لماذا تعاني النساء من آلام لقاح فيروس كورونا أكثر من الرجال؟

gaelle-marcel-MNzHec7sPuc-unsplash

بعد أخذي الجرعة الأولى من لقاح فيروس كورونا، لم أشعر في اليوم الأول سوى بحمى بسيطة وتورم ذراعي، لكن في اليوم التالي ازداد الألم وانتقل التورم من الذراع إلى الإبط، وسيطر الألم على جسمي بأكمله، فلم أتمكن من المشي أو الوقوف. اشتد الألم في اليوم الثالث، حيث تزامن موعد الدورة الشهرية مع موعد اللقاح، لم أشهد ألمًا في حياتي يضاهي هذا الوجع، شعرت بتمزق شديد في الرحم، لم يمكنني من الوقوف نهائيًا. ساعدتني أختي على الذهاب إلى الحمام كي أجلس في الماء الساخن كي يهدأ الوجع قليلًا، وواظبت على استخدام قربة الماء الساخن ووضعها على الرحم.

لم تقف الأمور عند هذا الحد فحسب، بل تعداه إلى حدوث تقيؤ طوال اليوم، فلم يبق في معدتي شيئًا، حتى الماء لم يكن يصبر على بقائه في معدتي ولو ثانية واحدة، فكنت أتقيؤه فور شربه. في آخر اليوم شعرت وكأنني سوف يغمى علي، فجسمي منهك بشكل فظيع. اضطرت عائلتي إلى اصطحابي إلى المشفى، وتم تركيب محاليلًا كي تعوض النقص في جسمي، بقيت على هذا الحال لمدة أسبوع، ثم تعافيت. 

Videos by VICE

بعد ما عانيته في الجرعة الأولى، أصبح لدي نوعًا ما فكرة حول ما قد أواجهه أثناء جرعتي الثانية، ومع ذلك أصريت على الالتزام بالموعد، مررت بنفس المعاناة بالضبط، فأيضًا تزامنت دورتي الشهرية مع موعد الجرعة الثانية وكانت أغزر وأطول من المعتاد، ما اختلف قليلًا هو حدوث إسهال وهذا ما لم يحدث معي خلال الجرعة الأولى، استمر الوجع لثمانية أيام، وأيضًا اضطررت للذهاب إلى المشفى. 

أنا بخير الآن، وعدت إلى ممارسة حياتي كالمعتاد، ولكن ما حدث معي غير منفصل عما حدث مع العديد من النساء. منذ بدء طرح لقاحات كوفيد-١٩ أبلغت النساء عن آثار جانبية تفوق الصادرة عن الرجال، وتعددت هذه الآثار ما بين تخثر الدم، وتورم الإبط، وردود الفعل التحسسية، وتغيرات في الدورة الشهرية من حيث تأخرها أو إبكارها أو غزارتها أو قلتها وحتى انعدامها.

هذه الآثار دفعت معظم نساء العالم على التساؤل عما إذا كانت الدورة الشهرية المبكرة أو الغزيرة أو المؤلمة علامة من الأعراض الجانبية غير المدرجة الناتجة عن اللقاح. شاركت الدكتورة كيت كلانسي، عالمة الأنثروبولوجيا الطبية، على تويتر تجربتها بعد تلقي اللقاح، وأشارت أن دورتها الشهرية كانت أكثر غزارة بعد تلقيها الجرعة الأولى من لقاح موديرنا، وانهالت عشرات الروايات المماثلة ردًا على ذلك.

في 13 أبريل من العام المنصرم، أعلنت كندا عن أول تقرير لها عن جلطة دموية نادرة لدى امرأة من كيبيك تلقت لقاح أسترازينيكا، وفي نفس اليوم، أوصى منظمو الصحة في الولايات المتحدة بوقف استخدام لقاح جونسون آند جونسون مؤقتًا بعد أن تعرضت ست نساء تتراوح أعمارهن بين 18 و 48 عامًا لاضطراب نادر في تخثر الدم، لكن فيما بعد أوصت مراكز السيطرة على الأمراض باستئناف اللقاح لما له من فوائد تفوق مخاطره.

نشر باحثو مركز السيطرة على الأمراض (CDC) تقريرًا حول بيانات السلامة، فتبين لديهم أنه من بين 13.7 مليون جرعة لقاح كورونا تم إعطاؤها في الولايات المتحدة، أبلغ 7،000 شخص عن آثار جانبية، 79% منهم كانوا نساء، على الرغم من أن 61% فقط قد تلقين اللقاح.

الجهاز المناعي للنساء
تميل النساء إلى امتلاك جهاز مناعي أكثر قوة يمكنه إنتاج المزيد من الأجسام المضادة استجابةً للقاحات، والتي قد تكون مرتبطة بالهرمونات الإنجابية مثل الاستروجين والبروجسترون والتستوستيرون. على سبيل المثال، يمكن للاستروجين أن يجعل الخلايا المناعية تنتج المزيد من الأجسام المضادة، في المقابل، يثبط هرمون التستوستيرون إنتاج المواد الكيميائية المناعية في الجسم. وحسبما أفاد الخبراء فإن هرمون الاستروجين في أجسام النساء ينتج عنه تفاعل أقوى للجهاز المناعي تجاه التطعيمات.

إن مستويات هرمون الاستروجين عند النساء، وخاصة في فترة ما قبل انقطاع الدورة الشهرية، تساعد في تنشيط الاستجابة المناعية للمرض أو اللقاحات، وعادة ما تكون الآثار الجانبية أشد لدى النساء في سن الإنجاب، حيث يعمل الاستروجين على تحفيز الاستجابة المناعية عن طريق الارتباط بالخلايا المناعية وإنتاج الأجسام المضادة. الاستجابة القوية لدى الإناث لم يتم ملاحظتها مؤخرًا، بل لوحظت مسبقًا في لقاحات الحمى الصفراء، واللقاح الخناق، والسعال الديكي، والأنفلونزا، وأمراض أخرى.

وفقًا لدراسة أجريت عام 2013 حول اضطرابات فرط الحساسية بعد التطعيمات، لوحظ أعقاب وباء إنفلونزا الخنازير H1N1 عام 2009، أن النساء في سن الإنجاب كن أكثر عرضة بأربعة أضعاف لردود الفعل السلبية الناتجة عن اللقاح، على الرغم من أن عدد أكبر من الرجال قد تلقوه أيضًا.

يمكن لجرعات اللقاح أن تسبب ردات فعل مختلفة بين النساء والرجال، حيث تمتص النساء والرجال الأدوية بشكل مختلف، وغالبًا ما تحتاج النساء إلى جرعات أقل من أجل نفس الاستجابة. مما يعني أن الجرعات التي يحتاجها جسم المرأة قد يختلف عما يحتاجه جسم الرجل. وجدت دراسة أنه على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود، شكلت النساء 80 في المئة من جميع تفاعلات الحساسية لدى البالغين تجاه اللقاحات، وفي رسالة نُشرت في مجلة New England Journal of Medicine تصف تجارب الأشخاص الذين أصيبوا بالاحمرار والحكة والتورم والتي بدأت بعد أربعة إلى 11 يومًا من الجرعة الأولى للقاح موديرنا، كان 10 من المرضى الـ 12 هم من النساء.

كما فحصت دراسة حديثة تفاعلات الجلد مع لقاح موديرنا أو فايزر بين 414 من العاملين في مجال الرعاية الصحية، 90٪ منهم كانوا من النساء. لكن مؤلفي الدراسة قالوا إنه من الصعب معرفة ما إذا كانت النساء أكثر عرضة للمشكلة لأن أغلبية القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية هي بالفعل من الإناث.

تسلط الملاحظات المتعلقة بالجنس والاستجابة للقاح الضوء على قضية أكبر تتعلق بكيفية معالجة النساء وتأثرهن من الناحية الفسيولوجية بالأدوية، غالبًا ما عرضت الفجوة التاريخية في البحث حول الآثار المحتملة للجنس على فعالية الدواء وسلامته النساء للخطر. يظهر تقرير سابق، أنه خلال الفترة من عام 1997 إلى عام 2000 تمت إزالة ثمانية من أصل عشرة أدوية من سوق الولايات المتحدة، وذلك لما تشكل مخاطر صحية للنساء أكثر من الرجال، ومع ذلك ما زال الباحثين يعملون على فحص وفهم العوامل التي تمنح الاختلافات بين الجنسين في فعالية الأدوية وسلامتها.

تقول الدكتورة صبرا كلاين -الأستاذة في جامعة جونز هوبكنز للصحة العامة والمديرة المشاركة لمركز أبحاث صحة المرأة والجنس والنوع الاجتماعي: “اتضح أن النساء غالبًا ما يبلغن عن أي آلام لديهن أكثر من نظائرهن الرجال،” موضحة أنه غالبًا ما تكون النساء أكثر نشاطًا فيما يتعلق بصحتهن والإبلاغ عن أي أعراض تواجههن.

كما تشير الدكتورة كلاين إلى نقطة في غاية الأهمية، وقد تغيب لدى الكثيرين، حيث أفادت أن التجارب السريرية قبل عام 1993 لم تر أي ضرورة بمشاركة المرأة في الدراسات والتجارب التي كانت تُجرى حينها، ففي عام 1977 صدر قرارًا ينص على استبعاد النساء في سن الإنجاب من التجارب السريرية بقصد حماية النساء الحوامل من أي آثار سمية محتملة للأدوية أو اللقاحات. ولكن ما حدث عن غير قصد هو أنه تم استبعاد النساء تمامًا من التجارب السريرية، ولم يحصلن على استقلالية لاتخاذ القرار بأنفسهن بالمشاركة أو عدم المشاركة.

ما كان يُنظر إليه على أنه إجراء أمان أدى إلى الإقصاء الكامل حتى عام 1993. بعد رفع المنع، احتلت النساء حيزًا أكبر من الرجال في المشاركة في التجارب السريرية، لكن تم إهمال نقطة واحدة في غاية الأهمية، جعل الأمر بحاجة إلى دراسة أكثر، ألا وهي عدم فصل بيانات النتائج بين الرجال والنساء، والعمل على تحليلها بشكل منفصل لمعرفة ما إذا كانت النساء تستجيب بشكل مختلف عن الرجال أم لا.

كما ذكرت دكتورة كلاين، أن النساء لم يُمنحن خيار المشاركة في التجارب السريرية، فيبدو أن هذا قد كرر نفسه قليلاً فيما يتعلق بلقاحات كورونا، حيث لم يتم منحهن حق خيار المشاركة وإخضاع مجموعة أصغر ربما من النساء الحوامل للقاحات باختيارهن. وتقول الدكتورة كلاين: “هناك حاجة أكبر لفهم الاستجابة المناعية للمرأة عبر مسار الحياة، ويجب علينا النظر إلى صحة المرأة نظرة تتجاوز مفهوم الإنجاب، لذا سواء كنا حواملاً أم لا، أو في سن الإنجاب أم لا، يجب أن نتمتع بحقنا بقرار المشاركة في التجارب والدراسات التي تستهدف صحتنا بشكل خاص.”

أبرز ما قد تمر به النساء بعد اللقاح

تقلبات الدورة الشهرية:
تشير بعض النساء إلى حدوث دورات شهرية أغزر أو غير منتظمة، ففي المملكة المتحدة تم الإبلاغ عن 27،510 تقريرًا عن مجموعة متنوعة من اضطرابات الدورة الشهرية تباينت ما بين الغزارة والتأخر والنزيف المهبلي غير المتوقع وذلك بعد تلقي اللقاح. أفادت الدكتورة كلاين بأنه يمكننا الاستفادة من البلاغات المتعلقة بالدورة الشهرية بصياغة فرضيات نسعى لاختبارها بعد ذلك في البحث الإكلينيكي، الأجزاء من الدماغ المرتبطة باستثارة الحمى هي ذاتها التي تتحكم في التنظيم الهرموني كالدورة الشهرية. كما توجد بعض الأدلة على أن عدد من النساء شهدن آثارًا ضارة أثرت بشكل سلبي على نتائج الحمل، لم تضر بالخصوبة لكنها زادت من مضاعفات الحمل.

وأضاف الدكتور سيغال كليبستين، اختصاصي الغدد الصماء الإنجابية في شيكاغو وعضو الجمعية الأمريكية في الطب التناسلي، أنه حتى إذا كان اللقاح سيؤثر على الدورة الشهرية للمرأة، “فلا ينبغي رؤية هذا التأثير إلا خلال الدورة الشهرية التي تم فيها إعطاء اللقاح، مؤكدًا أنه لا يتوقع آثارًا طويلة المدى، فإن يحدث خللًا خلال دورة واحدة ليس أمرًا يستدعي القلق حياله.”

بالنسبة للبروفيسورة سارة روبرتسون، أخصائية المناعة الإنجابية، فهي ترى “أن سبب التغيرات في الدورة الشهرية هو الإجهاد المصاحب للوباء، فمنذ ظهور فيروس كورونا، ساد بعض التوتر نتيجة الإغلاق الذي شهده العالم، مما خلق اضطرابات في حياتنا الاجتماعية والعائلية والعملية، في حين المتعارف عليه أن ارتفاع معدلات التوتر يساهم في تثبيط مستويات الهرمونات في الدماغ المسؤولة عن تنظيم وظيفة المبيض، مما يؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية.”

إذًا تنشيط الاستجابة المناعية قد يؤدي إلى تغيرات قصيرة المدى في الهرمونات الجنسية التي بدورها ستؤثر بشكل غير مباشر على الدورة الشهرية من خلال تنشيط الخلايا المناعية في بطانة الرحم مما قد يؤثر على كثافة الدورة الشهرية وموعدها. وتعد بطانة الرحم جزءًا من جهاز المناعة، ففي الواقع توجد خلايا مناعية في كل جزء من الجسم تقريبًا، لذا تلعب هذه الخلايا دورًا في بناء البطانة والحفاظ عليها أو تمزقها. ما يحدث أنه بعد التطعيم، يتم دخول مادة كيميائية جديدة على الجسم وتؤثر على خلاياه المناعية، فقد يؤثر تلقي اللقاح والاستجابة المناعية على التفاعل بين الخلايا المناعية والإشارات في الرحم، فيدفع ذلك الفترة التالية من الدورة الشهرية أن تكون أثقل أو أكثر إيلامًا أو أطول.

تورم الإبط:
قد تتسبب لقاحات فيروس كورونا في تضخم الغدد الليمفاوية في الإبط، والتي تظهر على شكل نقاط بيضاء خلال تصوير الثدي بالأشعة السينية. وأكدت الدكتورة جيتا سوامي، عضو في الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد، إن هذا النوع من التورم هو رد فعل طبيعي للقاح، وعادة ما يحدث في نفس جانب الذراع الذي تم حقنه باللقاح وليس علامة على الإصابة بالسرطان. ولكن توصي جمعية تصوير الثدي بمحاولة جدولة صورة الثدي الشعاعية الروتينية قبل جرعة لقاح كورونا الأولى أو بعد شهر واحد على الأقل من جرعة اللقاح الثانية للتأكد من ذلك. وأوصى الدكتور كونستانس دي ليمان، رئيس قسم تصوير الثدي في مستشفى ماساتشوستس العام، مرضى سرطان الثدي أو المتعافين منه تلقي اللقاح في منطقة الفخذ بدلًا من الذراع.

رغم البلاغات الواردة، والآثار الجانبية المصاحبة لكافة اللقاحات، إلا أنه يجب على النساء ألا يترددن في الحصول على لقاح كورونا لأن العواقب المحتملة للمرض أسوأ بكثير من الآثار الجانبية للتطعيم، فيمكن أن يتسبب الفيروس في مضاعفات خطيرة تصل إلى حد الموت، لذا فإن التطعيم هو أداة وقائية مهمة للحماية من الأمراض والمضاعفات، مما سيساهم إيجابيًا في عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيًا.

على الرغم من صعوبة ما مررت به بعد تلقي اللقاح، ولكن حين التفكير في الأمر بشكل منطقي بعيدًا عن أية مخاوف، وجدت نفسي أمام خيارين لا ثالث لهما، إما رفض تلقي التطعيم والمساومة على جهازي المناعي الذي لا أعلم إن كان سيخونني أم سيقف في صفي، أما الخيار الآخر فهو أن أحصل على اللقاح بجرعتيه، وأتأثر بعض الشيء بآثاره الجانبية لمدة قصيرة قد تختلف من شخص لآخر، وثم أتعافى وأعود لممارسة حياتي بشكل طبيعي. الخيار الثاني بالطبع هو الأضمن.