ياسمين عز.. أميتوا الباطل بالحديث عنه

BeFunky-collage__ذذذ_ط-89

“أنا مش جاية أفرح فيكم ولا جاية أشمت فيكم، أنا جاية أقول واحد ليا وصفر ليكم” بهذه العبارة افتتحت مذيعة أم بي مصر ياسمين عز حلقة برنامجها التي تلت خبر عودة الفنانة شيرين لزوجها السابق حسام حبيب. ياسمين كانت تعني أن تصريحاتها السابقة بخصوص أهمية الرجل في حياة المرأة حتى لو كان معنفاً كانت على صواب. نشوة ياسمين برجوع شيرين لمُعنفها، ووقوفها موقف الند مع المتعاطفين مع شيرين بسبب اختيارها العودة  لمعنفها ما هو إلا واحد من عشرات التصريحات الذكورية والمعادية للمرأة التي دأبت ياسمين على الخروج بها على الجمهور بشكل مستمر.

لم يكن الكثيرين يعرفون ياسمين قبل أن تخرج علينا بداية العام الجاري لتدافع عن عريس قام بضرب زوجته يوم زفافهما ضرباً مبرحاً فور خروجها من صالون التجميل، القضية التي أصبحت تعرف إعلامياً بإسم “عريس الإسماعيلية”. ياسمين قالت في ذلك اليوم أن “ضرب الحبيب زي أكل الزبيب”، وأن الزوجة وافقت على استكمال الزواج بعد تعدي زوجها عليها لأنها “بنت ناس وأصيلة” ولأن الرجل “هو هدية ربنا على الأرض.” بعد الهجوم الذي تعرضت له ياسمين بسبب هذه التصريحات، خرجت لتعتذر قائلة أن “التوفيق خانها” في التعبير، وأن العريس “أكيد مش حيعمل كده تاني.” ولكن سلسلة لا تنتهي من التصريحات المشابهة لياسمين والمستمرة حتى اللحظة، تؤكد أن التعبير لم يخنها، وأننا أمام مذيعة تستعمل أدواتها للتحريض ضد المرأة بشكل مستمر بل ودوري.

Videos by VICE

الحقيقة أن عريس الإسماعيلية خيب توقعات ياسمين، وكرر فعلته هذه عشرات المرات، حيث استمر في تعنيف زوجته هذه لمدة ثمانية أشهر بعد الزواج، حتى قامت بتقديم بلاغ ضده وتم حبسه على غراره. مها عمران (عروسة الإسماعيلية) أجرت مقابلة مع قناة الشمس روت خلالها تفاصيل الضرب الوحشي الذي تعرضت له طوال فترة الزواج، وبدت على وجها وذراعيها آثار التعذيب بشكل واضح. المؤسف أن المعنّف حكم عليه بالسجن لمدة عام فقط، الحكم الذي تم تخفيفه فيما بعد للسجن لمدة شهر بدلاً من عام، مع غرامة قدرها 2،000 جنيه. وفي ظل  تواطؤ القوانين المدنية في كثير من البلاد العربية مع العنف والتمييز ضد النساء، أقول أنه يجب علينا أن لا نميت هذا الباطل تحدياً بالسكوت عنه، وأن تجاهل ياسمين عز كي لا نجعل من هؤلاء مشاهيراً لا يعتبر حلاً مناسباً.

مؤخراً، ظهرت ياسمين بسلسلة من التصريحات المثيرة للجدل التي تنم بشكل واضح عن احتقار النساء وتعظيم شأن الرجال على حسابهن. فمثلاً “تنصح” ياسمين المرأة بأن تكون على قدر كاف من الأناقة كي “لا تزوغ عين زوجها” على غيرها، وأن تقوم بعمل الشاي لأخوها لأنه “رجل ومينفعش يقوم هو يعملها.” كما تنهى متابعينها عن أن يطلب من أزواجهن أن يقوموا بأخذ “كيس الزبالة وهما نازلين” أو أن تطلب المرأة من زوجها عدم السير بالحذاء على السجادة “لأنه ببساطة شاري السجادة بفلوسه.” وتشدد على أن للرجل حق في التفتيش في هاتف زوجته كي يعطيها النصائح بشأن صديقاتها لأنه “أكثر وعياً منها، بينما لا يجوز للمرأة التفتيش في هاتف زوجها “علشان عليه محادثات مع صحابه مينفعش تشوفها.” وغيرها الكثير من التصريحات التي تعود بنا عشرات السنين في النضال من أجل حق المرأة في المساواة مع الرجل. 

أتمنى أن أرى قوانين تضبط خطاب الكراهية ضد النساء، وأن لا نرى مجدداً إحداهن تخرج على الفضاء العام في القرن الواحد والعشرين لتقول لنا أن “ضرب الحبيب زي أكل الزبيب.

تصريحات ياسمين التي تحرض على العنف وعدم المساواة، تجعلني أتساءل إذا كان هدفها وهدف قناة أم بي سي مصر البقاء في قائمة “الترند” بشكل دائم، أم أنها فعلاً مقتنعة بما تقول، وكلا الخيارين يمثلان كارثة حقيقية بالنسبة لي. وفي الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات التي تنادي بمقاطعة برنامج ياسمين وعدم الحديث عنه من أجل عدم الترويج لهذه الأفكار، أنا أرى أنه من المهم خلق خطاب مضاد لهذه التصريحات، لا سيّما وأن التعليقات التي تتلقاها ياسمين على صفحتها على انستغرام (والتي يتابعها أكثر من مليون) تشير إلى أنها تملك قاعدة جماهيرية لا يستهان بها، لا سيّما من الرجال “المهضوم حقهم.” ومما يثير استهجاني أيضاً، أن هذه التصريحات تبث على قناة سعودية، في الوقت الذي تدعي السعودية أنها تقوم بجهود جبارة لإضفاء الطابع العصري على المملكة، وتحسين وضع المرأة هناك.

أتفهم وجهة النظر التي تقول أن المرأة في المجتمع العربي ضحية لنظام ذكوري أبوي، وأن اختيار بعض النساء لأن يَكون جزء من هذا النظام ما هو إلا آلية دفاع لضمان حمايتهن من قبل الطرف الأقوى في المعادلة، ألا وهو الرجل. وأن النساء يحتجن الكثير من التمكين والدعم لكسر دائرة القهر هذه. هذه وجهة نظر أفهمها. ولكني لا أقبل أن تكون إحدى هؤلاء النسوة هي مذيعة تخرج على الشاشات لتضفي شرعية على نظام ظالم يحرم النساء من حقوقهن الأساسية. ثم أنني لا أعتقد أن ياسمين تعاني من أي القهر الذي تروج له، فهي إمرأة عاملة مستقلة، لديها من الحرية أكثر بكثير من النساء الذين توجه لهم دعوات الخنوع المستمرة. 

إن العمل على نشر الوعي النسوي في الإعلام هو جزء أصيل من معارك المرأة في العالم العربي، لذلك فإن وجود ياسمين وغيرها من النساء ذوات الفكر الذكوري بشكل يسُخف من معاناة النساء ويقلل مُنهن كمواطنات لهن حقوق كما الواجبات، يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة لكثيرين. وفي الوقت الذي نرى أن ياسمين وغيرها مستمرون بنشر هذه الأفكار الرجعية، يصبح من الضروري أن نخلق مساحات بديلة تسعى إلى التمكين المعرفي للمرأة.

هناك العشرات من المنصات العربية النسوية تتخذ هذا الدور الرائع، وتعمل على نشر المعرفة بكافة أنواعها من أجل عالم أكثر حرية وأماناً. ولكن لا يزال التلفزيون وبرنامج الـ talk show التي يتابعها الملايين تسيطر عليها أفكار ذكورية أكل عليها الدهر وشَرب. ربما يجب أن يكون هناك تركيز من المنصات النسوية على التلفزيون وأن يكون هناك برنامج نسوي حقيقي يصل الملايين ويشرح الوضع الحقوقي والإنساني والاجتماعي للفئات المضطهدة بدون استغباء الجمهور ولا اللعب على عواطفهم. أتمنى أن أرى قوانين تضبط خطاب الكراهية ضد النساء، وأن لا نرى مجدداً إحداهن تخرج على الفضاء العام في القرن الواحد والعشرين لتقول لنا أن “ضرب الحبيب زي أكل الزبيب.”