في البلدان التي تنعم بالأمان والحياة الجيدة، هناك دوماً جانب آخر ساحق ومرهق لا يراهُ من يراها من بعيد، ذلك ينطبق على دبي، التي صنُفت من بين أكثر المدن أماناً على مستوى العالم للعيش والعمل، لكن سكانها من أكثر الناس إرهاقاً، وذلك وفقاً لدراسة نشرتها شركة “كيسي” لتحليل البيانات والمعلومات، عن الموازنة ما بين الحياة والعمل، حيث تربعت دبي على قمة أكثر المدن إرهاقاً في العمل على مستوى العالم، وجاءت بعدها في المرتبة الثانية مدينتي هونغ كونغ وكوالالمبور، بينما احتلت أوسلو، أكثر المدن موازنة وراحة للأفراد المقيمين فيها. وتناولت الدراسة 49 مدينة عالمية كبرى وركزت على عدة عوامل تشمل كثافة العمل وحيوية المدينة، الرعاية الصحية وتكلفة المعيشة المعقولة وحقوق ورفاهية السكان ووقت الإجازة.
بالعودة إلى دبي، قابلت أشخاص يقيمون فيها ويعملون في وظائف مختلفة، وسألتهم عن مدى إرهاقهم الجسدي والنفسي. وهذه كانت الإجابات.
Videos by VICE
“الحياة في دبي تحمل عدة أوجه، هناك الجانب الترفيهي والحياة الآمنة والبحر والشمس، وهناك الجانب المهني المتعب والرطوبة والمكاتب المفتوحة التي أكرهها. كشخص مغترب التحديات التي تواجهها مختلفة، فعليك الحفاظ على عمل دائم حتى لو كنت تشعر بالإرهاق الجسدي والنفسي. الاستقالة ليست خياراً، إلا إذا تمكنت من إيجاد عمل آخر خلال فترة شهر حتى لا تخسر إقامتك. هذا الواقع يضع الكثير من الضغط علينا كموظفين للعمل ساعات إضافية وحتى أيام الإجازة، ويضع العمل كأولوية قصوى قبل الراحة الشخصية والاهتمام بالعائلة. ولكن هذه هي الحياة في الغربة.”
-إلياس، ٢٦ عاماً، موظف اتصالات
“لم أتمكن من عيش حياة متوازنة في دبي وأنا أسكنها منذ أربعة أعوام. خلف هذه الأبراج الجميلة والشوارع النظيفة حياة أصعب من الحياة التي هربت منها في بلادي بحثاً عن الإستقرار، خسرت من حياتي أشهر طويلة أبحث عن عمل وحين وجدته ولم أكن أعي قوانين الاقامة جيداً وتراكمت عليّ المخالفات وتعرضت للخداع والنصب من الشركة التي عملت لديها. أعمل الآن في وظيفتين، فلا أستطيع الإعتماد على راتب واحد وإلا لن أستطع دفع الإيجار والفواتير والأقساط، ومساعدة الأهل خصوصاً أنني أعيش في الغربة من أجلهم. في دبي الجميلة ستُرهقك جسدياً ونفسياً وستتعب كثيراً ويجب أن تعمل في أكثر من مجال أو ساعات أكثر حتى تستطيع الحياة بشكل جيد.” -معتز، 33 عاماً، Team leader
“بقدر ما يعتقد البعض أن دبي مدينة هينة لكنها الأصعب. قد تعيشين حياة مرفهة في دبي لدرجة لم تتوقعينها يوماً حتى لو كنتِ من أغنياء بلدك، لأنها في القمة فيما يتعلق بمستوى الرفاهية الشخصية والاجتماعية والمهنية أيضاً، لكن هذه الرفاهية ليست مجانية، يجب عليك إثبات نفسك طوال الوقت، بسبب المنافسة الشديدة بوجود الكثير من الجنسيات والخبرات والمهارات. وحتى في أيام الإجازة، علي العمل لإنهاء الأمور المتراكمة والعالقة لديكِ لأنك إن لم تفعلي ذلك فسيسبقك الآخرون. تمنحك دبي الكثير من الخيارات بالتأكيد إذا كنتِ طموحة فهي تحقق لك أحلامك، لكن عليك السعي طوال الوقت حتى لا تخسري هذه الأحلام.” -جنات، إعلامية
“أنا أم عزباء لثلاثة أبناء، أصارع وأعمل ليلاً نهاراً لتوفير إيجار البيت ولتأمين أقساط الجامعة والمدارس وتوفير الرفاهية لهم في بلد مثل دبي، حيث يتوفر كل شيء. كنت معلمة في معهد للغة العربية لكنني خسرت عملي في جائحة كورونا، والآن أعمل كمعلمة دروس خصوصية واعمل “بارت تايم” كمساعدة معلمة في معهد آخر للغات. الحياة في دبي على قدر كبير من الاستنزاف والهلاك بقدر ما هي جميلة وآمنة، يضيع نهاري في توصيل أبنائي على المدرسة والجامعة لأن خدمة باصات المدرسة تكلف مبلغ خيالي. أعاني على كل الأصعدة (مقطعة حالي مية شقفة) وأحاول قدر المستطاع أن أربي أبناء متزنين نفسياً ومشبّعين من الحياة.” -نجلاء، 40 عاماً، مُعلمة
“ليس كل من يعيش في دبي هو شخص مرفه كما يعتقد البعض، الحياة قاسية في دبي، وعليك أن تسابق الوقت. أعاني من تدني راتبي وساعات عملي الطويلة التي تتجاوز يومياً 12 ساعة أحياناً، مع اعتمادي في الأكل على الوجبات السريعة، هذا الأمر مزعج ومضر بالصحة، وفي نفس الوقت ما في مجال الواحد يقدر يحضر أكله في البيت لأنه بيكون اشتغل 10-15 ساعة في اليوم، لهيك بنكون عايشين على الوجبات السريعة والأكل الرخيص ووجبات الموظفين التي تقدمها المطاعم بسعر معقول. سأقترب على مكوثي سنة في دبي وحتى الآن أنا غير قادر على تنظيم وقتي، وتخصيص وقت للخروج مع الأصدقاء وممارسة الرياضة مثلًا بسبب ساعات العمل الطويلة.” -محمد، 26 عاماً، يعمل في مجال المبيعات
“كل من يزور دبي لبضعة أيام ينبهر بجمالها وبالأخص بأمنها ونظافتها وهما عنصران نفتقدهما في بلادنا الأم. لكن من تجربتي الشخصية دبي للسياحة تختلف بالكامل عن دبي الاستقرار والعمل. تأسيس الحياة في بلد جديد ومرتفع التكاليف صعب جداً خاصة إن كان الشخص بمفرده بالغربة، لكن العامل الأهم في توفر الرفاهية وتخفيف الصعوبات هو الراتب، ولكنه يكون متدني في غالبية المهن في بدايات العمل وإذا لم يكن لديك خبرة مهنية في الإمارات. أنا أعمل بوظيفة واحدة وبراتب ضئيل لا يمكنني الاعتماد عليه أبداً، على الرغم من أنني عملت بالصحافة عدة سنوات في بلدي لبنان ومترجمة لغات جيدة، لكن الصحافة والإعلام في دبي تتطلب مؤهلات وشروط عالية، خاصة في القنوات التلفزيونية. لا زلت أبحث عن مهنة تسندني مع مهنتي التي أعمل بها. مع فهم طبيعة الحياة هنا، أحاول تحسّين ظروفي المعيشية والنفسية للتعايش مع واقعي الجديد.” -لبنى، 28 عامًا، صحفية
-اختار هؤلاء الشباب عدم التصريح باسمهم الكامل لأسباب شخصية.