قامت الدنيا ولم تقعد على مواقع التواصل الإجتماعي في المغرب بسبب مسلسل “فتح الأندلس” الذي يُعرض على القناة الوطنية الأولى عند موعد الإفطار.
المسلسل المُقتنى من شركة الإنتاج الكويتية المها للإنتاج الفني قوبل بانتقادات كثيرة منذ أول حلقة عُرض فيها على التلفزيون المغربي بسبب الطريقة التي يتناول بها واقعة “فتح الأندلس” التي قادها طارق بن زياد في العهد الأموي الإسلامي في 92 هجرية الموافقة لـ 711 ميلادية.
Videos by VICE
بدأت الجلبة بسبب اعتبار البعض أن المسلسل يقدم “معطيات تاريخية مغلوطة” وانطلقت نقاشات منذ الحلقة الأولى للمسلسل على فيسبوك وتويتر لتصل إلى قبة البرلمان المغربي ثم بعد ذلك إلى المحكمة.
أجابت المحكمة الابتدائية بالعاصمة الرباط يوم الجمعة 22 من أبريل على الدعوى الاستعجالية المرفوعة ضد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة من طرف الناشط السياسي رشيد بوهدوز بدعوى أن “المسلسل يمس بالوحدة الترابية للمغرب ويقدم المغاربة بشكل ساذج وغير حضاريين بعدم الاختصاص.” وحكمت المحكمة بعدم الاختصاص في قضية بث المسلسل على القناة الأولى.
وهو ما اعتبره مخرج المسلسل محمد سامي العنزي إنتصار لحرية الإبداع وقال في تغريدة على حسابه على تويتر: “مسلسل فتح_الأندلس مستمر في المغرب ومستمرون في الإبداع وتحية للقضاء المغربي الشامخ” مؤكدا في أكثر من تدوينة أن المسلسل وإن بُني على أحداث تاريخية فإنه تخيلي درامي.” وفيما يتعلق بأصول طارق بن زياد، قال المخرج إنه “كصاحب رؤية فنية فضل الخروج من إطار وضع طارق بن زياد في إقليم ومكان معين وقررنا التقليل من أهمية أصوله.”
من هاشتاغ نلتمس_من_ملكنا_حماية_تراثنا إلى لا_للوصاية_على_تاريخ_المغرب غرد مغاربة على تويتر معترضين على مسلسل ”فتح الأندلس” شكلا ومضمونًا. وتحت هاشتاغ فتح_الأناناس سخر البعض من وضع فاكهة الأناناس في مشهد في المسلسل، على الرغم من أن هذه الفاكهة، كما يقول المغردون، “لم تكتشف إلا بعد اكتشاف أمريكا في القرن الخامس عشر.” في المقابل وجد المسلسل داعمين له غردوا رداً على الرافضين للمسلسل بهاشتاغ لا_للوصاية مُعبرين عن إعجابهم به ومطالبين الاستمرار في بثه بحجة أنه يعرض صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي العربي.
ورفض أمازيغ المغرب ما جاء به المسلسل من مغالطات تاريخية أولها تصوير القائد طارق بن زياد قائداً ذو أصول عربية قلبًا وقالبًا بينما تُشير الكتابات التاريخية إلى أصوله الأمازيغية. وقارنه الكثيرون مع مسلسل “الطارق” الذي يعود تاريخ عرضه لرمضان 2004 ويحكي قصة حياة طارق بن زياد كما هي معروفة عند المغاربة.
وقال النائب مهدي الفاطمي، عن حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي، في سؤال إلى وزير الثقافة والشباب “إن الفتح تم عبر شمال المغرب وبجيوش شمالي إفريقيا، ولغة القائد طارق بن زياد وثقافته مغربية أمازيغية هو وجنوده، ولكن المسلسل يحجب كل هذا تقريباً ويجعل المغرب الكبير مجرد طريق جغرافية لجيوش المشرق الأموية، والمغاربة مجرد كومبارس تحت قيادة شخصيات شامية بينما التاريخ المدون عندنا كله عكس ذلك.”
مرر المسلسل تفاصيل قد لا ينتبه لها المشاهد العربي لكن المشاهد الأمازيغي انزعج منها، كتزوير الهوية الأمازيغية للحاكم يوليان وتقديمه حاكما قوطيًا اسبانيًا، واستبدال اسم الجيش الغازي للأندلس الموري بالعربي، واعتبار اللباس العسكري للجيش الموري لباسًا من الثقافة العربية، أيضا تزوير للأسطول الذي حمل الجيش الموري باتجاه جبل طارق واعتباره عربيًا رغم أنه كان ينتمي لمملكة يوليان الأمازيغي الغُماري. عرف الأمازيغ قديماً في اللغات الأوروبية باسم موري (mauri)، وهي كلمة محرّفة عن “مغربي.” مع وصول الإسلام إلى شمال إفريقيا، استعرب جزء من الأمازيغ بتبنِّيهم اللغة العربية، لغة الدين الجديد، وبقي جزء آخر محتفظاً بلغته الأمازيغية.
وتثير أصول طارق بن زياد، خلاًفا بين المؤرخين، بين من يعتبره ذو أصول عربية أو فارسية، وقسم آخر يقول إنه أمازيغي من شمال إفريقيا.
“تمتد أصول طارق ابن زياد إلى قبائل نفزاوة التي توزعت بين ليبيا والجزائر والمغرب ولكن هذا لا يحدد إلى أي بلد انتمى حسب ما توفر لنا في التاريخ من مراجع، فشخصية طارق بحسب ما وصفه التاريخ الإسلامي العربي محل شك عند الكثير من المؤرخين الذين لا يُخفون احتمالية أن هذه الشخصية الأسطورية مُختلقة حتى أنهم يُشككون في اسمه متسائلين؛ كيف لأمازيغي أن يحمل اسمًا عربيًا في ذلك الزمان؟” يقول الدكتور والباحث الأكاديمي في التاريخ، عضو المندوبية السامية لقدماء المحاربين فريد الموساوي.
ويُضيف: “إن الجدل القائم حول المسلسل مرتبط بالهوية، فقد تم تعويدنا أن كل حدث في التاريخ الإسلامي بالضرورة عربي، ما فيه تذويب لأية هويات أخرى كالهوية الأمازيغية التي طبعت تاريخ شمال أفريقيا لعدة قرون وهو ما يرفضه المغاربة ذوو الأصول الأمازيغية لما فيه من انتقاص لتاريخهم الذي ليس عربيًا، وهذا ما مررته إلينا عن قصد الكتابات العربية بأن كل من انتمى لمنطقة جغرافية تحت سلطة الجيش الإسلامي فإنه عربي.”
سألنا المخرج والسيناريست المغربي محمد بوزكو عن إمكانية إضافة التخيلي إلى مسلسل يستمد قصته من مجموعة أحداث تاريخية، فكانت إجابته: “يمكن إغناء العمل التلفزيوني بقصص خيالية باستطاعتها خدمة العمل لكن أن تستبدل أحداثًا تاريخية وقعت بأحداث مُتخيلة فإن المسألة تُصبح تزويراً واضحًا.”
لم يُحسم ولم ينتهي الجدال بعد حول “فتح الأندلس” في المغرب ونحن على بُعد حلقات من نهاية جزئه الأول الذي يُحتمل أن يعرف أجزاء أخرى حسب ما أعلن عنه مخرجه.
يبدو أن مسلسل “فتح الأندلس” قد وضع الملح على جُرح ما يزال مفتوحًا عند الأمازيغ حول التعريب الذي تعرضوا له لسنوات قبل أن تتم المصالحة ولو نسبيًا مع هويتهم بكل ما تحمله من غنى تاريخي وثقافي.
More
From VICE
-
Samsung Galaxy S25 Ultra – Credit: Samsung -
American rock band Garbage. (Photo via Paul Bergen / Getty Images) -
(Photo by Tom O'Connor/NBAE via Getty Images) -
Amr Bo Shanab/Getty Images