مقابلة مع شيرين حجازي، مُؤسِسة فرقة “عوالم خفية” للرقص الشرقي الحديث 

DSC00739

احنا ينفع نرقص بلدي خارج الكباريه، زي ما ينفع نرقص في الفرح، ينفع نرقص بلدي على مسرح دار الأوبرا،” تقول الفنانة شيرين حجازي في مقابلة مع VICE عربية عن فلسفتها من تأسيس فرقتها ” عوالم خفية” للرقص الشرقي/ البلدي التي تأسست عام ٢٠٢٠.

حجازي فتاة ثلاثينية هي راقصة ومخرجة مسرحية ومدربة مصممة حركة للرقص البلدي والمعاصر ومؤسسة فرقة عوالم خفية. شيرين كانت ايضًا المصممات التي شاركت في تصميم الحركات والاستعراضات “لموكب نقل المومياوات الملكية في أبريل 2021″ وأخرجت عدة عروض راقصة.

Videos by VICE

في هذه المقابلة نتحدث معها عن فكرة تأسيس الفرقة والوصمة الاجتماعية المرتبطة بالرقص الشرقي وتحديات العمل في هذا المجال في ظل مجتمع حاكم ومحكوم بمفهوم فضفاض للقيم الأسرية.

VICE عربية: مرحبا شيرين. بداية لنتحدث عن الفكرة وراء تأسيس فرقة “عوالم خفية”؟
شيرين حجازي:
البداية كانت من تجربتي مع “ياسِم” وهو عرض مسرحي رقص معاصر، تم تقديمه عام 2015 يرصد مراحل من حياة المرأة المصرية منذ قدماء المصريين حتى الحاضر، ضم العرض ثلاث راقصات وعازفة إيقاع وطبلة صابرين الحسامي. عندما تقدمت بفكرة العرض لجهات مانحة إنتاجية تم رفضه لكونه يتضمن رقص بلدي أو شرقي، ولكن عندما قلت إنه “رقص معاصر في إطار رقص شرقي” مصري، تم قبول العرض. لم يتم قبوله فقط، بل فاز بجائزة أحسن عرض في المهرجان القومي للمسرح المصري، وتم اختياره لتمثيل مصر في ختام المهرجان التجريبي، وشاركنا في العديد من المهرجانات الدولية على مستوى العالم. 

بعد هذا العرض، أدركت أن الرقص الشرقي لا يُؤخذ على محمل الجد، ويُنظر له إنه للتسلية والترفيه فقط، ويتم اعتباره فناً مبتذلاً، من هنا بدأت فكرة “عوالم خفية” تقفز في رأسي بأسئلة عديدة وتصور جديد للرقص الشرقي.

أنت تشيرين إلى الجدل المستمر حول الفن هل يجب أن يكون لديه رسالة أم للترفيه؟
بصراحة لا أفهم ما هي مشكلتنا مع التسلية والترفيه؟ أزمة المجتمع المصري والعربي عمومًا مع الرقص الشرقي ليس في الرقص بحد ذاته، ولكن مع الصورة النمطية المحيطة بالرقص، أثناء عملي باحدى الشركات لإخراج الحفلات والمناسبات اقترحت تقديم عرض رقص شرقي مصري وكانت الإجابة “انتي عايزة تفضحينا، ده رقص local وبلدي جدًا.”

مع “عوالم خفية” أردت تغيير ذلك والتركيز على أن الرقص الشرقي يُمكن صياغته وتقديمه في أشكال مختلفة ويعبر عن معاني كثيرة كالثوري أو الجريء أو الحميمي. كما أنني انطلقت من فكرة أن الرقص الشرقي ليس حكراً على فكرة “الراقصة الصولو” التي تظهر في الأفراح أو الكليبات، لماذا لا ندخل الرقص الشرقي في إعلان تليفزيوني تجاري لمنتج جبنة أو صابون أو سمن بدًلا من الهيب الهوب مثلاً؟

لدينا أزمة في نظرتنا لمنتجنا الثقافي المحلي كالرقص الشرقي ومازلنا نعاني من عقدة الخواجة وأن علينا أن نحصل على credit من الخارج حتى نحترم الفن المحلي، مثلما حدث مع أغاني المهرجانات التي تجوب العالم الآن بعد نبذها ورفضها محليًا.

ماذا عن اختيار اسم “عوالم خفية”؟
فُتنت بأصل كلمة “عالمة”بعد بحث فى المعجم والتاريخ عن كلمة “راقصة.” اكتشفت أن العالمة كانت تطلق على الراقصة صاحبة الصالة، والتي كان لديها زبائن من الساسة وكبار رجال الدولة وكانوا يعقدون اجتماعاتهم في صالات الكباريه وبوجود صاحبة الصالة. وجاءت تسمية “عالم” لأنها تعلم كل شيء، أي العالمة ببواطن الأمور الخفية. أعجبتني الفكرة لأنها مبنية على هذا التضارب ما بين معرفة الأسرار وكونها بنفس الوقت مخفية، فلا يمكن الاعتراف بأن هذا السياسي لديه علاقة براقصة مثلاً.

هل كان من السهل ضم فتيات للرقص بالفرقة؟
أعلنت عن اختبارات لتجارب أداء منذ عامين، لم اشترط فتيات محترفات للرقص، ولكن طلبت أن يكون لديهن معرفة بالرقص الشرقي أو أي رقص آخر وعلى استعداد لتعلم الرقص الشرقي، وبالفعل تقدمت العشرات من الفتيات، وبعد الاختبارات والتمارين اخترت 12 فتاة لديهن الاستعداد النفسي والجسدي للرقص.

نحن نتدرب مرتين أو ثلاث في الأسبوع، وجميعهن فتيات جامعيات من كليات مختلفة كالألسن والإعلام، التجارة الصيدلة والحقوق. في “عوالم خفية” قررنا أن نحرر الرقص من بدلة الرقص -رغم أنِنا لسنا ضدها أبداً- ولكن استبدلناها بملابس أخرى مثل الجونلات والبلوزات والتي شيرت والبنطلونات والفساتين، بحيث تخدم الملابس حركة جسم الراقصة.

يبدو أن لدى الفتيات شغف وحب كبير للرقص الشرقي؟
حرية الجسد تعبر عن حرية العقل. الرقص عمومًا يصنع يوفوريا مُدهشة بالجسم، والحقيقة معظم الفتيات ينتمين لبيئات ليست مُرفهة، فكرة شغفهن بالرقص ليست وليدة فكرة رومانسية حالمة، ولكن معظمهن ناجيات متشبثات بالحياة وسط ظروف صعبة للغاية. قدَرت لهن ذلك خاصة مع حماسهن وموافقتهن على الانضمام للفرقة دون وعد بأي امتيازات، ولكن أخبرتهن “أننا هنأسس فرقة رقص يومًا ما ستكون مصدر رزقنا.”

DSC00881.jpg
​تصوير: كريم مدحت – محمود عزت​.

وماذا عن ردود فعل عائلتهن؟
لدي علاقة جيدة مع بعض العائلات، كان لديهم مخاوف في البداية ولكن بعد رؤيتهم لما نقدمه تغير الأمر، حتى أن والد أحد الفتيات يقوم بمشاركة فيديوهاتنا على صفحته بفيسبوك. أريد أن تحظى الفتيات بالفرقة بكامل الاحترام من الجمهور والمجتمع والنقاد والصحافة، وهذا دوري ومسؤوليتي أن ينظر المجتمع للفرقة والرقص الشرقي بتقدير، وعندما يرى الجمهور الفتيات بطريقة جيدة سيراهم أهلهم كذلك. 

لنتحدث عنك شيرين، درست هندسة الميكانيكا. كيف جاء التحول للرقص، وهل واجهت تحديات عائلية لذلك؟
درست وعملت لسنوات كمهندسة، ولكن كان بداخلي شغف أكبر، لذلك قررت دراسة الرقص والإخراج المسرحي والتصميم الحركي التعبيري. بلا شك التحديات العائلية كانت حاضرة بقوة. هناك جزء من العائلة “شايفين أن شيرين اتجننت ومش واخده بالها من سمعتها.” أبي وأمي يشجعونني ولكن لديهم مخاوفهم. لم يكن سهًلا على أسرة صعيدية من سوهاج – جنوب مصر – أن تُصبح ابنتهم راقصة وكان أبي غاضباً جدًا “حتى شاهدني بمسك العصا واتحزمت وبرقص على مسرح دار الأوبرا” خلال عرض “ياسم” وتحول الغضب لشعور بالفخر.

ربما لأنك رقصت على مسرح مؤسسة عريقة كالأوبرا؟
لم يكن فخورًا فقط بكوني عرضت في دار الأوبرا، لإنه حتى لو كان العرض على مسرح صغير كان سيظل فخورًا، لأن نوع الفن الذي قدمته ابنته نال استحسان وتقدير فوق الوصف من الجمهور الحاضر بالقاعة، هو لاحظ ذلك في عيونهم، ومن ثم بدأ يدرك أن “ابنته مش بتهز جسمها، وأن لديها شيئا تقوله تؤثر في الجمهور وتتأثر بهم.”

من هذه اللحظة لم يتخلف أبي عن حضور أي من عروض “ياسم” اللاحقة، بل أحضر عدد من أقاربه (الصعايدة) في أحد المرات للمسرح لمشاهدة ابنته وهي ترقص. وهذا يعني الكثير جدًا لي، ولا أريد أكثر من عودة إثنان أو ثلاثة من أقاربي الرجال لبلدتنا البعيدة وأن يتحدثوا عن الفن الذي تقدمه ابنتهم دون خجل، سيكون لهذا أثر كبير. هذه هي فلسفتي مع فرقة “عوالم خفية،” لا أسعى في الحقيقة للتأثير في 100 مليون شخص أو حتى 10 الآف ليتقبل ما نقدمه، بل أحتاج فقط عشر فتيات بالفرقة أن يكن مؤمنات بالفكرة وقادرات على حماية أنفسهن. 

IMG_0400 copy.jpg
شيرين حجازي، الصورة مقدمة منها.

ما الذي يُميز الرقص البلدي أو الشرقي لعوالِم القرن ١٩، ٢٠؟
سؤال من الصعب الإجابة عليه بدقة، ولكن أثناء بحثي عن الرقص البلدي وكيفية دخوله مصر، اكتشفت إنه كان فكرة أناركية جدًا، وإن الرقص دخل مع الغجر لصعيد مصر، وهو رقص ليس حكرًا على المصريين وكان منتشراً في تركيا والهند ويسمى رقص المعبد temple dance، وهو رقص طقسي يُشبه الرقص الشرقي في مفرداته الحركية، وكانت النساء يرقصنه منذ آلاف السنين احتفالاً بالولادة، كانوا بيهزوا الخصر والرحم فى حركات معينة احتفاءً وتقديسًا للحياة والميلاد الجديد.

كما أخبرني مصمم الحركة الشهير ابراهيم البرديسي من فرقة ملوي للفنون الشعبية أن الرقص الشرقي جاء من فكرة العِند، عندما كان يُطلب من النساء الرقص في مناسبة معينة وتُجيب بالرفض، كانت تضع يدها في خصرها وتقوم بهزها قائلة “لاء، مش هرقص مش عايزة” وتطورت هذه الحركة حتى أصبحت جزء من الرقصة يُصاحبها دلال وقوة أيضًا. نلاحظ ذلك أثناء نكز الراقصة كَعْب قدمها على الأرض، وهي تنظر فى عيون الناس بجرأة وحرية، وأعجبني هذا التفسير لميلاد الرقص الشرقي في مصر وكان ملهمًا جدًا.

شاهدت أحد فيديوهات للفرقة ترقصن فيها على سطح منزل أو ظهر مركب نيلي، وكأنكن تؤكدن على أن هذه الأماكن حق للنساء في الحركة والرقص بالفضاء العام الذي طالما كان محل للسيطرة الذكورية؟
“ايوة حقيقي فعًلا” ولكن هناك سبب آخر، نحن نحاول الرقص في كل الأماكن التي لا ترفع شعار “ممنوع التصوير” لهذا نرقص على سطح عقار أو مركب أو استوديو أو بَيتي وفي كل مكان يصلح للرقص، وليس عليه رقابة. والرقابة هنا ليس لكوني أمارس شيئًا فجَاً أو ضد المجتمع، نحن في النهاية نقوم بتصوير فيديوهاتنا وننشرها على السوشيال ميديا ويراها الجميع، حتى إننا نتلقى عروض من متابعين للفرقة على فيسبوك يعرضون ترحبيهم لاستخدام حدائق منازلهم أو أسطح عقاراتهم للتصوير عليها. ولكن الرقص في مصر والعالم العربي مُحاط بتابوه، عكس دول العالم الأخرى حيث يُمكنك مشاهدة عروض راقصة بالشوارع.

ألا تخشَين من مُلاحقتكن قضائيًا في ظل محاولات ضبط المجتمع أخلاقيًا تحت شعار الحفاظ على قيم الأسرة المصرية؟
بصراحة نحن نسير على سِلك مشدود وبحذر، احرص على ارتداء الفتيات ملابس تُغطى معظم أنحاء الجسد بدون إظهار صدر أو بطن بطريقة فجة، ليس هناك عري في الأزياء، ولا نرقص بشكل ايروتيكي نهائيًا، واحرص على مراجعة المادة المصورة واقوم باستبعاد اللقطات التي تُظهر الجسد بطريقة اغرائية. لا نحاول الاصطدام بالمجتمع بكليباتنا الراقصة على السوشيال ميديا. وعلى الرغم من ذلك، كان هناك بلاغات على أحد فيديوهات الفرقة على فيسبوك مما تسبب بحذفه بحجة أنه محتوى جنسي. ولكن الفريق المسؤول عن إدارة السوشيال ميديا للفرقة تواصل مع إدارة فيسبوك وأوضح إن مايُقدم على الصفحة محتوى فني وتم إعادة الفيديو من جديد. 

الخوف من الصدام بالمجتمع أم الرقابة الذاتية التي يفرضها الفنان على نفسه أصعب؟
لست خائفة، ولكن لدي شعور بالمسؤولية تجاه الفتيات الراقصات بالفرقة لصغر سنهن، ورغبتي في الانتشار بالمجتمع بدون صدام. لا نريد 60% معجبين و 40% كارهين، بل نسعى لتكوين قاعدة شعبية عريضة من الجمهور، وأن تحمل وجوهنا تعبيرات مبهجة مثل كل الناس التي ترقص على طبيعتها في الأفراح، بعيدًا عن الإيحاءات الجنسية.

DSC00884.jpg

متى تحول الرقص الذي عرفناه على جدران المعابد وفي طقوسنا وصلواتنا الدينية بمصر القديمة لفن موصوم ونسائه متهمات أخلاقيًا؟
التيار الوهابي الذي ضرب الثقافة المصرية منذ السبعينيات كان له تأثير سلبي على النظرة للفنون عامة وخاصة الرقص، عندما سافر المصريون لدول الخليج للعمل، عادوا بأفكار منغلقة تفرض العباءات السوداء على النساء تغير كل شيء. شارع محمد علي الذي كان مقرًا لصناعة الآلات الموسيقية المختلفة وعائلات كاملة به تمتهن الأفراح من راقصات ومطربين ومتعهدين وعازفين، تحول مع هذه الأفكار المحرضة ضد الفنون إلى شارع لصناعة الأثاث والموبيليا على ركام الآلات الموسيقية والفن بعدما فقد سكانه مهنتهم الأساسية. أتمنى الحياة ترجع تاني ونقدر نتنفس والفن والرقص بصفة خاصة ينال التقدير الذي يستحقه.

هل تعتقدين أن السينما لعبت دوراً في تشويه صورة الراقصة؟
جدًا جدًا. تظهر الراقصات على الشاشة دائمًا وهن يحملن الكأس والسيجارة، سيئات السُمعة، لديهن علاقات متعددة بالرجال. وأعتقد إنه ساعد على تكريس هذه الصورة، ولكن الحقيقة مختلفة تماماً. وهذا وصم مرفوض وغير حقيقي. حلم حياتي أن يحتفي الجميع بالرقص، وأن تختفي المساحة بين بين الراقصة كشخص والراقصة كمهنة. أرغب أن يدرك المتفرج أن الرقص مهنة مثل أي مهنة أخرى، ونحن كراقصات “بنخلص شغلنا وبنرجع لبيوتنا.”

كفرقة مستقلة، لماذا تُقدمن عروض تجارية خارج تلك المسارح والفضاءات المتخصصة للرقص المعاصر عمومًا؟
لا اُفضل أن أكون فنانة نخبوية وعروضي يحضرها 10 أفراد من دوائري فقط، رغم أن ذلك اختيار احترمه لفنانين/ات. كشيرين حلمي الوصول للجميع، سواء الجمهور الذي يأتي للمسرح أو من خارجه، ولا يعيب الفنان المستقل الذهاب للجمهور التجاري، لأن الفن ليس حكرًا على أحد، والجانب الترفيهي لا يقلل من قيمة أي فن.