ما بعد بغداد: أحياء منسية توقف فيها الزمن- بالصور

seri foto jurnalistik gang Baghdad irak setelah perang berakhir esai foto

أحب أزقة بغداد الشعبية والقديمة، شيء ما بها، يذكرني بأن الزمن داخلها قد توقف. شعور بالنوستالجيا يختلط بشعور من الأسى على عدم الاهتمام بهذه المناطق التي شكلت بغداد، في فترة ما، قبل الحروب وقبل البنايات الشاهقة. يأخذني عملي الصحفي إلى هذه الأزقة في بعض الأحيان، أحب أن أكتب عن قصص الناس التي قد لا تجد صوتها أو صورتها في الإعلام التقليدي.

أحب التجول وتصوير أزقة بغداد القديمة، التي استطاعت -ورغم الحروب والدمار والحداثة- الحفاظ على هويتها الخاصة، كواجهات المنازل التي تعود ببنائها لما يقارب المئة عام مثل حي الفضل، والبتاوين، والكريمات، وقنبر علي، والشواكة، والصدرية.

Videos by VICE

يظهر عبق من الماضي الأكثر بساطة في هذه الأحياء الشعبية، شكل البيوت والشوارع والمحلات والأشغال اليومية في هذه الأزقة لم يتغير كثيراًً، ولا تزال التقاليد العراقية الأصلية موجودة مثل تبادل صحون الكليجة بالتمر بين الجيران، واجتماع السكان كل “عصر” عند عتبة المنزل وشرب الشاي وتبادل أطراف الحديث. وفيما يلعب الصغار كرة القدم، تسمع صوت الجارات وأحاديثهن في الخلفية. كما أنك ستجد هنا أفضل داطلي باللبن، وهي حلوى محلية كردية تشبه المشبك السوري أو بلح الشام.

image00009.jpg
بائعان عند محل لصناعة وبيع “الليفة” العراقية المنشأ والصنع، يأخذان استراحة قصيرة. حي الفضل، بغداد، يوليو 2019.

شهدت هذه المناطق، الكثير من الانفجارات خلال النزاعات الطائفية بين عامي ٢٠٠٧-٢٠٠٨ بعد الغزو الأمركي للعراق، راح ضحيتها آلاف من سكانها. سوق الصدرية مثلاً تم استهدافه عدة مرات، أكثرها دموية كان في 18 أبريل 2007 حيث تم تفجير السوق بسيارات مفخخة أوقعت 140 قتيلاً. توالت الانفجارات فيما بعد، الأمر الذي اضطر الحكومة أن تغلق الشارع الرئيسي لحي الصدرية وتمنع دخول السيارات إليه حتى العام الماضي.

image00016.jpg
فريق كرة القدم الشعبي للحيّ يأخذون استراحة الشوط الاول، مع ابتسامة للفريق المتقدم بهدف. حي السلام، بغداد، يناير 2022.
image00014.jpeg
أطفال يبتسمون بخجل للكاميرا بانتظار عودة والدهم الذي يعمل في قطاع البناء والذي دعاني لزيارة العائلة. حي النهروان، بغداد. فبراير 2022.

لا تزال النساء هنا يفصّلن خياطة قماشهن المفضل بأنفسهن، كما لم تتغير المهن الموجودة في السوق، صائدي سمك، بائعي ملابس مستعملة وتصليح ساعات وخياطين ونجارين ومنجدين، حتى أن متجر المواد الغذائية، لا يزال جزءً من منزل صاحبه، كما كان سابقًا.

image00004.jpg
امرأة بغدادية حولت أحد غرف بيتها لمتجر محلي صغير، لبيع الحاجيات المنزلية للجيران، تبيع البيبسي “بالدين” لهذه الصغيرة. مدينة الكاظمية، بغداد. مارس 2021.
image00002.jpg
سيدة بغدادية تقوم بنشر الثياب عند سطح منزلها الآيل للسقوط، تطلب مني الحذر عند التقاطي هذه الصورة لها. الشواكة، بغداد، يناير 2021.

هذه المناطق تعتبر منسية من قبل الحكومة العراقية حيث تشهد هذه المناطق انقطاعاً مستمراً للكهرباء والمياه ومعظم البيوت آيلة للسقوط. كما يعاني أغلب أبناء هذه الأحياء من البطالة ويعتمدون على المهن الحرة، والتي أصبحت شبه منقرضة في ظل سيطرة رأس المال وانتشار المولات والمحلات الكبيرة في بغداد. 

image00011.jpg
سيدة عراقية تجلس على عتبة منزلها لاستنشاق بعض الهواء بعد انقطاع الكهرباء. منطقة الصدرية، بغداد. أغسطس 2019.
image00017.jpg
بائع ومُصلح الساعات، يقول أنه صاحب أقدم محل لتصليح الساعات في بغداد، توارث هذه المهنة من والده الذي ورثها عن والده وقبلها جده، يقضي نهاره بين دقات الساعات، ويملك بعضاً من أندر وأقدم أنواع الساعات. بغداد، منطقة الميدان. ديسمبر ٢٠٢١.
image00005.jpg
نداف أو منجد يبلغ من العمر ثمانين سنة ما زال محافظًًا على مهنته التي تقريبًا، انقرضت في العراق. يقف بقربه، جاره وصديقه الذي يحب قضاء الوقت في محله رغم حرارة الصيف. سوق الصدرية، بغداد. يوليو 2018.

دائماً ما أتلقى ترحاباً حاراً من أهالي هذه الأحياء، يدعونني لمنازلهم لتناول الغداء أو شرب الشاي. رحلة كتابتي وتصويري لهم، عفوية، اعتمد السير لساعات طويلة بحثاً عن الصورة، ثم أجد نفسي وقد أصبحت جزءً من تفاصيلهم، ابدأ بتصويرهم وهم يمارسون حياتهم الطبيعية، واعتمد هاتفي “الآيفون” لتوثيق ذلك، لأن هذه اللحظات السريعة، لا أستطيع جعلها عفوية إلا من خلال الهاتف.

غالبية النساء، يشعرن بالخجل والخوف من الكاميرا، لكنهن مع كاميرا الهاتف يكنّ على طبيعتهن، ويطلبن مني رؤية صورهن في الهاتف، وترتسم على وجوههن إبتسامة كبيرة ويقولن: نزول عليج دادة، طلعتينا أحلى من ليلى علوي…مع ضحكة عالية وسط الزقاق.

image00008.jpeg
بائع خضروات يأخذ قيلولة داخل متجره. سوق الصدرية، بغداد. يونيو 2019.
image00010.jpeg
أحد أبناء منطقة الصدرية، يجلس أمام منزله من أجل “التعلولة” وهي مفردة تطلق لمحبي الحديث والضحك مع الأصحاب في العراق. الصدرية، بغداد. أغسطس 2019.
image00015.jpeg
جارتان تقفان لتبادل أطراف الحديث وتداول اخبار الحيّ. الكريمات، بغداد، نوفمبر 2021.