. ولكن على الرغم من كل ذلك تم اعتقالي.”
داهم الأمن العام اللبناني منزل الخطيب في 18 يونيو 2020، وصدرت مذكرة اعتقال بحقها لاحقاً يوم 24 من الشهر، وصدر القرار الظني بحقها في 2 سبتمبر “ليكون أسرع حكم صادر عن المحكمة العسكرية بالبلاد” على حد قولها، قبل نقد القرار مطلع مارس الماضي وإخلاء سبيلها منتصف الشهر نفسه.
الحملة ضد الخطيب من قبل من تصفهم بـ “مناصرين لحزب الله” بدأت قبل ذلك بكثير. وتوضح: “بدأ استهدافي إلكترونياً من نحو أربع إلى خمس سنوات. كان الأمر عبارة عن حملات تضليل وتشويه ومسبات من جيوش إلكترونية معظم حساباتها وهمية. في المرحلة التالية من الاستهداف، تم نشر رقم هاتفي ومعلوماتي الشخصية على تويتر. بعد ذلك جاءت مرحلة التهديدات عبر الرسائل: رح نقتلك، رح يصير فيكي متل غيرك. عندما أكون في بيروت في مكان ما، تصلني رسالة تقول: يلا كفي طريقك شوية لقدام، حقك رصاصة. هذه الحسابات كانت تجاهر بانتمائها لحزب الله. والهدف كان إسكاتي كوني أدعو لحظر سلاح الحزب.”
وتقول الخطيب إن تهمة “العمالة للعدو الإسرائيلي” و”التجسس على الدولة اللبنانية” باتت ذريعة لإحالة الناشطين اللبنانيين إلى محكمة عسكرية وتجريدهم من حقوقهم المدنية. لا تستطيع الخطيب العمل حالياً نتيجة لمصادرة حقوقها المدنية على خلفية المحاكمة العسكرية، وهي تصف نفسها بأنها “حرة الفكر، لكن مقيدة” بينما تعيش في منزل أسرتها بعكار، شمال لبنان. الأثر الأخطر لهذه الحملة على الخطيب كما تقول “هدر دمي بطريقة غير مباشرة، قد يقدم أي شخص على قتل عَميلة.”
آثار حملات التضليل والتشويه
كما تظهر هذه الحالات، فإن آثار التضليل على النساء عادةً ما تكون مركّبة ومتداخلة. على سبيل المثال، أدى التضليل في حالة الصحافية العراقية، الصالحي، إلى إجبارها على الاستقرار خارج العراق علاوةً على ملاحقتها قضائياً. وفي حالة الخطيب، تعرضت للسجن والملاحقة القضائية المستمرة أمام محكمة عسكرية، وتشويه السمعة، وهدر الدم.
في كافة الحالات السالفة الذكر، كان هناك جانباً بغيضاً مشتركاً جعل استهداف النساء أكثر خصوصية وخطورة من استهداف أي النشطاء الرجال، حيث يتم التركيز على تشويه سمعة النساء والمساس بالمقربين لديهن، كما اقترن الاتهام بالعمالة دائماً بالاتهام بالعُهر. وعن ذلك تقول الصالحي: “يتعلق الأمر بالعقلية والمجتمع المحافظ والذكوري، حيث المرأة تعتبر خاصرة رخوة لدى أي عائلة أياً كان مستوى انفتاحها وحرية المرأة لديها. لذا يكون استهداف المرأة موجع إذ أن الأذى لا يقتصر أثره على المرأة وإنما يمس كل عائلتها ومحيطها. الكل يدفع الثمن لوحده بينما حين يُستهدف الرجل يدفع الثمن بمفرده.”
ولكن تحذر الصالحي من خطورة “اختلاق القصص، والإغراق في شخصنتها” وتضيف: “اختلاق القصص حول الناشطات والصحفيات يُحدث ضرراً يوازي ضرر التضليل بل قد يكون أسوأ. إذا كان لدي تسع حالات حقيقية والعاشرة مزيف فعملاً بمبدأ الخير يخص والشر يعم، الحالة الزائفة سوف تُثير الشكوك في الحالات الحقيقية الأخرى.” ضربت الصالحي مثالاً بحالة أعقبت تظاهرات تشرين عام 2019 العراقية حيث “أدت الأكاذيب المتعلقة بتسجيل حالات خطف أو قتل أو اختفاء لنساء على صلة بالتظاهرات إلى التشكيك بالضحايا الحقيقيين، وتضيف: “الطرف الآخر يوظف هذه الحوادث بشكل كبير، بما يمنح الجناة وحتى السلطات فرصة للتهرب من واجباتها والإفلات من العقوبة.”
جاد شحرور المسؤول الإعلامي في مؤسسة سمير قصير اللبنانية، يقول أن هناك ارتفاع في حملات التشويه والتضليل التي تتعرض لها المؤثرات في لبنان والعراق. ويشرح أسباب ذلك: “قبل 2018 لم يكن هناك إعلام معارض أو مستقل إما إعلام تابع للنظام أو لرجال أعمال موالين لأحزاب أو كتل بعينها. بعد 2018، ظهرت وسائل إعلام مستقلة وبات لها جمهور. وهذا بدوره فتح المجال أمام انتقاد سطوة الأحزاب على المشهد السياسي، وهو ما أخافهم ولهذا تم استخدام التهديد والترهيب لكل صاحب رأي مستقل. خير دليل على ذلك الاستدعاءات الأمنية ضد الإعلاميين والناشطين والصحافيين في لبنان الذين يكتبون ضد ساسة أو أحزاب بعينها، حيث يُجبرون على إمضاء تعهد بعدم التعرض والكتابة، وإجبارهم على محو ما كتب سابقاً بالمخالفة للقانون.”
ويشير شحرور بإن مجمل عدد الانتهاكات التي رصدتها المؤسسة من بداية عام 2021 حتى مطلع مايو، وصل لـ 40 انتهاكاً تتنوع بين تحريض إلكتروني واستدعاءات أمنية ودعاوى ضد إعلاميين. ومنذ 2016 لليوم، حدث أكثر من 800 انتهاك إعلامي وثقافي بينها توقيف كتاب وشعراء.
تواجه النساء المؤثرات حملات التشويه التضليل بطرق تختلف تبعاً للشخصية وخطورة الهجمة. تؤثر صادق مثلاً الفضح أولاً بأول وإبلاغ السلطات، وهو ما فعلته الاختيار كذلك حال تلقيها تهديداً بالقتل. في المقابل، تفضل أخريات تجاهل الهجوم والاتهامات والمواجهة بالعمل كما هو الحال مع الصالحي. لكن الوقاية من الهجمات المستمرة أو الضرر النفسي والجسدي ليست مضمونة في جميع الحالات.
برغم كل ما تعرضن له من تشويه سمعة وسجن وفقدان الأمان، تصر جميع المؤثرات اللواتي تحدثن معهن على المضي قدماً دون أي شعور بالندم سواء لتعبيرهن عن آرائهن السياسية أو لكشف جهات معينة ضمن عملهن الصحفي، لأن هذا كما يقلن بكل وضوح حقهن الكامل والمشروع.
تم إنتاج هذا التحقيق بالتعاون مع أضواء -مؤسسة إعلامية ناشئة تهدف إلى إرساء ثقافة تدقيق المعلومات ومواجهة التضليل الإعلامي من خلال دعم الصحافة الاستقصائية. تأسست أضواء في 2019 وتعمل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ولبنان.