فيلم “محتال تيندر”.. ضغطة واحدة قد تغير حياتك للأبد

AAAAQW4BbP7mgS8ny0OprIyj-XanKoJj9SSsaHCBS9qg5fyPCUZ8x8941sjsxh2b0BRZ97rQa4DPFFdYRMeS31alxYak-b-_ujlDxXh4dLSpzYxMIi0bxnpXznUTTm1Sg9xMAKded2DYmK2hkMQ11OsMnGeZz_g

ملاحظة: يتضمن المقال حرقاً للأحداث.

هل تخيلتِ يومًا أن يكون حبيبك مليونيرًا؟ مليونير يسافر بطائرة خاصة، ويعبر السماوات من أجلك في لحظة، عندما تشعرين بإحباط أو حزن؟ ماذا لو طلب منكِ حبيبك الثري جدًا بعض المال لحل أزمة مالية طارئة؟ هل ستفكرين قبل إعطائه المال؟ ماذا لو كان المبلغ كبيرًا بالنسبة لميزانيتك؟ ١٠ آلاف دولار مثلًا؟ ٢٠ ألف؟ هل ستكملين مع حبيب يعيش في جو ملئ بالخطر والتهديد بسبب طبيعة عمله؟ عندما يرسل لكِ صورة لحارسه الشخصي مصابًا بسبب مطاردة مع منافسين في العمل أو مع الشرطة..هل ستبقين مع هذا الرجل لأنكِ تحبينه؟

Videos by VICE

كل هذه الأسئلة يتم الإجابة عنها في الفيلم الوثائقي The Tinder Swindler أو “محتال تيندر” الذي تعرضه منصة نتفليكس حاليـًا، والذي يحكي قصة عدد من النساء وقعن في غرام شاب يقال له سايمون ليفايف، ملياردير ورجل أعمال يمتلك تجارة ضخمة في مجال الماس. 

هذا الرجل نجح في الإيقاع بنساء كُثر من دول مختلفة عن طريق تطبيق تيندر للمواعدة، وحصل على أموال تقدر بنحو 10 ملايين دولار بطرق ماكرة وخبيثة. هذا الرجل ليس سايمون ليفايف في الحقيقة، لكنه شيمون هايوت، محتال إسرائيلي محترف، مطلوب القبض عليه في إسرائيل والسويد وإنجلترا وألمانيا والدنمارك والنرويج.

يناقش الوثائقي واحدة من القضايا المعقدة في وقتنا الراهن، الحب في عصر السوشيال ميديا، وكيف يمكن لهذا الحب أن يتحول لتلاعب وابتزاز نفسي، وكيف يصل في لحظة ما أن يكون احتيالًا ماديًا.

خلال الأعوام الماضية أصبح تطبيق تندر أحد أعلى التطبيقات تنزيلًا على الهواتف، حيث يصل عدد مستخدميه إلى ٧٥ مليون مستخدم نشط شهريـًا، وعدد المشتركين يتجاوز الـ ٦ مليون في الشهر. وتشير إحصاءات أن نسبة استخدام التطبيق ارتفعت مع جائحة كورونا حيث وصل استخدام التطبيق واختيار الـ Swipe أكثر من ثلاثة بليون مرة في يوم واحد خلال مارس ٢٠٢٠.

يرى بعض المستخدمين أن تطبيقات المواعدة وإن أتاحت للمرء فرصة البحث عن شريك رومانسي، فنفس التطبيقات تتيح الفرصة لتجارة الجنس والابتزاز والاستغلال المادي، حيث توضح بعض الإحصاءات أن ٥٧٪ من النساء في سن ١٨-٣٤ عامًا يتعرضن للتحرش على تطبيقات ومواقع المواعدة، ويتلقين رسائل جنسية مباشرة أو صورة لم يطلبنها، وينطبق الأمر كذلك على الفتيات المراهقات ما بين ١٥ لـ ١٧ عامًا. 

قصة الفيلم
يؤسس الفيلم منذ لحظته الأولى لعالم مكونة أركانه من الاحتيال، السفر، الخيال الخصب والسيناريوهات غير المتوقعة، وهي كلها عناصر مهمة في بناء الدراما والصراع في أي عمل فني. وبالرغم من طول الفيلم الوثائقي، إذ يقترب من الساعتين، إلا أن توفر عناصر الصراع الدرامي جعلت الزمن سريعًا، مخرجة الفيلم فيليستي موريس نجحت في أن تقدم لنا عالمـًا مكتملًا تحكيه النساء من وجهات نظرهن.  

سيسليا وبرينلا وأيلين بطلات الفيلم، تم التلاعب بهن من قِبل سايمون عبر الصورة المبهرة لرجل يمتلك الملايين يمكنه تحقيق أي شيء يرغبه، وبالتالي قد يحقق لهن ما يتمنينه، وهذه مسألة تثير بعض الانتقادات عند البعض، فبعض التعليقات التي كانت تُوجه لهؤلاء النساء أنهن ساذجات، وماحدث معهن مستحق لأنهن لجأن لرجل ثري بدلًا من اللجوء لرجل يحبهن فعلًا.

هذا الإدعاء بأنهن لم يبحثن عن الحب فارغ من محتواه، كما أنهن يملكن الحق تمامًا لو أردن البحث عن رجل ثري دون حب، وهذا لا يبرر ما فعله سايمون معهن بأي شكل، فلا يعقل التطبيع مع الاحتيال وتبرير ذلك أن النساء أردن حياة جيدة. إن بحث كل منا عن الشريك المتخيل أو غير الموجود يجعلنا في مساحة من عدم الاتزان في أحيان كثيرة، مشاعر باليأس لعدم وجود هذا الشخص، وبالتالي عندما نرى بارقة أمل بوجود شخص جيد، تصيبنا الهشاشة vulnerability ونصير أكثر تعلقًا بالشخص كلما اكتشفنا مميزات أكثر فيه، ونصبح “سُذجًا.”

حكاية سايمون ليست الأولى من نوعها فهناك رجال محتالون متخصصون في هذا النوع من الجرائم، ويسمون Catfishers، فهم يدرسون ضحاياهم جيدًا، ويظهرون على تطبيقات المواعدة بصورة احترافية جدًا سواء في الملبس أو اللغة التي يتحدثون بها أو الرومانسية التي ينتهجونها في التعامل مع المرأة. وبالطبع يُظهر هذا المحتال منذ البداية عدم احتياجه للمال، بل أنه يحيط عالمه المزيف بالثراء الفاحش. وقد وقعت حوادث مماثلة في هونج كونج حيث وصل عدد النساء اللاتي تم التحايل عليهن عبر تطبيقات المواعدة إلى أكثر من ٦٥٠ امرأة وأُخذ منهن حوالي ١٦٠ ألف دولار هونج كونج أي ما يعادل ٢٠ ألف دولار أمريكي، وقد حدث ذلك في مدة لا تزيد عن ٨ أشهر.  

شعرت بالرعب بعد مشاهدة الفيلم
عدد من صديقاتي اللواتي شاهدن الفيلم تعاطفن مع بطلات الفيلم وشعرن بالرعب. تخبرني نورهان، ٣٥ عاماً، التي تستخدم تيندر وبامبل، أن بداية أي علاقة افتراضية يجب أن تبدأ بمحاولات إبهار الطرف الآخر ومحاولة جذبه لعلاقة جنسية: “أغلب من تكلمتُ معهم كان هناك نزعة أو نوع من أنواع الاستغلال الجنسي لديهم تحت مظلة الإعجاب، إذ يبدأ التدرج في التعامل حتى نصل لاستدراج كلي وتُعرض فكرة اللقاء الأول في شقة مثلاً أو سيارة، لكن المقهى لا.”

وتحكي قصة شخص ابتزها عاطفيًا، وتقول “أسوأ الشخصيات التي قابلتها كان على تندر وظل يبتزني عاطفيًا بالحب والزواج والإنجاب، ثم يختفي لفترة ويعود. حينها فتحتُ حسابًا وهميًا على تندر لتتبعه، واكتشفتُ أنه غير قادر على الإنجاب، لكنه مهووس فقط بالجنس.” 

حكاية أخرى ترويها نورهان لشخص آخر واعدته، وتقول إنه “طلب مني مالًا على سبيل السلف من أجل دراسة شيء ما، لكنني رفضت، فقال لي إنني لا أحبه. وبعد ذلك، هددني بأنه سيرسل صورًا لأسرتي كنتُ أرسلها له سابقًا. وهددني بالاتصال على تليفون المنزل، لكنني لم أخف منه لأنه لا يملك شيئـًا يخدش حيائي أو حياء أسرتي. وعندما اتصل بالفعل ردت أمي عليه، لكنه لم يستطع أن يخبرها شيئًا.”

سلمى، ٢٨ عاماً، أخبرتنى أنها استخدمت تطبيق مصري يسمى “هارمونيكا” واستخدمت تيندر وفيسبوك للمواعدة، وتقول أنه في كل مرة كان الحديث ينتقل للتلميحات الجنسية: “لم يكن لدي خبرة كبيرة في التعامل مع الرجال بسبب انغلاقي على نفسي والتربية التي عشتها، فكان غير مفهوم لي أن يتحدث الرجال عن الجنس، وعندما شاهدت الفيلم شعرت بالرعب، ولا أرى أن تجربتي تُقارن بما حدث في الفيلم، خاصة إن تجاربي يمكن وصفها أنها كانت مع رجال تافهين مقارنة بسايمون ليفايف.”

قد يكون “الحب في العصر الرقمي حباً سائلاً” كما يصفه زيجمونت باومان، الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي صاحب كتاب (الحب السائل). فالعلاقات العاطفية الافتراضية/الرقمية، جزء كبير منها مُتخيل وغير حقيقي، فجزء من إثارة تطبيقات المواعدة أنه يفتح المجال أمامنا لخيارات لا نهائية من الأشخاص الذين نتمناهم أو نرسمهم في مخيلتنا، كما أن هذه الخيارات المفتوحة تجعل عدم التمسك بعلاقة أو بالأحرى عدم الشعور بالالتزام تجاه شخص ما أمرًا عاديًا. فالأمر لا يتجاوز كونه مجرد كلمات تُقال وحكايات قد تكون من الخيال، وبالتالي فواحدة من سمات العلاقات العاطفية في هذا العصر هي الشعور بأن الالتزام في علاقة ما، هو الفخ الذي يجب تجنبه وفق باومان. 

الصورة التي نتخيلها عند استخدام تطبيقات المواعدة، صورة مثالية ورحلة سهلة نصل فيها للشخص المثالي-Perfect match، عند سحب صورة شخص ما ناحية اليمين، بالضبط مثل الذهاب لمحل ملابس يمتلك طابقين، أحدهما للملابس الجاهزة والآخر للتفصيل. مع تيندر وغيره، نذهب للتفصيل حتى نصنع الشخص المثالي، فيصبح الرجل المتخيل مثل سوبرمان الحب أو بينوكيو الغرام، وتتحول المرأة التي كانت في الماضي سندريللا إلى ما يمكن تسميته تندريللا، التي ستختفي بعد الساعة ١٢ عندما تحذف صفحتها على تيندر أو تقوم بحظرك، فيمكننا داخل هذا العالم أن نجلب الحبيب/ة المتخيل/ة في لحظة حسب مزاجنا اليومي مثل الشيخة الروحانية المغربية، ونستطيع كذلك إخفاء هذا الحبيب مثلما تحكم علاء الدين في مصير الجِّني وقتما أراد. 

جريمة بدون عقاب
ولكن بعيدًا عن التخيلات، يفتح الاحتيال المادي عبر تطبيقات المواعدة تساؤلًا خطيرًا حول مفهوم المساءلة أو المحاسبة القانونية. فهذا الرجل الذي ارتكب كل هذا الابتزاز والاحتيال والتلاعب لم تتم معاقبته بما يستحق. قانون الجريمة الإلكترونية في مصر مثلًا يُعاقب ويُغرم ماليـًا الشخص الذي يصطنع بريدًا إلكترونيـًا أو موقعـًا أو حسابًا خاصًا ونسبه زورًا لشخص طبيعي أو اعتباري، وتكون العقوبة ٣ أشهر سجن على الأقل وقد تصل لسنة. ولكن سايمون ليفايف تعرض للسجن ٥ أشهر في إسرائيل وخرج قبل قضاء عقوبته كاملة (١٥ شهراً) بسبب حسن السلوك.

وقال ليفايف/شيمون هايوت أثناء سؤاله في لقاء تليفزيوني، إنه يحق له استخدام أي اسم يحلو له، وأنه لم يقل إنه ابن البليونير الروسي ليف ليفايف، الملقب بملك الماس. وأضاف “الناس يستخدمون خيالهم، هؤلاء النساء كُن مفلسات أثناء علاقتي بهن، فأنا لم أخذ منهن قرشـًا واحدًا، لقد استمتعت هؤلاء النساء بصحبتي وسافرن حول العالم على حسابي.” 

هل المشكلة إذًا في عدم اكتمال عقاب سايمون ليفايف أنه دخل في علاقات رضائية وأن النساء منحنه المال بإرادتهن الكاملة؟ لكن، هل منحن النساء هذا المال بإرادة كاملة أم تعرضن لتلاعب عاطفي بالحب والحياة السعيدة؟ هل كان سايمون يعلم جيدًا أن أقصى عقوبة سيحصل عليها ستكون تزوير جواز سفر وانتحال اسم شخص آخر؟ أسئلة تجيب عليها الفجوات القانونية في الدول التي تحاول القبض على ذلك المحتال. 

في النهاية، سايمون ليفايف ليس خارق الذكاء، لكنه يمتلك الثقة، واحدة من تقنيات الاحتيال التي يستخدمها المحتال وفق كتاب (لعبة الثقة The confidence game) للكاتبة ماريا كونيكوفا. لقد تلاعب ليفايف بغريزة الاحتياج لدى ضحاياه، ونجح في التلاعب برغبة بسيطة لدى كل أو كثير منا، رغبتنا في الارتباط بشخص آخر والوقوع بالحب.

قد تكون تطبيقات المواعدة بمعنى أو آخر لعبة تبادلية أو تسلية وربما مقامرة تُقدَم فيها سلع مختلفة، مشاعر أو مال، وقد تصبح حياتك من خلال سحبة واحدة ناحية اليمين تجربة مثيرة تنتهي بقصة حب، أو تتحول ببساطة إلى عالم خالص من الابتزاز والتلاعب كما حدث مع بطلات الفيلم.