في معظم الحالات، أول شيء نقوم به عند شراء حذاء جديد هو ارتدائه. ولكن ماذا لو لم نشتر هذه الأحذية أصلاً لنقوم بارتدائها، بل تبقى محفوظة على هيئتها الأصلية داخل الصناديق وعلى الأرفف مغلفة دون أن تمسها أي يد (أو قدم).
في السنوات الأخيرة أصبح نوع محدد من الأحذية الرياضية أو (سنيكرز) سلعة تقوم الناس بشرائها وإعادة بيعها بأسعار قد تصل إلى عشرات أضعاف سعرها الأصلي. يعود السبب في هذا إلى أن هذا النوع من الأحذية يُصنع بكميات محدودة أو يطرح في الأسواق لمدة محدودة عادةً ما ترتبط بحدث مهم أو بشخصية بارزة قامت بالعمل على تصميم الحذاء أو أن أحد المشاهير قد شوهد يرتدي هذا الحذاء. وعلى الرغم من تعدد الأسباب فإن الواقع هو التالي: في عالم السنيكرز هناك من يجمع، من يرتدي، ومن يشتري ليبيع.
Videos by VICE
أتحدث هنا عن إعادة البيع، وهي ظاهرة موجودة ومنتشرة في معظم دول العالم وتنمو بشكل كبير سنة بعد أخرى، حيث أن من المتوقع أن يصل سوق إعادة بيع الأحذية الرياضية إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2030. في السنوات القليلة الماضية بدأت هذه ظاهرة إعادة بيع الأحذية الرياضية في إيجاد موطئ قدم لها في بلدان الخليج وفي الإمارات تحديدًا. هناك عدة أطراف في هذه المعادلة التجارية، الطرف الأهم طبعاً هم الهواة والذين يقضون وقتهم بمتابعة اتجاهات الأحذية الرياضية وتراهم يصطفون أمام المتاجر في انتظار أن يكونوا أول من يحصل على آخر صيحة في عالم الأحذية. البعض يرغب فقط بارتداء هذه الأحذية والتباهي بها، ولكن هناك آخرين يبيعونها على الفور- فهناك عدد من المحظوظين الذين يحصلون على هذه الأحذية بسبب عددها المحدود. والفئة الأخرى هم الذين يحتفظون بهذه الأحذية في حالة جيدة لإعادة بيعها عندما ترتفع قيمتها بشكل كبير -أحياناً قد يصل سعر زوج سنيكرز مستعمل أكثر من سعر سيارة مستعملة.
الطرف الثاني في معادلة إعادة البيع هي المتاجر، في دبي تقوم بعض المحلات التجارية بعرض هذه الأحذية بأسعارها الأصلية كجزء من المنتجات التي تقوم ببيعها. ولأن هذه الأحذية غالباً ما تكون مراد الجميع، فقد كان الحل بجعل الأمر مرهوناً بالحظ، من خلال الإعلان عن السحب raffle واختيار إسم الشخص الذي سيشتري الحذاء بضربة حظ. في الظاهر قد تبدو هذه لفتة جميلة وعادلة تعطي الجميع فرصة متساوية للحصول على الحذاء “المنتظر” خاصةً وأن هذه الإصدارات عادة ما تكون محدودة والطلب عليها مرتفع.
ولكن كما نعرف جميعاً، قلما ما تكون الأمور في الظاهر كما هي في الباطن، والأمر ليس مختلفاً في عالم الأحذية الرياضية، فحتى عند الحديث عن حذاء، فالأمر لا يخلو من الواسطات والمحسوبيات. في الكثير من الأحيان، المتاجر التي تبيع هذه الأحذية الرياضية تدعي أن جميع الذين سجلوا أسمائهم للمشاركة في السحب يملكون فرصة لشراء الحذاء الذي يريدونه في حال فازوا. ولكن ما لا يخبروكم إياه هو أن هذا ليس سحباً عادلاً.
دعوني أشرح ذلك لكم بحسب خبرتي ومشاهداتي: هذه المتاجر تملك عدداً محدوداً من الأحذية – لنفترض أن العدد في المحل الواحد هو 100 قطعة. من هذه الـ 100 قطعة، هناك نسبة كبيرة جداً تذهب لأشخاص لديهم معارف في المتجر، إما يعرفون المالك أو يعرفون الذين يعملون فيه. هناك أيضاً أشخاص ترتاد هذه المحلات بكثرة وهذا يجعلهم من الزبائن المتعارف عليهم في المحل والذين لديهم أولوية. هذه الفئات تأخذ نصيبها وتبقى نسبة قليلة جداً (من ما هو أساساً رقم قليل) لتتوزع على الأشخاص الذين سجلوا للسحب.
قد يمكننا غض النظر عن هذه القضية، فهذه بالنهاية أحذية تذهب لهواة تحب أن ترتدي أو تجمع أحذية رياضية. ولكن إذا نظرنا إلى هذا الوضع من منظور آخر، فنجد أن هناك مشكلة. هذه المتاجر تشترط على من يحصل على الحذاء أن لا يقوم بإعادة بيعه، وأي شخص يشتبه أنه يقوم بهذا العمل يصبح غير مؤهل، ولا يستطيع أن يشتري أو أن يشارك في أي سحوبات مستقبلية. ما هي الفائدة التي تجنيها لهذه المحلات؟ الحقيقة هي أن الموضوع كله just business وهذه المتاجر هي الفائز الوحيد في هذا السباق. فهم يكسبون جراء بيع الأحذية بسعر مرتفع، وهم أيضاً يكسبون من قيام الهواة بالتسجيل للمشاركة في السحب، وهم يكسبون أيضاً من قيام المشاركين والهواة بالتسويق لهذه المتاجر، بحيث تبقى جزء لا يتجزأ من ثقافة السنيكرز في الإمارات.
ربما أفضل طريقة لفهم ما يحصل هو أن نعطي أمثلة من الواقع. في البداية لننظر إلى إحدى كبرى شركات الأزياء في العالم التي باتت اليوم إحدى أكبر العلامات التجارية بفضل تصاميم أصدرت بالتعاون مع Nike. حين يقترب موعد إصدار حذاء معين، الأمر المتوقع هو أن تذهب إلى فرع العلامة التجارية وتسأل عن تاريخ إصدار هذا الحذاء، ولكن في كثير من الأحيان قد يتم إخبارك أن الحذاء لن يتم عرضه في المحل، فتعود مطأطئ الرأس وتشعر بخيبة الأمل. ولكنك قد تكتشف لاحقاً قد المحل يقوم بعرض الحذاء لفئة محدودة فقط، ولمن يرى أنهم النخبة أو (الدفيعة) القادرين على دفع مبالغ طائلة للحصول على النسخ المحدودة من هذا الحذاء- ومن غير المستبعد أن يقوم صاحب المحل بأخذ نسبة من البيعة.
وعلى الرغم من وجود عدة طرق لخلق تجربة إجتماعية من شأنها الغوص في أعماق هذا المجتمع، فان هذه المتاجر قد اختارت طريقاً يُثمن الماديات ويُبخس الشغف
لننظر إلى مثال آخر، قد تشاهد بوستاً على إنستغرام عن توفر عدد محدود من الأحذية لمن يأتي أولاً. خلال دقائق من رؤيتك للبوست ووصولك للمحل ستتفاجأ بأن كل الأحذية قد بيعت. كيف؟ أيعقل أن تباع الأحذية في فترة أقل من ما يأخذه تحضير كوب من الشاي؟ الحجة هنا أن هذه أعداد محدودة، وأن هناك شخص ما قد وصل في الوقت المناسب واشترى كل شيء. إذا افترضنا أن هذا هو الواقع فأين العدل في ذلك، هل الطريقة الوحيدة لأحصل على السكنيرز الذي أريده هو أن اتواجد داخل المحل كل دقيقة وكل يوم؟
تفادياً لأي سوء ظن، فأنا أتحدث عن خبرة وإطلاع، وكثيراً ما أقوم بالتواصل مع محلات بيع السنيكرز في دبي، وأحياناً أخبرهم أن من يقومون ببيع الأحذية لهم، هم ذات الأشخاص الذين من المفترض أن يأخذوا ضدهم إجراءات احترازية. ولست وحدي من يشتكي من هذه السلوكيات. في أحد زيارتي لأحد المحلات تحدثت مع واحد من محبي السنيكرز، وبدأ يخبرني أنه قد أخبر المحل أنه يملك دليلاً على أنهم لا يقومون بفرز المشاركات بشكل عادل، فقام المحل بمنعه من المشاركة في أي سحوبات مستقبلية. ما مررت به أنا وهذا الشاب هي أمثلة بسيطة عن ما يحدث من استغلال.
لا تأخذوا مقال الرأي هذا كهجوم على مبدأ إعادة البيع، فنحن نفهم أنها جزء لا يتجزأ من هذه ثقافة السنيكرز في العالم ككل، وهناك الكثير من المحلات والاشخاص ومجموعات واتساب التي غايتها الوحيدة هي جمع المشتري مع البائع مهما ارتفع السعر. اعتراضنا يأتي على قيام المتاجر بالتسويق لأنفسها على أنها محل ثقة، والحقيقة هي عكس ذلك. هذا هو الواقع الذي نعيشه، وفي غياب أي منظومة تعاتب وتراقب المتاجر، سيُبقى الباب مفتوحاً أمام الانتهاكات وتعريض مزيد من الاشخاص للخداع، دون أن يؤثر ذلك على مبيعات المحل وسمعته. هناك عدة طرق لخلق تجربة إجتماعية من شأنها الغوص في أعماق مجتمع السنيكرز الشاب، ولكن للأسف هذه المتاجر اختارت طريقاً يُثمن الماديات ويُبخس الشغف.
يمكنكم متابعة عبد الله عبر حساب سنيكرز بالعربي على انستغرام