منذ أيام أثير الكثير من الجدل في بعض وسائل التواصل الاجتماعي حول مشروع قانون لتجريم بعض أسماء الأطفال قانونيًا، منها أسماء عادية مثل يارا ولارا ومايا.
حسب المادة 21 من القانون المصري رقم 143 لعام 199 والمعدل عام 2018 والخاص بالأحوال المدنية، يعاقب كل من يسمي أخوين أو أختين باسم واحد، أو من يسمي بأسماء تخالف الشرائع السماوية والنظام العام، أو الأسماء المركبة، بغرامة لا تقل عن 100 جنيه (5 دولار) ولا تزيد عن 200 جنيه (10 دولار) تقريبًا.
Videos by VICE
النائب هشام الجاهل عضو مجلس النواب المصري، تقدم بمشروع قانون جديد إلى البرلمان لتغليط العقوبة حول قضية الأسماء “المركبة والدخيلة على المجتمع المصري” لتصل إلى حبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه (300 دولار).
اسم الإنسان أمر مهم فهو ما يعطي انطباعًا عن أنفسنا ويحمل هوية ثقافية ما، فكل منطقة جغرافية تشتهر بأسماء معينة يمكن أن تساعدنا أكثر في فهم ثقافة هذه المنطقة ووجود صفات معينة، كذلك يمكن أن تتنوع دلالة الأسماء في دولة معينة على عصور أو سنوات معينة بل وربما إلى طبقات معينة كذلك، فاسم الإنسان ليس مجرد اسم يسهل تحركات الإنسان ومعاملته في الدولة بل يشير إلى أكثر من ذلك بكثير، وحسب أحد التقارير يمكن لأسمائنا أن تحكي من أين أتينا ويمكن أن تؤثر على نظرة المجتمع لنا حسب المكان الذي نعيش فيه.
وفي سياق تاريخي يمكن أن يكون للأسماء دلالة معينة مثل أبناء الملوك والأمراء. آمال حسن، 16 عامًا من مصر، تخبرني أنها كانت حفيدة لجدة اسمها فريال، وكان اسم فريال في هذا الوقت حكرًا على طبقات معينة، بالأخص أبناء الملك فاروق، ولكي يتم الموافقة على هذه الأسماء كان المطلوب أن يدفع الأب جنيه ذهب. لهذا دفع والد فريال، الذي كان من الأشراف الإقطاعيين، لها ولأخواتها ناريمان ونازلي جنيه ذهب لتكون أسماء فتياته على أسماء بنات الملك.
**وحدة وطنية مقابل الاحتفال بالتنوع؟
**لطالما قيدت الأنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأسماء كوسيلة لتشجيع الوحدة الوطنية -التي عادًة ما تتمحور حول مجموعة الأغلبية العرقية أو الدين. فإن نظرنا تاريخيًا، فقد حظرت تركيا الأسماء الكردية واللواحق غير التركية، مثل “-ian” الأرمني. فيما حظرت إيران ما بعد الثورة الأسماء الغربية وامتنعت عن الأسماء الفارسية قبل الإسلام، وكان أمناء السجلات في الجزائر ملزمين بضمان أن تكون الأسماء “جزائرية.”
هذا الشكل من القومية أخذ يتراجع في كثير من أنحاء المنطقة وأصبح هناك احتفاء بالتنوع بشكل أكبر. في تونس، تم إنهاء الحظر على الأسماء الأجنبية وقال لطفي زيتون، الوزير الذي اتخذ القرار: “ما يشربه الناس أو يسمونه أطفالهم هو شأنهم الخاص.” كما تخلت تركيا رسمياً عن سياسة تتريك الأسماء في 2003. وأنهى الدستور الذي أقره العراق عام 2005 تعريب أسماء الأقليات.
وبالرغم من غرابة فكرة وضع قيود على أسماء المواليد، إلا أن هناك أسماء ممنوعة على الصعيد العالمي أيضًا. فكرة المنع ليست بجديدة، ولكن المنطق في ذلك هو مدى الضرر الواقع على الطفل من هذه التسمية، هل سيضره أو سيتسبب له بمكروه أم لا؟
مثلًا في فرنسا تم منع زوجين من تسمية ابنتهما “نوتيلا” وتم استبداله بـ “إيلا” وكان السبب أن الفتاة يمكن أن تتعرض للمضايقة أو السخرية بسبب أن اسمها على اسم الشوكولاتة الشهيرة. كما تدخلت الحكومة الألمانية من قبل حينما رغب زوجين بتسمية ابنهم “Luicifer” أي الشيطان، بسبب ضرر التسمية الذي سيقع على الطفل مستقبلًا، ولم تتركهم المحكمة إلا بعد أن تم تغيير الاسم.
السؤال هنا، هل وضع قائمة معينة لأسماء المواليد الجدد وفرض غرامة كما في مصر، حفاظ على الهوية الثقافية أم تدخل في مساحات الأفراد؟ يجيب الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في مقابلة مع VICE عربية قائلًا: “اختيار أسماء الأطفال حق للأهل، والأطفال عندما يبلغوا سن النضج لهم الحق في تغييرها. حصر الأسماء بقائمة مسبقة انتهاك لحقوق الأهل وتدخل في ثقافتهم.” ويضيف: “هناك أهالي لديهم تأثر بثقافة معينة سواء غربية أو أفريقية أو عربية أو تركية أو روسية وهم أحرار في اختيار أسماء أطفالهم ما دامت ليست سبابًا أو شتائم. اختيار الأسماء هي حرية شخصية للأهل وليس للحكومة أن تتدخل فيها.”
**أسماء ممنوعة
**عند إلقاء نظرة عامة على الدول العربية فيما يتعلق بالمنع سنجد أن المغرب مثلًا، تستعمل فكرة منع الأسماء الامازيغية مثلاً في محاولة لطمس الهوية الأمازيغية. فحسب شهادة أحد الناشطين، خلال 9 سنوات تم منع حوالي 57 اسم أمازيغي للمواليد الجدد في الداخل والخارج، رغم أنه لا توجد في المغرب حاليًا قوانين تمنع أسماء معينة باستثناء المادة 21 من قوانين الأحوال المدنية والتي تنص أنه “يجب أن يكتسي اسم المولود المقصود تقييده في سجلات الحالة المدنية طابعًا مغربيًا” بالإضافة إلى منع أسماء مثل مولاي وسيدي.
أما السعودية فتمنع تسجيل أي اسم غير جائز شرعًا من الأسماء المحرمة بفتاوى مثل “ملاك” عبد النبي، عبد الرسول و “راما” أو الأسماء غير اللائقة اجتماعيًا مثل “جحيش” و”حمير.” كما تم في السابق حظر الأسماء الأجنبية والتي لا تنتمي للثقافة العربية مثل إلين، أليس، أو الأسماء المرتبطة بالملكية مثل سمو، ملك، مليكة، ملاك، ليندا، مايا، كما أن هناك أسماء ليس هناك أي منطق في منعها مثل يارا، إيمان وعبد العاطي. وفي فترة ما تم منع اسم عبد الناصر، اسم الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر بسبب مواقفه من السعودية.
في مصر لا توجد قائمة أسماء ممنوعة لكن حسب القانون المراد تطبيقه والذي تم اقتراحه في البرلمان في ٢٠١٧، فإن الأسماء الأجنبية مثل مارك، سام، لارا، سام من المرجح أن تُمنع، بالإضافة إلى لورا، جيسيكا، ماري وغيرهم من الأسماء الغربية.
إليسيا من الأسماء الممنوعة في الجزائر، وعلى عكس باقي الدول فإن الجزائر لديها قائمة بالأسماء المتاحة وليست الممنوعة، حسب المادة 74 من قانون الأحوال المدنية الجزائري، التي تلزم كل جزائري مسلم بالالتزام بقائمة الأسماء المحددة ويباح عكس ذلك لغير المسلمين.
ياسمين علاء الدين، معيدة في كلية العلوم السياسية جامعة القاهرة ومتخصصة في النوع الاجتماعي، تشارك رأيها مع VICE عربية: “على عكس ما قد يبدو الأمر تافهًا ومضحكًا إلا أنه ليس كذلك، فمشروع القانون في مصر يشير إلى ثلاثة أمور متداخلة وهي مدى تدخل الدولة في الأحوال المدنية للأسر والعلاقة بين المجال العام والخاص.”
وتشرح علاء الدين أن فكرة مشروع القانون على فرض أسماء معينة في إطار ثقافي معين للدولة، يعني استخدام السلطة للحد من حرية الأفراد، وتسييس أسماء معينة. وتضيف: “كل ما يحدث داخل المنزل هو مساحة خاصة بالأفراد لا يحق للدولة التحكم فيها، ودخول الدولة في هذه التفاصيل التي لا ترتبط بالمساحة العامة (أي كل ما هو خارج المنزل) يجعلنا نضع علامات استفهام فيما يتعلق بقراراتنا كأفراد.”
وتشير علاء الدين إلى أن هناك تركيز أكبر على حظر أسماء معينة للأناث أكثر من الذكور، وهو برأيها يشير لكيفية “إحكام الدولة على النساء بدءًا من أسمائهن ووصولًا إلى أجسادهن.” وتضيف: “من منظور نسوي، يشير مشروه القانون إلى تدخل الدولة في كل ما يتعلق بالنساء في هذه الدولة فهي منظومة متقاطعة تفرض علينا أجساد وأشكال وبالتالي أسماء معينة، وعادة ما ترتبط القضية بخلفية أبوية ذكورية.”