سألنا شباب نجحوا في التخلص من إدمان فيسبوك عن بدائل “العالم الأزرق”

فيسبوك

لطالما سألت نفسي، لماذا اختار مارك اللون الأزرق، كعلامة مميزة لموقع للتواصل الاجتماعى الأشهر فيسبوك، هل استلهمه من السماء، أم البحر، أو ربما من ذلك الدخان الأزرق الذي يتصاعد خلف النوافذ المغلقة لمدمني المخدرات، المؤكد أن اللون الأزرق كان وراء إدمان الكثيرين لـ فيسبوك دون وعي منهم، فزرقته تساعد على تهدئة الأعصاب، وتعبر عن الاستقرار، الثقة، الأمان، بينما يعكس لدى آخرون ميلًا للعزلة والحزن، فأيا كان موقعك من الأزرق، حتما ستجد ضالتك في عالمه، عالم افتراضي، غير حقيقي، سيملأك نقطة نقطة، حتى يفيض، فيغرقك كليًا، وهنا ربما تأتى اللحظة الحاسمة التى تقرر فيها أن تفتح النافذة ليطير الدخان، وتغلق فيسبوك.

لأسباب عدة قررت إغلاق حسابي الشخصي على الموقع الأشهر للتواصل الاجتماعى، لم يكن الأمر بهذه السهولة، فالتجربة التي فشلت مرارًا سابقًا، زادتني إصرارًا لإنجاحها هذه المرة، فربما يكون نجاحها سببًا في عودة حياتى لسيرتها الأولى، بلا عمق، بلا أحلام افتراضية، بلا بوابة العالم الأزرق الافتراضي.

Videos by VICE

خمسة عشر يومًا مرت على يوم أخبرتني الطبية النفسية أن على الخروج من بوتقة العوالم الافتراضية نحو العالم الحقيقي، وأن أعود راضية مرضية لواقعي الفعلي، في مرحلة أولى لعلاجي من الاكتئاب، استجبت دون نقاش، لكن ماذا سأفعل في ساعات يومى الذي يحمل الكثير من الفراغ، بعد أن صرت بلا عمل مستقر، وبلا أنشطة ثابتة، وبلا موسم مذاكرة مدرسية لأطفالي؟ نصحتني الطبيبة بالبحث عن عمل ثابت، لكن هذا أمر يحتاج للكثير من الوقت والوسطاء في بلد كمصر، كان عليّ البحث عن بدائل أخرى، ووجدتها في تجارب آخرين قرروا الخروج من حسابات العالم الافتراضي والعودة من جديد لحياتهم الواقعية، لذلك قررت مشاركتها معكم علها تساعد أشخاصًا لحسم ترددهم قبل اتخاذ الخطوة نفسها.

استبدلته بالزيارات العائلية
“منذ عامين وأنا أرتب لاستضافة عائلتي وعائلة زوجي، كما كنت أفعل في بداية زواجنا، لكنني لم أفلح أبدًا لانشغالي طوال الوقت، لكنى بعد أن قررت إغلاق حساب فيسبوك اكتشفت أننى لست مشغولة لهذه الدرجة، وقضينا شهرين كاملين في لقاءات أسرية متبادلة، بديلاً عن لقاءين سنويين فقط في الأعياد، وكانت فترة مليئة بالبهجة لي ولعائلتي.” نجوى حسين، 28.

رجعت للتواصل غير الافتراضي
“الزيارات العائلية ربما كانت هي البديل الأول الذي يتبادر إلى الأذهان في اللحظات الأولى للخروج من فيسبوك، ففى اليوم الأول من القرار، تعتريك الرغبة في الانشغال بالآخرين، ومعرفة أخبارهم، كما كانت عادتك اليومية على الموقع الأزرق، لكن هذه المرة لا تستخدم هاتفك المحمول، وعد من جديد للاستمتاع بضغط أزرار الهاتف الأرضى، والاستماع إلى صوت حرارته الدافئ، بديلًا عن الرسائل المسجلة للهواتف المغلقة وغير المتاحة. أبحث في أجندة الأرقام عن الهواتف الأرضية لأقربائك من كبار السن الذين لا يعرفون ماذا يعني الفيسبوك، فعلت هذا وحصلت على عدد من الدعوات والأمنيات بالتوفيق والفلاح ومعهم عدد لا حصر له من أطباق ورق العنب والممبار والفتة، وُعدت بها في حالة نفذت وعدى لهم وقمت بزيارتهم، وقد كان.” مختار حسين، 32.

أعدت إحياء زواجي
“خمسة عشر عامًا هى عمر زواجي، كانت الأمور تسير بشكل طبيعي في البداية. أعمل وزوجي في إحدى الوزارات، ثم يستمر زوجي في عمل إضافي مسائي لنستطيع مواجهة أعباء الحياة، رويدًا رويدًا بدأ الملل يتسرب إلينا، فقدت شغفي بحياتي الزوجية، لم يعد زوجي يرضيني وأصبحت أرى كل مساوئه وعيوبه، بعد 15 عام، اكتشفت أننا لم يعد يجمعنا شئ، لا متعة ولا هواية ولا حياة، فقط يخبرني أنه يحبني، وأعلم ذلك، لكن اكتشفت أن الحب وحده لا يكفى، تم الطلاق وصرت وحيدة، ولم ينفعني فيسبوك فقررت إغلاقه ومع أول فرصة للعودة عدت، لكن هذه المرة اكتشفت قدرتي على القيام بأشياء من شأنها أن تعيد علاقتي مع زوجي كما كانت، فصرنا نخرج فجرًا سويًا، و أنتظره مساءاً في ليلة الخميس ومعي فيلم للسهرة وحلوى صنعتها منزليًا، بادرت أنا بإدهاشه ولم يزل مندهشا حتى الآن.” نهى وصفى، 37.

خصصت وقته لأمي
“أعمل وأمارس الرياضة وأرقص وأجالس أمي، فهي لن تبقى لي طويلًا، منذ سنوات فقدت والدي فجأة. بعد سنوات من غربته عاد للوطن ليموت بعد سنوات قليلة، وما زلت لم أفق من صدمته، حتى اكتشفت أن والدتي قد ترحل في أية لحظة، بسبب مرض مفاجئ بالمخ، في تلك اللحظة، شعرت أن عليّ البقاء لجوارها أطول وقت ممكن، ومحاولة إسعادها و تعويضها عن فترات غيابي في العمل، مر عام ونصف منذ قررت إغلاق فيسبوك، وقضاء ساعات لا تنتهى من المحبة الخاصة معها، عوضًا عن تلك الساعات التي كنت أبددها بين جدرانه الزرقاء. صحيح أنني أعاود فتح حسابي أحيانًا، لكنى سرعان ما أعود إلى أمي، نذهب سويًا إلى النادي والسينما وزيارة الأقارب، لقد أصبحنا صديقتين أكثر من أي وقت مضى.” سارة حمدي، 30.

تفرغت للعب مع أطفالي
“أصبحت أقضى 5 ساعات يوميًا مع أطفالي، أشاركهم اللعب والمرح والرسم ومشاهدة الكرتون، بل وبعثرة الأشياء داخل الشقة، ثم نعود مجددًا لتنظيفها سويًا. كان يومًا فارقا في حياتي حين فاجئني طفلي وأنا أمسك هاتفى لأتصفح فيسبوك: (لماذا لا تلعبين معنا مثل أم صديقنا أنس. هي تضحك معنا طوال الوقت وأنت لا تضحكين إلا على فيسبوك؟!). مرت دقائق كالدهر حاولت خلالها استيعاب كلمات صغيري، حتى تمالكت نفسي لاحتضنه بقوة وأخبره أنى سأصبح أمًا تضحك كما أم أنس. ذهبنا سويًا وقتها لإعداد البوشار واستكملنا يومنا نُشاهد الكرتون، وضحكت مع أطفالي كثيرًا، بعد أن اكتشفت أنهم قد تعلموا إلقاء النكات، وأن صغيرهم أصبح يعرف يرسم ملامح وجهى العابس، لكنه بعد أسبوع رسمنى وأنا أضحك.” رحاب مهدى، 27.

استعدت نفسي
“يوما ما كتبت منشور رياضي، تفاعل معه العديد من الأصدقاء، ثم بت ليلتي وأصبحت لأفاجئ أننى أصبحت من مشاهير فيسبوك بعد أن حصل البوست على 50 ألف مشاركة وآلاف الإعجابات، انهالت عليّ طلبات الصداقة و المتابعات، صرت مشهورًا أو “إنفلوانسر” بلغة أهل مواقع التواصل، لكنني لم أعد أنا، أصبح لزامًا عليّ في كل مرة أكتب فيها على فيسبوك أن أراجع آرائي أكثر من مرة قبل النشر، أهتم بوضع الفواصل والنقاط والهمزات، أراجع القطعة نحويًا حتى لا تهاجمني شرطة النحو والصرف على الموقع الافتراضي، في النهاية اكتشفت أننى لم أعد أكتب ما أريد، لكن ما يريد المتابعين؛ فاتخذت قراري بأن أغلقه بلا رجعة، على الأقل حتى أُُنسى، فأعود شخصًا عاديًا أكتب ما أريد، ليس ما يريده (الفانز). وحتى ذلك الوقت، اكتفى بمتابعة تويتر والانشغال بعملي وأطفالي، بالإضافة إلى أنني نجحت في إنقاص وزني عشرة كيلو جرامات في شهر ونصف.” محمد مصطفى، 32.