خلال الشهور الماضية، كانت العاصمة اللبنانية بيروت تشبه مدينة الأشباح. الكهرباء مقطوعة. المطاعم والحانات شبه خالية. أزمة صحية بسبب فيروس كورونا، وضع اقتصادي متأزم، ارتفاع كبير بالأسعار وانهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار. وأخيراً، جاء الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في الرابع من آب ليدمر القليل الذي تبقى من هذه المدينة. لقد أصبحت بيروت مدينة منكوبة. مدمرة بالكامل. حارتنا وأماكننا المفضلة التي كنا نهرب إليها من ضغط المدينة لم تعد موجودة. المطاعم التي كانت مملوءة بالحياة طُحنت. المباني التراثية القديمة من الجميزة إلى مار مخايل اختفت. لقد تشوهت معالم المدينة تمامًا. لم يعد يمكنك التعرف على بيروت التي كانت.
هرعت إلى مدينتي اليوم الثاني من الإنفجار كي أساعد الناس بأي طريقةٍ ممكنة حتى لو عبر تنظيف الشوارع من الزجاج. جمّعنا بعضنا أنا وأصدقائي من العمل ومن الجامعة من أجل توزيع الطعام وتنظيف الشوارع والمنازل التي دمرت بسبب قوة الانفجار. على الرغم من أنني شاهدت بعض الصور على مواقع التواصل، إلا أن المشهد على الأرض كان مختلفًا تماماً، دمار ورعب لم أشاهده في حياتي. تحولت تلك الزوايا التي أحبها والذكريات التي فيها إلى ركام. معالم الخيبة والحزن والغضب والصدمة كانت واضحة على وجوه الجميع. وقد يختصر ما قاله لي شاب متطوع مشاعرنا جميعًا “يللي عمل هيك ببيروت بيستحق يموت.”
Videos by VICE
بعد كل أزمة، كل انهيار، كل حرب، حاول اللبنانيون التعامل مع الواقع، ولملمة حياتهم والسير للإمام. في كل مرة، كان علينا أن نبدأ من جديد. أن نعيد بناء ما خسرناه. ولكن يبدو أن السير للإمام لم يعد ممكنًا، لم يعد لدينا الطاقة أو الأمل بغد أفضل. كثير من الأصدقاء قرروا الهجرة، ولكنني شخصياً، لم أستطع أخذ قرار الرحيل بسبب تعلقي بزوايا المدينة التي عشت فيها ٢٦ سنة من الفرح والحب والخذلان والثورة. يجمعني ببيروت علاقة سامة. أحبها وأكرهها. متعلقة بها وبسهراتها وبضجيج يومها. ولكن المدينة التي تعلمت منها كيف تبقى حيّاً وسط المآسي والركام، أصبحت هي نفسها ركامًا.
على الرغم من حجم الخسارة الذي لا يعوض هذه المرة، إلا أننا لم نقف مكتوفي الأيدي، فقد هرع الآف من الشباب المتطوعين من بيروت ومن خارجها من أجل تقديم المساعدة إلى العائلات المنكوبة وتنظيف المدينة. الانفجار الذي أدى إلى مقتل أكثر من ١٣٠ شخص وإصابة الآلاف، ترك ٣٠٠ ألف عائلة مشردة وهناك العشرات لا يزالون مفقودين. في تلك الشوارع المدمرة، لم يكن هناك أي مشاهد لوجود دولة على الأرض، لا وجود لأي جهات أو مساعدات حكومية، لقد انتظرنا ثلاثة أيام حتى مجيء الفرق الفرنسية من أجل انتشال الجثث التي ما زالت موجودة في المرفأ، ولا يزال كثيرون لا يعرفون مصير أحبائهم.
هذه الصور تلخص القليل القليل من هذا الدمار وهذه الجريمة.