قد تبدو الدعوات لمعاقبة النساء باستخدام السوط بأنها تعود لقرون مضت وولت، ولكن الواقع المرير الذي تعيشه النساء يعود في أبشع صوره في السودان من خلال دعوة عدد من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي لضرب النساء بالسياط في الشوارع حال “عدم التزامهن باللباس المحتشم” تحت حملة بعنوان “خلي سوطك قريب.”
هذه الدعوة تأتي بعد أيام فقط من مقتل الطفلة سماح، ١٣ عاماً، رميًا بالرصاص على يد والدها بحسب التحقيقات الأولية، بسبب خروجها للقاء زميلاتها، وفي الوقت الذي تؤكد البلاغات التي تصل لمنظمات نسوية إلى ارتفاع حالات العنف المنزلي في السودان، إضافة إلى تكرار حدوث جرائم قتل وسرقة داخل العاصمة الخرطوم.
وفي الوقت الذي انفجرت ردود الفعل الغاضبة ضد هذه الحملة، جاءت تصريحات لمدير عام شرطة ولاية الخرطوم، عيسى آدم إسماعيل، التي طالبت النساء بالإحتشام لتزيد من حجم الغضب، واعُتبر أنه متواطئ مع الحملة حين قال “ما في زول بيضرب زول بدون سبب.”
Videos by VICE
مباشرة بعد هذا التصريح، انطلقت حملة كبيرة في السودان للمطالبة بإقالته من منصبه حيث تصدر هاشتاغ إقالة مدير شرطة الخرطوم الترند على تويتر في السودان. وعلق مصعب بالقول أن كلام مدير الشرطة هو تحريض صريح ضد النساء وغرد قائلًا: “تفتح بلاغ في زول ضربا في الشارع بالسوط القسم بيقول ليها “مافي زول بيضرب زول بدون سبب، شوفي روحك لابسة شنو.” كلام مدير الشرطة هو تحريض صريح ضد النساء، وإقرار للعنف والجريمة. هذا رجل غير مؤتمن على منصبه وعلى حماية المواطنين وتنفيذ القانون.”
ولم يتوقف مدير الشرطة عيسى آدم إسماعيل هنا، فقد أشار في تصريحات بأنه يرغب بعودة قانون النظام العام معتبراً أنه ضروري لبسط الأمن وحفظ عادات المجتمع. وألغي قانون النظام العام سيء السمعة في نوفمبر 2019 بعد الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير. وتسبب هذا القانون الذي بدأ تطبيقه في عام 1996 بسجن وجلد آلاف النساء والفتيات وانتهاك حقوقهن بدعوى عدم ارتداء النساء أزياء محتشمة.
كما تم استخدام القانون لحرمان النساء من حقوقهن في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها أو القيام بنشاطات اجتماعية أو ترفيهية بسيطة كتدخين “الشيشة” في الأماكن العامة. وقد يتذكر البعض قضية الصحيفة السودانية أميرة عثمان التي كان سيتم جلدها في ٢٠١٣ بتهمة ارتداء “زي فاضح” لأنها ظهرت مرتدية بنطالا فضفاضًا. ورغم أن الجلد كعقوبة كانت تستخدم في جرائم عديدة خلال حكم البشير، إلا أن أغلبية الضحايا كن من النساء.
وتواجه الشرطة موجة من السخط الشعبي، بسبب اتهامات لها بالتقاعس عن القيام بدورها في حفظ الأمن، كما هناك رفض عام لمحاولة استرضاء بعض المحسوبين على الإسلاميين، من خلال استخدام النساء مجدداً ككبش فداء ضمن كذبة الحفاظ على”عادات وتقاليد البلاد.” وتقود السودان حالًيا سلطة انتقالية يقودها عسكر، ومدنيون كانوا جزءًا من الانتفاضة التي أطاحت بالبشير في أبريل 2019.
بعد تصريحات اسماعيل، ردت وزارة الداخلية السودانية، بالقول أن قانون النظام العام لن يعود بأي صورة من الصور. وأضافت: “ليس هناك اتجاه لإعادة إنتاج تشريعات تواضع الشعب على رفضها باعتبارها مقيدة للحريات العامة ولا تتفق مع متطلبات التغيير، وعلى رأسها قانون النظام العام الذي لن يعود أبدًا بأي صورة من الصور.”
وفي ظل هذا التاريخ القاتم، من المستهجن أن تتم الدعوة لاستخدام السوط والجَلد في أي سياق، فهي عقوبة مهينة ومذلة للكرامة الإنسانية وتتنافى مع كافة الحقوق والمواثيق الدولية. ولكن يبدو أن الأمر لم ينتهي، حيث أشار بعض المغردين إلى حدوث وقائع منفردة للاعتداء على النساء بالسوط، وقد أكد مغرد آخر أنه شاهد شابًا وهو يحمل “سوط عنج” في إحدى وسائل النقل العامة.
ردود الفعل على هذه الحملة لم تتوقف، واعتبر محمد اسماعيل أن “ما يسمى بمبادرة خلي سوطك قريب يشكل جريمة منظمة يعاقب عليها قانون مكافحة الإرهاب لسنة ٢٠٠١ بالإعدام أو السجن المؤبد، حيث أن المبادرة (التشكيل الإجرامي) يسعى لتنفيذ مشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف إلقاء الرعب بين الناس وترويعهم بإيذائهم.” واعتبر مغرد آخر أن على “الدولة واجبها أن تعاقب بحزم كل من تسول له نفسه أن ينصب نفسه مشرعاً أو قاضياً أو منفذاً لقانون. دعوة حملةخليسوطك_قريب ليست حرية تعبير، بل جُرم وتحريض على الجريمة، ودفع بالمجتمع للانزلاق في الهمجية والفوضى. ولذا فيجب مقاضاة من يدعو لتلك الحملة ومحاسبته بصرامة.”
وقال آخر تحت اسم استبيان مان “أن ما يسمى بحملة خلي سوطك قريب تجمع للعطالة والبهائم اللي بيدّعوا نشر الفضيلة وما عندهم استعداد لتحمل مسؤوليتها.. أتمنى تطالهم أبشع العواقب عشان الواحد يتعلم يشوف ليه شغلة في حياته.” المغردة قبس اعتبرت الأمر يمسها شخصياً، وقالت: “كل يوم وأنا في السودان بتتراجع عندي فكرة الإنجاب ولمن وصلنا لنقطة السوط الفكرة اختفت تمامًا.”
ولكن لم تخلو التغريدات من شجاعة وتحدي، فقد علقت رجاء بالقول: “لسة ما إتولد البكسرنا. بنات ونساء السودان فالحات، ناجحات وعالياااات.. رافعات راسهن وراس بلدهن.” وبعد الغضب الشعبي، أعلنت رئاسة قوات الشرطة تعيين الفريق شرطة زين العابدين عثمان مديراً لشرطة ولاية الخرطوم بديلاً للفريق إسماعيل.
وكانت الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال، قد وقعت “إعلان مبادئ” (لم تقر بنوده رسميًا بعد) ينص على فصل الدين عن الدولة، والحيادية في القضايا الدينية، وكفالة حرية المعتقدات وألا تتبنّى الدولة أي ديانة لتكون رسمية في البلاد.