شعوري حين ألتقي برجل حكمت عليه بالسجن

نشرت هذه المقالة في الأصل على موقع vice.com بالتعاون مع مشروع مارشال

“هل حضرتك القاضي بينيت؟”

Videos by VICE

كنت الشهر الماضي أتسوق من متجرٍ للبقالة، فالتفتّ حولي لأرى من يناديني. إنه سؤال كثيراً ما يوجّه إليّ، ولا أستطيع أن مشاعري تجاهه. بصفتي مارست عملي كقاضٍ فدراليّ في سيوكس سيتي، ولاية أيوا، لما يزيد عن العقدين، فقد كنت المسؤول عن إرسال نحو 4 آلاف شخص إلى السجن الفدرالي. مجتمعنا صغير، ونادراً ما يمرّ شهر لا يقترب فيه مني أحدهم بشأن حكم قد أصدرته، يمكن لذلك أن يحدث في متجر للبقالة أو الخردوات، وحتى في مطعمٍ أو حديقة.

هذا الرجل، الذي تجاوز الثلاثين، كان قد مدّ يده نحوي، وهو مبتسم. “القاضي بينيت، إنه من الرائع أن أراك.” قال إنه قبل حواليّ خمس سنوات كنت قد أعطيته إعفاءً كبيراً من فترة حكمه، وكان النائب العام قد طلب حكماً بأكثر من 180 شهراً لإدانته بتعاطي الكوكايين، لكنّي كنت قد تأثرت بسجلّ الرجل المهني القوي وعلاقاته العائلية المستقرة قبل أن يصبح مدمناً على المخدرات ومتاجراً بها في الشوارع على مستوى ضيق ليغذّي إدمانه. لذلك حكمت عليه بقضاء 60 شهراً فقط، أقل حتى مما كان قد طلبه محامي الدفاع.

تبيّن أن حدسي لم يخيب، إذ شارك خلال فترة تواجده في السجن بعلاج مكثّف من الإدمان على المخدرات ودروس عن مهارات تربية الأطفال. تعلّم كيف يعمل على أنظمة التبريد والتدفئة، وتمكّن من إيجاد عمل خارج السجن. والأهمّ من كل شيء أن لديه عائلة محبّة. فقد أصر ليحضرهم من ممرات المتجر ليعرّفني عليهم. بينما تحدثنا جميعاً، كلانا أنا والرجل ذرفنا دموع الفرح والامتنان. قبل المغادرة سألت إن كنت أستطيع معانقته، فقام باحتضاني بحميمية.

ليست مهمة سهلة على الإطلاق، ولا يجب أن تكون كذلك، أن تحرم أحدهم من حريته. عندما كنت قاضياً حديث العهد العام 1994 أخبرت قاضياً آخر أنني كنت أستصعب الحكم على الناس، فحاول أن يطمئنني بالقول: “لا تقلق يا مارك، سيصبح الأمر أسهل.” لكنّ ذلك لم يحدث، ولطالما اعتقدت أنه إن أصبح كذلك فإن وقت الاستقالة يكون قد حلّ. من المستحيل تقريباً شرح عبء ثـقـل كل هذه الأحكام.

على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية، تعاملت مع هذه المشاعر عن طريق زيارة السجناء الذين حكمت عليهم، أكثر من 400 منهم. بالنسبة للكثير منهم، كنت زائرهم الوحيد. فيخبرونني عن حياة السجن وعن جهودهم في التأهيل، وعندما أغادر، أتأرجح بين الحزن والشعور بالفخر.

خارج السجن، تتواصل معي بانتظام عائلات من أحكم عليهم. يمكن أن تكون ابنة، ابناً، شريكاً، شقيقاً، والداً، أو جـدّاّ. كثيراً ما أوافق على لقاءهم، في مكتبي، أو في متجرٍ للدونات أو محل لبيع القهوة، وأشرح سبب الحكم الذي أصدرته. أنظر لهذه اللقاءات على أنها جزءٌ من التزامي بالخدمة العامة.

بالطبع أضطرّ أحياناً لتوضيح أنني مجبر على إعطاء الحد الأدنى من الأحكام الإلزامية التي أعتقد أنها قاسية بشكل ظالم. لقد سببت الحرب على المخدرات المزيد من الضرر للأشخاص غير البيض، حتى هنا في ولاية أيوا قليلة السكان البيض، أغلب من أحكم عليهم من الجانحين في قضايا المخدرات هم أشخاص ملونون وفقراء.

إصدار الأحكام، مع كلّ المعلومات المفصّلة التي يملكها القضاة عن الأفراد، ما زال أشبه بالتكهّن المدروس، عما إذا كان قرار القاضي يكفي لحماية العامّة ولعقاب الجانح بعدالة. لذلك فإنني أريد معرفة ما يحدث لأولئك الذين أصدر عليهم أحكاماً. غالبيتهم أناسٌ جيدون كانوا قد اتخذوا قراراتٍ سيئة، أحياناً تكون سيئة حقاً. لكننا جميعاً قادرين على إيجاد الخلاص.

القاضي مارك دبليو بينيت الذي يتولى مقاطعة أيوا الشمالية، تم تعيينه في المنصب عام 1994 بواسطة الرئيس بيل كلينتون.