GettyImages-1232816756

Photo by MAHMOUD KHATAB/AFP via Getty Images

صحة نفسية

كيف نتعامل مع الأطفال في ظل الحرب القائمة في غزة والأحداث في فلسطين

لا يجب أن يتظاهر الوالدين بعدم الخوف أو الابتهاج بهدف عدم ترويع الطفل

لم تكن إسراء عادل، 27 عاماً، تعلم أن قرارها البسيط الذي اتخذته بأن تقضي إجازة عيد الفطر في مدينة غزة برفقة طفلها يزن سيكون من أكثر القرارات تهوراً في حياتها، حيث بدأ القصف الإسرائيلي على القطاع بعد يومين فقط من وصولها من محل إقامتها في تركيا إلى هناك. وجدت إسراء نفسها مع طفلها أمام واقع خطير ومخيف لم يخطر ببالها، ولم تكن هي أو طفلها جاهزين له على الإطلاق. بدلاً من أن يتعرف يزن، 4 سنوات، على المدينة التي ينحدر منها، وعلى عائلته الممتدة كما خططت له والدته، وجد نفسه يتعرف على أصوات القصف والانفجارات.

إعلان

غادرت إسراء القطاع المحاصر قبل أكثر من خمس سنوات عندما كانت حامل بطفلها يزن، ومنذ ذلك الوقت لم تتمكن من العودة لغزة. كانت دائماً تشعر أنها تريد لطفلها أن يكون جزءاً من عائلتها ومدينتها، فخططت لهذه الزيارة منذ زمن بعيد، وعندما قررت السلطات المصرية فتح معبر رفح البري بشكل دائم قبل عدة أشهر، اعتقدت إسراء أن الوقت قد حان، وأنه لم يعد هناك أي مانع للزيارة، ولكن يبدو أن الحياة في قطاع غزة لا تخضع لأي رهانات.

إسراء والتي تقضي إجازة العيد حالياً في منزل عائلتها بينما بقى زوجها في تركيا لدواعي العمل، وجدت نفسها مطالبةً بأن تشرح لطفلها ماهية هذه الأصوات، وأن تهدىء من روعه بينما هي خائفة على حياتها وحياة أحبابها حالها كحال أكثر من مليوني مواطن في القطاع المحاصر: "ابني خائفٌ جداً، ولكنه يعتقد أن هذه مجرد ألعاب نارية كما أخبرته، كلمّا سمعنا صوت انفجار، نصرخ في البيت متظاهرين بالفرح بالألعاب النارية المزعومة."

تقول إسراء أن الوقت الأصعب عليها هو وقت الليل، حيث أصبح يزن لا ينام إلا بجانبها، رغم أنه كان ينام وحده عندما كان في تركيا. تشعر إسراء، التي عاشت أكثر من حرب دموية في غزة، أنها تحتاج أن تتعامل مع خوف إبنها وقلقه: "على الرغم أنني أشعر بالندم الشديد أنني هنا اليوم، لكنني أرفض أن أغادر قطاع غزة رغم إصرار زوجي أن أغادر قبل انتهاء التصعيد. أريد أن يقضي يزن أوقاتاً سعيدة ويخزن ذكريات جميلة هنا، وأن لا تقتصر ذكرياته على الخوف والقصف وأصوات الانفجارات."

وقد وصل عدد الضحايا في الحرب على غزة إلى ٢٠٠ شخصاً بينهم ٥٧ طفلاً. ويقول السكان الذين قضوا حياتهم في الحروب أن هذا التصعيد هو الأعنف منذ انتهاء حرب عام 2014، التي استمرت 51 يومًا وخلفت أكثر من 2،000 قتيل و10 آلاف جريح.

إعلان

وقد لقي 11 من أصل 60 طفلاً حتفهم نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي على قطاع غزة كانوا يشاركون في برنامج يهدف إلى مساعدتهم على التعامل مع الآثار النفسية الناجمة عن الحروب التي يعيشونها حسبما قالت الوكالة التي أطلقت البرنامج. وقال مجلس اللاجئين النرويجي إن الأطفال لقوا حتفهم في منازلهم الواقعة بمناطق مأهولة ومكتظة بالسكان، وقُتل وأُصيب عدد من أقربائهم، وتتراوح أعمار جميع الأطفال بين 5 و15 عامًا.

ارتفاع عدد القتلى من الأطفال في الحرب الحالية، يقابله أضرار نفسية شديدة على الأطفال الذين يعيشون رعب هذه الحرب سواء في داخل غزة أو في غيرها من المدن الفلسطينية بسبب عدم فهمهم لسبب هذا التحول المفاجىء من الأمان إلى الخطر. وقد أظهرت الكثير من الفيديوهات على وسائل التواصل الرعب الذي يعيشه الأطفال خلال الغارات والقصف الإسرائيلي، ومحاولة الأهل التخفيف عنهم واظهار ثبات انفعالي أمام أطفالهم لعدم زيادة حالة الهلع في المنزل، على الرغم من شعور الأهل أنفسهم بالخوف.

"لا يجب أن يتظاهر الوالدين بعدم الخوف أو الابتهاج بهدف عدم ترويع الطفل، التعبير عن المشاعر للبالغ والطفل مهم، ولكن بدون إظهار خوف مبالغ فيه لأن هذا يخيف الطفل الذي يعتبر والديه مصدر الأمان،"  تقول الأخصائية النفسية ياسمين غانم، من مؤسسة النداء الفلسطيني الموحد للصحة النفسية في مقابلة مع VICE عربية. وتضيف أن مسؤولية الأهل تكمن في عدم زيادة العنف حول الطفل عن طريق تعريضه لفيديوهات العنف والتدمير على الشاشات سواء الهاتف أو التلفزيون.

إعلان

تؤكد ياسمين على أنه "يجب على الأهل أن يقوموا بشرح ما يحدث للطفل حسب الفئة العمرية له دون الدخول تفاصيل، وإخباره أن مشاعر الخوف طبيعية وأن الجميع يشعر بها وأنهم سيبقون بجانبه لحمايته. من المهم كذلك تكثيف الوقت الذي يقضيه الأهل مع الطفل والقيام ببعض الأنشطة مثل قراءة القصص وسماع الموسيقى والنوم بجانبهم إن طلبوا قد يكون أداة ممتازة لتشتيت انتباه الطفل عن ما يحدث خارجاً."

تقول غانم أنه في حال تعرض الطفل عن طريق الخطأ لرؤية مشاهد قاسية لجثث أطفال، فإنه يتوجب على الأهل التعامل بشكل عاجل وعدم تجاهل الأمر، لأن الطفل سيكون لديه الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، وعلى الأهل أن يكونوا هم مصدر هذه الإجابات: "يجب على الأهل أن يسمعوا من الطفل أسئلته قبل أن يقوموا بتقديم معلومات استباقية قد لا يكون لدى الطفل أي معرفة مسبقة عنها، ومن المهم تقديم شرح مبسط بدون تقديم تفاصيل مرعبة." 

نعلم أنه من الصعب القيام بهذه الخطوات في ظل القصف الإسرائيلي المستمر واضطرار الأهالي لترك منازلهم سواء بسبب قصفها أو هرباً من قصف قريب. كثير من العائلات لا تجد مأوى لها، فلا يوجد أي ملاجئ في غزة، وبسبب صغر مساحة القطاع فلا يوجد أي مكان آمن كذلك من القصف الجوي، ويضطر كثيرين للبقاء في الشوارع أو النزوح لمدارس الأونروا -وإن كانت إسرائيل قد قصفت هذه المدارس سابقاً.

ترك المنزل يعني فقدان الأمان، ولهذا على الأهل محاولة تعويض الشعور بعدم الأمان من خلال توضيح ما يحدث، مثلاً إخبارهم بأنهم اضطروا لترك المنزل لحمايتهم، ولكن على الأهل عدم تقديم وعودًا غير واقعية. لا بأس في إخبار الأطفال بأنهم بأمان الآن. لكن لا يمكنك أن تعد الأطفال بأنه لن تكون هناك حرب أو أن لا أحد سيتأذى، كما يشير خبراء. كما قد يضطر الأهل لتكرار المعلومات والتفسيرات عدة مرات، فقد يكون طرح نفس السؤال مرارًا وتكرارًا طريقة للطفل للشعور بالطمأنينة. ودعهم يعرفون أنك تعتقد أن جميع أسئلتهم ومخاوفهم مهمة. وينصح كذلك بمساعدة الأطفال على إيجاد طرق للتعبير عن أنفسهم، سواء بالتحدث عن أفكارهم أو مشاعرهم أو مخاوفهم، في الرسم أو اللعب.

إعلان

من المهم التركيز على الأطفال الذين عانوا من الصدمات خلال الأحداث أو الحروب السابقة، حيث يحتاج هؤلاء الأطفال إلى مزيد من الدعم والاهتمام. يعبر العديد من الأطفال عن قلقهم من خلال الآلام والأوجاع الجسدية. قد تكون مثل هذه الأعراض دون سبب طبي واضح علامة على أن الطفل يشعر بالقلق أو الخوف أو الصدمة النفسية.

نشرت الصحفية بيسان شرافي، صورة لأطفالها بيسان وكنان وهم نيام بينما يضعون أيديهم على آذانهم في محاولة منهم لصمّها عن أصوات الانفجارات. تقول بيسان أنها تتعامل مع أطفالها حسب أعمارهم، فبالنسبة لابنتها الكبرى والتي تبلغ من العمر سبع سنوات، اختارت بيسان الأم أن تشرح لبيسان الطفلة ما يجري بعبارات بسيطة: "أخبر طفلتي حقيقة ما يحصل. بالنسبة لكنان والذي لم يتجاوز الثالثة من عمره، أجد صعوبة كبيرة في التعامل ولا أعلم ما أقوله، ولا أفضّل أن أخدعه وإخباره مثلاً أن هذه الأصوات ناجمة عن عواصف رعدية أو ألعاب نارية، لأنه سيشعر أن هذه تفسيرات غير منطقية."

في هذا الصدد، تؤكد الأخصائية غانم أن خداع الطفل بأن هذه الأصوات غير مخيفة وأنها ناتجة عن رعد أو مفرقعات غير مفيد على الإطلاق، ذلك لأن الأطفال ليسوا أغبياءً، وأنهم سيشعرون مع الوقت أنه تم خداعهم: "إذا أخبرنا الطفل أن هذه عواصف رعدية ومرّت الأيام ولم تمطر، سيتأكد أن هناك من يخدعه، فيشعر بالخذلان. الأسلم أن نبسط المفاهيم له حسب عمره."

وبالنسبة للصحة النفسية للوالدين، تقول غانم أنه يجب على الأهل الانتباه لأنفسهم حتى لا يتسلل لهم شعور ألفة الموت وفقدان التعاطف: "يتعلم الطفل كل شيء من أهله، فإذا رأى أهله لا يخافون ولا يحزنون فسيشكّل هذا حالة من القسوة لديه."

إعلان

تعيش سارة نوفل، 27 عاماً، أصعب أيام حياتها على حد تعبيرها، ذلك لأنها تقول أن الحرب على غزة هي الأعنف على الإطلاق، ولأنه الأول الذي يمر عليها بينما هي أم لطفل يبلغ من العمر أربعة عشر شهراً إسمه محمد. تقول سارة أنها تشعر بالخوف طوال الوقت، لكنها قررت أن تتجاهل مشاعرها وأن تكون أقوى من أجل طفلها: "في أول ضربة جوية عنيفة، ارتبكت وشعرت بالخوف فأدركت أن طفلي وصله شعوري فشعر بنفس الخوف، وهنا قررت أن أتغلب على نفسي، وأن لا أكون السبب في ضياع طفلي مني وتدهور صحته النفسية، لن أجعله يرى أمه ضعيفة."

تقول سارة أن سلوك طفلها تغير بوضوح منذ بدء الحرب في غزة، فلم يعد يأكل بنفس الشهية، ولم يعد ينام في سريره الخاص، وأصبح ينام بوضعيات جديدة لم يعتد عليها من قبل: "أخبرته أننا سنقوم بالتلويح لكل صاروخ يسقط وكأنه طائرة، بعد أربعة أيام نظرت إليه وجدته يلوح من النافذة للصواريخ المتساقطة، شعرت بالحزن والسعادة معاً، السعادة أنه تعلم بسرعة، والحزن لأنه تعلم بهذه الطريقة."مع استمرار القصف وزيادة حدته وارتفاع عدد القتلى، تخاف سارة من ما ينتظرها: "أخاف كثيراً على حياتي وعلى من سيقوم برعاية محمد من بعدي."

بالنسبة لعلا أحمد، ٢٣ عاماً، إمرأة عزباء بدون أطفال، فقد شكّل اليومان الماضيان علامة فارقة في حياتها، فأصبحت علا التي لطالما حلمت بالأمومة تفكر إذا ما كان الإنجاب فعل أناني أو لا، خاصة بعد أن رأت العشرات من تجارب الأمهات القاسية على مواقع التواصل الاجتماعي وهن يحاولن التخفيف من وطأة خوف أولادهن.

 فكّرت علا بمصير الأطفال التي ستنجبهم، وكيف ستكون حياتهم في مكان غير آمن مثل قطاع غزة، وكيف ستحميهم من خطر لا تستطيع هي حماية نفسها منه: "لطالما حلمت بالأمومة، حتى أنني اخترت إسماً لابنتي الاولى ..سلمى، وكنت أخطط لحياة سعيدة لي ولها، ولكن بالأمس وبعد أكثر من عشرين دقيقة من القصف المتواصل، سألت نفسي اذا ما كنت أريد فعلاً أن أنجب طفلة تعيش كل هذا الخوف معي."

إعلان

نصائح للتحدث مع الأطفال عن الحرب:

-تجنب مناقشة أو التعرض لأخبار مروعة. قدر الإمكان، انتظر حتى ينام الأطفال لمشاهدة الأخبار.

-أكد أن عائلتك آمنة. من المهم للأطفال الصغار أن يعرفوا أنهم آمنون وعائلاتهم بخير. العناق يصنع المعجزات أيضًا.

-تبسيط الأفكار المعقدة. استخدم المصطلحات والمراجع المألوفة التي يفهمها طفلك وحاول ألا تبالغ في الشرح. 

-إذا كان لديك ابن أو ابنة في فترة المراهقة، كن صريحًا ومباشرًا. يمكن للمراهقين معرفة ما يريدون معرفته من مصادر مختلفة، لهذا ناقش ما يحدث في الأخبار ووسائل الإعلام. اشرح السياق، واملأ الفراغات. من المهم للأطفال أن يكونوا قادرين على فهم الأشياء السلبية وغير السارة أيضًا. 

بالاستجابة للأحداث في غزة، قدم موقع ماما نت الفلسطيني خدمة الخط الآمن للدعم النفسي من أجل الأمهات والأطفال ويمكن الإطلاع على الخدمات المتوفرة هنا. كما قدم حساب علمتني كنز على مواقع التواصل الإجتماعي والمختص بتربية الطفل فيديوهات تخص التعامل مع الأطفال وقت الحروب.

كما تم إطلاق مبادرة نفسانيون لأجل فلسطين. وتضم المبادرة أكثر من ٨٠ مختص نفسي من كافة أنحاء الأردن وهم مستعدون لتقديم الدعم النفسي مجاناً، كما سيتم توفير جلسات دعم نفسي فردية وجماعية من قبل متخصصين في الإرشاد النفسي.

187516818_1203994256701863_7903741396162029268_n.jpeg