كلبنانية، هل يحق لي أن أكتئب إن كنت أقبض بالدولار؟

image_6483441 (3)

أصبت مؤخراً بما هو معروف بالـ burnout بعدما أرهقت نفسي بالعمل. لم أرغب بترك السرير، كنت أشعر بالتعب في كل جسدي وعدم القدرة أو الرغبة بالتفكير أو فعل أي شيء يحتاج إلى طاقة. قد يبدو قرار أخذ إجازة والبقاء في البيت هو أمر مفهوم وطبيعي في مثل هذه الحالات، ولكن ليس إذا كنت تعيش في لبنان. حاولت أن اتغلب على شعوري بالإرهاق طوال أسابيع، وكل يوم كنت أقول لنفسي “قومي، عندك شغل، ما رح تلاقي وظيفة تانية بتدفع بالدولار.” إذا كان لديك وظيفة، وكنت تقبض بالدولار، لا يحق لك أن تكتئب أو تشتكي. كان علي أن اشتغل من تم ساكت. وأفكر بالصورة الأكبر، وليس بنفسي.

عندما أخبرت طبيبتي النفسية (التي ضاعفت سعر الجلسة بسبب الأزمة الاقتصادية التي نمر بها في لبنان) بما أشعر به نصحتني بأن أترك العمل، “اتركي عملك لقد أصبح too toxic.” أعطيها الـ٢٠٠ ألف ليرة، وتبتسم وتقول لي، “لا تقلقي، إن تركت الوظيفة، سأخفض سعر الجلسة.” طبعاً لم أترك عملي، لا أستطيع حتى التفكير بذلك، فراتبي يعيل أفراد أكثر الآن بسبب قيمة الدولار العالية. وعلى الرغم من وجود العديد من المشاكل بوظيفتي، إلا أن المعاش هو الأولوية الوحيدة وكان عَلي دفن صحتي النفسية وأحلامي وطموحاتي لأجل ذلك.

Videos by VICE

بعد عدة أيّام من تراجع صحتي النفسية، حولتني طبيبتي النفسية إلى psychiatrist، لأنّني بحاجة إلى داعم كيميائي يمكن أن يساعدني في تجاوز الأزمة النفسية التي أمر بها. بعد انفجار مرفأ بيروت الذي كنت بالقرب منه، مررت بالكثير من الصدمات النفسية التي كان من الصعب أن أتخطاها وحدي. حاولت الطبيبة أن تختار دواءً موجوداً بالأسواق لأن معظم أدوية الاكتئاب المعروفة مقطوعة من الصيدليات. بعد تفكير طويل، قررت ألّا آخذ أي دواء، فأنا لست مستعدة للمعاناة مجدداً في حال لم انقطع الدواء. تذكرت صديقي علي الذي تمّ تشخيصه بالـbipolar منذ فترة، وهو يحاول منذ فترة أن يجد دواءً بديلاً لأنّ دواءه الأصلي مقطوع في الصيدليات، ويحاول أن يجد طرقاً لجلبه من الخارج أو شرائه من السوق السوداء. صديقي الآخر وجد مخرجاً آخر للتعامل مع أزمته النفسية من خلال الحشيش، ولكن لأنه خاف أن ينقطع أو أن يرتفع سعره أو أن يتم تصدير النوعية الجيدة كلّها للخارج، فما كان منه إلاأن طلب من الديلر أن يؤمن له 5 كيلو مرة واحدة.

حتى قرار شراء دواء من عدمه هو من الأمور التي عليك أن تفكر بها مطولاً. وعليك دوماً أن تضع السيناريو الأسوأ، وليس الأفضل. الأفضل ليس خياراً لأننا تعودنا أنه كلما توقعنا تحسن الأمور كلما زادت سوءاً. تعودنا على انقطاع الكهرباء، ولكن من توقع انقطاع البنزين؟ أو تضاعف سعر الدجاج، لأن الدولة قررت رفع الدعم، والآن لا يمكنك حتى الاعتماد على الدجاج في خطة وجباتك الأسبوعية، وهذا فيما تستمر أسعار اللحوم بالارتفاع، الـ 30 ألف (٢٠ دولار سابقاً و٢.٥ دولار اليوم) التي كانت تكفي لإطعام عائلة، أصبحت لا تكفي لصحن مجدرة. 

أعود وأفكر، هل لدي الحق بأن أكتئب في هكذا وضع. أشعر أنّني تافهة في معظم الوقت، وأنّ مشاعري ليست مهمّة أو Valid وأنّني أضخّم الأمور في رأسي، وأن الوضع ليس سيئاً كما أظن، فأنا بالنهاية ما زلت أحصل على راتب جيّد، والأحلام لا قيمة لها في النظام الرأسمالي وفي الدول الفقيرة التي تمر بأزمات. المال هو كل شيء.

ولكن كيف يمكن أن تحافظ على توازنك النفسي في ظل هكذا وضع. كل يوم تخسر شيء جديد، وكل يوم تظهر مشكلة جديدة. فإن لم يكن الدواء، قد يكون الكهرباء، أو البنزين أو الفوط الصحية. والأدهى أن هناك محاولة لتطبيع الأزمة، وتحويل كل شيء إلى نكتة. ففي مكتب عملك، قد يقول أحد “غايز، يمكن يبطّل في كهرباء بالبلد” والجميع يضحك، ولا أعلم ما المضحك بالأمر. ربما هي محاولة أن تسخر من الأسوأ بدلاً من أن تسمح له بتدميرك. إن حاولت أن تشكو ممّا تمر به، هناك دائماً من سيتطوع بتذكيرك بأن تشكر ربّك لأنّ هناك من يمر بأوضاع أسوأ، أو “كلنا هيك.” جميعنا متفقون أننا نعيش بـ Survival mode أو “وضعية البقاء على قيد الحياة” لأنّ الاستمرار هو الحلّ الوحيد.

الأسبوع الماضي تعرضت لنوبة هلع في السيارة حينما لم أجد محطة بنزين مفتوحة. كل محطة ذهبت إليها كانت مغلقة. واحدة تلو الأخرى، لم أستطع منع نفسي من البكاء. هل كنت أبكي بسبب انقطاع البنزين أو لأنّني أشعر أنّني فقدت السيطرة والسيستم أقوى منّي؟ لا أعلم، ولكني لم أتصور أن أشاهد 15 محطة مغلقة بسبب تفاقم أزمة المحروقات، فبعد تقنين توزيع مادة البنزين في محطات الوقود وارتفاع سعر الدولار، أقفلت معظم المحطات في لبنان. بالنهاية تمكنت من إيجاد محطة واحدة، وعندها شعرت أنني عدت إلى وعيي، وشعرت أنّ الوقت الذي مر وأنا أبحث عن محطة لم يمر أصلاً. في اليوم الثاني أخبرت أصدقائي في العمل ما جرى وضحكنا “هل هناك من يبكي لأجل البنزين، لول؟”

كل يوم، أحاول ايجاد أسباب للاستمرار، وأحاول التأقلم في وظيفتي التي أكرهها والتي تستهلك منّي كل طاقتي، لكنّها تؤمن لي المال للعلاج النفسي. أصبحت وضعية البقاء على قيد الحياة أقوى من كل اضطراب أو أزمة أخرى. من سيؤمن الأقساط الجامعية لأشقائي إن استسلمت وقررت ترك العمل؟ ما هي المواد الأخرى التي سيتم رفع الدعم عنها؟ ما هو الدواء التالي الذي سينقطع؟ من سيفقد عمله، من سيهاجر؟ هل سنصل إلى حرب أهلية؟ هل نحن فعلاً مضطربين بالأصل أم أنّ الأزمة جعلتنا كذلك؟ هل اضطراباتنا النفسية جعلتنا نشعر بالأزمة بشكل أعمق؟ هل ستعود إليّ تلك الفتاة التي كنت أواعدها وانفصلنا بسبب الضغوطات النفسية التي نمر بها؟ 

ليس هناك إجابة على أي من هذه الأسئلة. هناك إجابة واحدة، إن كنت تستطيع اعالة نفسك هذا الشهر، كن ممتناً وابقى كما أنت، وبلاها فلسفاتك عن “أن صحتك أهم من الوظيفة.” نحن بالنهاية “نمر بأزمة.”