سألنا جيل الحرب- هل ما مر به لبنان منذ انفجار مرفأ بيروت أسوأ من الحرب الأهلية؟

1627888840715-martyrsv2square1982

“اللي صاير اليوم أسوأ بألف مرة من أيام الحرب الأهلية،” تكررت هذه الجملة في العديد من الأحاديث التي سمعتها من أهلي وأهل أصدقائي الذين عاشوا تفاصيل الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت ١٥ عاماً (1975-1990) وتسببت بمقتل أكثر من ١٢٠ ألف شخص. ما يحدث في لبنان من أزمة اقتصادية تسببت بانقطاع الكهرباء والأدوية وغلاء الأسعار بشكل جنوني، والمعالجة السيئة لأزمة فيروس كورونا، والدمار الذي خلفه تفجير مرفأ بيروت وقتل أكثر من ٢٠٠ شخصًا وإصابة الآلاف وتشريد نحو ربع مليون شخص. كل هذا في خلال أقل من ثلاثة أعوام، هو بنظر كثيرين أسوأ من أيام الحرب الأهلية.

Green_Line,_Beirut_1982.jpeg
الخط الأخضر، خط الحرب الفاصل بين بيروت الشرقية والغربية. بيروت، ١٩٨٢. ويكي ميديا

عاد هذا الشعور بقوة مع رفض رفع الحصانة عن النواب الذين كان لهم دور مباشر أو غير مباشر بجريمة مرفأ بيروت، وهو ما أعاد التذكير بما حصل بعد الحرب الأهلية وصدور قرار قانون العفو العام عام 1991 عن الجرائم المرتكبة طيلة سنوات الحرب الأهلية، وبهذا لم يأخذ أي مجرم حرب عقابه وبقي شعور الغضب هذا محبوس داخل جيل الحرب وربما ورثناه عنهم.

Videos by VICE

ربما الأمر لا يخلو من مبالغة، من غير العادل مقارنة الجرائم والكره الطائفي والمذهبي ومئات القتلى والمفقودين خلال الحرب الأهلية بما يجري الآن. ولكن في لبنان، المقارنات موجودة، دوماً على الطاولة، والحرب حاضرة دوماً في ذاكرتنا، ويبدو في كثير من الأحيان أننا لم نخرج أصلاً من الحرب. سألت عدد من الأشخاص من جيل الحرب عن كيف يشبه اليوم ما حدث بالأمس، وإن كان ما نعيشه اليوم هو أسوأ من سنوات الحرب برأيهم.


“الأيام اللي عايشينها اليوم أصعب من الحرب الأهلية. أنا كلاجئ مرقت بأصعب ظروف خلال الحرب وخسرت أهل وأقارب وأصدقاء، ولكن الوضع الحالي من وقت الانفجار ومن قبله، سيء بشكل غير معقول وغير مبرر. الحرب حرب، العدو واضح والصديق واضح. اليوم الكل عدو، وما في صديق. أصحاب المال والمناصب منفصلون تمامًا عن الواقع، عايشين حياتهم بطلعوا وبسهروا وبعملوا حفلات زفاف تكلف ٥٠ سنين شغل على الأقل. في الحرب، الناس كان عندها دم وإنسانية أكتر من اليوم. الانهيار الحالي وحالة البلد والفقر والتعتير ما شفت مثله خلال الحرب. هل الوضع اليوم أسوأ من سنوات الحرب، أكيد أسوأ بـ ٢٧٥٠ مرة.” -كمال، ٦٧

“لا أظن أنّ هناك أسوأ من الحرب الأهلية لأنّنا ما زلنا نعيش توابعها. الطوائف تُستغل وجودها في السلطة للتهرب من العقاب. هذه السلطة نفسها هي التي حكمتنا خلال الحرب. يا ريت انفجار بيروت قتلهم كلّهم. حصل ما حصل و”طلعت بالعالم المعتّرة” مثل أيّام الحرب، لم يمت أياً من السياسيين ومجرمي الحرب. وكما في سنوات الحرب الأهلية، دائماً ما يستخدم الشعب كسلاح سياسي، ولا تزال السلطة الفاسدة تدعم أجندات وتسرق أموالنا وتفجّرنا من دون محاسبة. نحن نعيش في حرب لا تنتهي.” -إيلي، ٦٦، سائق تاكسي

“التاريخ يعيد نفسه نعم. يذكرني الانفجار بالقصف الذي عشناه خلال الحرب، حين كنّا نحمل أغراضنا ونهرب وكأنّ حياتنا ستنتهي في الدقيقة والثانية. لكن الحرب استمرت لفترة طويلة، كان هناك أيّام هادئة وأيّام ثقيلة. ما حدث خلال الانفجار مختلف، بدقيقة واحدة اختفى كل شيء، لم يكن الأمر تدريجياً. مع أنّني عشت كل شيء خلال وبعد الحرب، لكن أعترف أنّ الانفجار كان أسوأ ما رأيت في حياتي. العفو العام أيّام الحرب لم يكن قراراً صحيحاً وما زلنا ندفع الثمن. لا تزال ذكريات الحرب الأهلية في ذاكرتي، اتذكر حينما قام جيران لي بقتل شاب فلسطيني لأنه فلسطيني. كم تمنيت أن تتم محاكمة القتلة ومعاقبتهم، وأن أكون من بين الشهود وأفضح ما جرى. كان طبيباً وسيماً، قتل فقط بسبب جنسيته، وبسبب مجرمين ما زالوا جيراني حتى اليوم. أنا لست قريبة من الشاب، لكنّني دائماً أشعر أنّه عالقٌ بي. انتهت الحرب بدون تحقيق العدالة. وهذا الأمر يتكرر اليوم، لا يبدو أن العدالة ستتحقق لضحايا التفجير، هذه العائلات المظلومة التي خسرت احبائها لن يتم أخذ حقها، تماماً مثل ما حدث مع الشاب الفلسطيني.” -نورا، 80

“في الحرب الأهلية كان هناك قصف على منطقتي “من قبل قوات ميشال عون.” كدت أموت يومها، ولكن الحظ أنقذني. لا أصدق أنّ انفجار مرفأ بيروت جرى على عهد الشخص ذاته، وكأنّه لم يتغير شيء، الأسماء نفسها والأحزاب نفسها والجرائم نفسها. مجرمي الحرب وقائدي المحاور استلموا البلاد من بعد الحرب الأهلية. مجرمين أصبحوا لاحقاً موظفي دولة ثم زعماء. حتى ما جرى في محاكمة رفيق الحريري، دفعنا ثمن المحكمة الدولية من ضرائبنا، وبالرغم من ذلك، لم يتم تحقيق أي شيء أو تتم معاقبة أي طرف. العدو أصبح حليف والحليف قد يصبح عدو. هذا هو لبنان ولن يتغير، واليوم يشبه الأمس والسيناريوهات الأسوأ تعيد تكرار نفسها.” -سناء، 66، متقاعدة (موظفة بنك سابقاً)

“أنا من جيل الحرب الذي لم يتحزب يوماً، نحن الذين بقينا في لبنان خلال الحرب وبعدها. عملنا واجتهدنا لبناء البلد بعد الحرب. بقينا هنا لأنّنا أردنا أن نرى لبنان جميل وحر، وكنا نعمل لبناء مستقبل أفضل بعيد عن الحروب والدمار. لكن بعد ٢٠ سنة جاء انفجار بيروت لينفجر في أحلامنا ببلد أفضل، انفجار يعتبر من أسوأ الحوادث في العالم في بلد منكوب أصلاً. الانفجار أقسى من الحرب لأنّه غير متوقع. من كان ليتوقع أن تتدمر بيروت، أن يتم تفجير عاصمة دولة ما، ولا يتم إسقاط الحكومة وتغيير السلطة بكاملها. لا محاسبة، لا قانون، لا تحقيق. الفرق في الحرب الأهلية، بأنّها كانت حرب. لا يوجد قوانين في الحرب. في الحرب أنت مجهز للموت، كنّا نبقى أيّام في البيت بسبب التهديدات بالقصف. لم يصلنا تهديد قبل الانفجار، كنّا نعيش حياتنا بشكل طبيعي وفجأة تدمرت البلد. لهذا ما حدث خلال الانفجار هو أسوأ. نعلم أنّ ضحايا الحرب ماتوا بسبب الحرب، لكن الانفجار أمر عبثي تمامًا.” -محمود، ٦٠، متقاعد (أستاذ سابقًا)

“بدأ تسييس قضية تفجير مرفأ بيروت من اليوم الأول. تسمعين أخبار مثل أنّ معظم الذين استدعوا للتحقيق ينتمون لطرف سياسي معيّن وأن هذه مؤامرة ضدّ هذا الحزب أو ذاك. ولكن برأيي أن الجميع متورط، ولكن السلطات اللبنانية معتادة على رفع المسؤولية عن نفسها، وإذا تحدثت عن العقاب والحساب وضرورة رفع الحصانات، يرمون في وجهك حجة “الخوف من تكرار سيناريو الحرب الأهلية.” يهددوننا بجرائمهم خلال الحرب. لقد استغلت الطوائف والأحزاب السياسية خوفنا من الحرب الأهلية لحماية أنفسهم من أي قرار ضدهم، يستغلون كرهنا للحرب، من خلال تذكيرنا بالحرب طوال الوقت. بين الانفجار والحرب، لا أظن أنّ هناك أسوأ. الإثنان سيئان، أنا عشت الحرب وشاركت في القتال، وأعلم كم هي وسخة، والوساخة نفسها رأيتها بالانفجار.” –وليد، 51

“الانفجار كان أقسى من الحرب لأنّه أتى خلال الأزمة الاقتصادية وخلال فيروس كورونا والبلد يمر بأزمة صحية. كان هذا آخر ما نحتاج إليه. ولكنه مثل الحرب، فوضوي ومدمر. نحن كنّا نعيش بأزمة إقتصادية حادة قبل الانفجار، أموالنا علقت في المصارف وبدأ الفقر ينتشر بشكل كبير. كنّا نظن (أول الأزمة) أنّنا معرضين لخطر الحرب. فهناك فكرة شعبية قائمة على أنّ الأزمات لا تحلّ سوى بالحروب. أنا كنت أنتظر الحرب الثانية، لكن بدل الحرب أتى الانفجار وكان أسوأ منها، ودمّر المدينة بثواني. لا أنسى شكل بيروت في اليوم الثاني. كانت مدمرة مثلما رأيناها بعد الحرب الأهلية. ظننت بعد الانفجار أنّه سيأتي مخلّص ما، لكن لم يتغير شيء للأسف، فقط كُسر قلب المزيد من اللبنانيين.” -زيزي، ٦٥

“الانفجار أسوأ من الحرب لأنّه كان فجائي وسريع وكبير. بالحرب تعلم أنّك في حرب وتكون مجهزّ للخطر. بثوانٍ تدمر كل شيء في 4 آب وفي اليوم التالي كان علينا أن نبدأ بإصلاح ما تدمّر لأنّنا لسنا بحرب والحياة يجب أن تستمر. كان علينا أن نتأقلم بسرعة. في الحرب أنت تنتظر الإتفاق على وقف إطلاق النار والمصالحة. لقد تعرضت للظلم وقضيت سنتين بالسجن بعد الحرب بسبب قضية لست متورط بها أصلاً. القضاء بطيء في مجراه هنا في لبنان، يمكن أن تمكث سنتين بالسجن بسبب ورقة أو لأنّه عليك بيع كليتك كي يعجّل محامي بقضيتك. في المقابل، تم العفو عن جميع مجرمي الحرب. أظن أنّ ما حدث في السابق، يؤكّد لنا أنّ الحصانات لن ترفع، اعتدنا على غياب العدالة في لبنان. الأحداث في لبنان لا توّلد حقداً على حدث واحد، فأنت دائماً في حروب وصراعات سياسية تختلف يوم وتتصالح في يوم آخر.” –علي، 55، يملك محال إلكترونيات

“عشت الحرب الأهلية بكل تفاصيلها السوداء، ولكن بالنسبة لي انفجار مرفأ بيروت كان أسوأ ما جرى في البلد، ولن يأتي أسوأ منه -أتمنى. ابنتي كانت قريبة جداً من الانفجار وكادت أن تموت. أفكّر فقط بأهالي ضحايا الانفجار طوال الوقت وأرى أنهم يشبهون في مأساتهم ما حدث مع أهالي القتلى والمخطوفين خلال الحرب الأهلية. لا زلنا نتمنى أن تتغير الأمور للأفضل، لكن أنا شخصياً فقدت الأمل ولا أعتقد أنه ستتم محاسبة المسؤولين كما في أيام الحرب. قادة الحرب الأهلية الذين حموا أنفسهم وأصدقائهم يستخدمون نفس الأساليب اليوم. الفرق اليوم أنّ الهروب ممكن، لكن في الحرب كان الهروب أصعب.” -ريما، 53