قبل ما يقرب من أسبوعين حضرت نقاشًا حادًا بين شخصين على تويتر. دار النقاش حول فكرة حرق الأفلام والمسلسلات، وما إذا كانت مؤثرة بالفعل على متعة المشاهدة أم لا، ثم انتقلت إلى آرائهم الشخصية في بعض المسلسلات من ضمنها “صراع العروش” الذي يشهد العديد من النقاشات التي يكتسي بعضها بالحدة بين محبيه؛ بسبب حرقهم للأحداث على من لم يُشاهد الحلقة الجديدة بعد، وامتد أيضًا النقاش إلى أفلام الأبطال الخارقين ومدى جودتها وتأثير الحرق بأحداثها وخلافه.
بعد يومين من صدور فيلم “Avengers: Endgame” من إخراج الأخوان روسو، التقيت بأصدقائي بعد طول غياب. تبادلنا بعض الأخبار وذهبنا للعب البلاي ستيشن. أحد أصدقائي أخبرنا أنه شاهد “إند جيم” وكان متحمسًا للحديث عنه، لكننا لم نكن شاهدناه بعد، ورغم ذلك طلبت منه حكي الفيلم وحرقه لي، فخرج صديق آخر بصيحة واضحة ممتدة “لااااا”، وطلب منّا حكي الفيلم في مكانٍ آخر لأنه لا يريد حرق أحداثه، فضحكنا واحترمنا طلبه.
Videos by VICE
عندما عُدت إلى المنزل، اكتشفت أن شركة مارفل كانت قد أعلنت قبل صدور الفيلم عن هاشتاج Don’t Spoil The Endgame#، حتى لا يُفسد من رأى الفيلم متعة الترقب والالتواءات الخاصة بالأحداث (Plot Twists)، وهي الأحداث التي يُفترض لها أن تكون صادمة ومؤثرة عاطفيًا للمُشاهدين، كموت مُفاجئ غير متوقع لشخصية رئيسية، أو الكشف عن المجرم في أفلام الجريمة والتشويق وحرق أحداث النهاية. فهل بالفعل يُمكن أن يُفسد حرق الأحداث المشاهدة؟
من يُفسد ومن يُفسد عليه
في رأيي لا يؤثر الحرق على متعة مشاهدتي، لأسباب عديدة سأحاول ذكرها فيما بعد. لكن في البداية دعونا نحاول الدخول إلى عقل مُحبي حرق الأحداث، ونسأل لماذا يحبون إفساد الأفلام؟ والجواب عن السؤال صعب، لأن الإجابات متعددة. بعضهم يفعل ذلك بشكلٍ عفوي، مثلما حدث مع أحد أصدقائي عندما حرق أحداث النهاية لإحدى حلقات مسلسل “Sherlock” البريطاني لصديقٍ آخر بعفوية شديدة ودون قصد.
البعض الآخر على الأرجح يحاول أخذ السبق وإعلان أنه أول من شاهد الفيلم/ الحلقة محل الحرق، مثلما يفعل البعض على صفحات التواصل الاجتماعي في أول أيام عرض الفيلم، أو أثناء عرض حلقة من حلقات مسلسل شهير مثل صراع العروش. والبعض يُحب أن يحرق الأحداث لمجرد حرقها، بلا سبب واضح، مجرد حرق للحرق. وأخيرًا البعض يحرق الأحداث اعتقادًا بأن الجميع شاهد ما شاهده هو، مثل حرق أحداث الأفلام الكلاسيكية، أو حتى الأفلام الحديثة ذات الشهرة الواسعة.
على الجانب الآخر يكره العديد من البشر حرق أحداث الأفلام المرتقبة، وقد تحدث بعض الاختلافات والمشكلات بسببه، فلماذا يغضب من تُحرق له أحداث الأفلام؟ السبب في ذلك أن المشاهد ينتظر التجربة كاملة كما أرادها صُناع العمل، حيث أخفوا بعض الأحداث ووضعوا بعض الالتواءات حتى يشعر المتفرجون بالصدمة والاضطراب الممتع، وهذه المتعة تختفي تمامًا عند معرفة الأحداث الصادمة مُسبقًا. لكن للغرابة -والسخرية-، عندما حاول العلماء دراسة الأمر جديًا وجدوا النتائج غير متوقعة على الإطلاق.
الحرق في العلم
عام 2015 في الجامعة الحرة في هولندا دَرّس بنيامين جونسون، أستاذ مساعد في قسم علوم التواصل بالجامعة، فكرة حرق أحداث الأفلام، عبر سؤال 412 طالبًا عن آرائهم في بعض القصص القصيرة المتنوعة، وقَدّم العلماء إلى بعض الطلاب مُلخصًا للقصة التي سيقرأونها. وبعد القراءة سألهم العلماء عن شعورهم، والنتيجة كانت أن من قرأوا الملخصات قبل القصة لم يشعروا أنها مشوقة ومؤثرة، بل شعروا بأن الحرق أفسد عليهم متعة اكتشاف القصة بأنفسهم.
لكن للغرابة أيضًا، في الدراسة ذاتها، اكتشف “جونسون” أن البعض يُفضلون أن تُحرق لهم أحداث القصص، حيث أن ذلك لا يؤثر على استمتاعهم بها ولا يُفسدها عليهم. وهو ما اتفق مع نتائج دراسة أخرى أجراها عالم النفس الأمريكي نيكولاس كريستينفيلد في جامعة كاليفورنيا عام 2016، واكتشف أن حرق الأحداث يقلل من التوتر ويزيد من الاستمتاع.
ينقسم البشر إلى نوعين، الأول لا يعبأ بفكرة الحرق (وأنا منهم)، ونوع آخر يحرص على ألا يعرف أيّة تفاصيل عن الأحداث إلا ما يظهر في دعاية الفيلم
يضرب “كريستينفيلد” مثلًا بفيلم The Usual Suspect من إخراج براين سينجر عام 2005، لأنه يعتمد على التواءات في الأحداث ومشهد نهاية يكشف عن شخصية هامة للغاية، ويقول أنه عندما سأل من شاهدوه هل أصبحت متعة المشاهدة الثانية والثالثة أقل من الأولى؟ فقالوا لأ، بل أعجبهم كمان أعجبهم أول مرة، ولم تفسد معرفة النهاية متعة المشاهدة. وهو ما يُفسر مُتعتنا في مشاهدة الأفلام أكثر من مرة، حتى الأفلام التي تحمل بداخلها أحداثًا صادمة والتواءات قوية.
الدراسة أيضًا يمكنها الإجابة على سؤال لماذا تنجح الأفلام المُعاد إنتاجها؟ ببساطة لأننا نحب أن نرى كيف فعلوها مرة أخرى، ولن يؤثر تشابه القصتين على المتعة. أفلام الأبطال الخارقين ذاتها مأخوذة عن الكوميكس أو المجلات الهزلية، وبعض أفضل الأفلام في تاريخ السينما مأخوذة عن روايات شهيرة. قد يقول البعض أن السبب يرجع إلى الاختلافات التي يُدخلها صُنّاع الأفلام عن الروايات، حيث أنهم غير مُلزمون بنقل القصة كما هي، ويمكنهم تغييرها وتحريفها بما يتناسب مع رؤيتهم الشخصية للقصة، وهو ما يوصلنا إلى الاختلافات بين السينما والأدب.
الأدب يعتمد بصورة كبيرة على وصف المشاعر. يمكنك كتابة جملة “فُلان يشعر بالسعادة” في رواية، لكنك لا يمكن أن تكتب الجملة ذاتها في السيناريو، لأن السينما بالأساس فن بصري يعتمد على الصورة في إيصال المشاعر، أما الأدب فيعتمد في المقابل على قوة الحبكة واللغة. السينما أيضًا تمتلك عوامل أخرى غير الصورة، مثل الموسيقى وأداء الممثلين والديكور وتصميم الملابس، وهي عوامل أساسية ومؤثرة على المشاهدة ومن الصعب أيضًا حرقها لأن من يحكي لا يحكي كل هذه التفاصيل.
لذلك ينقسم البشر إلى نوعين – تقريبًا – نوع لا يعبأ بفكرة الحرق (وأنا منهم)، ونوع آخر يحرص على ألا يعرف أيّة تفاصيل عن الأحداث إلا ما يظهر في الدعاية الخاصة بالفيلم. النوع الأول عادةً – وسوف أتحدث بصورة شخصية – يهتم بجميع العناصر السينمائية المختلفة، مثل اختيار زوايا التصوير وعلاقتها بالمطلوب من المشهد، وتوقيت دخول الموسيقى للمشهد، والحيز المكاني وعلاقته بالمشهد، وأداء الممثلين وطريقة الالقاء ومتى يتحدث ومتى يختار الصمت. كل ما ذكرته يؤثر بشكلٍ كبير في المشاهدة. أما إذا كنت من محبي المشاهدة دون حرق، فإليك بعض النصائح التي قد تكون مفيدة.
بداية يجب عليك محاولة إخبار أصدقائك بأنك لا تريد سماع أي شيء عن أحداث الفيلم. ثانيًا، بما أن الأمر صعبًا على مواقع التواصل الاجتماعي، فعليك اختيار أمر من أمرين، إما أن تترك مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأولى من الفيلم وتحاول دخوله في أقرب وقت، أو أن تضع جميع الكلمات التي لا تريد رؤيتها على صفحتك الرئيسية على تويتر في قائمة “الكلمات المكتومة – Muted Words”، وهي خاصية موجودة ضمن الاعدادات ستمنع عنك التغريدات المذكور بها الكلمات التي لا تريد رؤيتها.
أما على فيس بوك فمن الصعب تحديد عدد من الكلمات لا تريد رؤيتها، لذلك يمكن تحديد الأصدقاء والصفحات التي تعتقد بأنها ستحرق لك أحداث الفيلم/ المسلسل وتلغي متابعتها لمدة 30 يومًا بخاصية “Snooze for 30 days”، وهي مدة كافية لدخول الفيلم أو مشاهدة المسلسل المُراد دون حرق. أما في الواقع، فحاول أن تُخبر أصدقائك بعدم الحرق والإفساد، وإذا أصرّوا حاول أن تبتعد عنهم حتى تتمكن من مشاهدة الفيلم باستمتاع.
في النهاية، إذا كنت من محبي مشاهدة الأفلام دون حرق، أو إذا كنت لا تعبأ بالحرق ولا يفسد عليك المشاهدة، نتمنى لكم وقتًا طيبًا ممتعًا في مشاهدة الأفلام والمسلسلات المفضلة لديكم، والاستمتاع بجميع تفاصيل وعناصر السينما والتليفزيون، البصرية منها والمسموعة، حتى تحصلوا على وقتًا لطيفًا لا يشوبه الإحباط.