على أطلال ما خلفه تنظيم داعش من خراب وتدمير، وبالقرب من حي صناعي شُبه متروك، تُنظم إسبوعياً منافسة “الدرفت” في مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية. السيارات قديمة، والساحة غير مخططة، والأتربة تُغطي المكان. ساحة صغيرة مساحتها نصف ملعب كرة قدم تقريباً، على أطرافها تلال من الرمال والأنقاض، يقف الجمهور لمشاهدة هذه المنافسات. بالقرب من الرمال هُناك بعض قطع الحديد المرمية وإطارات سيارات مُستهلكة صُبغ بعضها بالألوان. في محيط الساحة التي تتوسط حياً صناعياً صغيراً، يدور الشباب بسياراتهم (من موديل BMW) من التي لم تتجاوز موديلاتها ما صُنع في تسعينيات القرن الماضي. لا يتجاوز عدد السيارات التي تستعد للتفحيط العشرة، لكن الجمهور ومُحبي هذه اللعبة يقفون بالعشرات، وخلفهم بعض مما خلفته الحرب من رُكام و دمار.
في الموصل، لا تتمثل عودة الحياة بإفتتاح المطاعم والمدارس ولا حتى بالأفراح والأعراس التي عادت للواجهة من جديد بعد ثلاث سنوات من منعها على يد تنظيم داعش، بل هُناك ألعاب وهوايات أخرى قد لا تكون موجودة في مُدن عراقية أخرى مُستقرة أمنياً. في الجانب الشرقي من مدينة الموصل الذي لم يتعرض لأضرار كبيرة مثل تلك التي حدثت في نظيره الأيمن (والتي وصلت لنسبة 80% بحسب الأمم المتحدة) يعمل مجموعة من الشباب على نشر رياضة الدرفت، أو ما يُعرف محلياً بـ”التفحيط” على الرغم من عدم وجود أي ساحات مخصصة لممارسة هذه الرياضة. في كل يوم جمعة (عطلة)، يتجمع الشباب في ساحة كبيرة نسبياً في الحي الصناعي من المدينة ليقوموا بممارسة رياضتهم المفضلة، فليس لديهم القدرة على تأجير مكان خاص بهم. مورست هذه المنافسة بشكل محدود قبل 10 يونيو 2014 وهو اليوم الذي أعلن داعش فيه سيطرته على المدينة، ومنذ ذلك التاريخ حتى سبتمبر 2017 لم تُمارس هذه الهواية في الموصل بسبب منعها من قبل داعش.
Videos by VICE
سنان عادل (29 عاماً)، الذي يُمارس هذه الهواية منذ خمس سنوات، يسعى مع بقية أصدقائه إلى توسيع انتشار هذه اللعبة وإيصالها للمحافظات والمناطق التي لم تشهدها من قبل. “خلال وجود داعش في المدينة مُنعنا من ممارسة هذه الرياضة، بعض الشباب جُلدوا وتحاسبوا من قبل التنظيم وسُحبت أوراق سياراتهم حتى لا يتمكنوا من إستخدامها مُجدداً.” بالنسبة لسنان العودة لممارسة هذه الرياضة اليوم هي رسالة للعالم: “نُريد من خلال النشاطات التي قمنا ونقوم بها أن نقول للعالم بأن شباب مدينة الموصل ليسوا ببعيدين عن الاهتمامات العالمية، نحن لسنا بمعزل عنكم،” يقول سنان ويضيف: “نحن نسعى لتوسعة ظاهرة التفحيط، ونعمل على التعاون مع شباب في محافظات عراقية أخرى لبدء بعض النشاطات هُناك، ولا نحتاج من الحكومة العراقية سوى توفير ساحة نُمارس عليها هوايتنا.”
في الواقع، يمارس الشباب الموصليون هذه الرياضة بإمكانيات مادية ضعيفة جداً، أو ربما غير موجودة، فهم يقومون بصبغ السيارات بأيديهم، وتحوير محركاتها بما يتناسب وممارستهم هذه الرياضة. لا يحصل الشباب الذين يُمارسون هذه الرياضة على أي مقابل، لا بطاقات دخول من قبل الجمهور، ولا شركات تدعمهم أو منظمات، فهم يعملون على توفير مستلزماتهم البسيطة من حسابهم الخاص، فبعضهم من أصحاب المحلات التجارية أو يعملون في ورش صناعية وآخرين موظفين في مؤسسات الدولة العراقية.
سالم أحمد (26 عاماً)، يطلق على نفسه صفة “هاو” للتفحيط، فهو لا يُفكر بجني أي مكاسب مادية من هذه اللعبة غير “قضاء” وقت ممتع خلال ممارستها: “التفحيط هوايتي، أنا أقوم بصيانة السيارة وتحوير محركها كذلك إطاراتها بما يتناسب والمهمة التي أقوم بها.” يعتمد الشباب من هواة “التفحيط” على علامات صغيرة يضعونها بأيديهم وهي لا تُرى أثناء ممارسة السائق هوايته، فهم يضعون إطار سيارة يكون هو نقطة الارتكاز التي يُحددون عليها خُطوطهم العريضة أثناء القيادة.
ولا يقتصر الحضور في هذه الساحة الصغيرة على سُكان مدينة الموصل فحسب، بل هُناك ممارسين آخرين يأتون من محافظة دهوك في إقليم كوردستان العراق لمُشاركة الموصليين هذه اللعبة. هاني هادي (28 عاماً)، والذي يسكن مدينة دهوك القريبة من الحدود العراقية – التركية، يحرص في كل يوم جمعة على الحضور لمدينة الموصل ومشاركة زملائه رياضتهم المفضلة. “نُحب المجيء للموصل ومشاركة الأصدقاء ممارسة هذه الهواية. كل يوم جمعة تنطلق عشر سيارات من دهوك بإتجاه الموصل. في دهوك ليس لدينا ساحات مُخصصة لممارسة هذه الهواية، فالوضع من هذه الناحية مثل وضع الشباب في الموصل الذين يعتمدون على جهدهم الذاتي لتطوير مهاراتهم وتطوير اللعبة.”