متزوجات في الموصل، بلا عقود زواج

العراق

“لا أعرف نفسي الآن، هل أنا متزوجة أم لا، أشعر بأن مُستقبلي انتهى،” تقول ندى، 22 عاماً، فتاة من الموصل تزوجت بعقد صادر من محكمة تنظيم داعش الذي سيطر على مدينة الموصل في العاشر من يونيو 2014. ندى هي واحدة من الآلاف من النساء العراقيات اللاتي يعانين من الآثار التي خلفها تنظيم داعش في المناطق التي سيطر عليها رغم تحريرها منه، فقد برزت مؤخراً مُشكلة تتعلق بالنساء اللاتي تزوجن في فترة سيطرته على مدينة الموصل حيث ترفض الحكومة العراقية الاعتراف بعقود الزواج التي أُبرمت في المحاكم الخاصة بتنظيم داعش الذي كان يسيطر على المدينة حتى يونيو 2017.

ورغم أن الحكومة العراقية سمحت للمتزوجين بمراجعة المحاكم بعد التحرير للتقديم على عقود زواج مُصدقة من محاكم الدولة الرسمية ولكن الشرط هو أن يكون الزوجين على قيد الحياة، لكنها أبقت على مُشكلة النساء اللاتي فقدن أزواجهن أثناء عمليات التحرير أو قبلها. وعليه، لن تتمكن النساء اللاتي تزوجن أثناء سيطرة تنظيم داعش على المدينة وفقدن أزواجهن أثناء العمليات العسكرية أو قُتلوا على يد التنظيم من الحصول على عقود زواج مُصدقة من المحاكم العراقية. راجعت ندى محاكم استئناف محافظة نينوى (التي تضم الموصل) إلا أن المحكمة رفضت إصدار عقد زواج لها لأن زوجها الذي كان قاتل مع داعش قُتل أثناء العمليات العسكرية لتحرير المدينة و”لا يوجد ما يثبت زواجها منه.” حاولت ندى توكيل مُحامياً لها أمام محاكم الإستئناف لتتمكن من إصدار عقد زواج لها، إلا أنها فشلت في ذلك، ودفعت 350 دولار أميركي تكاليف المُحاماة دون نتيجة.

تعيش رناد الأمرين، فهي لا تستطيع القول بأن زوجها كان عنصراً في تنظيم داعش ولا معرفة مصيرها فهي في الواقع متزوجة ولكنها على الورق بكر

Videos by VICE

العديد من اللواتي تزوجن من عناصر داعش يتم معاملتهن بإعتبارهن متعاطفات مع التنظيم، على الرغم من أن الكثير منهن تم إجبارهن على هذا الزواج، كما أنه لا يتم الاعتراف بأطفالهن فلا يمكن تسجليهم بأي من الدوائر الحكومية مما يمنعهم من الحصول على خدمات التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية. في بعض الحالات، قامت الحكومة العراقية بنقل عدد من النساء المتزوجين من عناصر داعش وأطفالهم إلى مخيمات “إعادة التأهيل” لـ “إعادة تأهيلهم نفسيا وفكرياً ودمجهم بالمجتمع بعد التأكد من استجابتهم للتأهيل.” هذه المخيمات التي تتلقى الدعم من “وزارة الهجرة والمهجرين” العراقية من المفترض أن تقدم للاهالي خدمات إنسانية وطبية وتعليم وبرامج تأهيل ديني واجتماعي، الا أن منظمة هيومن رايتس ووتش إعتبرت أن القوات الأمنية العراقية تمارس”عقاباً جماعياً” بحق أفراد أسر عناصر تنظيم داعش في مدينة الموصل من خلال نقلهم الى هذه المخيمات. واعتبرت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة أن مخيمات أفراد أسر الدواعش، لا علاقة لها بـ”إعادة التأهيل” وهي تمثل، في حقيقة الأمر، مراكز اعتقال لأشخاص، بينهم أطفال، لم يرتكبوا أي جرائم. وبحسب القانون الدولي فإن فرض عقوبات جماعية على الأسر والقرى والمجتمعات ينتهك قوانين الحرب ويشكل جريمة حرب.

رناد، 25 عاماً، تزوجت وهي في الثانية والعشرين من عمرها عندما تقدم لها أحد عناصر تنظيم داعش تعلم تماماً ما الذي يعنيه إنجاب أطفال في زمن ما بعد داعش، فقد أنجبت من زوجها بنت وولد قبل أن يُقتل في المعارك التي جرت بمدينة الموصل خلال يناير 2017. تقولُ الفتاة إنها “تعيش أوضاعاً صعبة جداً، فالطفلين اللذين معها سوف لن يتمكنا من التسجيل بالمدرسة وليس لديهم أية أوراق ثبوتية يستطيعان من خلالها الحصول على الخدمات الصحية المُقدمة من مؤسسات الدولة العراقية. رناد ما زالت تحمل صفة البكر في هوية الأحوال المدنية الخاصة بها والصادرة من الحكومة العراقية قبل عام 2014، ولا تستطيع الآن إثبات زواجها أثناء وجود تنظيم داعش. تعيش هذه الفتاة الأمرين، فهي لا تستطيع القول بأن زوجها كان عنصراً في تنظيم داعش وقُتل في معارك الساحل الأيمن بمدينة الموصل، ولا حتـى معرفة مصيرها فهي في الواقع متزوجة ولكنها على الورق باكر.

وتُقدر إحصائياتٌ حصلنا عليها من عاملين في مجال حقوق الإنسان بمدينة الموصل، أن هُناك ما لا يقل عن 1،600 فتاة تزوجن في المدينة أثناء سيطرة تنظيم داعش عليها وفقدن أزواجهن إما بالإعدام على يد التنظيم أو بالعمليات العسكرية أو بعضهم نتيجة الأمراض. وتقول عضو لجنة الطفل والمرأة في مجلس النواب العراقي ريزان الشيخ لـ VICE عربية أن “الفتيات اللاتي تزوجن من عناصر التنظيم أو من غيرهم وقُتلوا أو فقدوا، ليس لهن أي ذنب بأن يبقين بلا عقود زواج.”

الشيخ التي تسعى للضغط على الحكومة العراقية وإيجاد قرار يعتمد على الشهود في عملية إصدار الوثائق الرسمية التي تثبت زواجهن من المحاكم العراقية المختصة، ترى أن “هذه المُشكلة إن لم تُحل الآن فإن آثارها السلبية على المُجتمع العراقي ستظهر في المستقبل.” وتؤكد الشيخ أنها “وعدد من البرلمانيات المُدافعات عن حقوق المرأة يعملن الآن على إيجاد قرار برلماني أو تحركات للضغط على الحكومة والقضاء العراقيين من أجل إيجاد حل لهذه المشكلة، التي يُمكن لها أن تُحل عن طريق الفحوصات الطبية يُمكن لها أن تثبت متى كان الزواج أو الاعتماد على أدلة أخرى مثل الشهود من عائلتي الزوجين.

المُحامي إسماعيل الفتلاوي أكد لـ VICE عربية أن موضوع إثبات الزواج يحتاج إلى حل قضائي سريع، مشيرا الى أن “المحاكم العراقية تعتبر الزواج في محاكم تنظيم داعش، زواجاً خارج المحكمة، وهُنا يُمكن أن تُحل المشكلة عبر الشهود في المحاكم الرسمية، لكن في حال فقدان أحد الزوجين وحضور طرف واحد، سيُصعب الأمر وقد لا يُعترف بالزواج حتى وأن حضر الشهود.” ويقترح الفتلاوي حلاً مؤقتاً وهو: “إنشاء محكمة خاصة وبشكل مؤقت وتُحدد سقفاً زمنياً لحل هذه المُشكلة، وأن تكون الأدلة إما عبر الشهود أو الوثائق الأخرى من صور ومستمسكات، أو عن طريق إعتراف أهل الزوج الفقيد بزواج ابنهم.” ويُشير المحامي العراقي إلى أن “هذه المشكلة لا تحتاج إلى كثير من التعقيدات التي تنتجها الحلول السياسية المؤقتة، بل هي بحاجة إلى رؤية قضائية واقعية تُفكر بنتائجها السلبية في المستقبل على واقع المجتمع العراقي.”

كان تنظيم داعش يُجبر بعض الفتيات غير المتزوجات على الزواج من عناصره، خاصة الأجانب منهم، وهذا ما دفع بعض العوائل إلى تزويج بناتهم إلى أقاربهم، وإن كان ذلك من دون حُب أو اتفاق أو رغبة بالآخر

المشكلة لا تتعلق فقط بالنساء اللاتي تزوجن من عناصر داعش فقط، بل تشمل أيضاً العراقيات اللواتي تزوجن من أقاربهن أو من أجانب فقط وإن كان ذلك من دون حُب أو اتفاق أو رغبة بالآخر، لكي يتجنبوا أن يتم إجبارهم على الزواج من عناصر داعش خلال سيطرته على المدينة. رؤى من الموصل تتحدث عن زواج صديقتها بطريقة اضطرارية من أحد أقاربهم الذي لم تره في حياتها سوى مرتين. كان سبب الزواج هو خوف أهلها من إجبار عناصر التنظيم لها بالزواج من أحد مقاتليه. وتشير رؤى الى إن صديقتها التي لا تُريد ذكر اسمها، كان عمرها 19 عاماً فقط عندما تم تزويجها لأنها “كانت تتمتع بجمال وأنوثة دفعت أهلها إلى إجبارها على عدم الخروج من المنزل في ظل وجود تنظيم داعش، حتى في اللقاءات العائلية أو الخاصة بنساء المنطقة، لأنهم كانوا يخافون من أن تراها إحدى المنضّمات للتنظيم وتدل أحد القياديين عليها.”

رؤى أيضاً تزوجت بنفس الطريقة من نجل ابن عم والدها وعلى الرغم من أن زواجها كان تقليدي واضطراري، إلا أنهما سُعدا كثيراً في العامين اللذين جمعتهما معاً، لكن أثناء عمليات تحرير الموصل، أُجبر زوجها على حمل السلاح مع عناصر التنظيم خوفاً من أن يتم معاقبته ومنذ 13 ديسمبر 2016 لم تعرف عنه أي شي. وتضيف: “قررنا أنا وزوجي قبل الزواج عدم إنجاب الأطفال حتى الخروج من الموصل أو تحريرها.”

أما علا، 21 عاماً، فقد كان حُلمها أن ترتدي البدلة البيضاء مثل بقية الفتيات، لكن ذلك تبدد عندما فرض تنظيم داعش سيطرته على مدينة الموصل. كانت خُطبتها على ابن عمها قد بدأت خطواتها في مارس 2014، لكن بعد ثلاثة أشهر سقطت الموصل بيد داعش قامت بتأجيل زواجها الى منتصف 2016 واضطرت الى تنظيمه دون موسيقى ولا بدلة بيضاء ولا هلاهل (زغاريد). “اضطرت للزواج بهذه الطريقة وعدم الانتظار لما بعد التحرير، بسبب إجبار التنظيم بعض الفتيات على الزواج من عناصره.”

لا تعرف علا حتى الآن مصير زوجها الذي فقدته أثناء نزوحهما من حي الزنجيلي بمدينة الموصل في مايو 2017، وتقول: “تعرضنا لهجمات من مسلحي تنظيم داعش. ركضنا من دون دراية وبهذه اللحظات فقدت زوجي. لا أعرف مصيره، ولم أسمع أي شيء عنه”. بحسرة “تحمد” الله على أنها لم تنجب من زوجها أي طفل، وأنها ليست حاملٌ منه الآن، لأنها ستكون وبحسب قولها”أمٌ لطفل يتيم بلا أوراق ثبوتية وأمه غير مُعترف بزواجها.”

مثل غيرها تحمل علا هوية أحوال مدنية كُتِب عليها “باكر” لكن في حقيقة الأمر هي متزوجة منذ أكثر من عام، وقد لا تستطيع الزواج في المستقبل بسبب العادات والتقاليد، حيث يقف عدم تحديد مصيرها مطلقة كانت أم أرملة أم باكر، عائقاً أمامها في الزواج مرة ثانية، فهناك نظرة سلبية في المجتمع العراقي لعلا وغيرها فلا أوراق رسمية تعترف بزواجها ولا حفل زفاف أشهرت فيه زواجها، ولا شهود على ذلك، كما انها متهمة بالتعاطف مع تنظيم ارهابي، سواء كان ذلك صحيحاً ام لا، اضطراراً ام خياراً- ما يجعل شكل مستقبلها بصعوبة حاضرها.

-جميع اسماء الفتيات هي مستعارة.