لا وجود لمساحات آمنة للكويريين والكويريات في العالم الحقيقي أو الافتراضي

زحل - ملكة جر لبنانية

تبدأ المذيعة اللبنانية رابعة الزيات إحدى حلقاتها من برنامج “فوق 18” الذي يعرض على قناة الجديد اللبنانية بالتعريف عن ضيفتها “ملك” (عابرة جنسياً) على أنّها فتاة أجرت الكثير من عمليات التجميل، لتكشف رابعة لاحقاً أنّ “الفتاة كانت رجل” ويتفاجأ الحاضرين ويبدأون برشق الضيفة بعبارات جارحة.

يعتمد برنامج رابعة في جميع حلقاته على استقبال ضيف يعتبر “جدلياً” ليقوم ضيوف آخرين من خلفيات مختلفة، “بتقييم” الضيف وتوجيه كلام له حسب آرائهم حتى لو كانت سطحية أو نمطية- ويبدو أنّه كلّ ما زاد لؤم الضيف، كلما اعتبر رأيه “أفضل” من غيره من الضيوف.

Videos by VICE

في الحلقة مع “ملك” التي من المفترض أن تكون ​​حول عمليات التجميل: ضرورة أم رفاهية؟ كان من الغريب استضافة عابرة جنسياً للحديث عن عمليات التجميل بداية. ولكن الأمر لم يتوقف هنا، بل تحول الأستوديو إلى جلسة محاسبة، حيث تحول الضيوف المغايرين جنسياً لقضاة يحددون ما إن فعلته ملك “مسموح” أم لا برأيهم، من دون أن نفهم خلفية هؤلاء الأشخاص وما الذي يعطيهم الحق لتقييم أي شخص.

حينما كشفت رابعة “حقيقة” ضيفتها، أحدهم صرخ “عفواً” وأخرى قالت “أنا إلي ساعة بتطلع ها شو” وكأنّ ملاك، العابرة جنسياً هي جرذ في مختبر. هناك ضيفان استفزهما الأمر، الأول هو سعيد حموي، الذي اعترض على أنّ بسبب ملاك، “نقصو الرجال” في المجتمع و”مش ناقصنا.” وآخر هو غسان المولى الذي هنأ “الدكاترة” على ما فعلوه -فيما حافظت ملك على هدوء حسدتها عليه.

برنامج رابعة هو عينة مما تشهده البرامج اللبنانية من لا إنسانية تجاه مجتمع الميم. هذه البرامج تعامل الأفراد على أنّهم exotic وتضعهم/ن تحت المجهر وتعرض تفاصيل لسنا بحاجة إليها عنهم/ن. مالك مكتبي في برنامجه الشهير “أحمر بالخط العريض” سأل ملكة الجر اللبنانية “كوكب زحل” إن كانت تدخل إلى التواليت النسائي أم الرجالي، سؤال سطحي لا يعبّر عن شيء، ولا يفيدنا كمشاهدين أصلاً.

رابعة الزيات ومالك مكتبي وغيره من الإعلاميين يحاولون الظهور بأنهم محايدين، ولكنهم يتعاملون مع أفراد مجتمع الميم على أنّهم ينتمون إلى السيرك وعلى المجتمع دراسته، هم يزعمون أنّهم يعطون الأفراد مساحة آمنة من خلال استضافتهم، بينما ما يحدث في الواقع هو أنهم يجردون الأشخاص الذين يقابلونهم من حقيقتهم، ويستغلون “عامل المفاجأة أو الصدمة” لجذب المشاهدات.

تحدثني زحل عن مقابلتها مع مالك في ديسمبر الماضي: “مالك مكتبي لديه يتبع سردية عمرها 14 عاماً تتناسب مع أجندة معينة. جميع ضيوف مكتبي يظهرون كأنّهم أغبياء، مالك يظهرهم وكأنهم أغبياء بأسئلته. هو يعيد السؤال نفسه على الضيف حتى يصل للإجابة التي يريدها هو والتي تعكس الـ”كليشيه” أو ما يريد المجتمع سماعه. هذا ما حدث معي في الحلقة. لكنّني كنت أعيد نفس الإجابة ولم أقع بفخه.”

بشكل عام ومن ملاحظاتي، معظم المحطات الإعلامية ليست مساحة آمنة للفئات المهمشة من مجتمع الميم أو اللاجئين أو المعنفين أو المعدمين، بل يتم بالعادة استغلال هذه الفئات من أجل المشاهدات.  مناقشة مجتمع الميم في الصحافة أو الإعلام يحتاج إلى كم كافٍ من المعرفة في مجتمع كمجتمعنا العربي لأنّ المشاهد أصلاً يشعر أنّ آراء الضيوف والمذيعين السطحية تعطيه نوعاً من الـ validation لرأيه.

مثلاً، عندما يقرر الصحافيون المغايرون الكتابة عن أفراد الميم للمرة الأولى أو مقابلتهم على برنامج ما، يتعاملون مع الأمر وكأنّهم اكتشفوا للتو قضية جديدة عليهم أن يديروا الحديث حولها من منظورهم هم، وكأنّه لا يوجد صحفيين وصحفيات وإعلاميين وإعلاميات من مجتمع الميم يمكنهم سرد هذه القضايا من منظور كويري فعلاً. من خلال عدم الغوص بهذا المجتمع، يكون الإعلامي أو الصحفي قد وضع هؤلاء الأفراد في خانة الضحايا – فيركز على مشاكلهم لا على الرحلة التي خاضوها، ولا على النظام والقوانين الظالمة التي حولتهم لضحايا.

زحل: لم أتلقى كرهاً في حياتي بهذا الشكل أبداً في السنوات الماضية

تعلّق زحل على دور الإعلام بالقول: “برأيي، الهوموفوبيا 70% منها سببها الإعلام. هناك دائماً سردية أنّ مجتمع الميم معنّف، ومكتئب، وضائع. وفي حال عبرت عن مشاكلك النفسية، يعتبرون أنّ السبب هو أنّك مِثلي. مالك مكتبي، تكلم معي على أساس أنّه يريد دعم مجتمع الميم، لكن حتى البرومو، أظهرني أقوم بنزع الشعر المستعار مع عبارة “بلحظة صادمة، إمرأة تخلع عنها كل شيء: أنا رجل.” وهكذا نسف إسمي والدراغ، وركز على السطحي والكليشيه.”

بما أنّ التلفاز ليس مساحة آمنة بالفعل، وليس المكان الذي سيلجأ له أي شخص للتعبير، يلجأ معظم الكويريين/ات إلى السوشيال ميديا مثل منصات تيك توك وانستغرام وفيسبوك حيث يمكنهم/ن التصرف بحرية ومن دون فلتر التلفاز أو عنصرية المذيع أو سطحية القناة. لكن السوشيال ميديا ليست آمنة تماماً، حيث يتعرض العديد من الكوير للتنمر والتهديد بالقتل.

كما تعتمد منصات السوشيال ميديا لحماية الأفراد سياسات معينة ضدّ المحتوى الجنسي، ولكن بما أنّ هذه السياسات تُدار من قبل “روبوتات” وبما أنّ اللغة العربية ليست الأكثر مرونة، قد يتم منع أكاونت لشخص يقدم محتوى مختلف من دون وجه حق.

مؤخراً حجب تيك-توك أكاونت المتخصصة في الطب الجنسي الدكتورة ساندرين عطالله (قبل أن تعود وتسترجعه) بسبب محتوى هو بالفعل تعليمي، لكن تمّ اعتباره جنسي. وقد بررت المنصة الحجب بـ””الخوارزميات التي يتضمّنها التطبيق، وهو حظر أوتوماتيكي.” وهكذا قد يتم حجبك اليوم فقط لأنّ الخوارزميات لا تفهم محتواك.  كما تعرض العديد من الناشطين/ات في مجتمع الميم للحظر بدون معرفتهم السبب، بما هو معروف “بالحظر الخفي” أي Shadow banning.

بالنسبة إلى زحل، كانت السوشيال ميديا مساحة آمنة لها في السابق، لكن الأمور تغيرت في ٢٠٢١. وتضيف: “لم أتلقى كرهاً في حياتي بهذا الشكل أبداً في السنوات الماضية. لقد تمّ حجب الـ Domain name الخاص بي علي تيك توك. حاولت أتواصل مع المنصة، لكنّي لا القى ردّاً سوى من روبوتات. مع هذا أنا مصرّة على أنّ هذه الروبوتات والخوازميات لا تقوم بمهمتها إذ أنّني أتلقى تهديدات واضحة بالقتل و”مسبات” لا يتم حجب أياً منها، بل يتم حجبي أنا بالنهاية.”

هناك من يعتبر أنّ استخدام هذه المنصات هو حق وحرية، وأنّ المجتمع الهوموفوبيك في الواقع، قد يكون أقل رعباً في الغيوم الإلكترونية

محمد خليل (20 عاماً فلسطيني مقيم في لبنان) هو شخص آخر تعرض للتنمر والتهديد في العالم الإفتراضي. محمد يحب المكياج، وقرر أن يعرض موهبته على تيك توك، ولكنه لم يتوقع ردة الفعل بعد قيام شباب منطقته بنشر الفيديو: “أهلي لا يمانعون ما أقوم به، ولكن عندما وصلت هذه الفيديوهات للجيران والعائلة والمنطقة، أصبحت أتلقى تهديدات بالقتل. بقي الحساب 3 اسابيع فقط، لكنّه دمرني شخصياً. وأصبح تهديداً لسلامتي.” اضطر خليل أن يلغي الأكاونت مع أنه كان قد جمّع المال ليجلب عدة مكياج متخصصة وأدوات للتصوير.

267891220_323335966091599_1037494002650856480_n.jpg
محمد خليل.
WhatsApp Image 2022-02-10 at 3.49.09 PM.jpeg
محمد خليل يحب المكياج، وقرر أن يعرض موهبته على تيك توك، قبل أن يغلق الحساب بسبب التهديدات والتنمر بعد ٣ أسابيع.

لكن كيف تقع المسؤولية على تيك توك هنا؟ لنسمع من خليل: “لقد منعت خاصية “تحميل الفيديو” من تيك توك، وكان بالإمكان أن يحظر تيك-توك تسجيل الشاشة على فيديوهاتي احتراماً لخصوصيتي. فما الفائدة من هذه الخاصية إذا كان بإمكان أي شخص أن يسجّل الفيديو من خلال “سكرين-ريكورد؟” ويضيف: “أيضاً، لماذا لا يوجد فلتر يمنع الكومنتات السيئة، كيف لا يمكن تمييز عبارات مثل “بدي اقتلك” و”انشالله تموت” و”كس إامك” بأنها عبارات كراهية؟ حينما فتحت الأكاونت، توقعت ردود فعل سلبية، لكن كمية الكره والتهديد بالقتل هي ما صدمني حقاً، حتى أنّ هناك أشخاص وصلوا لرقم هاتفي وراسلوني على واتس اب ولا أعلم كيف. أنا الآن لا أثق بالسوشال ميديا أبداً.”

قبل أسابيع، حجب انستغرام أكاونت “زحل” “لإنتهاكها السياسات” ورغم أنّ زحل سعت لتسترجع حسابها في الفترة التي كانت تروج لحفلة لها، لم تتمكن من استرجاعه إلّا بعد مرور أيّام. سبب الحظر لم يكن واضحاً، لكن بررت انستغرام أنّ ما جرى هو “عن طريق الخطأ.” زحل غالباً ما تشارك فيديوهات ساخرة وصور ومقاطع من عروضها وأحياناً قد يتم إدراج هذه الفيديوهات تحت “المحتوى الجنسي” من دون تبرير واضح، وأحياناً أخرى قد تتعرض للحظر جراء هجمة “ريبورت” من قبل الجيوش الإلكترونية.

تسمي زحل هذه الظاهرة بـ Digital Murder أو القتل الرقمي: “هذه المنصات تقتلنا من دون أن تعلم. حُجبت عن إنستغرام لـ4 أيّام، ليأتي الرد لاحقاً أنّني حُجبت عن طريق الخطأ. لكن هل يعلم إنستغرام أنّني في الـ4 أيّام كان لديّ أعمال وعروض وخطط وكلّها توقفت بسبب خطأ؟ هناك أذى حقيقي من حجب محتوانا بدون وجود سبب منطقي.”

قبل فترة، انتشر أكاونت شاب لبناني يهدد “الغايز” بالقتل علناً، ومع محاولات كثيرة بمنع هذا الأكاونت، أصبح هذا الشاب نجم على تيك-توك بـ1.1 مليون متابع من دون أن تقوم المنصة بمعاقبته. يبدو أنّ هذه المنصات مثلها مثل الإعلام، تبحث عن مشاهدات ومتابعين دون الإكتراث لسلامة المستخدمين. مع هذا، يبقى هناك من يعتبر أنّ استخدام هذه المنصات هو حق وحرية، وأنّ المجتمع الهوموفوبيك في الواقع، قد يكون أقل رعباً في الغيوم الإلكترونية.