لا بد أنكم شاهدتم صوراً لنجمي كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي والأوروغوياني لويس سواريز وهما يشربان مشروب “المتة” أو ما يسمى بالشاي البرغوياني أو الأرجنتيني، في عدد من المناسبات. يعتبر مشروب “المتة” من أشهر المشروبات المنبهة في أمريكا اللاتينية، ولكن لفترة طويلة من الزمن، كان شربه محصوراً في مناطق زراعته في الأرجنتين والبرازيل والباراغواي، على عكس الحال مع القهوة والشاي التي أصبحت من السلع الأساسية في العالم. في العالم العربي، بدأ هذا المشروب في الانتشار وخاصة في لبنان وسوريا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث جلبه المهاجرين العرب من أمريكا اللاتينية الى المنطقة العربية. تم أخيراً إضافة مشروب المتة كايموجي بعد مطالبات كثيرة، لهذا قررنا أن نتعرف على رحلة هذا المشروب من بلاده الأصلية الى العالم العربي والتي يحدثنا عنها هادي أبو خزام، 35 عاماً، الذي كان والد جده هو أول من جلب مشروب المتة إلى لبنان. بس، قبل ما نبلش، رجعولي القرعة.
VICE عربية: مرحبا هادي، كيف تصف المتة لشخص لا يعرفها؟
هادي أبو خزام: المتة هي شجرة دائمة الخضرة موطنها الأصلي هي الأراضي شبه الإستوائية في الأرجنتين والبرازيل والباراغواي. إنها ليست شاياً، ولكنها تشبه الشاي في أنها مشروب منشط ذو مذاق مر وحاد بسبب المحتوى العالي من حمض الطنطاليك الموجود في أوراقها. يتم تخمير هذا المشروب من أوراق الشجرة الطبيعية والمغذّية بشكل طبيعي وتحتوي على الكثير من الفيتامينات والمعادن والمواد المضادة للأكسدة، ما يجعلها مفيدة للصحة.
Videos by VICE
لطيف. الآن، أخبرنا عن القصة التي تربط عائلتك بمشروب المتة في لبنان؟
لقد هاجر أسلافنا وأجدادنا إلى أمريكا الجنوبية بحثاً عن حياة أفضل بعيداً عن الإحتلال والحرب في لبنان في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وجلبوا معهم المتة عندما عادوا إلى لبنان من أمريكا الجنوبية. كان والد جدي أحد أولئك المهاجرين الذين سافروا إلى بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين، ولدى عودته جلب المتة لعائلته كهدية بعد أن اعتاد على شربها يومياً طيلة ثلاثة عشر عاماً قضاها في الأرجنتين.
بعد عدة سنوات؛ وفي أوائل الثلاثينيات، كان جدي يدير متجراً لبيع الحلويات في شارع بشارة الخوري وسط مدينة بيروت، وكان يدر عليه المال الوفير، وقد أوكل إلى والدي، الذي كان لا يزال في المدرسة حينئذ، تدبير العمل اليومي في ذلك الوقت. كان جدي ينظر للمستقبل، ورأى الإمكانات التي يمتلكها مشروب المتة في ذلك الوقت رغم أن استهلاكها كان مقتصراً على بعض أهل المناطق الجبلية، التي هاجرت إلى أمريكا الجنوبية. لقد رأى جدي أن مشروب المتة بدأ بإحداث تغيير في ثقافتهم والطريقةِ التي كانوا يمضون وقتهم. أرسل جدي في البداية بعضاً من هذا المشروب بالشحن إلى لبنان من الأرجنتين من خلال ابنه أريج، الذي هو والدي، وبعد ذلك استقل طائرة لتوقيع صفقات حصرية لتوريد المتة إلى لبنان بشكل رسمي. كانت هذه بداية تسويق مشروب المتة في لبنان، والمحفز الذي ساعده على الانتشار والرواج كمشروب تستهلكه شريحة واسعة من فئات المجتمع التي تقطن جبل لبنان وجنوب لبنان وشماله.
برأيك، ما سبب عدم انتشار المتة كمشروب يومي كما الحال مع الشاي والقهوة؟
تنمو نبتة المتة أساساً في الأرجنتين والبرازيل والباراغواي؛ تلك المناطق شبه الاستوائية التي يبلغ معدل هطول الأمطار فيها نحو 1651 ملم سنوياً، وتتراوح درجات الحرارة فيها بين 15 و30 درجة مئوية؛ فالتربة هناك خصبة جميلة يميل لونها للإحمرار بفضل المياه الوفيرة التي يمدها بها نهرا بارانا وإغوازو اللذان يجوبان المناطق التي تنمو فيها شجيرات المتة. يصعب على غالبية الناس زراعة نبات المتة، فبذورها بحاجة إلى نحو عام كامل كي تنبت، كما يصعب الحفاظ عليها حية خاصة في بواكير دورتها الحيوية، وبالتالي فإن البيئة ودراية الناس برعاية هذا الصنف من الشجيرات ضروريان لنضج هذه النبتة واستخدامها في إنتاج منتجات قابلة للاستهلاك. لا تنمو هذه النبتة في أجزاء أخرى من العالم وإن كان لها المناخ ذاته، ولكن من يدري، فبوجود التقنيات المتاحة لنا اليوم قد يكون من الأسهل زراعتها في مكان آخر في فترة ما.
يزودني كوب المتة بلحظات قصيرة من الصفاء والتركيز لمواصلة عملي بكامل طاقتي، وبسكينة في القلب والعقل
ما الذي يميز المتة عن باقي المشروبات الساخنة؟
في منطقة الشرق الأوسط بلغ انتشار المتة مستويات استيراد قياسية من أمريكا الجنوبية، بدءاً من سوريا ثم إلى لبنان. بدأت المتة كعشبة أجنبية تشربها بعض العائلات في لبنان وسوريا ثم ما لبثت أن غدت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية نظراً لفوائدها الصحية الكثيرة، ومن هذه الفوائد الأساسية، حيث تفوق المتةُ القهوةَ والشايَ في المنافع في جوانب عدة، كما أنها خالية من السلبيات الموجودة في القهوة والشاي من قبيل الحموضة وازدياد الطاقة وانخفاضها المفاجئ عند تناولها. كما لها دور اجتماعي في لمّ شمل العائلة والأصدقاء، ومع العائلة أو الجيران والأصدقاء في الصباح بشكل خاص، وعند مشاهدة الألعاب الرياضية، وفي زيارات الأصدقاء والأقارب الرسمية.
لماذا قررت الانضمام إلى العائلة في هذه التجارة؟
كمجاز جامعي، كان آخر ما وددت عمله هو الانضمام إلى العائلة في تجارتها تلك لأنني أردت أن استكشف بقية العالم وألا تقتصر حياتي على ما نشأت عليه ورأيت والدي يفعله، وهذا ما دفعني؛ بعد تخرجي؛ إلى السفر من الجامعة الأمريكية في بيروت إلى دبي؛ فكان قراراً اتخذته لأتمتع بالاستقلالية، من قبيل العمل لدى شركات أخرى لتأسيس تجارتي الخاصة بي وخوض تجربتي الحياتية بنفسي في بيئة عالمية منفتحة. ولكن على مر السنين، قمت بتكوين انطباع غاية في الإيجابية عما تفعله عائلتي في سبيل كسب لقمة عيشها. في أواخر رحلتي التي استغرقت 12 عاماً في عالم الشركات والتي ساعدتني في بناء شخصيتي ومهاراتي التنفيذية، اتخذت قراراً بالعودة إلى جذوري؛ جذور تجارة العائلة، وقد تبين لي لاحقاً أن التفكير في حزم أمتعتي ومغادرة دبي لأكون قريباً من العائلة والبدء في رحلتي مع المتة كان قراراً صائباً. نحن حالياً نغطي احتياجات لبنان من المتة حالياً، ونصدرها بانتظام إلى كل من قطر وروسيا وأستراليا، وسنتجه قريباً إلى أسواق جديدة في الخليج والدول التي تعيش فيها الجاليات اللبنانية والسورية.
بعد هذه الرحلة، ماذا تعني المتة بالنسبة لك؟
المتة ضرورية للبقاء في تركيز ذهني عالٍ، بالدرجة الأولى. أتوق أحياناً لذلك الصفاء والهدوء الذين أحصل عليهما عندما أسافر إلى جزيرة مهجورة أو ملاذ هادئ ظناً مني أني سأعود وقد “شُفيت” من هذا العالم المعاصر. لكن هذا الحل غير مستدام كما تعلم، لهذا يقدم لي مشروب المتة ما أحتاج إليه دون الحاجة إلى الانزواء في غرفة، أو عندما أجد أن علي قراءة ألف رسالة على البريد الإلكتروني. يزودني كوب المتة بلحظات قصيرة من الصفاء والتركيز لمواصلة عملي بكامل طاقتي وبسكينة في القلب والعقل.
ما هي بعض الخرافات حول مشروب المتة؟
يعتقد البعض أن المتة واحد من أصناف الشاي وليست نباتاً مستقلاً يختلف تماماً عن نبات الشاي في الطبيعة. ولكن يحاول مروجو المتة حول العالم اليوم تسويقها على أنها شاي في محاولة لجذب اهتمام المستهلكين. والأسطورة الثانية تتعلق بأصل النبات. نظراً إلى أن غالبية المجتمعات في المناطق الجبلية في لبنان وسوريا تشربها بانتظام، هناك خرافة مفادها أن المتة تنمو في جبال لبنان وسوريا فحسب وتزرعها المجتمعات الدرزية، لكنها في الواقع نبات أجنبي تماماً يتم استيراده إلى المنطقة من أمريكا الجنوبية، وموطنها الأصلي الأرجنتين؛ وهي تعني لسكانها أكثر مما تعني القهوة. كما يميل الناس إلى الابتعاد عنها معتقدين أنها حكر على طائفة أو ديانة معينة، ولذلك تهدف حملات التوعية إلى تسليط الضوء على أصول عشبة المتة وضمان توافرها للجميع أينما وجدوا.
كيف يبدو لك مستقبل المتة؟
تنتشر المتة في جميع أنحاء العالم سريعاً من خلال مراكز استهلاك رئيسة جديدة في روسيا وبولندا وألمانيا والولايات المتحدة، ما سيضمن تحولها إلى مشروب رائج جديد، وهناك شركات تستخدم مستخلص عشبة المتة كوسيلة لإدراج فوائدها الصحية في أكبر عدد ممكن من الأطعمة سواء أكانت أطعمة أم مشروبات.