“لن نسكت” نساء كويتيات يطالبن بتجريم التحرش

asciainstagram-780x975 copy

“من الآن فصاعداً، لن أسكت عن التحرش الذي نتعرض له.” بعد نشرها فيديو قصير عن تعرضها للتحرش يومياً في شوارع الكويت، شجعت المؤثرّة الكويتية الأمريكية آسيا، 31 عامًا، التي لديها 2,5 مليون متابع،
المزيد من النساء على الحديث عما يتعرضن له، والمطالبة بقانون يجرم التحرش بشكل واضح لضمان أبسط حقوقهن كنساء وهو العيش بحرية بالمنزل أو خارجه دون الشعور بالخوف والمضايقة.

الصمت على التحرش لم يعد خياراً للكثير من النساء الكويتيات، وعلى غرار حملة أنا أيضاً Me Too العالمية التي انطلقت عام 2017، انطلقت حملة “لن اسكت” الكويتية على انستغرام، وهو حساب يستقبل قصص النساء اللواتي تعرّضن للتحرش، وقد لاقت الحملة تأييد ورواج كبير وحققت 10 آلاف متابع بأسبوع واحد فقط. الهدف الأساسي للحملة هو خلق مساحة آمنة للنساء للتعبير بعيداً عن الجدل والأحكام المسبقة عليهن. كما تدعم الحملة إصدار لوائح تنظيمية وقانون صريح يُجرم التحرش.

Videos by VICE

في حواري مع الدكتورة شيماء شمو، 27 عاماً، التي أطلقت حملة “لن أسكت” تخبرني أنها مهتمّة بقضّية التحرش منذ وقت طويل، ولكن دراستها للطب في الخارج أخذت من وقتها، والآن بعد عودتها للكويت وجدت الفرصة المناسبة للقيام بخطوة فعليّة وإحداث أثر: “الموضوع يهمني جداً بشكل شخصي كونه حساس جداً، ولا يتم تسليط الضوء عليه بالكويت نهائياً. وصلني فيديو آسيا، وتحمّست جداً وقررت أن الآن هو الوقت لإحداث التغيير، وبدأت العمل فوراً على الحملة. الرائع بالأمر أن كثير من المؤثرات تفاعلن مع الحملة وكأنها حملتهن الشخصية، كما وصلتني مئات الرسائل التشجيعية من كافة الدول. التفاعل أبهرني، وجعلني أشعر أن جميع النساء يد واحدة.” وأكدت شمو أن التحرش يشمل جميع النساء من كويتيات وغيرهن، فقد تلقت كذلك قصصًا عن تعرض نساء هنديات وباكستانيات وفيلبينيات وروسيات وإسبانيات يعملن في الكويت أيضًا للتحرش.

من خلال قراءتي للتعليقات على صفحة الحملة، تكررت كثيراً جملة “وأخيراً أحد سوّى شي” وكأنّ جميع النساء كن يبحثن عمّن يصدّقهن ويتضامن معهن. وبحسب شيماء، فإن الهدف الأساسي من الحملة هو خلق بيئة ومساحة آمنة للنساء للتعبير والمشاركة، وتضيف: “لا يوجد الكثير من المنصات التي تسمح للنساء بالحديث عن معاناتهن بمكان آمن. مجتمعنا العربي مهووس بالمثالية وتلميع صورته الخارجية، عبر محاولة تكذيب وإخفاء كل ما يحدث على أرض الواقع تفادياً للعار. وحتى وإن اعترف بها فسيقوم بسلك الطريق الأسهل كالعادة وهو لوم الضحيّة من خلال التبريرات والحجج والوهمية المعتادة، “شنو كانت لابسة؟ وين وأي ساعة كانت طالعة؟ أكيد مسويه شي غلط.”

قبل اطلاق الحملة، توقعّت شيماء تلقّي هجوماً كبيراً ولكن على عكس ما توقعت كان التفاعل ايجابيًا، خلال أول يومين من انطلاق الحملة وصل لشيماء ما يفوق 200 شهادة، بينما كانت شيماء تحدّثني تفقّدت بريدها ووجدت ما يفوق 700 رسالة: “أشعر بقشعريرة وأنا أقرأ الرقم، أؤمن أن التعبير والمشاركة  جزء مهم جداً ضمن عملية الشفاء نفسياً وجسدياً، وهو أول خطوة للالتئام.”

تقوم شيماء بجمع الشهادات عبر الاستمارة الموجودة في بايو الحساب، وكل ما تحتاجه النساء للمشاركة هو ملء الخانات المطلوبة بالاستمارة كالجنس، العمر، الجنسية، وشرح ما حصل معها، بكلماتها وبالتفاصيل التي ترغب بمشاركتها. تشير شيماء أن الهدف من هذه الاستمارة هي اظهار حجم هذه المشكلة، في ظل عدم وجود احصائيات واضحة بالكويت عن نسب التحرش. بحسب شيماء، معظم الشهادات التي وصلت للحساب هي حوادث لتحرّش جنسي، ثم الملاحقة والمطاردة، يليه التحرّش اللفظي، و47 % ممن أرسلوا قصصهن هنّ فتيات تحت ١٨ سنة، ولم تخلوا الرسائل من قصص لرجالٍ أيضاً.

**شهادات
**لا يوجد أيّة احصائيات تتعلق بنسب التحرش في الكويت، وهذا ما استغله للبعض للقول أن حالات التحرش فردية ومحدودة، وردد البعض على مواقع التواصل جملة “ليش مزودينها؟” هذا التشكيك بحجم المشكلة دفع الصحفية بيبي الخضري للنزول للميدان والقيام بتجربة اجتماعية لإثبات بالصوت والصورة حالات التحرش الذي تتعرض له المرأة خلال وقوفها لدقائق بالشارع. وكما هو متوقع لم تتوقف التعليقات والتحرشات، وأشارت إحدى الفتيات أن أحد الرجال قام بحسب شعرها وهي تمشي في الشارع.

عدّة فتيات كويتيات تحدثت معهن أكدن على تعرّضهن للتحرش، سواء تحرش لفظي أو محاولة الاقتراب منهن جسدياً، أو القيام بلحاقهن بالسيارة. تخبرني سارة، 26 عاماً: “لا يمكنني عدّ المرات التي تعرضت بها للتحرش، أخطر موقف حدث لي ولم يخرج من ذاكرتي. في بدايات تعلّمي للقيادة وأنا في طريقي للجامعة، ما إن وقفت عند إشارة المرور، حتى وجدت أربع شبان على دراجات قمن بمحاصرة سيارتي، وحاول أحدهم فتح الباب وهو يقول كلام خارج. ذعرت بشّدة لدرجة أنني لم أستطع القيادة بعدها. لم أفعل شيء حينها ولم أخبر أحداً حتى أهلي سواء بتلك المرّة أو المرات السابقة، شعرت بأنه لا فائدة من البوح لهم فلن ينال المتحرش أيّه عقاب.”

لا يوجد قانون منصوص وصريح يجرّم التحرش في الكويت، بالمقابل يوجد قانون صارم يجرّم التشهير ما يعني أنه بحال قيام الضحية بتصوير المتحرش فسينتهي بها الأمر بالسجن بدلاً منه

أما أسماء، 26 عاماً، فكانت أول مرّة تتعرض لها للتحرش وهي بعمر الخامسة تقول:” كنت أقف بجانب والدتي وهي تحاسب البائع بأحد المحلّات، مرّ من خلفي رجل كبير السن ووضع يده على مؤخرتي، التفت ونظرت بعينيه وبادلني النظرة واختفى. كنت طفلة ولم يخبرني أحد أن ما فعله خطأ وأن عليّ إبلاغ أمي.”

وتضيف: “لا زلت أتعرض للتحرش حتى اليوم. الأسبوع الماضي، كنت أجلس على الشاطئ بينما كان رجل أربعيني يجلس بسيارته ويراقبني، انتظرني حتى ركبت سيارتي وطاردني، حتى أجبرت على تغيير الطريق لإبعاده. لن تتخيلي كميّة الرعب التي أصابتني حين كان ينظر لي بشكل مقرف. التحرّش أصبح جزء يومي من حياتنا، ولكننا لا نبلغ لخوفنا من الدخول بمشاكل أخرى، ولكثرة انتشار المضايقات فلا نعتقد أن بلاغنا سيؤخذ بعين الاعتبار.”

نسرين، 23 عاماً، تعرّضَت أيضاً للعديد من حوادث التحرّش اللفظي بشتى الأماكن العامة، ولكنها لم تستطيع أن تتخطى تحرّش أحد المشاهير لها: “بحكم بعملي في مجال التسويق والعلاقات العامّة تربطني علاقة صداقة مع العديد من المؤثرين والمشاهير رجالاً ونساءً بالكويت. في أحدى المرّات كنت أدردش على واتساب مع أحدهم عن الموسيقى والعزف وفجأة قال لي “أكيد شكلج سكسي وانتي ترقصين، أرسليلي فيديو بتأكد.” تهرّبت من طلبه وغيّرت الموضوع، فقال لي أنني لا أملك ثقة كافية بجسدي. حاول كثيراً وألحّ بطلبه، فتجاهلت رسائله تماماً ثم اختفى. الغريب أنه بكل مرّة ألتقي به على أرض الواقع يتصرّف معي بشكل مهذب ومحترم وكأن شيئاً لم يكن. لديّ كافة الرسائل وفكرّت بتقديم شكوى، لكنني ترددت كثيراً فهو شخص معروف بسمعته الحسنة بين متابعيه وبالتأكيد سيتم تكذيبي، كما أن لديه العديد من الصداقات مع المحامين وأفراد الشرطة. لن أتعب نفسي برفع قضية خاسرة لن تجلب لي سوى كلام الناس.”

**لا يوجد قانون يجرم التحرش
**عدم ثقة النساء بالشرطة والقانون له الكثير من الأسباب. أحد الضحايا التي شاركت قصتها على “لن أسكت” تحدثت عن عدم تصديق الشرطي لها ومحاولته إقناعها بعدم الإبلاغ عن المتحرش الذي كان يطارده بسيارته كي لا تشوه اسم عائلتها. هناك الكثير من الشهادات المشابهة، الأمر الذي يجعل التبليغ عن التحرش خطراً على الضحية نفسها وليس على الجاني. لا يوجد قانون منصوص وصريح يجرّم التحرش في الكويت، بالمقابل يوجد قانون صارم يجرّم التشهير ما يعني أنه بحال قيام الضحية بتصوير المتحرش أو رفع صوره على مواقع التواصل، فسينتهي بها الأمر بالسجن بدلاً منه.

مصطلح التحرش غير منصوص عليه حرفياً في القانون الكويتي، وتصنّف بلاغات التحرّش تحت مادّة “هتك العرض” أو “التحريض على الفسق والفجور”وعادة ما ينجو منها المتحرش بسبب عدم انطباقها بشكل كامل عليه. وقد تقدّم النائب د. عبدالعزيز الصقعبي بمقترح لمجلس الأمّة الكويتي يقتضي بإضافة مواد جديدة أشد صرامة لمكافحة التحرّش من بينها السجن لمدة سنة وغرامة ٣ آلاف دينار لكل من تعرض للغير في مكان عام سواء بالقول أو بالإشارة.

وفي حين أن تجريم التحرش في القانون هو الخطوة الأولى والأكثر أهمية، إلا أن هناك المشكلة الأكثر تعقيداً مرتبطة بالذكورية السامة في المجتمع التي لا تزال ترى أن التحرّش هو عقاب لكل فتاة لا ترتدي الملابس “المحتشمة.” وقد ظهر هذا واضحاً في برنامج “بالمنطق” مع سميرة على قناة العدالة الكويتية، في حلقة تناولت قضّية التحرّش، وفي مداخلة للناشط الاجتماعي علي بو غيث ذكر فيها أنه يلقي اللوم على الطرفين، الضحية “بسبب لباسها ومنظرها المثير” وعلى الجاني المتحرش.

في الواقع، إلقاء المسؤولية على الضحية أو لوم الضحية يجب أن يعتبر جريمة أيضاً، وقد صرّحت دار الإفتاء المصرية ” إنّ إلصاقُ جريمة التحرش النكراء بقَصْر التُّهْمَة على نوع الملابس وصفتها؛ تبريرٌ واهمٌ لا يَصْدُر إلَّا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة.”

تقول شيماء أنه لا يوجد بروتوكول واضح لمعرفة الحقوق القانونية بحال تعرّضت الفتاة للتحرش: “نحن نعمل على رفع الوعي ونقد الأفكار الذكورية وإحراز فارق بالقانون الكويتي من خلال تعاوننا مع حملة أمانة التي تسعى لسن قانون خاص بالتحرش. ولكن التغيير لا يجب أن يقتصر على الجانب القانوني بل يجب نشر التوعية، لأن المجتمع غير مدرك لجدية الأمر ومدى انتشاره، وذلك بسبب الصمت وعدم التبليغ بسبب الخوف وثقافة لوم الضحية.”

وتنهي شيماء بالقول: “الوضع عبارة عن حلقة متسلسلة وهدفنا بشكل رئيسي كسرها. وهناك العديد من الأفكار لتوسيع نطاق الحملة وتقديم المساعدات للضحايا بشتى الوسائل. نأمل أن تجريم التحرش، وأن يتم توفير خط ساخن أو تطبيق لتقديم البلاغات بشكل سهل كما في باقي الدول العربية.”