في الوقت الذي يحارب فيه العالم القات ويعتبره نبتة مخدرة مثل نبات الكوكا التي يستخرج منه الكوكايين، وبينما تُشرّع أغلب دول العالم عقوبات قاسية لتعاطي القات وترويجه، فيما تُركز دول أخرى اهتمامها على زراعة أشجار البن، يُقدم المزارعين اليمنيين على اقتلاع أشجار البن واستبدالها بالقات، لتتحول اليمن من إحدى أهم الدول المنتجة للبن إلى المنتج الأهم والأوحد تقريبًا لـ”القات.”
وعلى عكس زراعة البن، جاء التوسع في زراعة القات باليمن لأسباب تتعلق بضخامة نسبة متعاطيه، للدرجة التي تمددت معها رقعة زراعته لتلبية احتياجات السوق المحلي، لتقترب من نصف الأراضي المزروعة في اليمن. لهذه الأسباب لم يكن من المستغرب أن يقرر مجموعة من الشباب اليمني تأسيس “نقابة الموالعة اليمنيين”، للاهتمام بشؤون القات، وتنميته والحفاظ على حقوق متعاطيه، وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتصبح بذلك أول نقابة افتراضية في فضاء الإنترنت.
Videos by VICE
و”المولَعي،” لفظ يمني شعبي يُطلق علي متعاطي القات بإدمان شديد، أما “المُقوِت” فهو لقب بائعي القات بشكل عام في الثقافة اليمنية، فيما يطلق على من يقوم بقطف القات من الشجر اسم “المُبَزِغ.”

نقابة القات
وتسعى النقابة التي يُمكن وصفها أيضًا بـ “نقابة القات”، حسب مؤسسيها، إلى الحفاظ على حقوق هذه الفئات الثلاثة “الموالعة، والمقاوتة، والمبزغين”. ويُعرف مؤسسو النقابة الكيان بأنه “كيان شعبي لماضغي شجرة القات من مختلف الانتماءات المناطقية والسياسية والمذهبية، باعتبارها شجرة الخلد وملك لا يبلى، نحمي شجرة القات وندافع عن الموالعة وحقوقهم في المقيل الكبير الذي يدعى اليمن”.
الناشط فخر العزب، الناطق باسم نقابة الموالعة اليمنيين، تحدث لـ “VICE عربية” عن فكرة تأسيس النقابة، مؤكدًا أنها جاءت بهدف الدفاع عن شجرة القات. وقال إن النقابة تضم مجموعة كبيرة من الشعراء والكتاب والمثقفين، ما يفسر اهتمامها إلى جانب هدفها الرئيس، بتناول موضوعات سياسية بأسلوب ساخر، خاصة في ظل الحرب القائمة، بعد أن باتت السخرية هي السلاح الوحيد الذي يمتلكه اليمنيين.
وعملت النقابة على تناول مواضيع سياسية بأسلوب ساخر خاصة في ظل الحرب القائمة باعتبارها السلاح الوحيد الذي يملكه اليمنيين لنقد الوضع، ما أكسبها شعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انعكست إيجابا على عدد أعضائها، ما دفع المؤسسين إلى افتتاح نقابات فرعية في عدد من المحافظات والمديريات. وحسب فخر العرب، تسعى النقابة إلى كسر الحظر العالمي على القات، والوصول به إلى العالمية، ومن ثم تصديره للخارج، بما يحقق الفائدة القومية للبلد وتصحيح النظرة المغلوطة تجاه متعاطي القات والشعب اليمني. يُضيف فخر العزب أن نقابة الموالعة هي مبادرة طوعية.
ما هو القات؟
القات نبتة خضراء اكتشفت لأول مرة في الحبشة – إثيوبيا حاليًا – ثم انتقلت إلى اليمن، وتُصنف منظمة الصحة العالمية القات كنبته مخدرة تسبب الإدمان لاحتوائه على مادة “الكاثيون”، وهي المادة المسؤولة عن شعور متعاطي القات بالارتياح وقوة التركيز والانفعال.
ووفقًا لتقارير صادرة عن وزارة الزراعة اليمنية فقد توسعت الرقعة الزراعية لزراعة القات في اليمن لتصل خلال العامين الماضيين إلى اكثر من 170 ألف هكتار زراعي، ما يمثل 40% من إجمالي الأراضي الزراعية في اليمن. ويتصدر القات قائمة المزروعات النقدية في اليمن، وينفق اليمنيون الذين يعيش أكثر من 50% منهم تحت خط الفقر، أكثر من 400 مليار ريال يمني على القات سنويًا، وهو ما يمثل 40% من دخل سكان اليمن سنويًا.
ويُعتبر القات من النباتات سريعة النمو، فضلًا عن إنه لا يحتاج جهدًا لرعايته ولا يرتبط بموسم زراعي محدد، ما يُعد سببًا إضافيًا لإقبال مزارعي اليمن على زراعته. يقول حمود على، أحد مُزارعي شمال العاصمة صنعاء، أنه كان يزرع العنب قبل تحوله لزراعة القات، ويبرر الأمر بأنه لا يحتاج الكثير من الجهد والوقت لينمو وليس له موسم محدد، فبمجرد أن يحصد القات في مزرعته ينمو مرة أخرى في غضون شهر أو أقل، ما يُدر عليه دخلاً جيدًا طوال العام، على عكس العنب الذي كان محدد بموسم واحد فقط وعائداته محدودة مقارنة بعائدات القات.
ما لم يذكره حميد أن زراعة القات، وفقًا لتقارير من وزارة المياه اليمنية، تستنزف أكثر من 50% من المياه الجوفية، مع شح مصادرها في عموم المحافظات اليمنية، وهو ما يمثل تهديدًا على المدى الطويل للرقعة الزراعية في البلاد، بالإضافة إلى الأضرار البيئية المتوقعة للسبب ذاته.

جلسات القات
يتم تعاطي القات في جلسات فردية أو جماعية وتسمى جلسة القات “مقيل”، ويجتمع فيها اليمنيين وهناك جلسات للنساء يجتمعن ويتعاطين القات فيها مثل الرجال تمامًا. ويمضغ متعاطي القات أوراق الشجرة الخضراء في أحد جانبي الفم حتى تحدث تورم على شكل كرة دائرية تظهر اللون الأخضر في فم المتعاطي بمجرد أن يفتحه، إما للتنفس أو للتحدث أو شرب الماء، ويظل المتعاطي يمضغ القات كاللبان “العلكة” حتى يمتص العصارة من على شجرة القات، وهذه العصارة هي التي تسبب المفعول المتعارف عليه.
الخبير في التصوير والجرافيك، عدنان المطري، يرى أن للقات تأثير على عمله يصفه بـ “الإيجابي”، مشيرًا إلى أن إنتاجه إثناء تعاطيه القات أفضل كمًا ونوعًا مقارنة بعمله دون أن يتعاطى القات، وأنه يفضل العمل وهو متعاطي القات حيث أن القات يساعده على التركيز أثناء عمله ويفتح مداركه أكثر. ويضيف عدنان أنه بمجرد مقارنة تصاميمه التي عمل عليها أثناء تعاطيه القات والتصاميم التي عمل عليها دون تعاطيه يجد أن تلك التي أنجزها تحت تأثير القات أفضل وأكثر إبداعًا.
الدكتور فضل عباد، استشاري الجراحة العامة، يقول إن القات كنبته لا مشكلة فيه، إلا أن استخدام المبيدات المصاحبه لزراعته والتي تعرف بـ”بودر القات” هي ما يسبب الأضرار الصحية كفقدان الشهية والغثيان والسرطان على المدى الطويل. ويستخدم المزارعين هذه المبيدات لتسريع عملية النمو لزيادة أرباحهم. ويضيف عباد، الذي عمل سابقًا ضمن حملات للتوعية من أضرار القات، لـ “عربية VICE” أن القات ليس مخدرًا بل له تأثير المنبهات، لكنه أكد في الوقت نفسه أن له تأثيرًا سلبيًا على النساء الحوامل، وقد يتسبب في تشويه الأجنة حال تعاطت الأم خلال فترة الحمل.
لا يمنع القانون اليمني زراعة القات وتجارته بل إن قانون الضرائب اليمني رقم “42” الصادر عام 2001 وضع القات ضمن السلع الواجب دفع ضريبة عنها بنسبة 20% حيث تدر ضريبة القات عائدات كبيرة. وفي العام 2008 ناقش مجلس النواب اليمني قانون يمنع زراعة القات باعتباره مسبب رئيسي للسرطان. وبسبب الانقسام الكبير الذي حصل بين أعضاء مجلس النواب الذين يتعاطى معظمهم القات، تم تعطيل القانون ولم يخرج إلى النور.

اليوم الوطني للقات
دشنت نقابة الموالعة مناسبة وطنية أطلقت عليها “عيد الغصن”، وهي مناسبة سنوية للاحتفال بشجرة القات بهدف تعزيز العلاقة بين القات ومتعاطيه. يقول فخر العزب بأن النقابة اختارت الثاني عشر من سبتمبر ليكون “عيد الغصن”، بدءًا من عام 2017 إلا أنه تم تغييره ليكون الثاني عشر من يوليو كل عام، نظرًا لازدحام شهر سبتمبر بالأعياد الوطنية وذكرى الثورات اليمنية المختلفة.
ووفقًا للأمين العام للنقابة أبو بكر الشرجباوي، فإن عدد الأشخاص الذين أضافوا إطار عيد الغصن لصورهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، بناء على دعوة النقابة، بلغ أكثر من مليون شخص داخل اليمن وخارجه في ذكرى عيد الغصن السابقة. وقال الشرجباوي إن النقابة ستبدأ بدءًا من العيد القادم منح وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى لأبرز متعاطي القات في اليمن، كما أنها ستنظم حملات دعم للقات بالتزامن مع العيد في أنحاء اليمن كافة، إضافة إلى جيبوتي التي تضم عدة أفرع للنقابة.
ومع تزايد زخم عمل النقابة بدأت الكثير من الأصوات المعارضة لعملها ونشاطها، وترتكز هذه الأصوات في الأساس على أن القات نبات مخدر ومصنف عالميًا وفق هذا الاعتبار. وآثار مؤخرًا فيديو للفنان الكوميدي الكويتي حسن البلام الرأي العام في اليمن، وخصوصًا متعاطي شجرة القات في اليمن، حيث قام البلام بتقليد بعض الفنانيين اليمنيين وهم يتعاطون القات أثناء الغناء، واعتبرت شريحة واسعة من متعاطي القات الفيديو إهانة كبيرة لهم وللقات باعتباره النبتة القومية لليمن.

على الجانب الآخر، اعتبر البعض أن هذا التقليد ما هو إلا تجسيد للحقيقة مثل الكاتب حسين الوادعي، الثي قال عبر صفحته بموقع فيسبوك”: “الفنان حسن البلام أثار غضب بعض مدمني مخدر القات من اليمنيين مع إنه في الحقيقة نقل أمین وصادق بنسبة 90 % لأسلوب تعاطي القات وجلساته ولبعض ممارسات الفنانين الشعبیین الذين يصرون على الغناء وأفواھھم منفوخة بقنابل القات الموشكة على الانفجار والخروج من الخد وفتحات الاسنان. أنا ھنا مع تطبيق النصیحة القديمة إذا ابتليتم فاستتروا. وشكر متأخر للبلام وبانتظار لسعات سوطه الجديد لبعض ممارساتنا المخجلة، فإذا كنت تعتبر أن الإدمان الجماعي لمخدر القات هوية وثقافة، فكن مستعدا لسخرية الآخرين واحتقارهم.”
أما الناشط والمصور عبدالعزيز الصبري له وجهة نظر أخرى عبّر عنها في حديثه لـ “VICE عربية” بالقول:”من وجهة نظري لا أجد المشكلة في القات ولا أرى الاتهامات التي تلحق به بالتسبب في تخلف اليمن واقعية، وجميع اليمنيون يعرفون أن القات نبات غير مسبب للإدمان، والتوقف عن تعاطيه لا يسبب أي أضرار. وأضاف: “شخصيًا، أستطيع تناول القات بشكل يومي وبكميات كبيرة وأيضًا يمكنني تناول كميات قليلة أو التوقف عنه بقرار إرادي متى أردت، لكن في المقابل زراعة وتجارة القات باتت مصدر دخل لكثير من العائلات اليمنية، بدءًا من المزارعين وحتى الباعة في الأسواق، وما بينهما، ماذا سيفعل هؤلاء حال توقف إنتاج القات؟ ومن يمكنه تعويضهم عن خسارة مصدر دخلهم الرئيس؟”.
ونفى الصبري مسؤولية القات عن استنزاف مخزون المياه الجوفية في البلاد، مؤكدًا أن اللوم يقع على الدولة التي لا تبدي أي اهتمام بالمياه الجوفية، وتسمح بحفر الآبار بشكل عشوائي، وبحسب الوساطات والرشاوي”، على حد قوله. وأشار إلى أن مناطق مثل “جبر صبر” في مدينة تعز، تزرع القات منذ مئات السنين، ويعتمد عليه معظم سكانها كمصدر رئيس للدخل عبر زراعته في أراضيهم ومدرجاتهم الجبلية اعتمادًا على مياه الأمطار الموسمية فقط، من خلال تجميعها في خزانات كبيرة واستخدامها خلال فترة انقطاع المطر.
واختتم الصبري كلامه بالقول: “كثر الحديث عن أن القات هو سبب تأخر الشعب اليمني، وتراجع الإنتاج، وهذا منطق خاطئ في رأيي، على العكس تمامًا، يوجد بين متعاطي القات في اليمن أكاديميين وأطباء ومهندسين أكفاء في عملهم، على الرغم من أنهم يتعاطون القات بشكل يومي. وكل عمارات اليمن وإنشاءاتها أنجزها المخزنون، وحدهم الفاسدين القابعين خلف المكاتب هم من يتسببوا بالخراب والدمار.”
More
From VICE
-
Credit: Spotify -
Rich Fury/VF20/Getty Images for Vanity Fair -
Screenshot: Nintendo -
(Photo by Leonard Ortiz/MediaNews Group/Orange County Register via Getty Images)