ملوك الجمال العرب يتحدثون عن تعاملهم مع النقد والتنمر

جمال مسابقات

في صيف أحد الأيام الحارة في أوائل الستينيات، وعلى شاطئ المنتزه بمدينة الإسكندرية تحديداً، نظم عدد من الشباب المصريين مسابقة لاختيار أجمل شاب، وأطلق على الفعالية “أبو عيون جريئة.” وقتها علم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالأمر، فما كان منه إلا إصدار أوامره بوقف المسابقة، وإلحاق الشباب المشاركين بها فوراً بمعسكر للتجنيد بمدينة الغردقة، وحلق ليهم على “الزيرو”، وقال قولته الشهيرة: “خلوهم رجالة.” ومازالت تلك الواقعة تُستدعى كثيراً عند الحديث عن “الرجولة” عند أي حدث قومي، “الرجل لا يصح أن يُشارك في مسابقة جمال.” في الكثير من المجتمعات، تضع النظرة الجندرية دائما الرجل والمرأة في صندوق وتغلق عليه، مثلا الجمال هو أمر مهم للنساء، الرجال هم أعلى من ذلك. الجمال لا يعنيهم. بل العقل وأحياناً القوة، لهذا تشكل مسابقات جمال الرجال كسراً لهذا المفهوم.

في أثناء عملنا على إعداد هذا التقرير لم نجد كثيراً من المؤيدين لفكرة مسابقات الجمال للجنسين. هناك من يرفض هذه المسابقات من منطلق حقوقي، فالنساء والرجال ليسوا وسائل ترويج لمنتجات استهلاكية، وهو ما أكده لنا أحد القائمين على مسابقات الجمال في مصر، والذي رفض ذكر اسمه، إذ يرى أن الأمر في النهاية هو مجرد “بيزنس” حيث يتم استخدام هؤلاء للترويج لسلع تدر الملايين على الرعاة الذين لا يهمهم سوى تحقيق الربح المادي فقط دون أي اعتبارات أخرى. فيما يذهب البعض الآخر لأبعد من ذلك، إذ يعتبرونها هزيمة للقضايا العربية الكبرى، وهناك من يعارض مفهوم مسابقات الجمال لأنها برأيهم تتضمن تصرفات “غير أخلاقية وتشوه صورة البلد.

Videos by VICE

وعلى عكس مسابقات الجمال الخاصة بالنساء، التي لم تهضمها المجتمعات العربية بشكل كامل حتى الآن، فإن مسابقات الرجال تواجه برفض قاطع، بل يصل الأمر حد القتل، حيث عُثر مؤخراً على فنان عراقي عشريني بعد تحقيقه شهرة واسعة بسبب وسامته، جثة ممزقة في أحد أحياء شرقي العاصمة العراقية بغداد، بعد اختطافه على يد مجهولين، بعد أن انتشرت على صفحات السوشيال ميديا عدد من الأخبار تفيد بتقديمه في إحدى مسابقات الجمال. كما انسحب عراقي آخر من مسابقة للجمال وهو على مشارف الفوز بعد تلقيه تهديدات بالقتل أيضاً.

يجب أن يخرج المجتمع الشرقي من بوتقة أن الجمال هو جمال الشكل فقط أولاً، وأن الجمال مرتبط بالمرأة فقط

ورغم أن مسابقات جمال الرجال لا تتمتع بالشعبية التي تحظاها مسابقات النساء، إلا أنها موجودة، ويرى المشاركون بها أنهم يعانون من النظرة المجتمعية السلبية، وغالباً ما يتعرضون للتنمر والاستهزاء. تحتضن بعض الدول العربية عدداً من مسابقات الجمال للرجال ومنها مصر، وقد بدأت مسابقة “مستر إيجبت” لأول مرة في مصر عام 1997 وواجهت العديد من الانتقادات، ورغم فوز الفنان هاني سلامة باللقب وتمثيل مصر في مسابقة “مستر وورلد” العالمية بالبرتغال عام 1998، إلا أن المسابقة لم تنل اهتمام الشباب المصريين، وتم الغاءها. وبعد فترة من الانقطاع، أعيد احياء المسابقة من جديد في 2006 من قبل جمال مروان، صاحب قنوات ميلودي، والتي كانت ترعى هذه المسابقات قبل إغلاقها.

وفي عام 2017، تربعت مصر على عرش الجمال العالمي، إذ تمكن مصطفى جلال الأزلي، 27 عاماً، من الحصول على لقب “مان أوف ذي وورلد” (Man of the World) لعام 2017. تحدثت مع الأزلي لـ Vice عبر الهاتف خلال وجوده في الفلبين وسألته عن تجربته: “انغلاق المجتمع الشرقي هو السبب في عدم تقبل مسابقات الجمال الخاصة بالرجال، ويجب أن نخرج من بوتقة أن الجمال هو جمال الشكل فقط أولاً، وأن الجمال مرتبط بالمرأة فقط. لا أعرف لماذا الهجوم على هذه المسابقات في العالم العربي؟” يتساءل الأزلي.

1546505876719-image1-7
مصطفى الأزلي، Man of the World 2017- الصورة مقدمة من مصطفى.

ويشير الأزلي إلى تعرضه لهجوم كبير على صفحته بفيسبوك كما يخبرني: “وصل الحد الى قيام البعض بسبي بالأم بعد فوزي باللقب، كما اعتبر آخرون أن الجمال من شيم النساء وليس الرجال، هيافة. ولكني شعرت بالحزن عندما تم تهنئتي باللقب من دول أخرى، فيما مازالت السطحية سمة أبناء بلدي بل ويكون أسلوبهم السباب والهجوم فقط لأنهم يختلفون معه بوجه النظر. هم لا يعون أن المسألة متشابكة، وأن هذه المسابقات هي خليط من الثقافة وخدمة المجتمع وفرصة لدعم القضايا الإنسانية.”

يتفق أحمد مدكور، 26 عاماً، مع الأزلي في أن مسابقات الجمال أكثر من مجرد ترفيه، مشيراً الى أن مجتمعاتنا العربية تبخس مسابقات جمال الرجال حقها، بسبب الترجمة الخاطئة، فهذه المسابقات ليست مسابقات للجمال، والترجمة الصحيحة هي “سيد العالم” وليست “ملك جمال العالم.” ويقول مدكور لـ Vice عربية من دبي: “مسابقات الجمال حدث مهم جداً، ومن يُشارك فيه يعتبر ممثلا لبلده وسط ثقافات أخرى، وهي أكبر قيمة يمكن أن يحصل عليه المتسابق بصرف النظر عن أية ألقاب.” وقد شارك مدكور في مسابقة (Man of the World) التي أقيمت في العاصمة الفلبينية مانيلا في صيف 2018 ورغم إنه لم يحصل على اللقب، إلا أنه حصل على الميدالية البرونزية في مسابقة ملابس الشاطئ.

1546506341019-1
أحمد مدكور (تصوير Joy Arguil)

ويضيف مدكور: “مسابقات اكتمال الرجال موجودة من أصل الزمان، وأعني بالاكتمال الشكل والمظهر والثقافة، وأنا ضد توصيف المشاركين في تلك المسابقات بالفرافير، لأن الوصول للمشاركة بها ليس بالشيء الهين، فالوصول لجسم متناسق مثلا ليس سهلاً، بل يتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً.” ويشير مدكور إلى أن التركيز على مسابقات النساء يحدث في المجتمعات العربية فقط، لأنها مجتمعات تميل لانتقاد الشيء قبل أن تعرف تفاصيله: “نحن مجتمعات تنتقد من أجل الانتقاد فقط، ولا نكلف أنفسنا عناء البحث خلف المعلومة، هذه هي طبيعتنا.”

مع احترامي لكل الآراء المعارضة، لكن دعيني أسألهم، ما المشكلة في أن يكون هناك رجال لديهم ثقافة وجمال وحضور؟ لماذا يجب أن تتضارب هذه الصفات مع أي صفات أخرى وضعها المجتمع للرجل؟

ومن أم الدنيا إلى بلاد الأرز، رائدة في هذا النوع من المسابقات عربياً حيث بدأت بلبنان في عام 1995 حين فاز هادي الأسطا باللقب، فيما تمكن عدد من اللبنانيين من الحصول على لقب “ملك جمال العالم” في عدد من المسابقات في العالم، منهم الشاب اللبناني والمذيع حالياً وسام حنا الذي حصل على لقب ملك جمال الكون العام 2006، كذلك تمكن ملك جمال لبنان بول اسكندر بالفوز بلقب ملك جمال العالم لعام 2017.

رامي عطا الله، 28 عاماً، ملك جمال لبنان الحالي لعام 2018 والذي يعمل كعارض للأزياء، ينظر للمسابقة بشكل مختلف، ويعتبر نفسه مسؤولاً عن وجه لبنان الجمالي، كما يصفه: “أحب أن يقال عني رجل وسيم، لأنها نعمة من الله، ودائما أشكر ربي على جميع نعمه.” ويلوم عطا الله على المجتمع تفكيره المنغلق، فيرى أن من حق الرجل أن يعبر عن جماله وثقافته مثلما تفعل المرأة تماماً، ولذلك لا بد أن يتقبل المجتمع الفكرة حتى يحدث التوازن بين مسابقتي الجمال النسائية والرجالية أيضاً.” ويضيف في حديثه معي من بيروت: “مع احترامي لكل الآراء المعارضة، لكن دعيني أسألهم، ما المشكلة في أن يكون هناك رجال لديهم ثقافة وجمال وحضور؟ لماذا يجب أن تتضارب هذه الصفات مع أي صفات أخرى وضعها المجتمع للرجل؟”

1546756949429-
رامي عطا الله- الصورة مقدمة منه.

لأفهم سبب معوقات تنظيم مسابقات الجمال للرجال والنظرة السلبية عنها، تحدثت مع نضال البشراوي، مؤسس مسابقة ملك جمال لبنان (مستر ليبانون): “المسابقات الجمالية لدى الرجال والنساء تحمل مضموناً واحداً وهو الجمال لدى المرأة والوسامة لدى الرجل، ولكننا حتى الآن لا نتقبل فكرة أن نرى شاب يتقدم لمسابقة جمالية وكأنه”بيعرض عضلاته”.”

ويشير البشراوي أن هناك صعوبة كبيرة في تأمين رعاة لمسابقات الرجال مقارنة بمسابقات النساء التي يتهافت الرعاة عليها، بخلاف أن البعض مازال يُلقي بالاتهامات جزافاً تجاه تلك المسابقات دون الاقتراب أكثر من مضمونها الحقيقي، الى أن الأمور في طريقها للتغير الآن. “الوضع الآن اختلف كثيرًا، في السابق كان الشاب يفكر ألف مرة قبل أن يقرر التقدم لتلك المسابقات، لكن الآن هي مسابقة لها ثقلها على الأقل في لبنان، وأعتقد أن الوضع يختلف عاماً تلو الآخر، فلم تعد العائلات ترفض مشاركة أبنائها في تلك المسابقات،” يقول البشراوي.

هناك من يقوم بنفي صفة “الرجولة” عن المشاركين في المسابقات.. تماماً كما يخوضون في شرف أي فتاة تشارك في مسابقة جمال

رغم الأوضاع في سوريا والتي لا تخفي على أحد، ورغم النظرة السلبية لمسابقات الرجال إلا أن، عبد الله الحاج، 29 عاماً، ملك جمال سوريا وكوكب الأرض Mr Planet عام 2012، جاء ليغير النظرة عن تلك المسابقة إذ أنه يعتبر نفسه معبراً عن الشباب السوري. شارك عبد الله في عدد من مسابقات الجمال الخاصة بالرجال ممثلاً سوريا في هذا الشأن، عُرف بآرائه المختلفة. كما صدر له عدد من الأغاني، وهو بصدد إصدار ألبوم جديد. وعن مشاركته في تلك المسابقات يقول عبد الله في اتصال هاتفي من دمشق: “مجتمعاتنا متطرفة، وكل شيء جديد يحكمون عليه بالإعدام مسبقاً، هناك من يقوم بنفي صفة “الرجولة” عن المشاركين في المسابقات، والمتمثلة بالنسبة لي في الصدق والأمانة والخوف على الآخرين. هم يفعلون ذلك تماماً كما يخوضون في شرف أي فتاة تشارك في مسابقة جمال.”

1546757719788-Abdullah-Alhaj-3
عبد الله الحاج- تويتر

ويضيف الحاج: “هذه آفة مجتمعاتنا بالخوض في شرف أصحاب الجرأة في التعبير عن أنفسهم، فأنا أفعل ما أحب وما يرضيني ولا آبه لرأي أحد.” ورغم أن الحاج يرى نفسه رجلاً جميلاً، إلا أنه يرى أن الجمال يبقى جمال المضمون وليس الشكل، وعن هذا يقول: “الجمال جمال الروح، والروح تنعكس على الجسد، ولا يوجد إنسان غير جميل، فكل شخص لديه سحره الخاص.”

لم نتمكن من الحصول على تصاريح لإقامة مسابقة جمال للرجال، ويكون الرد دائماً “إزاي راجل يكون جميل”

يبدو أن الجميع يحب التأكيد على أن الجمال أكثر من الجمال الخارجي، وهو ما يفترض أن يكون أساس مسابقات الجمال، بالنهاية اسمها مسابقة جمال، ولكن من الذي يملك المعنى الوحيد للجمال؟ يرى محمد مدحت، 28 عاماً، مستر سوبر ناشيونال أفريقيا وملك جمال مصر لعام 2016، الذي يعمل كمهندس ديكور، وعارض أزياء، أن الجمال هو أمر نسبي “إذ أن الطباع تعتبر محوراً أساسياً للحكم على الإنسان، فهي أيضاً نوع من الجمال، وجمال الشكل يجب أن يرافقه جمال العقل،” يخبرني مدحت ويضيف: “جمال الرجل هو نفسه جمال المرأة، كلاهما لا بد أن يحقق التوازن بين العقل والشكل، فكلاهما لا يصلح دون الآخر.” ورغم مشاركته في مسابقة للجمال، إلا أن مدحت في الوقت ذاته ضد المسابقات القائمة على الشكل فقط: “أنا ضد إقامة مسابقات للرجال تعتمد على الشكل فقط، لذا اخترت مسابقة سوبر ناشيونال أفريقيا، لأنها تعتمد على مقومات أخرى، كالمظهر والتواضع والثقافة. الجمال بها يمثل نسبة 20% فقط.”

1546508222212-
محمد مدحت – الصورة مقدمة منه.

ورغم أن هناك العديد من الدول التي تهتم بمسابقات جمال الرجال مثل، مسابقات “مستر أمريكا” “مستر البرازيل” و”مستر إسبانياومستر فنزويلا، وتولي لها الدول اهتماماً رسمياً وصحفياً كبيراً، إلا أن بعض الدول العربية ترفض منح مجرد التراخيص لإقامة مثل تلك المسابقات، كما ما تؤكد لنا الدكتورة آمال رزق، مؤسسة مسابقة “ملكة جمال مصر” والتي حاولت الحصول على ترخيص لاقامة المسابقة، ولكن طلبها قوبل بالرفض القاطع، وعن ذلك تقول: “لا نستطيع إقامة مسابقات جمال الآن لأننا يجب أن نحصل على دعم من الدولة ولم نتمكن من الحصول على تصاريح لإقامة مسابقة جمال للرجال، ويكون الرد دائماً “إزاي راجل يكون جميل.”

أما بالنسبة لمسابقات الجمال النساء، فتقول رزق في حديثها معي من القاهرة، أنها تخضع لمعايير شديدة الصرامة، ولم تعد تنال الرفض المجتمعي مثل السابق، ولكن بنفس الوقت كان هناك حاجة لعكس تطور المجتمع ونظرته للمرأة، حيث تشير رزق إلى أنها قامت بإلغاء مسابقة المايوه، إذ اعتبرتها غير ذات قيمة “ماذا يفيد المسابقة وجود فتاة تلبس مايوه مثلاً؟”

حسناً، يبدو أن الجدل حول مسابقات الجمال بشقيها سيستمر بين من يرى أنها تعزز صورة نمطية استهلاكية لأجساد الرجال والنساء، وبين من يرى أنها مجرد مسابقة للاحتفال بالجمال الخارجي، تماماً كما هناك مسابقات للذكاء والثقافة العامة ولعرض المواهب. أليس كذلك؟