في عام 2021، قامت المغنية الأميركية بيلي أيليش بنشر صورة مع فتيات تبدو رومانسية من تصوير فيديوكليب لألبومها الجديد وكتبت كابشن “أحب النساء.” حينها، ظنّ الجميع أنّ بيلي تعلن كويريتها أو مثليتها. لكن بيلي لم تكن تعلن أي شيء، مما حوّل الحماس إلى هجوم كبير على المغنية. اتهمت بيلي أنّها تستغل “المثلية” لجذب المشاهدين والمستمعين من مجتمع الميم/عين من خلال القول أنّها مثلية.
ما فعلته بيلي يفعله الكثير من المغنيين والشركات وحتى الكتّاب والناشطين والمنتجين، وهو أمر يحدث عند التسويق للأفلام أو الأعمال الأدبية أو الأغاني، وهناك مصطلح له يعرف بـQueer Baiting أو ما يمكن ترجمتع بـ استدراج أو صيد الكويريين/ات.
Videos by VICE
مؤخراً وقعت الأنظار على المغني هاري ستايلز لأنّه مصّر على أن يلمّح أنّه كويري، حيث تمّ اتهامه بالـQueer Baiting وواجه حملات زادت من إلقاء الضوء على هذا المصطلح والشركات التي تتبع هذه الطريقة. هاري هو مدافع شرس عن الكويريين، لديه ستايل لا يتماشى مع المعايير المغايرة، يستخدم حفلاته لمساعدة المعجبين بإعلان مثليتهم أمام عائلاتهم، وأخيراً قبّل الممثل نيك كرول على شفتيه في عرض فيلمه الجديد في مهرجان البندقية. هاري لم يعلن يوماً كويريته أو مثليته، وهو يواعد مخرجة فيلمه الأخير، أوليفيا وايلد. طبعاً، هاري وغيره غير مضطرين بأي شكل إعلان مثليتهم كونها أمر شخصي بحت، ولكن المشكلة هي في استخدام الكويرية كأداة تسويقية. لنتعرف أكثر على هذه المصطلحات.
ما هو الـ Queer Baiting؟
يرى البعض أنّ الكوير-بايتينغ هو التلميح إلى وجود عناصر كويرية في عمل ما لجذب الجماهير من مجتمع الميم عين من دون وجود تمثيل حقيقي وهذا بهدف الدعاية أو الترويج أو تحقيق مكسب مالي. المشكلة هنا أنّ هذه الشركات أو الأشخاص يستفيدون مادياً من خلال استغلال قضية الأفراد الكويريين/ات لكن من دون تمثيل حقيقي أو صحيح يمثل الأفراد المعنيين. هذا “التلميح” يلعب على ازدواجية ومحاولة إرضاء جميع الأطراف، الجماهير المحافظة التي ترفض الكويريين (من خلال عدم الإعلان بشكل واضح الهوية الجنسية) وبنفس الوقت إظهار الدعم للجمهور الكويري ولكن بشكل مبهم.
ماذا عن الكوير Coding؟
الـ Queer Coding هو تصوير شخصيات في وسائل الإعلام بسمات كويرية من دون الإعلان أنّها كويرية بهدف الحماية القانونية والإجتماعية. هذه الشخصيات يمكن التعرف عليها من قبل الجمهور على أنّها كويرية، ولكن لا يتم تصنيفها كذلك من قبل صانعي المحتوى. تعتبر هذه الطريقة مثالية في مجتمعات ترفض الشخصيات الكويرية إذ أنّها تحافظ على تمثيل هذه الشخصيات.
هناك مشكلة في التمثيل الخطأ للشخصيات الكويرية. بنظرة سريعة على الشخصيات الكويرية في الكرتون، سنرى أن أغلبها يكون “شرير” ومنها: أورسولا، هيم، هاديس، سكار، وشهيرة. هذه الشخصيات لم يُعلن على أنّها كويرية، لكن من السهل معرفة أنّها كذلك. هذا يعني أنّ المشكلة في الكودينغ هو التمثيل الخطأ والتركيز على السمات الخارجية والتصرفات من دون الغوص بالقصة الكويرية أي التركيز على الصورة النمطية المعروفة من وجهة نظر المغايرين. المشكلة الثانية هو أنّ اليوم أصبح تمثيل الكويريين/ات أمر متاح في بعض الدول، وهنا يطمح مجتمع الميم/عين إلى تمثيل صريح وحقيقي من دون اللجوء إلى “الكودينغ” واعتبار الكودينغ طريقة بالية كانت تحمي صانعي المحتوى في السابق.
كيف تستخدم الشركات الكوير بايتينغ أو كوير كودينغ لأهداف تسويقية؟
العديد من الدول العربية تمنع الأعمال السينمائية أو الفنية التي تلمّح إلى المثلية، وتعتبرها مروجة لها، إلّا أنّ المجتمعات الكويرية تعتبر أنّ ما تفعله هذه الشركات هو كوير-باتينغ. مثلاً، اتّهمت ديزني مؤخراً بأنّها تروج منتجاتها “للجماهير الكويرية” وليس للقضية أو الأجندة الكويرية، وتحافظ في الوقت عينه على الجمهور المحافظ الذي يشاهد ديزني.
كان فيلم “لوكا” هو الأكثر إثارة للجدل إذ أنّ الفيلم يغوص بمواضيع كويرية مثل الصداقة الرومانسية بين الشخصيتين الرئيسيتين ألبرتو ولوكا، والتلميح إلى وجود وحوش مثلية تخاف من كشف مثليتها. حتى الآن، الفيلم يبدو أنّه يستخدم الـ Queer-Coding بالأخص أنّه أُصدر في شهر الفخر، لكن نهاية الفيلم هو ما يجعله مجرد طعم لاصطياد الكويريين/ات وإرضاء المغايرين. في نهاية الفيلم، ينفصل لوكا وألبيرتو عندما تغري شخصية ثالثة، غيليا، لوكا بالذهاب معها إلى المدرسة، أي النهاية ترضي المجتمع المغاير التقليدي، وبهذا الفيلم يقع بين الـ Coding والـ baiting.
ديزني رضخت مؤخراً إلى أجندة الدول العربية، حيث ستحذف أي محتوى كويري أو مثلي أو ترانس من منصاتها في الدول العربية فقط. أي أن ديزني ترضي المجتمع المحافظ المغاير بينما تستفيد من المجتمع الكويري في دول أخرى وهذا بالضبط يقع تحت الكوير-كودينغ.
الشركات Vs. الفنانين
من السهل أن يتم اتهام الشركات بالكوير-بايتينغ لأنّ هناك أجندة ربحية واضحة، بينما ما زال اتهام الفنانين/ات أمر غير واضح في أخلاقياته. لا يملك أي فنان واجب مجتمعي بإعلان مثليه، ويحق له أن يخوض الرحلة الكويرية الخاصة به من دون إعلان أي شيء أو من دون وضع وسم على هويته الجنسية أو الجندرية. لا يوجد أي مسؤولية من الفنان تجاه الجمهور بإعلان المثلية أو الكويرية كونهما أمر شخصي لا يجب أن يحدده قوانين أو قواعد. المشكلة اليوم هو كثرة الفنانين الذين يركبون الموجة للربح المادي من الجمهور الكويري أو الحصول على التمويل من القضية الكويرية، من دون تقديم محتوى يمثل مجتمع الميم عين بشكل صحيح.
مثلاً، اتهمت الفنانة كيتي بيري بأنّها تصطاد الكويريين/ات بأغنية I Kissed a Girl، لتقوم كيتي لاحقاً بشرح أنّها لم تقبّل فتاة فقط، بل فعلت أكثر من ذلك وهي بالفعل منجذبة للفتيات. كيتي لم تربط هويتها أو توجهاتها الجنسية بأي مصطلح، وهذا حقّ لها، أن تخوض رحلتها كما تريد.
ما هي المشكلة بالكوير-بايتينغ اليوم؟
لم تعد المشكلة اليوم هي التمثيل المضلل (misrepresentation) فقط، بل التمثيل القليل (under-representation) لمجتمع الميم عين في الأعمال الفنية وأصبح هناك نوع من التعطش لمشاهدة تمثيل صحيح، لنتفاجأ بتمثيل نظيف (clean) يرضي المغايرين. هناك تفاوت كبير بين تمثيل الكويريين/ات وتمثيل المغايرين/ات في الأعمال الشائعة، هذا عدا عن التمثيل الذي يعتمد على أفكار نمطية.
في الدول العربية، لا يوجد تمثيل درامي جيّد لمجتمع الميم/ عين، بل هو غالباً سيئ ويشمل شخصيات تزيد من الهوموفوبيا مثل “مجدي ووجدي” في برنامج “ما في متله” اللبناني. وهذا سببه سيطرة المغايرين التقليديين والمحافظين الذين يرضخون للقوانين والصور المجتمعية. حين لا يتم دمج أفراد مجتمع الميم عين في هذه الأعمال وتمكينهم من تقديم القصص والشخصيات من وجهة نظرهم.
المجتمع الكويري أو المثلي أو الترانس هو مجتمع فعّال من حيث الاستهلاك وبالأخص في مجال الـPop-Culture. ولذلك، الشركات الكبرى بدأت تستهدف هذا المجتمع كمستهلك، وليس كمجتمع له قصته ومشاعره وتحدياته، وأصبح التمثيل هو للاصطياد فقط وكجزء من الأجندات الربحية، فيما تبقى النظرة المغايرة النمطية هي المتحكمة به، تسرد قصصه بحسب منظورها.