يعيش لبنان منذ فترة على وقع أزمة اقتصادية حادة، ويأتي ذلك مع انخفاض الليرة وبلوغ سعر صرف الدولار نحو عشرة آلاف ليرة لبنانية في السوق السوداء. وتزامنت الأزمة الاقتصادية مع انتشار جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت مما تسبب في إنهاك اللبنانيين وارتفاع نسبة الفقر إلى 55 في المئة. ويعاني البلد من شحّ كبير في الدولار وارتفاع أكبر بالأسعار في دولة تعتمد على الاستيراد فقط. حاولت الدولة وضع العديد من الخطط مثل دعم بعض المواد الأساسية، لكن هذا تحوّل لفساد نتيجة استغلال التجّار والمحال التجارية وقيامهم بإخفاء أو احتكار السلع المدعومة بغية رفع أسعارها لاحقًا، بحسب البعض.
وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، لا يزال الحدّ الأدنى للأجور يقف عند حاجز 600 ألف ليرة لبنانية (400 دولار سابقاً و50 دولار حالياً) أي أن البلد نعيش تضخم كبير بأجور غير محدّثة، وأصبحنا أمام 3 أسواق لسعر الدولار، السوق السوداء (وصل لـ15 ألف ليرة)، وسعر المصارف (3،900 ليرة)، أما السعر الرسمي فهو 1،500 ليرة- علماً أنّ الدولار غير موجود سوى في السوق السوداء.
Videos by VICE
أزمة فيروس كورونا تزيد من حجم الصعوبات أضعافًا مضاعفة. هذا الأسبوع تم الإعلان عن فرض حجر صحي شامل، بالإضافة إلى حظر تجول تام خلال إجازات الأعياد الدينية، بدءاً من الخامسة من صباح 3 أبريل حتى صباح السادس من الشهر ذاته. وتقرر كذلك تمديد حالة التعبئة العامة لمدة ستة أشهر جديدة حتى نهاية سبتمبر. الوضع الصحي سيء جداً، مع ازدياد الإصابات بالفيروس في شهر مارس، فيما تخطت مستشفيات رئيسية طاقتها الاستيعابية في ظل نقص بأجهزة وأدوية ضرورية، من بينها الأوكسيجين.
مهما حاولت أن ألخصّ الوضع، فمن الصعب نقل الواقع، جميعاً نعيش في حالة “بقاء على قيد الحياة” وعلينا أن نكمل بما نملكه أو فعلاً سنموت من المرض والجوع. السؤال الذي لا يكف الجميع عن سؤاله هو كيف يعيش اللبناني في ظل هذا الوضع؟ إليكم بعض الإجابات.
أصيبت جدّتي بكورونا، ولم نتمكن من تأمين لها سرير في المستشفى“أعمل في خدمة التوصيل منذ سنة. أحمل شهادة جامعية، لكنّني لم أتمكن من أن أجد عمل، لذلك، أعمل في خدمة التوصيل. أساعد أهلي لأنّ أبي لا يعمل حالياً. أندم أنّني لم ألتحق بحزب سياسي يعطي موظفيه رواتب بالدولار. فلم أستفد شيئاً من رفضي للأمر قبل عامين. اليوم أوصل طلبيات، وأحياناً أتفاجأ بالوضع المعيشي لبعض الناس، أوصل طلبات بمبلغ يساوي ما أجنيه في أسبوع. محزن الوضع. هناك طبقة فقيرة جداً، وهناك طبقة تعيش برفاهية ولا يعنيها شيء مما يحصل. نستفيد بالمنزل من السلع المدعومة ونحاول أن نشتري أغراضنا من محال صغيرة في مناطق شعبية. نعيش بالحدّ الأدنى وفقط نؤمن ما نحتاج إليه. أصيبت جدّتي بكورونا، ولم نتمكن من تأمين سرير في المستشفى أو ماكينة أوكسيجين، وتوفيت بعد فترة قصيرة. خلال تلك الفترة أصيب والديّ وشقيقي الصغير وأنا كذلك، واضطررت ألّا أذهب للعمل لفترة. كانت الفترة أشبه بكابوس ولا زلنا نعيش هذا الكابوس كل يوم.” -علي، 25، عامل دليفري
**ما عدت أستقبل تلاميذ خوفاً على صحة والدي
**”يعاني والدي من مرض السرطان ولا يمكنني أن أدخله بالضمان (أي التأمين) لأنّه تحت سن الـ65. أدفع سعر أدويته وفحوصاته و زياراته للطبيب وجلسات علاجه، وأؤمن البعض منها من مساعدات والتسهيلات. لم تعد لدي القدرة على تحمل هذا الوضع، لقد استنفذت طاقتي. لم أحصل على “زودة” مع الأزمة، وحجّة المدرسة أنّنا نقوم بالتعليم أونلاين، وكأنه ليس عمل بدوام كامل، راتبي قبل الأزمة كان 800 دولار واليوم يساوي 120 دولار فقط. كنت قبل ذلك أعتمد على التعليم المنزلي، حيث كنت أحصل منه أكثر من راتبي في المدرسة. بعد الأزمة المالية وفيروس كورونا، ما عدت أستقبل الطلاب خوفاً على صحة والدي، فلا يمكنني أن أذهب إليهم ولا يمكنهم أن يأتوا إلى منزلي. أحاول أن أؤمن المال من الأقرباء أحياناً. شقيقي الكبير لديه عائلة ولا يمكن أن يساعد كثيراً.” -زينب، 25، معلمة
**ترسل لنا شقيقة والدي 100 دولار
**”فقدت وظيفتي مع بداية انتشار فيروس كورونا، ومنذ ذلك الوقت لم أجد أي فرصة عمل. أعيش مع والدي وحدنا وهو يعتمدّ عليّ بالمصروف لأنّه يبلغ من العمر 75 عاماً. عملت في حانات ومطاعم بشكل مؤقت، لكن مع الإغلاق بسبب الفيروس والأزمة الاقتصادية لم يعد هناك أي وظائف. الوضع سيئ جداً. تخلصت من اشتراك الكهرباء والذي أصبح يصل إلى 200 ألف في الشهر. أحياناً كانت الكهرباء تنقطع أكثر من 16 ساعة في اليوم وهذا من أكثر الأمور التي “قهرتني” فأنا لا أحاول فقط أن أؤمن الغذاء، إنما حرمت أيضاً من الكهرباء. ما زلت أبحث عن عمل، وأحياناً ترسل لنا شقيقة والدي 100 دولار من دول الاغتراب والتي تعتبر اليوم مبلغاً جيداً لنتمكن من اكمال الشهر.” –كلارا، 27، موظفة
**لم أشتر لأطفالي قطعة ثياب منذ سنة حتى اليوم
**”أعمل كحارس أمني في مصرف معروف في لبنان، وراتبي الشهري هو 600 ألف. قبل الأزمة المالية كان يساوي 400 دولار وهو ما كان يكفي للعيش بشكل مقبول. لكن اليوم، أصبح يساوي٥٠ دولار، يعني لا يكفي لشيء، عبوة زيت القلي لوحدها وصل سعرها لـ 100 ألف ليرة. تخيلي! أحاول أن أؤمن فقط احتياجات عائلتي من طعام. لديّ ولدين، وأحاول ألّا أشعرهم بكل الصعوبات التي اعيشها، فهم اليوم في المنزل بسبب كورونا ولا يذهبون للمدرسة. وهذا للأسف أمر جيّد، لأنّ بقائهم في المنزل يقلل من العبء ويخفف الضغط عليّ، فأنا لم أشتر لهم قطعة ثياب منذ أكثر من سنة. أحاول فقط أن أؤمن طعامهم فقط، ولا يمكنني أن أفعل أكثر من ذلك.” -محمد، 37، حارس أمني
**لجأت إلى أحد أفراد عائلتي لاقتراض المال
**”أنا أم لولدين. طليقي لا يساعدني أبداً بالمصروف، أجني حوالي 700 ألف شهرياً لأعيش بها (حالياً تساوي 60 دولار، سابقاً 450 دولار). المصروف اليومي يكفي للطبخات النباتية فقط، لا يمكنني شراء لحوم، والباقي أخصصه لاحتياجات المنزل الأساسية والمصاريف الشهرية. غلاء الأسعار أصبح جنوني. في فترة الإغلاق بسبب فيروس كورونا لم أعمل لعدة شهور، صرفت المال الذي كنت ادخره واضطررت للجوء إلى أحد أفراد عائلتي لاقتراض المال، وهذا ليس أفضل حل، فعلي الآن أن أرد هذه الديون، ويمر كل يوم عليّ أصعب من اللي قبله.” -سمر، 35، بائعة في محال ملابس
**السوري ممنوع بعد الساعة الرابعة
**”قصدت السوبر ماركت قبل ايّام لأشتري زيت وسكّر وأرز، ولكن طلب منّي أن أشتري فقط سلعة واحدة لأنّ الثلاث سلع مدعومة من الحكومة، وإن أردت أن أشتري واحدة منها مدعومة، يجب أن أشتري بقيمة معينة حتى أتمكن من ذلك..يعني عليك أن تشتري بـ100 ألف ليرة مثلاً حتى تخرج من السوبر-ماركت ولا يمكنك أن تقصدها فقط لتشتري سلعة واحدة مدعومة. هناك بلا شك طمع من قبل التجار، البعض يخزّن احتياجاته خوفاً من انقطاعها وهذا الأمر ينعكس سلباً على الجميع. كسوري يسمح لي فقط بالتسوق من الصباح حتى الـ4 ظهراً فقط، كي لا نستفيد من البضائع المدعومة طوال اليوم. يعني ما بعرف شو قول! أنا في لبنان منذ 2003 وأعامل اليوم بهذه العنصرية. في السابق، كنت أخصص مصروف شهري للتسوق، ولكن اليوم لا يمكنني أن أفعل ذلك لأنّ الأسعار دائماً في ارتفاع. لقد اقتصدت في كل شيء، واركز على شراء الأساسيات فقط مثل الزيت والحبوب والخبز.” –خالد، 40، يعمل في التصليح
**الأولوية هي أن نبقى على قيد الحياة
**”لقد مررنا بتجارب صعبة خلال الأزمة الاقتصادية ومن قبلها الانفجار الذي دمّر منزلنا كاد يقتل شقيقي وأمّي. لقد تسبب انفجار مرفأ بيروت العام الماضي بتدمير بيتنا الذي كان “أجار قديم”- حوالي 100 ألف شهرياً. خرجنا من المنزل لأننا لم نتمكن من إصلاحه بسبب الظروف المالية، وانتقلنا للعيش بمنزل أصغر، ولكن الأيجار مرتفع جداً بالنسبة إلى ما يجنيه والدي. نعيش فترة صعبة جداً. والديّ (موظف في مطعم) قرر أن يبيع سيارته ويعتمد على “موتسيكل” صغير، لأنّ شقيقي ولد خلال هذه الأزمة واحتياجاته غالية جداً من زيارات طبيب وحليب وحفاضات. هناك العديد من الأمور التي تغيرت في أسلوب حياتنا. أكثر ما يقلقني هو أنّ السنة القادمة قد أنتقل لمدرسة حكومية بسبب الإرتفاع الكبير في الأقساط، ولأنّ الأولوية هي أن نبقى على قيد الحياة. “-رلى، 14، طالبة
**فقد زوجي عمله، وأنا من دون راتب شهري
**”أفكّر بمغادرة البلد جدياً. نحن نعيش ظروفاً صعبة جداً. فكرت مئة مرّة قبل أن أسجّل ابنتي بالمدرسة واضطررت أن أغيّر مدرستها، لأن شراء القرطاسية بالدولار، غير أنّ القسط خيالي مقابل التعلّم أونلاين. نحن نعيش معارك يومية أكبر منّا. بسبب فيروس كورونا، أجبرت على أن أغلق مكان عملي لأسابيع، وفقد زوجي عمله، يعني ليس لدينا راتب شهري. اضطررت أن أستقبل زبائن في البيت، حتى أتمكن من أن ألبّي احتياجاتنا اليومية من طعام وشراب. لا أستطيع رفع السعر على الزبونة، لأنه في هذه الحالة لن يبقى هناك زبائن، الجميع يحاول أن يقلل من هذه الكماليات من أجل أن يؤمن أساسيات أخرى.” –كريستيل، 29، تملك صالون تجميل
**نعيش في جهنم
**”اضطررت أن أغلق معملي بسبب الأزمة الاقتصادية والصحية. البضائع بالدولار ولا يوجد أي طلب عليها بسبب الوضع العام. كنت أبيع خزانة الخشب بـ75 ألف ليرة واليوم أصبح يبلغ سعرها 800 ألف. لا أحد لديه المال ليشتري هذه الأمور التي صارت تعتبر من الرفاهيات. بعد اغلاق المعمل، انتقلت للعمل في إحدى المصانع التي لا تؤمّن لي راتب يكفي مصروف العائلة، فأنا أحصل على ربع ما كنت أحصل عليه قبل الأزمة. حياتي كانت جيدة في السابق. هذه الأزمة خسرتني معملي وكرامتي. اليوم، نحن نعيش أساساً حالة تقشّف، نقلت أولادي لمدرسة حكومية. والدي يعاني من مشاكل في الكلى، وهناك توتر دائم بسبب ذلك مع الخوف على صحته والقلق من انقطاع دواءه. نحن نعيش في جهنم أساساً، ولسنا رايحين على جهنم كما قال الرئيس ميشال عون.” -عصام، 37، نجّار
**كل ألف ليرة بتعمل فرق
**”انقطع حليب طفلتي من السوق وهي لا يمكن أن تتناول غيره. جربت أن أبحث عن بدائل أخرى أرخص، لكن هذا يؤثر سلباً على صحتها. ابني الثاني، كانت هذه أول سنة دراسية له ولكن القسط مرتفع جداً، لهذا قررت تسجيله في مدرسة حكومية، وإن كنت أشعر بذنب كبير لقيامي بذلك. نحن نعيش في كابوس طويل. أحاول أن أؤمن لعائلتي الحدّ الأدنى من الاحتياجات، أحسب سعر كل ما أشتريه، وأذهب من سوبرماركت لآخر، وأحفظ جميع الأسعار كي اشتريها من المكان الأرخص. “كل ألف ليرة بتعمل فرق.” والأسعار تتغير بين ليلة وأخرى. في الفترة الأخيرة، اقترضت الكثير من المال من أصدقاء لي، وأشعر بقلق كبير لأنّ عليّ أن أسدّ هذه الديون مع كل ما أمر به من أزمة معيشية، وطفلة بحاجة إلى حليب.” -محمد، 38، موظف
More
From VICE
-
Leon Neal/Staff/Getty Images -
Mario Ruiz/Contributor/Getty Images -
Screenshot: Amplifier Studios