“أن تحب الترحال وتحمل جواز سفر فلسطيني، يشبه أن تكون عصفور داخل قفص، تجربته الوحيدة مع الطيران هي عندما يشحن داخل القفص إلى مكان آخر، ولكنه دوماً بالقفص.” هذه الجملة التي يقولها المخرج سمير قمصية، 31 عاماً، قد تختصر كل المشاعر التي يشعرها الفلسطيني عند التفكير بالحرية -حرية السفر والحركة بشكل خاص، عصفور في قفص.
“رحالة وجدار” (Walled Citizen) هو الفيلم الوثائقي الأول لسمير، الذي عمل كمصور ومحرر لعدد من الأفلام منها فيلما المخرج الفلسطيني مؤيد عليان “حب وسرقة ومشاكل اخرى” وفيلم “التقارير حول سارة وسليم” الذين حصلا على عدد من الجوائز. كما أنه شريك في شركة بالسيني للانتاج، المختصة بإنتاج الأفلام القصيرة والوثائقية والروائية في فلسطين. في هذا الفيلم، يأخذنا سمير معه في رحلة نكتشف فيها العالم ونتعرف فيها على الكثير من الرحالة من فلسطين والعالم من الدنمارك، السويد إلى جزر الكناري والأمازون. يبدأ سمير فيلمه بالتركيز على الحياة كفلسطيني، ومعنى أن تحمل جواز سفر فلسطيني يعتبر من أسوأ الجوازات في العالم على مستوى القيود المفروضة على منح التأشيرات. كل تلك الأوراق التي تحتاج لتجميعها عند التقديم على فيزا قد يتم رفضها بالنهاية، وكل تلك الجدران والحواجز التي صنعها الاحتلال الإسرائيلي التي تمنعك من الحركة.
Videos by VICE
الحرية، الشعور بالغربة، معنى الوطن، الصداقة، هي مفاهيم تتكرر في فيلم سمير، الذي قام بكتابته، وتحريره وإنتاجه وإخراجه بجهد فردي وعمل عليه لمدة أربعة سنوات. فقد أراد للفيلم أن يعكس معنى الحرية بمفهومها الأوسع، ولم يرغب أن يكون هناك جهة ما تتحكم في الطريقة التي أراد أن يصنع بها فيلمه الخاص والشخصي وبنفس الوقت العالمي جداً. “خياري أن أقوم بصناعة الفيلم لوحدي هو مرتبط أيضاً بـ اللايف ستايل الرحالة، فهي طريقة حياة عفوية وارتجالية، أردت أن يكون الفيلم شبيها بذلك. أن أكون على الطريق حاملاً حقيبتي وأصور وأتحدث مع الذين التقيهم،” يقول سمير.
تم عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان أيام فلسطين السينمائية الذي انطلق في نسخته السادسة هذا الشهر. كيف تكون رحالة في عالم مليء بالجدران والرفض والخوف من الآخر، كيف تحلم بحمل حقيبتك وزيارة العالم وأنت تحمل جوازاً لا يدخلك إلا دولاً تعد على أصابع اليد الواحدة. تحدثت مع سمير على الهاتف وسألته عن كل ذلك.
VICE عربية: أخبرني سمير لماذا أردت صناعة هذا الفيلم؟
سمير قمصية: قد يكون السبب الشعور بأنني عالق trapped. قبل عدة أعوام، بدأت محاولاتي لعيش حياة على الطريق كرحالة. قمت بالترحال في فلسطين وسافرت إلى عدة بلدان أوروبية أوروبا، وكانت تجربة لا تنسى. ولكن بسبب التعقيدات المفروضة عَلي كفلسطيني ونظام التأشيرات، كان من المستحيل بالنسبة لي ممارسة أسلوب حياة الترحال بإستمرار. خلال السنوات الماضية تعرفت وأنشأت صداقات مع رحالة من جميع أنحاء العالم جاءوا إلى فلسطين. ولكن هؤلاء الأصدقاء كانوا يأتون لزيارتي، وبعدها يرحلون ليكملوا رحلتهم حول العالم، فيما أبقى أنا في نفس مكاني في فلسطين. شعرت أنني في قفص، أصبت بالاكتئاب الشديد ولم أشعر بوجود معنى لحياتي.
أردت أن أصنع فيلماً يوجه رسالة للسياسيين ومسؤولي التأشيرات والسفارات، رسالة تظهر البعد الإنساني والنفسي لحاملي جوازات السفر التي تأتي في المراتب الأخيرة في العالم
فكرة الفيلم كانت محاولة لعدم الاستسلام، محاولة لمعالجة نفسي. أصبح الترحال والسفر والأصدقاء الذين التقيتهم خلال هذه السفرات طريقتي للعلاج. هذا من جانب شخصي، ولكنني أيضاً أردت أن أصنع فيلماً يوجه رسالة للسياسيين ومسؤولي التأشيرات والسفارات، رسالة تظهر البعد الإنساني والنفسي لحاملي جوازات السفر التي تأتي في المراتب الأخيرة في العالم. الشعور بأنك شخص غير مرحب به، هو شعور سيء، أنا أعيش في بلد أشعر فيه بالرفض من قبل الاسرائيلي، وعندما أحاول السفر أقابل بالرفض مجدداً من دول العالم، أشعر وكأن وجودي نفسه مرفوض، وكأنهم يتمنون لو أنني لم أكن موجوداً، أردت صنع هذا الفيلم لأثبت أنني موجود.
هل كان هذا هو السبب بأنك إخترت أن يكون السرد في الفيلم باللغة الإنجليزية؟
بكل بساطة، أردت أن يكون فيلم عالمياً، قصة رحالة فلسطيني إلى العالم. واللغة الإنجليزية هي المسيطرة سواء أردنا ذلك أم لا. أردت أن أصل للجمهور العالمي، باستخدام لغة يفهمها الجميع، أو المعظم. من ناحية أخرى، كان من الصعب إيجاد مصطلحات لوصف حياة الرحالة باللغة العربية، لا يوجد ترجمة مباشرة لوصف On the road مثلاً. الأفلام والمسلسلات التي تتحدث عن الطريق road movies هي غَربية بمعظمها، لست أدري إن كان ذلك بسبب أنه لا يوجد ثقافة ترحال في العالم العربي، أم بسبب الصعوبات والقيود على الحركة والسفر. كما أن قصة الفيلم هي عالمية، لست كفلسطيني الوحيد الذي يعاني من قيود السفر. في الواقع، إذا تحدثنا عن سلم الأولويات، فكوني أرغب بعيش حياتي كرحالة، قد لا يقارن مع شخص سيقتل إذا لم يغادر بلده. مشكلتي هي مشكلة عالمية، في عالم أصبح مليئاً بالجدران، ربما يكون هذا الفيلم هو طريقتي لمحاربتها، لمحاربة الواقع الذي يرفض الآخر بناءً على افتراضات مسبقة.
ما هي التحديات التي واجهتك خلال عملك على هذا الفيلم؟
بالبداية، كان هناك الإرهاق الجسدي، كان من الصعب حمل المعدات لوحدي والتصوير، والموازنة بين أخذ لقطة مناسبة، والإستماع إلى ما يقوله الشخص أمام الكاميرا. ولكني بعد فترة، وجدت طريقة عمل مناسبة. بعد التصوير، كان التحرير أصعب جزء من العملية، فقد كان لدي مواد كثيرة، ساعات وساعات من التصوير، مع شخصيات متنوعة. كان من الصعب أن أحدد مضمون الفيلم، ما الذي أريد قوله من خلال كل ذلك. أخذني الأمر خمس شهور حتى وجدت الهيكلة المناسبة للفيلم.
في الفيلم، تتحدث عن الشعور بالغربة؟ أنت عشت حياتك كفلسطيني بين أهلك في بيت لحم؟ من أين جاء شعور الغربة هذا؟
هناك الكثير من الأسباب. لست متأكداً أن الوطن بالبداية هو مكان مادي، فالشعور بالغربة غير مرتبط بمكان. لقد سافرت كثيراً خلال العمل على الفيلم، ووجدت الكثير من الأشياء المشتركة بيني وبين بلدان وبيني وبين أشخاص. أحياناً أشعر بالغربة في فلسطين، ولكني شعرت أيضاً بالغربة في السويد، في حين أنني شعرت بالوطن بالأمازون. الوطن ليس مادياً، الوطن هو الناس الذين يتقبلونك كما أنت وتشعر بالأمان معهم.
خلال لقاءاتك مع أصدقاء من داخل وخارج فلسطين، نسمع ونرى عدة مفاهيم للحرية. في حديثك مع “رند” فلسطينية تعيش في السويد ولا تزال تنتظر الحصول على الإقامة، تقول أنها كانت حرة في فلسطين أكثر من السويد. ما معنى الحرية بالنسبة لك، إلى ماذا توصلت؟
أفهم تماماً ما الذي تتحدث عن رند، شعور الحرية في فلسطين لديها هو مرتبط بوجود العائلة، الأصدقاء، ذلك المجتمع القريب الصغير الذي تشعر بالراحة بوجودك ضمنه. في حين أنها كانت تشعر كغريبة في السويد. هناك مفاهيم للحرية تم إملاؤها علينا، مثلاً، العائلة التي التقيتها في الأمازون هي حرة، لكن إذا جاء شخص من الخارج من ألمانيا وقال لهم انتم لستم أحرار “لانه ما عندكم ماكدونالدز” فقد تتغير رؤيتهم لمعنى الحرية. في حين بالنسبة لهم، هذا الشخص هو الذي ليس حُراً. مفهوم الحرية يختلف من شخص لآخر، أصحابي الدنماركيين مثلاً يرون أنني لست حراً، ولكن بالنسبة لي ولعدد من أصدقائي ومنهم مكسيم من أوكرانيا، فنحن ننظر إلى الدنماركيين بأنهم ليسوا أحراراً تماماً أيضاً “كيف هاي حرية.” أنا لا انتقد ثقافتهم، ولكن الفكرة الأساسية هي أن لديهم أمور وقوانين وقِيم يعتبرون أنها حرية في حين قد نراها نحن كسجن.
ما هي خطوتك التالية الآن؟
حالياً أركز على عرض الفيلم في العالم والتوزيع. أحب الأفلام الروائية، ولكني بعد هذا الفيلم، سأبقى في مجال الأفلام الوثائقية، أجد أنها أكثر أصالة، وهناك تعامل مباشر مع الناس. هناك اقتباس أحبه يقول “You make stories not by telling them but by living them” أنت تصنع قصصاً من خلال عيشهم بدلاً من الحديث عنهم. أحب هذا الجزء من العلاقة مع الآخر عند صناعة الفيلم. أحب أيضاً أن أركز على الأفكار المشتركة، الأفكار التي توحدنا كبشر. في فلسطين، نحن نناضل من أجل التحرير، التحرر من الإحتلال أولاً وأيضاً تحرير الإنسان من العبودية والرأسمالية واللاعدالة. مع وجود وسائل التواصل الإجتماعي، أصبحنا عالم واحد وعلينا أن نحارب معاً. حريق الأمازون مثلاً هي مشكلة تخص العالم كله وتخص مستقبلنا جميعاً. الحدود والجدران التي نبنيها هدفها منها زرع الخوف من الآخر، ولكن الآخر هو أنت.
جميع الصور مقدمة من سمير.