“بدأ وزني يزداد تدريجًيا، وكنت أشعر بالألم في جسدي بالكامل طوال الوقت، كانت الدورة الشهرية متقطعة، تختفي وتعود، وعندما تبدأ الدورة تجلب معها ألم ووجع لا أقوى على احتماله.” هذا الوصف يُعبر باختصار عما تعيشه هبة، 35 عامًا، وغيرها من النساء اللواتي يعيشن مع متلازمة تكيس المبايض، والتي تصيب واحدة من كل خمس نساء في العالم.
تؤثر هذه المتلازمة (Polycystic Ovary Syndrome) على طريقة عمل المبيض مما يؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية، ولأن المتلازمة تصيب الجهاز التناسلي بالأساس فإنها تقلب حياة المصابات رأسًا على عقب، كما تخبرني هبة: “طبيبة أمراض النساء والولادة التي ذهبت إليها في البداية أخبرتني أن كل شيء على ما يرام، ولكن لم يبدو كلامها صحيحاً، لهذا قررت زيارة طبيب آخر وطلب عدد من التحاليل المختلفة وفحص سونار، أظهر وجود اضطرابات في الهرمونات بسبب وجود تكيسات على المبيضين. وصف لي الطبيب علاج وبالفعل تحسنت اضطرابات الهرمونات بعد شهرين.” من خلال حديثها تؤكد هبة على ضرورة أخذ استشارات من أكثر من طبيب، لأنه على الرغم من أن تكيس المبايض يعتبر من اضطرابات الهرمونات الأكثر شيوعاً لدى النساء في سن الإنجاب، إلا أنها لا تلقى اهتماماً كبيراً من الأطباء.
Videos by VICE
وتسبب متلازمة تكيسات المبايض ظهور أكياس أو حبوب مملوءة بالسائل في المبيض أو على سطح المبيض نفسه، حيث تعاني المصابات من عدم انتظام في دورة الحيض أو طول مدتها، أو زيادة في مستويات هرمونات الذكورة (الأندروجين)، أو قد يفشل المبيضان في إنتاج بويضات، حيث تصيب التكيسات النساء في سن الإنجاب. بشكل عام، لا يسبب وجود أكياس على المبايض أي مشكلة، لأنها في كثير الأحيان تظهر وتختفي من تلقاء نفسها، ولكن تكمن المشكلة في حجم الكيس نفسه، فكلما زاد حجم وعدد التكيسات كلما زادت الأعراض الناتجة عنها مثل الألم في منطقة الحوض على الجانب الموجود به الكيس أو الشعور بالثقل أو الامتلاء في البطن أو الانتفاخ.
كما يعتمد الأمر على نوع الكيس الموجود على المبيض نفسه، فهناك الأكياس الوظيفية والتي هي المسؤولة عن حدوث المتلازمة، حيث يفرز الكيس الوظيفي الهرمونات مثل الاستروجين والبروجيستيرون واللواتي يحدثن خللاً في نظام التمثيل الغذائي ويأثرن على حساسية الجسم للأنسولين، فتعاني المريضة من ارتفاع الوزن. أيضًا تتسبب زيادة الهرمونات في زيادة شعر الجسم وحب الشباب واضطرابات في جهاز القلب والأوعية الدموية بسبب ارتفاع مستوى الدهون في الدم، واضطرابات في الدورة الشهرية، قد تتسبب في الإصابة بالعقم.
من الصعب تحديد أسباب حدوث هذه المتلازمة بشكل كامل، ولكن بشكل عام، يحدث تكيس المبايض نتيجة للاضطرابات الهرمونية الناتجة عن تناول بعض الأدوية التي تؤثر على الهرمونات مثل أدوية تحفيز التبويض المستخدمة لعلاج أمراض الخصوبة. وقد يحدث أيضًا بعد الحمل، حيث يظل الكيس المتكون عند التبويض على المبيض طوال فترة الحمل. كما قد يرتبط ذلك بالإصابة بمرض الانتباذ البطاني الرحمي والذي يحدث فيه نمو لخلايا بطانة الرحم ولكنها لا تنمو في الرحم، فتهاجر في أماكن مختلفة وقد تهاجر إلى المبايض وتنمو فيه.
تتسبب زيادة الهرمونات في زيادة شعر الجسم وحب الشباب واضطرابات في الدورة الشهرية، كما قد تتسبب في الإصابة بالعقم
وبسؤال هبة عن كيف أثرت التكيسات على حياتها، تقول أنها بسبب المرض تغيرت حياتها بالكامل، حيث زاد وزنها وأصبح الألم في جسدها يعيق سهولة حركتها فتصاب بالألم والإرهاق من أقل مجهود، وتضيف: “حينما يأتي ميعاد الدورة الشهرية أشعر بألم شديد في الثدي، كل شهر لمدة ست سنوات من وقت اكتشاف تكيس المبايض، يصيبني شك كل شهر بأن لدي سرطان الثدي. أعيش كل شهر بألم أثقل من الذي قبله، تبدأ تقلبات المزاج المصاحبة للدورة الشهرية قبل ميعاد الدورة باسبوع، يصاحبها ألم في الثدي ومنطقة البطن. أصبحت حياتي عبارة عن ألم لمدة أسبوعين في فترة ما قبل الدورة وألم أسبوع في فترة الدورة. لا أستطيع تناول المسكنات، لهذا ألجأ إلى الأعشاب مثل القرفة لكي تساعدني في تحمل الألم.”
لا يختلف الوضع كثيراً في حالة نغم، 22 عاماً، من لبنان، والتي تقول أنها ذهبت إلى طبيب أمراض جلدية في المرة الأولى لأنها كانت تعاني بسبب حبوب في البشرة: “طلب الطبيب الكثير من التحاليل، ثم أخبرني أن هناك ورم على المبيض، ربما يكون حميد أو خبيث. لاحقاً تبين أنني مصابة بتكيسات المبايض.”
تضيف نغم أن الطبيبة أخبرتها أن التكيسات ليست أمرًا خطيرًا وأن الأمر سيتحسن بعد الزواج: “كنت مخطوبة في تلك الفترة، وكانت المرة الأولى التي أزور طبيب نساء و ولادة، وعندما أخبرتني أن التكيسات قد تحرمني من الإنجاب، انهرت تمامًا وطلبت من خطيبي أن ننفصل بسبب احتمال عدم قدرتي على الإنجاب. طبعاً رفض وتزوجنا لاحقاً، ولحسن الحظ لم يؤثر ذلك على الحمل، فقد حملت بعد الزواج، ولكن المشكلة كانت في اضطرابات الهرمونات، وهذا ما لا يقوله لك الطبيب. الحمل كان صعباً جداً بسبب حالتي النفسية السيئة.”
كانت والدتي متأكدة أنني لن أحمل بعد الزواج. لهذا بدأت بالاستعداد نفسيًا لاحتمالية أطفال الأنابيب، وخصصت ميزانية تحت هذا البند. ولكنني حملت بدون أي مساعدة.
قابلت الدكتورة مي الرفاعي، طبيبة أمراض النساء والولادة، مستشفى الجلاء التعليمي في مصر، أن تكيسات المبايض قد تؤدي إلى تأخير الحمل بسبب عدم قدرة المبايض على إنتاج بويضات وبالتالي تصبح القدرة على الحمل أضعف: “تكيسات المبايض مسئولة عن 25%-30% من نسبة العقم بين السيدات.” ولكن هذا لا يعني أن المصابات بتكيس المبايض لا يحملن، فهذه فكرة خاطئة تمامًا: “في حالة رغبة المصابة في الحمل، يتم اعطائها منشطات للتبويض. أما في الحالات التي لا ترغب فيها المصابات في الحمل يكون العلاج باستخدام أقراص منع الحمل حيث أنها تحتوي على هرمونات تحاكي الهرمونات التي تفرزها المبايض لإتمام التبويض، وتعمل على تنظيم الدورة الشهرية.”
في بعض الحالات، قد تعاني بعض النساء من أنواع أقل شيوعًا من التكيسات مثل التكيسات الخبيثة، لذلك يجب عليك إجراء الفحوصات بشكل دوري للاطمئنان، حيث تكمن خطورة التكيسات الوظيفية في المضاعفات الناتجة عنها مثل التواء المبيض: بسبب كبر حجم الكيس ويصاحب ذلك ألم شديد في الحوض وغثيان، أو حدوث تمزق للكيس مما يؤدي إلى الإصابة بنزيف داخلي. لا يتم استئصال هذه الأكياس بالجراحة إلا في حالات معينة -الخوف من بأن تنمو بشكل كبير أو تلتوي أو في حال الاشتباه بسرطان المبيض، حيث يقوم الطبيب الجراح بإجراء جراحة البطن بالمنظار، وهو عبارة عن تكنيك جراحي لا يحتاج إلى فتح البطن بدرجة كبيرة، حيث يتم إزالة الأكياس فقط ويبقى المبيض سليمًا.
أسماء، 30 عامًا، من مصر، تقول أنها اكتشفت أنها قد أكون مصابة بمرض تكيسات المبايض في محاضرة عن علم النفس الفيسيولوجي في الكلية: “ذهبت لطبيب أمراض النساء والولادة، بسبب عدم انتظام الدورة الشهرية، والشعر الزائد -بالطبع لفظ زائد هو مصطلح نسبي -لأن الطبيب أخبرني أن الطب لا يعتبر حالتي زائد، لكنني كنت أتعامل مع نفسي على أنني كُرة شعر. أخبرني الطبيب أنني مصابة بتكيس المبايض، وهذا ما أخاف والدتي التي أصحبت متأكدة أنني لن أحمل بعد الزواج. لهذا بدأت بالاستعداد نفسيًا لاحتمالية أطفال الأنابيب، وخصصت ميزانية تحت هذا البند. بعد زواجي، صدقت أنني لا يمكن أن أصبح أمُا، ولكنني حملت بدون أي مساعدة.”
تشرح أسماء أن المشكلة التي يتحدث عنها الجميع بخصوص تكيس المبايض هي الخوف من العقم، ولكن القضية برأيها هي أكبر من ذلك: “جميع الأطباء يتحدثن عن المستقبل وأنا أشكو من حاضري، من الأوجاع خلال الدورة الشهرية، من علاقتي بجسدي، التي أصبحت مُعقدة وغير سلسة. هذه هي المشكلة.”
بسؤال الدكتورة مي عن النصائح العامة للتكيف مع هذه المتلازمة، تشدد على أهمية المواظبة على نظام غذائي صحي: “إنقاص الوزن مهم، حيث أن تقليل الوزن يقلل من نسبة هرمون الاستروجين الموجود في الجسم والذي يعتبر السبب في كثير من أعراض تكيسات المبايض. كما من المهم على ممارسة الرياضة لتحسين الحالة المزاجية والحد من التدخين وتناول الكحول. ويمكن الاستعانة بالاستشارات النفسية في حالة معاناة المريضة من نوبات القلق أو الاكتئاب. والأهم أن تمارس المريضة حياتها بشكل طبيعي، وأن لا تتأخر في زيارة الطبيب إذا شعرت بوجود مشكلة ما، اكتشاف الحالة مبكرًا يجعل العلاج أسهل وامكانية إزالة الأكياس أسرع.”