تعليقات القراء -في هذا القسم سنختار بعض التعليقات التي تصلنا من القراء على مواقع التواصل الإجتماعي وسنقوم بالإجابة عليها. كل الأسئلة مهمة، استمروا بالتساؤل.
تلقيت عددًا من التعليقات على وسائل التواصل الإجتماعي رداً على مقال نشرته بعنوان: نسويات في أماكن العمل. بعضها يسخر من كلمة نسوية، والآخر يستفسر عمّا هي النسوية “يعني إيه نسوية يا شباب” وتبرع كل شخص بتفسيره الخاص للنسوية بعضها غير صحيح تمامًا. لهذا قررت الإجابة على هذه الأسئلة والتعليقات حول المفاهيم المغلوطة عن النسوية والنسويات.
النسوية هي مجموعة حركات سياسية-اجتماعية تاريخية، تستهدف الدفاع عن حقوق الفئات المهمشة، بدأت بالنساء وتوسّعت لتشمل فئات أخرى تضطهدها النظم الاجتماعية-السياسية. البعض يحصرها في خانة دعم النساء فقط، لكنها تتجاوز ثنائية علاقة الرجل والمرأة وتشمل دعم مجموعات وأفراد وشعوبًا ضد السلطة. النسوية كحركة هي الوقوف ضد السلطة وأساليب القهر التي تتبعها، سواء كانت تلك السلطة سياسية أو اجتماعية. النسوية هي نظرية تحليل علاقات القوة شديدة التعقيد والتداخل في المجتمعات الإنسانية. لها عدة مدارس؛ منها النسوية الليبرالية/ النسوي الماركسية/ النسوية الراديكالية/ النسوية التقاطعية/ النسوية العابرة للحدود/ والنسوية السوداء. الفقرات التالية تُفكك أبرز الاتهامات ضد النسوية.
Videos by VICE
النسوية ضد الدين
بعض النسويات متدينات وأخريات لا. السبب في ذلك أن بعضهن ترى المعتقدات الدينية هامة. وأخريات يعتقدن أنها سلطة تمارس قهر على النساء. موقف النسوية من الفئتين، هو حرية الاختيار طالما كان الاعتقاد الديني شخصيًا وبلا إجبار لآخرين/ات. أما موقفها من الدين فهو موقف ممارسات. مثلًا، تدعم المساواة في الميراث. فبسبب التحيز الجنسي للرجال في الميراث، حُرمت الكثير من النساء من حقوقهن وأملاكهن، وبعضهن تم تزويجهنّ بالإجبار للأقارب للحفاظ على الممتلكات داخل العائلة الممتدة، وبعضهنّ تم إيداعهن مصّحات نفسية ودور رعاية للاستيلاء على ميراثهنّ. في موضع آخر، تقف النسوية ضد فكرة ولي الأمر لأنها تمثل وصاية تُجرد النساء من الأهلية وتضع مصائرهن في يد رجال العائلة. النسوية ليست معنية بأي عقيدة دينية ولا تُعاديها. إنما تسلط الضوء على ممارسات تتحيز للرجال على حساب النساء، سواء كانت في القوانين والسياسات، الخطابات السائدة، أو الأعراف المحلية.
تعتبر النسوية العمل المنزلي عملًا بدوام كامل، بلا إجازات وبلا معاش، وتدافع عنه لأنه غير مُعترف به اجتماعيًا كـ”عمل”
النسوية تدمر الأسرة
للنسوية موقف تجاه نظام العائلة/الأسرة، بالأخص النسوية الراديكالية والتي تعتقد أن النظام الأبوي هو أصل القهر الذي مُورس على النساء خلال التاريخ الإنساني. ومع ذلك، تحترم النسوية اختيارات النساء اللاتي يقررنّ البقاء داخل نظام العائلة، وتتفهم موقف أخريات يتمردن عليها. لكن لنستعرض سريعًا نظام العائلة الذي يُعامل النساء كأنهن أقل درجة من الرجال؛ يضع أجسامهنّ تحت سيطرة الأسرة؛ يُبني قيمه ويصدّرها للمجتمع الأكبر، كاعتبارهنّ رموزًا للشرف. لذا، من العادل أن تتمرد النساء على نظام اجتماعي قامع، خاصة لو صاحَبه عنف نفسي و/أو جنسي وجسدي.
النسويات ضد الزواج
للنسوية وجهة نظر في منظومة الزواج كمنظومة اجتماعية وكشكل وحيد مقبول لممارسة الأُفراد للجنس وللإنجاب. النسوية لا تُعادي الزواج كممارسة، قدر ما أنها تُفكك البُنى الاجتماعية حوله وداخله كمفهوم. بعض مدارس النسوية تراه محاولة أبوية لتحجيم جنسانية الأفراد، وبعضها تراه منظومة اقتصادية سياسية في المقام الأول، وبعضها تجمع الاثنتين. هل يعني ذلك أن النسويات تدعو النساء لعدم الزواج؟ لا؛ فالنسوية بمختلف مدارسها وتوجهاتها، تُدرك مدى هيمنة نظام الزواج، ولا تطلب من جميع النساء أن تأخذنّ نفس الموقف من شيء ما سواء كان الزواج أو غيره. هناك نسويات متزوجات. ونسويات غير متزوجات. الزواج رغم النقد النسوي هو اختيار الأفراد المقبلين/ات عليه فقط، ولا ينتقص من نسوية إحداهنّ أنها متزوجة، ولا تزداد نسوية أخرى لأنها غير متزوجة.
النسوية ضد ربّات البيوت
العمل وفقًا للنظرية الماركسية هو “كل فعل مُنتج ساهم بشكل مباشر في تراكم رأس المال.” عنى كارل ماركس بهذا عمل الرجال في المصانع. انتقدت النسويات الماركسيات هذا التعامي عن أدوار النساء داخل نظام العائلة والذي ساهم في تراكم رأس المال بطريقة غير مباشرة. كيف؟ في بداية بزوغ الرأسمالية كنظام اقتصادي، كان الرجال الفئة المستهدفة من العمل في المصانع. سُميّ أجر الرجال آنذاك بأجر العائلة- متضمنًا إعالة العامل وعائلته، بما في ذلك الأطفال، كبار السن، والنساء، بوصفهم فئات “غير منتجة”. لكن أدوار النساء الاجتماعية داخل الأسرة، بالأخص الإنجاب وأفعالهنّ الرعائية، اعتبرتها النسويات مساهمات غير مباشرة في تراكم رأس المال. عمل العامل خارج المنزل، يتطلب عمل آخر داخله. إما يخدم نفسه بنفسه فلا يقدر على المداومة في اليوم التالي بكفاءة. أو، يعتمد على أفراد آخرين من العائلة- النساء. هذا العمل يُسمى بالعمل المنزلي غير مدفوع الأجر. يصبح العمل داخل المنزل مساوٍ للعمل خارجه: كلاهما يُساهم في الإنتاج. لكن الأول مرئي ومقدّر اجتماعيًا والثاني لا. حتى في سنوات الرأسمالية المتأخرة، عندما ظهرت الحاجة إلى أيدي عاملة نسائية، كانت الأفعال الرعائية داخل الأسرة مسؤوليتهن. نتيجة لذلك، تعمل النساء وظيفة خارج المنزل، وأخرى داخله. تعتبر النسوية العمل المنزلي عملًا بدوام كامل، بلا إجازات وبلا معاش، وتدافع عنه لأنه غير مُعترف به اجتماعيًا كـ”عمل.”
النسويات مثليات الجنس
النسوية تدعم كل الميول الجنسية والهويات الاجتماعية غير السائدة. وليس صحيحًا أن جميع النسويات مثليات أو مزدوجات الميول الجنسية. هناك نسويات مُغايرات –يفضّلن الرجال جنسيًا، ولا يقلل ذلك من نسويتهن. تدعم النسوية مجموعات وأفراد مثليات/ي الجنس، العابرات/ين جندريًا، مزدوجات/ي الميول أو الهويات الجندرية، والأفراد غير المنصاعين لثنائية الهويات الاجتماعية، أي لا يصنفون/يصنفن أنفسهن/م رجالًا أو نساءًا. على مر التاريخ، تعرضت هذه الفئات للاضطهاد والتهميش، ومازلن/مازالوا يتعرضن/ون للعنف لو أعلن/وا عن ميولهن/م وهوياتهن/م الاجتماعية. النسوية تدعم حق الأُفراد في تقرير مصائرهن/م وكل ما يخص أجسامهن/م وهوياتهن/ الاجتماعية، طالما كانت تلك القرارات شخصية ولا تُفرض على أخريات/آخرين. والفرض هنا لا يعني الشعور بالاستفزاز لأن شخصًا ما لا يصنف نفسه رجل ولا تصنف نفسها امرأة، أو أنهم مثليين/ات، ولكن معناه الوحيد هو الإجبار واستخدام القوّة.
تُتهم النسوية بأنها حركة غربية أتت مع الاستعمار، وتهدف إلى تفتيت الثقافة المحلية للبلدان العربية. يمحو هذا الاتهام بالتغريب مجهود نسويات من بلدان عربية، ساهمنّ في تأسيس حركات نسائية/نسوية في بلدانهن
النسويات تكره الرجال
عبر التاريخ، كان الرجال أداة تنفيذ النظم الأبوية بإرساء مفاهيم مثل “الرجولة” المرتبطة تعريفيًا بالعنف والسيطرة على النساء، وتمكينهم من ذلك بالقوانين والأعراف. فالنسوية كما تدعم النساء، تدعم رجال تظلمهم المنظومة الأبوية وتسحق فرديتهم لصالحها. فمثلًا، هناك متطلبات اجتماعية لكي ينطبق مفهوم “رجل” على شخص ما، وليحصل على قبول مجتمعي ولا يتم نبذه وإقصاؤه ونزع صفة الرجولة عنه. منها الإعالة، وعدم التعبير عن المشاعر، ومنها الميول الجنسية، ومنها إحكام السيطرة على نساء الأسرة، ومنها الطبقة الاجتماعية. النسوية تصف صفقة الأبوية مع الرجال بأنها صفقة غير عادلة، تعطيهم امتيازات، وتدحض انسانيتهم وفرديتهم في المقابل. تجمع النسوية بين التضامن مع رجال باعتبارهم ضحايا لمنظومة عنيفة مثل الأبوية، وفي نفس الوقت تُساءلهم إن مارسوا انتهاكًا؛ لأن وجود الرجال كوسيلة تحقق للأبوية، لا يعفي أي شخص من مسؤولية ارتكاب عنف بنفسه وبشخصه.
النسوية “موضة” حديثة مستوردة من الغرب
تُتهم النسوية بأنها حركة غربية أتت مع الاستعمار، وتهدف إلى تفتيت الثقافة المحلية للبلدان العربية. يمحو هذا الاتهام بالتغريب مجهود نسويات من بلدان عربية، ساهمنّ في تأسيس حركات نسائية/نسوية في بلدانهن. تبدأ في مصر بما وصلنا من كتابات عائشة التيمورية بنهاية القرن التاسع عشر، مع أنشطة نسويات القرن العشرين ودعواتهنّ للحق في التعليم ومشاركتهنّ ضد المستعمر وتأسيسهن للاتحاد النسائي المصري 1923. وفي سوريا، مع نازك العابد إحدى النسويات المدافعات عن حقوق النساء والناشطات ضد الاستعمار. وفي لبنان، أسست هند نوفل أول مجلة نسائية في المنطقة العربية. أما أول جمعية نسائية في الخليج فكانت “نهضة فتاة البحرين” والتي امتدت للكويت أيضًا في منتصف القرن العشرين. مثلت التسعينات، بداية الحراك النسوي في السعودية بقيادة 47 امرأة للسيارة قبل اعتقالهن ومنعهن وذويهنّ من السفر، ثم انطلقت دعوات النسويات للمشاركة في الانتخابات بالتصويت والترشح عام 2011 ثم دعوات إسقاط الولاية على مواقع التواصل. في المغرب، بدأ الحراك النسوي في الأربعينات مرتبطًا بالعمل الحزبي مع مجموعة “أخوات الصفا” حتى استقلت المجموعات النسوية عن الأحزاب في بداية الثمانينات. هناك مساهمات أخرى من نساء لم يحالفهن الحظ بكتابة أسماءهن في التاريخ، ولهن كل التقدير.
النسوية حركة سياسية-اجتماعية. فلو نظرنا مرة أخرى لتاريخ الحراكات النسوية في المنطقة، لوجدنا أنها ازدهرت في لحظات سياسية هامة ولعبت أدوارًا فارقة فيها، بداية من مقاومة الاستعمار إلى ما بعد الاستقلال. ثم ازدهرت مرة أخرى في خضم الثورات العربية وتنوعت خطاباتها التي اقتحمتها الناشطات النسويات غير المنتميات للمنظمات النسوية. النسوية حراك سياسي-تاريخي لا يُمكننا إغفال مراحله.
النسويات قبيحات ومسترجلات
أغلب النسويات لا يؤمنّ بما يُسمى معايير الجمال. فتلك المعايير متغيرة وفقًا لعوامل أهمها السوق التجارية والخطابات المنتشرة حول النساء وأجسامهنّ. لا تعني النسويات بكونهن جميلات أو قبيحات بهذه المعايير، ويعتبرنها اختيارات شخصية. مَن قررت اتباعها لها كامل الحق. مَن قررت العزوف عنها، لها كامل الحق أيضًا. كما أن لفظ “مسترجلات” هزليّ؛ لأن النسوية تنتقد الأدوار والهويات الاجتماعية وعلاقات القوة التي تنشأ بناء عليها، ومن بينها اعتبار سلوكيات معينة “رجالية” وأخرى سلوكيات “نسائية.” النسوية هي نقد هذه القوالب والتنميطات المفروضة على الأُشخاص بسبب هوياتهن/م الاجتماعية المُحددة سلفًا. النسوية لا تحصر سلوكيات على مجموعة أشخاص دون غيرهم، ثم وصمهم ونبذهم إن خرجوا عنها.
النسويات غاضبات بلا سبب
غضب النسويات غضب مُستحق ومبني على حقائق تاريخية. الوعي الذي يتكون لدينا كنساء ويدفعنا دفعًا للإيمان بقيم ومبادئ النسوية، آتٍ من حقيقة أننا رأينا وشهدنا أوضاع النساء بأنفسنا. اختبرنا بعضها وعرفنا بعضها من نساء أخريات. نحن غاضبات لأسباب عدة، أولها أننا نسمع طيلة الوقت أننا غاضبات بلا داعٍ، مُبالغات، متطرفات، وغير مستقرات عقليًا. نتعرض دائمًا للتكذيب، وللهجوم، ويعتبرنا البعض مادة سهلة للتنمر. نعرف نساء قُتلت. أخريات خلف القضبان، وغيرهن يتعرضن للعنف الجسدي. نتعرض يوميًا للعنف الجنسي. نختبره أكثر من مرة في اليوم. هل ذلك سببًا كافيًا للغضب؟ في رأيي نعم. ليس لأنني نسوية فحسب، ولكن لأن كل ما تتعرض له النساء وكل ما تقاومه النساء في معارك على بديهيات يبني لدى النساء وعيًا متراكمًا بأوضاعهن الاجتماعية-السياسية. هذه المعارك تقول شيئًا عن واقع تحياه النسويات عبارة عن مجموعة من الوقائع العنيفة والنقاشات المستفزة وأفراد منتظرين منّا أن نبسط لهم/ن مفهوم النسوية. الغضب هو وقود النسوية. الغضب هو دافعنا الأساسي للتضامن كوسيلة بقاء ونجاة وسط إنكار مستمر لسوء أوضاع النساء.