“مدرسة الروابي للبنات” يسلط الضوء على ضحايا التنمر والتحرش والعنف العائلي

E8p3K-EXIAAAP1K

بعد أسابيع طويلة من الانتظار، أطلقت منصة نتفليكس مسلسل “مدرسة الروابي للبنات” وهو أحد إنتاجاتها الأصلية، وثاني إنتاجاتها من الأردن بعد مسلسل جن. تدور أحداث المسلسل الذي يتكون من ست حلقات وتخرجه تيما الشوملي داخل أروقة مدرسة ثانوية، فيناقش المسلسل بالدرجة الأولى قضية التنمر بين المراهقات، التحرش الجنسي، جرائم قتل النساء، التفكك الأسري، العنف المنزلي، وغيرها من المشاكل الإجتماعية التي تؤثر على حياة المراهقات وتكوين شخصياتهن ومصائرهن.

تبدأ القصة بحادثة تنمر واعتداء جسدي تقوم بها “ليان” وصديقاتها والتي تلعب دورها نور طاهر على “مريم” والتي تجسد شخصيتها آندريا طايع، لتبدأ رحلة العداء والانتقام بين مجموعتين من الأصدقاء، وسط تجاهل وانحياز من مديرة المدرسة “مس فاتن” والتي تلعب دورها الفنانة القديرة نادرة عمران بسبب منصب والد “ليان” الرفيع. تتطور الشخصيات خلال الحلقات، فيبدأ المشاهد بالشعور بالحيرة بخصوص الشخصية التي يريد التعاطف معها، فجميع الشخصيات المعروضة هي شخصيات واقعية، لدرجة تشعرك بالارتباط مع الشخصيات وكأنهن صديقاتك، أخواتك، وربما أنت في بعض الأحيان.

Videos by VICE

أكثر ما يميز هذا العمل غير أنه عمل أردني مئة بالمئة، هو أنه عمل نسائي بالدرجة الأولى، فالمسلسل من تأليف تيما الشوملي وشيرين كمال، وإخراج تيما الشوملي التي عرفها الجمهور لأول مرة من خلال سكتشات فيميل مع الفنان الكوميدي رجائي قوّاس. البطولة أيضاً كانت نسائية مئة بالمئة، متنوعة ما بين وجوه جديدة تلعب دور المراهقات، ووجوه قديرة مثل نادرة عمران، وريم سعادة، مما أعطى تناغماً مميزاً على الشاشة ما بين الجيل القديم والجيل الجديد من حيث التمثيل من ناحية، والأفكار والتغييرات المجتمعية من ناحية أخرى. الجدير بالحفاوة أيضاً هو الأداء التمثيلي المتمكن للممثلات الجدد والتي تعتبر “مدرسة الروابي” هي التجربة التمثيلية الأولى لهن.

يعرض المشهد نفسه موقفاً نبيلاً لزميلة “نوف” وهي تدعمها ضد المتحرش، رغم علاقة العداء المسبقة بينهما، مشهد اختصر شعار “النساء للنساء” بطريقة بارعة ومؤثرة

بالإضافة إلى عرض قضية التنمر بين صفوف المراهقين والآثار المدمرة لها على شخصياتهم ومن حولهم وكيف تتحول الضحية إلى جلاد. تعرض المخرجة قضية التحرش الجنسي في مشهد رائع تقوم به الممثلة ركين سعد بدور “نوف.” المشهد يعرض بشاعة جريمة التحرش الجنسي، بالإضافة إلى خوف وصمت الضحية، والتي يقع اللوم عليها في المشهد أنها هي سبب التحرش، حيث تخبرها مدرستها “مس عبير” أنها المذنبة لأنها هي من ارتدت ملابس سباحة فاضحة. بالإضافة إلى ذلك، يعرض المشهد نفسه موقفاً نبيلاً لـ ليان وهي تدعمها ضد المتحرش، رغم علاقة العداء المسبقة بينهما، مشهد اختصر شعار “النساء للنساء” بطريقة بارعة ومؤثرة.

لا يزال المسلسل يتصدر قائمة المسلسلات الأكثر مشاهدة على نتفليكس، وهو ما يمثل نجاحاً واضحاً للمسلسل. شخصياً، أعتقد أن “الروابي” أفضل بكثير من حيث المحتوى والأداء من مسلسل “جن” الذي أثار زوبعة من الانتقادات والهجوم. هناك بعض الأصوات التي تعالت هذه المرة أيضاً لتقول أن “مدرسة الروابي” دخيل على المجتمع الأردني، وأن هذه المشكلات ليس هي المشاكل الأساسية في الأردن، ولكن أعتقد أن هذه الأصوات نفسها هي التي تنفي وجود التنمر والتحرش والعنف وجرائم قتل النساء في مجتمعاتنا. كما يظهر المسلسل رعب أن تكوني مراهقة في مجتمعاتنا العنيفة والتمييزية بامتياز ضد المرأة.

وعلى الرغم من أن جميع القضايا المعروضة في المسلسل هي قضايا يعاني منها المجتمع الأردني خصوصاً، والعربي عموماً، لكن المسلسل بدا شبيهاً ببعض تفاصيله بالمسلسلات الأمريكية من ناحية اختيار شكل المدرسة وألوان جدرانها الزهرية الفاقعة وزي طالباتها الأنيق على اعتبار أنها مدرسة خاصة يرتادها الأغنياء فقط. هؤلاء الفتيات لديهم ولدى أسرهم القدرة المادية للحصول على استشارات نفسية، كما أن مدارسهم الخاصة دائماً ما تكون مهتمة بتعريفهم على مفهوم التنمر، التحرش، أسس الثقافية الجنسية، وغيرها. 

يحضرني في هذا الموقف المسلسل السوري “أشواك ناعمة” الذي عرض في العام 2005 وأخرجته رشا شربتجي. يتحدث المسلسل عن قضايا المراهقات داخل وخارج المدرسة الثانوية، فيعرض قضية الاغتصاب، العنف المنزلي، التفكك الأسري، والزواج المبكر، وغيرها. “مدرسة الفضيلة” في مسلسل “أشواك ناعمة” كانت مدرسة حكومية، ترتادها الطالبات من جميع الفئات المجتمعية، وهي بذلك تشبه حياة أغلبية الطالبات في العالم العربي، فلا يوجد لدى معظم الطالبات فيها القدرة المادية للحصول على استشارات نفسية أو حتى الانتقال منها في حال تعرضوا للأذى داخلها. هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الفئة الموجودة في “مدرسة الروابي” ليست جزء من المجتمع الأردني، ولكنها ليست الفئة الأكثر تعرضاً للتهميش هناك، وإن كانت القضايا التي تم نقاشها تصبح واحدة عندما يتعلق الأمر بالمرأة ومصيرها الذي تحدده عائلتها التي تراها دائماً مذنبة كونها امرأة فقط.

من الإنصاف أن نقول أن “مدرسة الروابي” تُعبر عن حضور جيد جداً للأعمال العربية على منصة نتفليكس العالمية. وعلى الرغم من أن العمل مُصنف على أنه للمراهقين، يستطيع من هو أكبر من ستة عشر عاماً أن يشاهده، وأنصح بمشاهدته. فهو برأيي عمل توعوي بالدرجة الأولى، ويمكن أن يكون موجهاً للأهالي أيضاً، الذين إذا استطاعوا أن يقتربوا من بناتهن أكثر، وأن يصدقوهن ويثقوا بهن ويحميهن ويقفن بجانبهن، فإنهم سيضمنون لهن مستقبلاً أفضل وصحة نفسية أكثر استقراراً.