مقابلة مع الراقص والممثل التونسي أحمد الطايع وحديث عن أشباح الأبوة وتحدي الصور النمطية

DSC_9277

“بالنسبة لي الملابس ليس لها هوية جندرية.” هكذا يُفسر الممثل والراقص ومصمم الأزياء التونسي أحمد الطايع، 25 عامًا، في مقابلته مع VICE عربية عن أسباب ظهوره بملابس نسائية سواء في المهرجانات أو بأعماله الفنية.

تعرض الطايع للتنمر منذ الضجة التي أحدثها ظهوره في مهرجان قرطاج السينمائي الدولي في نسخته 31 عام ٢٠٢٠ مرتديًا برقع ذهبي، وارتدائه فستان أبيض خلال استلامه جائزة أفضل فيلم نسوي “قشر خشين” عن أدائه بالتمثيل والرقص بمهرجان “أصداء نسوية” في نسخته الأولى والتي نظمته جمعية أصوات نساء التونسية. 

Videos by VICE

اشتهر الطايع بفيديوهاته الساخرة على الـTik tok وتقديم أكثر من 10 حلقات لبرنامج علاش التوانسة الذي ينتقد فيه مظاهر من حياة المجتمع التونسي بطريقة كوميدية. وهو يقول أن منبع الصدام في المجتمعات العربية يأتي أن تُعلِن حبك لنفسك ولما تفعله ورغبتك في أن تكون كما أنت وليس كما يريدون، كما يقول في هذه المقابلة.

A99A7844 copy copy.jpg
أحمد الطايع، أيام قرطاج السينمائية. تصوير: Ram.MK

VICE عربية: مبروك فوز ” قشر خشين” بجائزة أفضل فيلم نسوي، حدثنا أكثر عن الفيلم.
أحمد الطايع: هو فيلم وثائقي يحكي عن مراحل حياتي، مدته 6 دقائق تم تصويره بأكثر من لوكيشن. تواصلت معي مخرجته إيناس العرسي وأخبرتني عن متابعتها لفيديوهاتي على تيك توك وانستغرام والضجة التي صاحبها ظهوري ببرقع ذهبي في مهرجان قرطاج السينمائي وأنها ترغب في صناعة فيلم عن حياتي يجمع بين التمثيل والرقص، ويناقش الجمال، الجنسانية والجندر.

الفيلم كان بمثابة رحلة بحث داخل ذاتي للإجابة عن هذه التساؤلات. بحثنا معاً في الماضي، ودور أمي في حياتي والتي اعتبرها ملهمتي الأولى، هذه السيدة تحملت مسؤولية ثلاث أبناء أكبرهم صبي عمره 10 سنوات وأصغرهم طفلة عمرها 5 سنوات مريضة بمتلازمة دوان، بعدما تركنا أبي وتزوج أخرى. أمي كانت امرأة مثقفة عكس أبي، في الوقت الذي كان يدفعني في الِصغر لممارسة لعبة التايكواندو ليصفق الجميع لطفل يهزم طفل آخر بالضرب، كانت أمي تشجعني على دراسة الفن.

ما دلالة عنوان الفيلم “قشر خشين”؟
يقال أن الصفعة الأولى على جلد الإنسان تكون الأكثر إيلامًا من الصفعات التالية. اسم الفيلم يركز على التعود على تلقي الألم وهو ما كون لي مناعة وأصبح جلدي خشين. رسالة الفيلم أنك تستطيع تكوين مناعة ضد المجتمع وأفكاره وتطرفه وكل القواعد الذي يفرضها علينا رغم الوجع؛ هكذا واجهت المجتمع بشخصيتي وحبي لذاتي وجسدي. أمامنا كعرب معركة طويلة لحماية الحقوق والحريات، تُخلصنا من التدجين وتجعلنا نسخ مكررة لبعضنا البعض. عالمنا العربي يضع لنا صناديق محكمة ويُجبرنا أن نكون مناسبين لها وإذا رفضنا نصبح منبوذين. هذه هي رسالة فيلم قشر خشين.

ما الذي تريد أن تعبر عنه من ارتدائك لملابس “نسائية” في معظم مناسباتك بدءًا من البرقع الذهبي بمهرجان قرطاج، مرورًا بأغلب ازيائك حتى استلامك لجائزة مهرجان “أصداء نسوية” بفستان أبيض؟
لا أرى فرق بين ملابس الرجل والأنثى، الملابس ليس لها هوية جندرية. ارتدائي للفستان الأبيض وغيره من الملابس النسائية هو أولاً تكريم لأمي المُحرك والمُلهم الأساسي في حياتي الفنية وكشخص نَسوي يدافع عن النساء وحقوقهن فيما أقدمه من فنون. باختصار، أنا ارتدي الملابس التي تُريحني ولا أنتظر رضاء وقبول الآخرين عن خياراتي. لقد أمضيت مراهقتي في الاكتشاف والتساؤلات حول الدين، الهوية الجندرية، الملابس، الوطنية، الحجاب، وعلاقة الرجل بالمرأة وغيرها من الأمور التي كشفت حجم الظلم الذي تتعرض له المرأة. أنا حريص على معالجة قضايا المرأة سواء من خلال التمثيل، الرقص وتصميم الأزياء، وسأحاول دائمًا دعم المرأة بكل الطرق الممكنة. 

FB_IMG_1656664009359 copy.jpg
أحمد الطايع خلال استلامه جائزة أفضل فيلم نسوي لـ “قشر خشين.” تصوير: Ram.MK

البعض وصف ظهورك المتكرر بأزياء نسائية محاولة لإثارة الجدل.
غير صحيح. مهمتي كفنان وراقص أنِ أظهر لهم اللي مش عايزين يشوفوه، أن أثُير تساؤلات، دور الفن هو كسر المسلمات، لا يشترط أن ترى كمشاهد شيء جميل فقط كي تعتبره فناً، ولكن دور الفن أن يجعلك تتسأل، وأن تخرج من فيلم أو عرض راقص قلِق وتناقش كل ما شاهدته بينك وبين نفسك.

ماذا يعني أن تكون راقص في مجتمع عربي، في ظل وجود نظرة دونية للرقص تربطه بالتحريم، العيب وستر الجسد وما إلى ذلك؟
أن تكون رجل وراقص هما شيئان متضادان في العالم العربي، والمجتمع التونسي يسمح فقط للرجال بالرقص في الأفراح والمناسبات ورقص المزود وهي رقصة شعبية تونسية، وكذلك رقصات البريك دانس وهيب هوب والفري ستايل وغيرها من الرقصات الغربية، ولكن غير ذلك يحتقر المجتمع التونسي والعربي الرقص. أنا رقصت باليه، ورقصت شرقي، ورقصت تونسي أنثوي من التراث الشعبي، وتعرضت للرفض والتنمر، لأن المجتمع يرى هذه الأنواع من الرقص نسائية فقط.

ولكن رفض الرجل الراقص في مجتمعاتنا العربية يصل لحد التشكيك فى رجولته.
نعم، يحدث هذا التشكيك في رجولة الراقص العربي، لإن المجتمع يراه يحرك “خصره” وهي منطقة من الجسد في العقل الجمعي العربي الذكوري أنثوية فقط. في تونس يقولك “اتحشم شنوه تكون رجال وتُحرك حزامك، أي تحرك خصرك.” أمي داعمة جدًا لي منذ دراستي للرقص والمسرح والتمثيل، ولكن لا أنكر خوفها أحيانا علَي من المجتمع خاصة أننا نعيش في منطقة شعبية وخوفها أيضًا من التعليقات الصارخة بالكراهية والتحريض والعنف ضدي على حساباتي بالسوشيال ميديا. بالنسبة لي، لا تزعجني ولا تُخيفني هذه التعليقات، فهي لا تخرج إلا من أشخاص لديهم وقت فراغ يستخدموه لتصدير طاقتهم السلبية من خلف الشاشات.

صرحت من قبل أنك ضحية للتنمر من المجتمع التونسي.
تونس كبلد فيه حريات لا يعني بالضرورة أنه بلد غير متنمر، أعتقد أن المجتمع التونسي هو الأول في التنمر، قبول الاختلاف صعب، تلقيت رسائل عنيفة وصلت لحد التهديد بالقتل. المؤلم أن التنمر بدأ من الشخص الذي أحضرني للحياة وهو أبي وصوًلا للمجتمع. أبي هو أول إنسان هاجمني ووقف ضدي، واعتبرني أنني “مش راجل” وأنني “عار” على العائلة. هجوم وتنمر أبي مؤلم ولكن لم يكسرني، أي رجولة يُعلمني إياها وهو رجل تخلى عن مسؤولية عائلته ولا يربطه بها سوى 80 دينار تونس – 26 دولار شهريًا. مفهوم الرجولة في مجتمعنا مشوه تماماً. بعد ظهوري في مهرجان قرطاج، قام البعض باتهامهي بإنِ صاحب أجندة تُروج للمثلية بهدف الحصول على لجوء وهجرة لدولة أوروبية.

still8 copy.png
أحمد الطايع من فيلم “قشر خشين.”
still12 copy.png

لعبت شخصية إبراهيم بفيلم “أطياف” الذي استعرض في بعض أجزائه مجتمع الميم -عين في تونس. هل يواجه هذا المجتمع على أرض الواقع هذه النهاية المأساوية التي تصل للقتل؟
أثناء تحضيري لشخصية “إبراهيم” بحثت كثيرًا في عالم الترانس جندر، واكتشفت حجم العنف الذي يتعرضون له سواء من الشرطة أو من المجتمع. ورغم أن تونس مشهورة بأنها بلاد تتمتع بالحريات الإ أن 80% من شعبها لديه هوموفوبيا ورفض لمجتمع الميم.

أنت نشيط أيضًا على “تيك توك” وصنعت محتوى لعدة حلقات تحت عنوان علاش التوانسة تنتقد فيه مظاهر مختلفة من المجتمع التونسي، ما الذي تحلم به كشاب عشريني في بلد تشهد عدم استقرار سياسي؟
بصراحة، أمي وشقيقتي الصغيرة فقط هما سبب وجودي في تونس، بدونهم كنت هاجرت وتركت البلاد منذ سنوات. هذا حلم كل شاب تونسي، الهجرة سواء كانت شرعية أو عبر البحر، اليأس يدفع الشباب للهرب عبر البحر وحتى وهم يعلمون أن احتمالية نجاتهم معدومة نسبياً. الوضع السياسي صعب، ولا أرى كشاب مستقبل في البلد، ولكن عليَ البقاء وتحمل مسؤوليتي تجاه أمي وشقيقتي. ليس هناك من يعوضني حضنهم ولهذا علي العمل بجد من أجل توفير معيشة أفضل لهن.