لماذا نثور؟ لم توقفنا فجأة عن الشعور بالخوف؟

خوف

أثارت الأسابيع الفائتة أسئلة عديدة عمّا يحصل في العالم العربي والعالم بأجمعه، بعدما اجتاحت مظاهرات العراق الشاشات، وكانت سبقتها قبل أشهر تظاهرات الجزائر، وتلتها تظاهرات تشيلي وطبعاً: لبنان. يبدو أنه ومن دون سابق إنذار، قررت مجموعات من المواطنين، حول العالم، كسر حاجز الخوف من حكوماتهم، والقيام بثورة على كل ما هو متعارف عليه، على الرغم من دموية نتائج بعضها. ومع دخول لبنان أسبوعه الثالث من التظاهرات، واستمرار التعتيم الإعلامي في العراق وسط ارتفاع ملحوظ في أعداد الشهداء والجرحى، هناك الكثير من الأسئلة حول مدى نجاح هذه الثورات في تحقيق أهدافها وكيف نجح الشعب في كسر حاجز الخوف. تحدثت مع الدكتورة رولا تلحوق، مديرة مركز التوثيق والأبحاث الإسلامية-المسيحية وأستاذة محاضرة في جامعة القدّيس يوسف.

1573463073488-rola
رولا تلحوق – الصورة مقدمة منها.

VICE عربية: لم توقف الناس فجأة عن الشعور بالخوف من معارضة الحكومة وقرروا النزول للشارع؟
رولا تلحوق: نحن كشعوب نشعر بالضغط منذ فترة طويلة، لقد وصلنا إلى مكان حيث بات 20% يأكلون خيرات الـ 80% – ومعظم المستفيدين هم أصحاب النفوذ والسياسيين، لقد ازداد الظلم والفروقات الاجتماعية أصبحت واسعة جداً، وارتفع معدل الفقر والبطالة والفساد. المشاكل الاجتماعية دفعت بالجميع نحو الشارع. من نزل للشارع في لبنان والعراق، هم بمعظمهم من الشباب الذين رأوا أن مستقبلهم قد تم اختطافه، منهم من تعلم ولا يجد عمل، ومنهم من طُرد من عمله، والبعض لم يتعلم أساسا لأنه لم يكن يمتلك الامكانية لذلك، ومنهم من يشعر أن “الدنيا كلها مسكرة بوجهن.” في لبنان، الأكثرية التي نزلت إلى الشوارع هم من فئة الشباب الذين لم يختبروا الحرب الأهلية، وبالتالي لا خوف لديهم منها. أما المتظاهرين الأكبر سناً، فقد نزلوا للشوارع لأنهم ببساطة اختنقوا، ولم يعد بإمكانهم الاحتمال بعد سنوات الحرب والظلم، وكل شخص شعر بالإهانة انضم إليهم، وهذا ما جعلنا نكسر الحاجز. شخصياً، كنت أعتقد أن هذا حاجز الخوف لن ينكسر بسهولة. ولكن وجود كل تلك العوامل جعلنا نطالب بحقوقنا من منطلق: ما أسوأ ما قد يحصل؟ نحن نعيش الأسوأ. عندما يصل الإنسان إلى حائط مسدود، يختفي الخوف.

Videos by VICE

ولكن لمَ احتاجنا كلبنانيين إلى كل هذا الوقت لكسر هذا الحاجز؟
احتجنا وقت لنكتشف لُب المشكلة، اقتصادنا اقتصاد رديف: يعني اقتصادنا Fake، المغتربون في الخارج هم من يرسلون الأموال، ليقف البلد على رجليه. لبنان واقع في مشكلة اقتصادية وعجز كبير والجميع يدرك ذلك. ولا ننسى أيضاً الحرائق التي اجتاحت جبال لبنان وهي أكبر حرائق في تاريخ بلدنا، واكتشفنا كمواطنين أن الطائرات التي من المفترض أن الحكومة اشترتها لهذا الهدف لم تكن حتى مجهزة للسيطرة على النيران. التعاون الذي حصل بين اللبنانيين أنفسهم للسيطرة على الحرائق ومساعدة الدفاع المدني، أظهر لنا مدى قوتنا وبنفس الوقت حجم استغلالنا، تذكر اللبنانيون أن مصيبتهم واحدة وسببها ومُسببها هي الدولة. ثم أتى خبر تخصيص ضريبة على اتصالات الواتساب، وانفجر اللبناني. الشعب محبط، الجميع يريد ترك البلد، ولطالما حاولت إقناع الناس أن الحياة في الخارج ليست وردية أيضاً، لكن الفرق أن في الخارج الإنسان له قيمة بينما هنا، لا قيمة للإنسان، وأعتقد أن وصول اللبناني لمرحلة يريدون فيها فقط الهرب الى الخارج للتخلص من عبئ لبنان يعني أنه لم يعد لديه شيء ليخسره.

لا رجوع إلى الخلف، ولا تراجع عن المطالب. حجم الثورات كبير هذه المرة، وتأخذ بُعد شمولي على الرغم من كل العنف والتضييق الإعلامي والعمل المخابراتي ومحاولات البعض ركوب الموجة

تحدث البعض عن وجود عواقب وخيمة لهذه الاعتصامات مثل حدوث انهيار اقتصادي. برأيك هل هذه طريقة لإبعاد المتظاهرين عن الشارع؟
-تضحك- أولاً الانهيار حاصل حاصل، الناس “طلعت من جلدها” لأن الانهيار حاصل قبل ثورة 17 أكتوبر. ثانياً ليس هناك من إمكانية لينهار بلد كلياً، نعرف جيداً أن هذا لا يناسب البلدان المحيطة به. ولنكن واضحين أكثر، الانهيار لا يؤثر عليّ وعليكِ وعلينا… معاشاتنا قليلة، يمكن أن نعيش رغم ذلك. الانهيار يأثر على من يتقاضى 50-60 ألف دولار كفوائد، أسبوعية/شهرية مثلا.. أولئك هم من يشعرون بالقلق على أنفسهم وعلى سرقاتهم وليس على الشعب. أنا لست متشائمة من انهيار اقتصادي كلّي، نحن لسنا بأفضل أحوالنا في لبنان، ولكن لست بهذا التشاؤم.

هناك من يدعي أيضاً أن هذه المظاهرات سواء في لبنان أو العراق ليست عفوية وهي ممولة من جهات خارجية، ما ردك على هذه الادعاءات؟سمعنا الكثير من الكلام عن مجموعات وأياد خارجية تتحكم بثورات العالم مثل أخبار عن منظمي الثورات الخارجيين والبنك الدولي الذي يمول الثورات لكي يطلب البلد مزيداً من الديون وبالتالي يتمكن من التحكم به. نحن لا نعيش في عالم لوحدنا، من الممكن أن يكون هناك محاولات للانقضاض على الثورات وتحويلها عن مسارها الأصلي لتحقيق مصالح معينة. ولكن الأساس هو تحرك الشعب، لو أن حالة الناس لم تكن سيئة لهذه الدرجة لم نكن لنشهد ثورة. الشعوب متعبة ومرهقة وهذا بالدرجة الأولى ما دفع الجميع للتحرك. الضغط الذي يواجه الناس في لبنان لم يعد يُحتمل، وفي العراق الوضع من سيء لأسوأ منذ اجتياح الولايات المتحدة عام 2003، إضافة إلى الحرب على داعش، والانقسام الحزبي والسياسي والعقائدي والفساد وغيره. أعتقد أن الحكومات تلعب كثيراً على وتر القلق، كطريقة لتخويف الشعب، الحكومات تريدنا أن نعيش قلق مستمر حتى لا نفكر بالتغيير.

إنكسر حاجز الخوف الآن، ولكن إن هذه الثورات لم تحقق أهدافها بعد، هل نتوقع أن يهدأ المتظاهرون ويخف حماسهم؟ أم ستستمر التظاهرات من وقت لآخر؟
لا رجوع إلى الخلف، ولا تراجع عن المطالب. حجم الثورات كبير هذه المرة، وتأخذ بُعد شمولي على الرغم من كل العنف والتضييق الإعلامي والعمل المخابراتي ومحاولات البعض ركوب الموجة. لقد برهن المتظاهرون أنهم خرجوا من قوقعتهم، وأنه لا يمكن ترويض التظاهرات ولا التحكم بها بعد اليوم – إن كان في العراق أو لبنان أو غيرها. المثال الأهم على أن هذه الثورات مختلفة هو خروج أشخاص من داخل الطائفة ضد قادتهم. هذا تغيير كبير. كيف يبدو المستقبل القريب؟ هل ستستمر المظاهرات أم ستتراجع، لا أعرف ولا يمكن أن أقدر، فالوضع على الأرض يفاجئنا كل يوم. شخصياً، أعتقد أننا يمكن أن نحقق الكثير من المطالب، ولكنني أخاف من أخذ الأمور إلى ناحية العنف، لأننا اعتدنا على العنف كعنصر أساسي خلال محاولاتنا التغيير في بلادنا.