عاد المخرج المصري خالد يوسف سالمًا لأرض الوطن بعد هروبه على خلفية ما يُعرف إعلاميًا بقضية الفيديوهات الجنسية، فبراير ٢٠١٩. ترجع الأحداث إلى عام ٢٠١٩ عندما انتشرت مقاطع جنسية تجمع يوسف مع عدة نساء، منهنّ خمس تم تحديد هويتهنّ وتم القبض عليهنّ واتهامهنّ بنشر الفسق والفجور.
فرّ يوسف إلى باريس حيث تقيما ابنته وزوجته شاليمار شربتلي، بينما زُجت النسوة الخمس إلى السجن وسط عنف مجتمعي وصمهنّ ووصم عائلاتهنّ واحتفاء بالقبض عليهنّ. لم يكتفِ خالد يوسف بالفرار، بل صرّح أن تلك حملة ضده لأنه معارض. مُتجاهلًا ما حدث للنساء جرّاء ممارسة الجنس معه وكيف دفعنّ الثمن غاليًا- ومازلنّ حتى بعد الإفراج عنهنّ. عاد خالد يوسف عودة البطل ليجد احتفاءً في انتظاره من أشخاص عُرف عنهم انتمائهم للمعارضة المصرية والأوساط الثقافية.
البداية
قضية الفيديوهات الجنسية لم تبدأ عام ٢٠١٩، لقد بدأت قبل أربعة سنوات من هذا التاريخ. في عام ٢٠١٥، تقدّم محامي ببلاغ للنائب العام المصري يتهم فيه المخرج خالد يوسف باستغلال النساء للحصول على منافع جنسية مقابل ظهورهنّ في أفلامه السينمائية. لكن القضية انتهت قبل أن تبدأ. حُفظت بعناية في أدراج الأمن حتى قرروا استخدامها.
Videos by VICE
بعد أربع سنوات، أخرجوا ملف البلاغ والمُدمج فيه عدد كبير من المقاطع الجنسية، وتم تسريب بعضها لتحفيز الرأي العام ضده بداية عام ٢٠١٩. نعم، أغلب الظن أن مَن قام بتسريب الفيديوهات هو الأشخاص المُتحصلين عليها من قضية عام ٢٠١٥، خاصة وأن دفاع النساء الخمس شهدوا برجوع تاريخ تصوير المقاطع لما قبل ٢٠١٥.
ما يُثيره بلاغ ٢٠١٥، ليس بجديد. فدائمًا ما أحاطت الشائعات بخالد يوسف عن “استغلاله النساء جنسيًا مقابل تسهيلات في مسيراتهنّ الفنيّة” سواء في أعماله أو باستخدام علاقاته داخل المجال الفني. وهو ما يفتح نقاشًا حول استغلال الرجال للنساء جنسيًا في العمل. حتى إن تمت ممارسة الجنس بالتراضي ظاهريًا، فهو تراضي معيوب ومنقوص بسبب اختلال ميزان القوة بين الأطراف. يوسف رجل، مشهور، ذو عضوية برلمانية، لديه من العلاقات مع الساسة والفنانين ما يُمكّنه من أي امرأة تقع تحت يده، ولو باستخدام الحيلة والتورط العاطفي والجنسي. لا يُنفي ذلك أهلية النساء في تقرير ممارسة الجنس، إنما يُسرد واقع تعيشه النساء في مختلف مجالات العمل، بالأخص تلك التي يحتكرها شخصيات ذات ثقل كيوسف وغيره. فالرجال في هذه المجالات، بوابة. إن أرادت إحداهنّ العبور للجانب الآخر، عليها استخدام البوابة، أو للدقة، السماح للبوابة باستخدامها.
هذه كانت المرة الأولى التي يتم فيها الابلاغ رسميًا ضد خالد يوسف واتهامه باستغلال النساء جنسيًا. ولكن هذا البلاغ لم يتم تقديمه من قبل النساء اللواتي ظهرنّ في المقاطع التي تم تسليمها للأمن آنذاك. إنما تقدّم به محامِ لم توكله أي منهنّ. ما يجعل الأمر مُريبًا لا يتمركز حول أحقيّة النساء في الإبلاغ. بل نزع عنهنّ أهليتهنّ القانونية ولم يلتفت لأثمان قد يدفعنها بعد تسليم المقاطع ضمن ملف البلاغ. أي أنها لعبة تصفية حسابات شخصية على حساب النساء منذ اليوم الأول.
حول استخدام أجسام النساء في الخلافات السياسية
صرّح يوسف أكثر من مرة منذ ٢٠١٩ أن هناك حملة مُمنهجة ضده. ولم يتجرأ على ذِكر مَن يقود هذه الحملة ولماذا. ولا أحد يعرف ما فعله خالد يوسف وأغضب “الكبار” منه. ولا أحد يعلم إن كان خلافه سياسيًا كما يزعُم، أم خلاف مع أحد رجال الدولة أو المُقربين منها.
في كل الحالات، تم استخدام أجسام النساء بلا هوادة من يوسف وخصومه المجهولين. كان إطلاق التسريبات هدفًا للإيقاع به في أزمة رأي عام يدفع ثمنها من سمعته، حتى وإن دفعت شريكاته أثمانًا مُضاعفة. استخدم خصوم يوسف المقاطع دون اعتبار لما سيحدث للنساء الظاهرات فيها بهوياتهنّ. لأننا نعيش في مجتمع يوصم النساء بأجسامهنّ، ويوصم الرجال بالنساء. استخدموا المقاطع الجنسية وتعمّدوا تسريب أكثرها فجاجة- من وجهة نظرهم، ليُثيروا غضب الأغلبية المحافظة. طريقة كلاسيكية تستخدمها الأجهزة السيادية في الإيقاع بالساسة والجواسيس والشخصيات الهامة. أما يوسف، فقد استكمل اللعبة بعد رمي نرد خصومه، وادّعى أن تسريب المقاطع غرضه التشهير به والنيل منه لأنه “رمز سياسي معارض” دون اعتبار أيضًا لما سيحدث للنساء اللواتي ظهرنّ فيها. ولم يذكر مَن تحصّل على ونشرَ مواد تنتهك حرمة الحياة الخاصة له ولشريكاته والمكفولة للجميع بموجب الدستور المصري.
النساء وحدها تدفع الثمن
قد يحلو له ولأصدقائه المحتفلين الإدعاء بأن يوسف معارض للنظام المصري الحالي، ولكن في الواقع، يوسف أعلن عن موالاته لنظام عبد الفتاح السيسي وتأييده له منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣. وقد يكون نجاحه في البرلمان راجعًا لذلك إضافة إلى أسباب أخرى منها حجم استثمارات عائلة زوجته شاليمار شربتلي في مصر -عائلة شربتلي السعودية هي من أكبر المستثمرين في قطاع الفندقة والسياحة والبورصة المصرية. لم يُرد يوسف أن يقف في وجه النظام، تمامًا كما فعل ليلة هروبه وتركه لخمس نساء واقعات في براثن السجن والوصم.
هرب يوسف ثم عاد. وبين هروبه وعودته وبعدها دفعت النساء الثمن. حتى دعوة إسقاط عضويته في البرلمان المصري (لافتقاده شرط حسن السمعة حسب الدعوى). حكم فيها القضاء الإداري بعدم الاختصاص. لم يكُن الثمن عدة أشهر في السجن فقط. بل كان وصمًا لهنّ ولعائلاتهنّ، بالأخص فنانتات شابتان اللتان منذ القبض عليهما تدمر مشوارهما الفني. فقد حذّرت نقابة المهنّ التمثيلية من التعامل معهما. ولاحقتهما الشتائم أينما ظهرتا على الإنترنت.
الرجال إن مارسوا الجنس صاروا أبطالًا. وإن مارسته النساء صرنّ في نظر الجميع ساقطات. هل هناك مثالًا أوضح من ذلك على الازدواجية المجتمعية؟ لا أعتقد.
في منتصف عام ٢٠٢٠، نشرت منُى فاروق -احدى النساء الخمس- بثًا تروي كيف انتهت حياتها بسبب “خطأ.” تعتذر وتبكي وتقول أن الخيار الوحيد أمامها هو الانتحار بعدما انتهت حياتها في مصر واضطرت للهروب للخارج. ولم تُجنبها التوسلات والاعتذارات للجمهور الأذى والسُباب الأخلاقي. حتى اليوم، لا تخلو حسابات فاروق على مواقع التواصل من ذِكر قصة الفيديو أو وضع روابط له. لم ينسَ الناس أنها ظهرت في فيديو جنسي مع رجل وامرأة. توقفت حياتها ولم تستأنف دراستها الجامعية بسبب القضية. سيُنسب لها للأبد أن لها “ملف في مباحث الآداب.” تُهمة كفيلة بإنهاء حياة أي امرأة في مصر. وإنهاء الحياة لا يكون فقط بالموت. إنما بخسارة الحياة الاجتماعية والعملية. بالنبذ والتحقير والإذلال وتعمّد الاقصاء.
لم تكُن الحجة التي قدمها دفاع منى فاروق وشيماء الحاج بأنهما كانتا متزوجتا عرفيًا من خالد يوسف، كافية أمام نقابة المهن التمثيلية أو أمام الجمهور. لا يتهاون المجتمع –ولا الدولة- مع أي امرأة تصرفت في جسمها بحريّة حتى لو كان زواجًا غير مُعلنًا. كان على يوسف وقتها تأييد حجة الزواج. كان بإمكانه إيقاف سيل الاتهامات والعنف المجتمعي ضدهما. لكنه كان أنانيًا لهذه الدرجة التي سمح لنفسه فيها بالفرار وتركهما تواجهان السجن والعنف. كان بالأنانية التي تؤيد فرضية أنه بالفعل رجل مُستغل.
في علاقات القوة بينه وبين هؤلاء النساء، كان يوسف الأكثر سلطة وامتيازًا. كان بإمكانه استخدام تلك الامتيازات لرفع الظلم عن امرأتين جمعته بهما أوقات حميمية. لم يؤيد يوسف حجة الزواج العرفي لأنه يعرف أنها مسألة وقت وستُحل أزمته مع مَن يستهدفونه من رجال الدولة- وهذا ما حدث بالفعل. فبالنسبة له، لم يكُن هناك داعٍ لربط اسمه واسم عائلة زوجته بالشابتين، حتى وإن استكملتا العمل في مجال الفن، الوصمة ستُلاحقهما أينما ذهبتا. يقترن أسماء النساء الخمس باسم خالد يوسف وقضية الفيديوهات على محركات البحث. ومقاطعهنّ المصورة معه لازالت على مواقع البالغين تُحقق مشاهدات هائلة. بينما هو يُستقبل استقبال الأبطال. فالرجال إن مارسوا الجنس صاروا أبطالًا. وإن مارسته النساء صرنّ في نظر الجميع ساقطات. هل هناك مثالًا أوضح من ذلك على الازدواجية المجتمعية؟ لا أعتقد.
-ذكرت أسماء منى فاروق وشيماء الحاج لأنهما كانتا الأكثر تضررًا وتعرضًا للإيذاء بسبب اقتران أسمائهما باسم خالد يوسف منذ القضية. أذكر أسمائهما اليوم تضامنًا ودعمًا.