طبيب ليبي يتبع نظام حياة خالية من النفايات

climate change

حان وقت التغيير. في يوم العمل العالمي للمناخ، تنشر VICE Media Group مقالات متخصصة عن أزمة المناخ الحالية.

تبدو مشاكل العالم اليوم سريعة ومتلاحقة، فما بين أولويات الدول للتجاذب السياسي وحلول للانهيار الاقتصادي وبين مجتمعات رافضة لتوعية الذات والمحيط والمساهمة في وضع سياسات بيئية صارمة.  في ليبيا، تتذيل مشكلة البيئة قائمة المشاكل التي تعاني منها البلاد مؤخراً، ورغم ذلك برزت مبادرات فردية تتبنى قيماً بيئية تبدو صحية للبعض ومتطرفة للبعض الآخر، و من بين هذه المبادرات هو أسلوب صفر نفايات الذي انتهجه الشاب الليبي معاذ سلاّم، ٣١ عامًا، وهو طبيب يعيش في مدينة طرابلس. حاول معاذ معرفة كم المخلفات الناتجة عن استهلاكه لمدة أسبوع واحد، من خلال جمع كل ما يستخدمه داخل سيارته. خلال ذلك الأسبوع امتلأت سيارته بكميات من الأكياس البلاستيكية وقناني المياه وأكواب القهوة الورقية. “لقد كانت كمية كبيرة للغاية قياساً لمعدل إستهلاك شخص واحد لمدة أسبوع واحد فقط. من هنا قررت تغير نظام حياتي تماماً منذ سنة ونصف،” يقول معاذ.

Videos by VICE

يخبرني معاذ والذي ينشط في مجال الحماية البيئية والتوعية المجتمعية في ليبيا أنه قرر اتباع هذا الأسلوب بعد مشاهدته فيديوهات لـ لورن سينغر على يوتيوب ومنصة TEDx التي تتبع أسلوب حياة خالي من النفايات منذ العام 2012. وفيما ينتج الفرد حوالي 759 كيلوغراماً من الفضلات سنوياً، لا تتجاوز فضلات سينغر من الأربع سنوات الماضية الـ500 غرام وتتسع داخل إناء صغير.

كما في حال سينغر، بدأ معاذ بالتخلي الكامل عن استخدام قنينة المياه البلاستيكية وأكواب القهوة الورقية بإيجاد بديل جهاز تحلية المياه المستدام أو حافظ المياه المعدني أو كوب فخاري للقهوة يأخذه معه للعمل عند الطلب من المقهى. “هذا الأسلوب يحتاج قليلاً من الصبر والبحث والإيمان بالتغيير للسلوك السئ والاستهلاك غير المنظم، خاصة وأن دولاً كثيرة ومن ضمنها ليبيا لا تدعم بدائل وخيارات واسعة لهذه الفئات التي إختارت أن تتبع هذا الأسلوب،” يقول معاذ ويضيف: “أخذتُ وقتاً طويلاً لأقنع العائلة بأهمية هذا الأسلوب وتأثيره على حياتنا ومجتمعنا. تدريجياً، بدأنا نستغني عن الأطعمة المعلبة والاعتماد على شراء الأطعمة من باعة وبقالة يقدمونها دون تغليف كــ البقوليات، النشويات، الجبن وبعض المشروبات).

ويضيف: “اعتمدنا أثناء التسوق على استخدام حافظات الطعام المستدامة وأكياس القماش للحبوب والمعكرونة والأرز. ونحاول شراء الأطعمة والسوائل ضمن قنينات أو برطمانات زجاجية التي بدورها يمكن إعادة استخدامها في الحفظ والزينة والديكور.. إلخ. أما الأكياس البلاستيكية فنحن نحاول الاحتفاظ بقدر الإمكان بأكياس قماشية أو صديقة للبيئة يمكن استخدامها لأغراض التسوق اليومي.”

119244613_611468859493743_6367408966029550513_n.jpg

وتعاني ليبيا- التي تقع ساحل طويل للبحر الأبيض المتوسط والتي لا يفوق تعدادها السكاني 8 مليون نسمة – اليوم من مشكلة بيئية حادة نتيجة لتكدس النفايات بشكل عشوائي في الشوارع الرئيسية بالعاصمة طرابلس. وسياسة الدولة المهترئة في التعامل معها بسبب- فانحصرت كل خيارات المواطنين في اختلاق مكبات مرحلية ساهمت في سوء المظهر العام للشوارع والفضاءات العامة والحدائق. كما يضطر البعض إلى التخلص من القمامة عبر إحراقها مما يؤدي إلى تلوث الهواء لعدة ساعات بشكل يومي. وبحسب مطلعين، فالمشكلة تتركز بعدم توفير حاويات كبيرة لرمي القمامة وأماكن بديلة لطمر النفايات، والعجز عن إنشاء مكب قمامة جديد لاستخدامه في حالات الطوارئ والأزمات. وتحتل ليبيا المرتبة 53 من 225 في قائمة الدول من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمساهمة تصل إلى 0.22٪ والمرتبة 41 من في قائمة نفس الدول من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد.

يعترف معاذ أن هذا النمط من الحياة قد لا يعجب الكثيرين، وهناك من يتحجج بأن البدائل والخيارات غير موجودة وأن تطبيقها صعب جداً. ولكن مع تفاقم أزمة القمامة مؤخراً وخاصة بعد الحرب الاخيرة في طرابلس ٢٠١٩ – والتي تسببت في إقفال العديد من مكبات القمامة وتكدسها في الشوارع وفي كل مكان – أصبح الكثير مدركاً لأهمية هذا الأسلوب حالياً، كما يقول: “حتى ضمن دائرتي المقربة من الأصدقاء والزملاء، الذين كانوا غير مقتنعين تماماً بالأمر، أصبحوا يدركون أهمية تقليل النفايات. أعلم أن مشكلة النفايات مشكلة جماعية ومن الصعب حلها وحدي، ولكن أنا مدركٌ تماماً بأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، ويمكن ولو لفرد واحد أن يحدث تغييراً حتى وإن كان على مستواه الفردي أو العائلي.”

يضيف معاذ أن تغيير نمط حياته الاستهلاكي كان له تأثير واضح على الصعيد الشخصي: “هذا الأسلوب يقلل من الخيارات غير الصحية – فمثلاً الاعتياد على تناول الوجبات الخفيفة المعلبة Snacks كالشيبس أو البسكويت يمكن استبدالها بسهولة بكل انواع الفواكه أو المكسرات. اليوم أشعر بصحة أفضل وبات وزني أكثر ثباتاً من قبل، كما أن العديد من السلوكيات الغذائية والحياتية تبدلت بالنسبة لي كعدم تنظيم جدولي الغذائي أو عشوائية اختيارات الطعام اليومية. هذا بالإضافة إلى أن هذا الأسلوب اقتصادي كذلك. ميزانيتي الشهرية تناقصت ما يقارب النصف.”

هناك عدة أمور يمكن القيام بها كأفراد لتقليل حجم نفاياتنا، مثلاً التسوق المنتجات المحلية مما يخفف من غازات الاحتباس الحراري الناتج عن شحن الأغراض عبر البحار، التقليل من شراء الأشياء التي لا نحتاجها، عدم استخدام أي أغلفة للخضار والفاكهة، والابتعاد عن شراء العبوات وأدوات البلاستيك التي تستعمل مرة واحدة فقط مثل مصاصة العصير البلاستيكية والمشروبات الغازية أو علب المأكولات الجاهزة. تبديل زجاجات المياه المستخدمة لمرة واحدة بزجاجات من الفولاذ المقاوم للصدأ، استعمال أكياس تسوق مصنوعة من قماش، استخدام الأواني للطعام يمكن إعادة استخدامها، كذلك شراء مواد مصنوعة من مواد مستدامة، الحد من استعمال المحارم الورقية والقطن واستبدالها بقطع القماش القطنية. المحافظة على المياه، مثلاً يمكن تجميع مياه الأمطار واستعمالها لاحقاً أو استخدام دلواً لجمع الماء أثناء الاستحمام ومن ثم استخدامها لري النباتات أو التنظيف.كما يمكن تحويل النفايات المنزلية العضوية إلى سماد طبيعي (Composting).

119483401_266439441012988_3730312709552123115_n.jpg

يحاول معاذ كذلك العودة للعادات القديمة المستدامة كاستخدام صابون القوالب للجسم والشعر والمعروف في ليبيا بـ الصابون الأخضر والذي يباع بدون تغليف، كذلك يقوم بتحضير معجون الأسنان بنفسه منزلياً والمكون عادة من زيت جوز الهند والبيكينغ صودا – كما أنه دائم الاستخدام لفرشاة الاسنان المصنوعة من سيقان البامبو وهي فرشاة صديقة للبيئة ودائمة الاستخدام. وينصح معاذ الأشخاص الراغبين في إتباع هذا النظام البدء بالملاحظة والتدقيق فيما يستخدمون أو يرمون كل يوم من نفايات، لمعرفة وقياس الكم الهائل من الاستهلاك اليومي- بعدها يمكنهم البدء تدريجياً بما هو أكثر ضرراً مثل قناني البلاستيك والاكياس، ويقول: “أنصح باتباع ذلك بشكل تدريجي دون الذهاب بشكل متطرف أو مفاجئ.”

عدم إنتاج نفايات يقلل التلوث، ويمكنه أيضًا تقليل تكاليف التصنيع بسبب تقليل الحاجة إلى استعمال المواد الخام. المبادرات الفردية مهمة ولكن هناك حاجة إلى التنظيم الحكومي من أجل التأثير على خيارات الصناعة المتعلقة بتصميم المنتجات وتعبئتها، وعمليات التصنيع، واختيار المواد. “أعتقد أنه حان الوقت لوضع ضريبة أو قيمة ولو رمزية لاستخدام أكياس البلاستيك – الوضع بات لا يحتمل – لابد أن يعي الناس والحكومات بأن هذا الضرر كبير وعليهم أن يقوموا بتغيير ذلك. هناك مسؤولية اجتماعية على كل فرد فمثلاً إذا امتنع كل فرد من شراء منتج معين معلب بلاستيكياً، ستعي الشركة المنتجة خطأها وتحاول تقديم منتجها بطريقة صديقة للبيئة.”

ClimateUprise_Button.png